هي ذكريات من الزمن الجميل الذي احتضن فيه درب السلطان أبناءه المشاهير، عشاق الكرة ( الأب جيكو، بيتشو، الظلمي، الحداوي، اسحيتة، بتي عمر، الحمراوي...) وهي الذكريات التي أهدى فيها هذا الحي الشعبي الفقير أجمل الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية التي أبدعها في زمن بيضاوي جميل أبناء من تاريخ عصفور، ثريا جبران، عبد العظيم الشناوي، محمد التسولي، عبد القادر مطاع، سعاد صابر، مصطفى الزعري، الحاجة الحمداوية، مصطفى الداسوكين، عبد القادر وعبد الرزاق البدوي، عبد اللطيف هلال، مصطفى التومي، عائد موهوب، أحمد الصعري، الشعيبية العدراوي... هو درب السلطان الحي الذي احتضن طفولة عبد اللطيف السملالي وسعيد السعدي الوزير الأسبق للأسرة والتضامن...، ومنح للتاريخ مناضلين يشهد شارع الفداء الشهير على تضحياتهم. في درب السلطان تربى الإبن على عشق الخشبة، وتعلق بها إلى حد التماهي، وحلم أن يتحول عشق السينما إلى حقيقة. في هذا الحي تربى الفنان الكبير عائد موهوب على أن يحترم الذات وأن يكون الإبداع المبتغى في الأول والأخير في حياته. بين أصدقائه وخلانه يُعرَف الرجل بالعفة والنخوة والحذر في اختيار الأدوار، ولو كان ذلك على حساب لقمة العيش التي تكون في بعض الأحيان صعبة المنال. «لو تسألني عن درب السلطان، فهو الفضاء الذي اختزن فيه ذكرياتي وطفولتي، في هذا الحي عرفت معنى الفن والثقافة، وتربيت على يد أسماء كبيرة، هناك عرفت محمد عصفور، الحاج فنان، محمد الركاب، عبد الرحمن الخياط، مصطفى الخياط، عبد الرزاق البدوي... بتذكر هذه الأسماء، أتذكر اللحظات الجنينية لتشكل السينما المغربية. في هذه اللحظات تقوى في دواخلي عشق السينما والتعلق بالمسرح، وهو التعلق الذي سيتكرس سنة 1945 وأنا طفل صغير أبلغ من العمر15 سنة، من خلال المشاركة في الحفلات المدرسية السنوية، وتشكل سنة 1946 سنة مهمة في حياتي الفنية، إذ أسسنا فرقة «نجوم الأطلس»، وكانت تضم العديد من الأسماء التي نسيتُ بعضها، وأتذكر رئيسها محمد بلحسين الذي كان يشتغل في المجلس الأعلى للقضاء. أسسنا هذه الفرقة بدرب السلطان، وكان ذلك بزنقة «سميرس» (كاريان كارلوطي) قرب قيسارية «الحفاري» الشهيرة. مع هذه الفرقة المسرحية شاركت في العديد من المسرحيات التي كانت قصصها تتعلق في الغالب بالقضايا المجتمعية (الانتقام، العقاب...)، وبعد ذلك خضنا تجربة الأعمال العالمية وقدمنا إحدى المسرحيات للإذاعة في زمن عبد الله شقرون. «في هذه الفترة بدأت أكتشف وأجرب في مجال الكتابة والإخراج، قبل أن تنطلق تجربة الأستاذين أندري فوازان وشارل نيك، هذه التجربة المسرحية الخاصة رافقتها ظروف عائلية خاصة»، يقول الفنان عائد موهوب في تصريح ل«المساء». ويواصل عائد موهوب رحلة بوحه، قائلا: «بحكم انتمائي إلى عائلة فقيرة جدا، كان علي في تلك الفترة أن أشتغل في شركة للنجارة لمساعدة والدي، وبالموازاة مع ذلك كنت أحرص كلما أتيحت لي الفرصة على الالتحاق بحلقات فوزان ونيك اللذين جاءا خصيصا لتأسيس فرقة مسرحية في المغرب، وكانا يعطيان الدروس في «براكة» تضم 250 شخصا ابتداء من الساعة الخامسة. وللحضور كان علي أن أخرج من العمل ساعة قبل الوقت المحدد، وهذا ما خلق لي مشاكل مع إدارة الشركة التي خيرتني بين العمل والمسرح، فاخترت المسرح. في هذه الفترة (1948، 1949، 1950) كان عبد الله شقرون يترجم النصوص وكانت هناك نواة مسرحية بدأت تتشكل وتضم كلا من العلج، الصديقي، أحمد العلوي، محمد سعيد عفيفي، فاطمة الركراكي، البشير لعلج، العربي اليعقوبي، وتحولت في الفترة ذاتها فيلا ببوركون كانت للكلاوي إلى فضاء للمسرحيين الشباب وسميت بدار المسرح، هذا الفضاء احتضن الروائع المسرحية. «وبعد هذه الفترة اشتغلت رفقة الصديقي، الطيب لعلج، الكنفاوي، في «عمايل جحا» و«الشطابا»، وكنا نعرض هذه الأعمال في سنة 1951 بين درب السلطان والمسرح البلدي، مع الإشارة إلى أننا كنا نادرا ما نتسلم الأجور، وفي سنة 1953 توقفنا بعد الاعتداء على العرش. وفي سنة 1957 قرر الاتحاد المغربي للشغل الذي كان يضم العديد من الأسماء الشهيرة إنشاء مسرح عمالي، وفي تلك الفترة كان سعيد الصديقي يشغل منصب مدير ديوان عبد الله ابراهيم، وتقرر أن يؤسس المسرح الذي كان يضم في عضويته كلا من صديق الصديقي، حسن الصقلي، لطيفة الصقلي، عائد موهوب، الحداني، الكردودي، بن جلون، المهدي الخبيلي، الطيب الصديقي... وبعد ذلك التحق محمد الخلفي ابن درب بوشنتوف بالفرقة)، وكانت مسرحية «الوريث» أول مسرحية تلتها مسرحية «بين يوم وليلة» لتوفيق الحكيم، إلا أن ظروفا لا داعي لذكرها حكمت على هذه التجربة بالفشل، لينطلق مسار مسرحي رفقة الفرقة الوطنية للمسرح الذي فتح لي آفاقا مسرحية وتلفزيونية». ولعائد موهوب ذكريات أخرى مع درب السلطان، يقول عنها الفنان: «من الذكريات التي لم تفارقني إنزال قوات «ساليغان» في المغرب، إذ بدأ قمع المقاومة بشكل وحشي، وأتذكر أن أحد الجنود السينغاليين التابعين للقوات الفرنسية صوب رصاصة اتجاه طفل صغير أصابته، فرأيت مخه يتطاير في السماء، ومن وقع الصدمة لم أتحرك من مكاني، والحمد لله أنهم لم يشاهدوني، هذا مشهد مؤلم، من ذكريات درب السلطان أنني كنت أسكن بالقرب من الحاج العربي بنبمارك في درب السلطان ولي ذكريات خاصة معه. في هذا الحي أتذكر علاقتي بمحمد الحبشي وظريف، وأتذكر محطتي مع عبد العظيم الشناوي، وأتذكر ذكرياتي مع سعاد صابر التي كنت أحتضنها وأحميها ومع محمد الركاب وحسن الصقلي الذي كان يسكن في درب الكبير. في هذا الحي عشت الذكريات الكثيرة وتعلمت عن أناس عشق وحب الفن والنظر إليه كقيمة فنية تتجاوز الجوانب المادية».