هي ذكريات من الزمن الجميل الذي احتضن فيه درب السلطان أبناءه المشاهير، عشاق الكرة ( الأب جيكو، بيتشو، الظلمي، الحداوي، اسحيتة، بتي عمر، الحمراوي...) وهي الذكريات التي أهدى فيها هذا الحي الشعبي الفقير أجمل الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية التي أبدعها في زمن بيضاوي جميل أبناء من تاريخ عصفور، ثريا جبران، عبد العظيم الشناوي، محمد التسولي، عبد القادر مطاع، سعاد صابر، مصطفى الزعري،الحاجة الحمداوية، مصطفى الداسوكين، عبد القادر وعبد الرزاق البدوي، عبد اللطيف هلال، مصطفى التومي، عائد موهوب، أحمد الصعري، الشعيبية العضراوي... هو درب السلطان الحي الذي احتضن طفولة عبد اللطيف السملالي وسعيد السعدي الوزير السابق للأسرة والتضامن...، ومنح للتاريخ مناضلين يشهد شارع الفداء الشهير على تضحياتهم. في أزقة درب السلطان الفقير، داعب الطفل البيضاوي محمد حوراني أقرانه، هناك اكتشف الحياة وطعم العيش بين أناس بسطاء يكدون ليعيشوا وليواصلوا الحياة بالأمل في الغد رغم قساوة الزمن وغدره. في هذا الحي الذي أنجب الأسماء الكبيرة، تعلم الفتى كيف يعشق سحر «بن امبارك» ووهج الظاهرة الغيوانية، وتعلم كيف يحيا في «درب الفقراء»، درب محمد الطوزي، حسن رشيق، اسحيتة... عن درب السلطان يبوح محمد حوراني رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب ل«المساء» بأسرار خاصة يقول فيها: «في هذا الحي عشت محطاتي التعليمية الابتدائية والإعدادية والثانوية (مدرسة الفداء، إعدادية المقاطعة السادسة، ثانوية مولاي عبد الله)، وفي هذا الحي اتخذت قرارات حاسمة، من بينها أنني قررت أن أعيش رفقة عمي الذي انتقل إلى منزل آخر، وعمري لم يتجاوز ست سنوات، الغريب أنني اتخذت القرار ضدا على رغبة والدي رحمه الله في مرحلة طفولية، ولا أدري كيف تم ذلك، ولا أدري كيف استطعت أن أفرض إرادتي على العائلة، هذا القرار لا يعني مغادرة درب السلطان، إذ انتقلت إلى زنقة ب«بوشنتوف «وأعتقد أن الرقم كان 104. وأتذكر أن والدي كان يريدني أن أعود، لأنني كنت الأكبر، وكان يحبني كثيرا، ولكن جدتي كانت دائما تقنعه بأن أخاه ليس لديه أبناء، ويجب أن يتركني أعيش معه. ومرت سنوات، قبل أن نعود إلى الزنقة 12 في درب الفقراء من جديد، لكن الوالدين كانا قد انتقلا من الحي بعدما هدمت الدار التي كنا نكتريها». «في هذا الحي أتذكر الجوهرة السوداء اللاعب الكبير الراحل العربي بن مبارك الذي كان يلعب في ملعب الفداء (لاجونيس)، ومن حسن حظي أنه دربني رفقة العديد من الأطفال وعلمنا كيفية مداعبة الكرة، هذا اللقاء مكنني من اكتشاف الموهبة الكبيرة لهذا اللاعب الاستثنائي، «في الحقيقة كان كوايري بزاف»، هذا الحي أنجب العديد من الأسماء الكروية الكبيرة، من بينهم عبد الواحد،عبد المجيد اسحيتة، سعيد غاندي، بوشتة صالح الذي كان يتمتع بموهبة خاصة، إذ على الرغم من أنه لعب لمنتخب الشباب، فإنه لم يسطع نجمه بالشكل المنتظر، كما عشت رفقة لاعب كبير اسمه عبد اللطيف العبادي الذي لم يسعفه الحظ ليتحول إلى نجم كبير، ذكريات كرة القدم في هذا الحي كان فضاء «الأرميطاج» شاهدا عليها، إذ هناك سطع نجم عبد المجيد الظلمي وبكار الذي كان ظاهرة في اللعب، ومصطفى بوعودة وغيرهم من الأسماء الأخرى». ويواصل محمد حوراني رحلة النبش في ذكريات درب السلطان، بالقول: «هناك مرحلة أخرى من درب السلطان، هي المرحلة التي ذهبنا فيها إلى الإعدادية، في هذه المحطة الدراسية، يبدأ الطفل في اكتساب ملامح شخصيته، وتبدأ بعض مواقفه تتبلور، ويبدأ الطفل في نسج علاقاته، في تلك الفترة كانوا هناك دراري تيلعبو وتيوقفو في راس الدرب»، في هذه الفترة كان هناك محمد الطوزي، حسن رشيق، فؤاد المهاوتي، محمد المهدي. ومن جميل الذكريات أن أنشئ- تأثرا بالظاهرة الغيوانية- رفقة المهاوتي ورشيق ومحمد المهدي فرقة كنت أعزف فيها على آلة «بانجو»، في فترات طفولية خاصة». ويرسم محمد حوراني في لغته التذكرية صورة للواقع الاجتماعي والاقتصادي في درب السلطان، بالقول: «كان لكل زنقة من أزقة درب الفقراء بدرب السلطان ملمح خاص، الزنقة 26 كانت تعرف بالحرفيين، كان مول الهياضر، السكليس، الخياط الشفناج، موالين الحوانت، وحلاق، ولست أدري هل استوحى مؤلف فيلم «حلاق درب الفقراء» أحداث عمله من هذا النسيج الاقتصادي. وللإشارة فقد كان هناك ناد للسينما يشرف عليه المخرج سعد الشرايبي يسمى النادي السينمائي «العزائم» عشق وطفولة محمد حوراني اسمها درب السلطان، هناك انطلق المسار الأولي الذي استمر إلى غاية سنة 1975 التي قرر فيها رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب حاليا مغادرة هذا الحي الاستثنائي، في إطار تحسين وضعيته العائلية، إلا أن العشق بقي هو العشق ذاته والذكريات ظلت كما هي، وابن درب السلطان ظل وفيا وعاشقا لدرب السلطان.