هي ذكريات من الزمن الجميل الذي احتضن فيه درب السلطان أبناءه المشاهير، عشاق الكرة ( الأب جيكو، بيتشو، الظلمي، الحداوي، اسحيتة، بتي عمر، الحمراوي...) وهي الذكريات التي أهدى فيها هذا الحي الشعبي الفقير أجمل الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية التي أبدعها في زمن بيضاوي جميل أبناء من تاريخ عصفور، ثريا جبران، عبد العظيم الشناوي، محمد التسولي، عبد القادر مطاع، سعاد صابر، مصطفى الزعري،الحاجة الحمداوية، مصطفى الداسوكين، عبد القادر وعبد الرزاق البدوي، عبد اللطيف هلال، مصطفى التومي، عائد موهوب، أحمد الصعري، الشعيبية العضراوي... هو درب السلطان الحي الذي احتضن طفولة عبد اللطيف السملالي وسعيد السعدي الوزير السابق للأسرة والتضامن...، ومنح للتاريخ مناضلين يشهد شارع الفداء الشهير على تضحياتهم. هو البنيني الذي لا تخطئه العين البيضاوية، هو الفتى الذي حلق في زمن الإبداع الرجاوي، عاش النسر الأخضر عاشقا للخضراء يناجيها وتناجيه في لحظات الإمتاع والإبداع، في الخمسينيات عرف البنيني في درب السلطان مشاغبا للكرة، يبحث عنها ليمنحها جزءا من ذاته، هو الأنيق والبسيط والهادئ، هو بين هذا وذاك البنيني الذي تحبه كل أجيال الرجاء البيضاوي. «لي قصة غريبة مع كلمة البنيني، فهذا ليس اسمي الحقيقي، وإنما هو لقب أطلقه علي أخوالي، لأنني كنت- حسب ما تروي عائلتي- أحب نوعا من الشكلاط يسمى«البنيني»، من هنا أطلق علي هذا اللقب الذي اشتهرت به بين أصدقائي في درب السلطان، قبل أن يعرفه الجمهور الرجاوي والمغربي»، يقول البنيني في تصريح ل«المساء». وعن ذكرياته في حي درب السلطان، يقول البنيني: «أنا ابن درب كارلوطي، ومن جميل الصدف أن أول رئيس للرجاء حجي بنابدجي كان يسكن قرب منزلنا، ودرس معي العديد من أفراد عائلته، كما درس معي بهيجة وموسى والزياني في المدرسة الابتدائية، وهذا يعني أن طفولتي كانت مرتبطة بالكرة، وهو الارتباط الذي سيتكرس من خلال ارتيادي لملعب «الوقيد» وملعب مولاي عبد الله والأرميطاج رفقة بيتشو رحمه الله ودحان والمعروفي، وفي أحد الأيام- ورغم أن والدي لا يفهم في كرة القدم ولا يتابعها ولم يسبق أن تابعني- فإن والدي الذي كان صديقا لبهيجة قال سأهديكم هذا اللاعب، وبعد ذلك أخذني بهيجة إلى الرجاء ووقعت معها في سنة 1960، وأتذكر أنه في تلك الفترة أعطوني رفقة بيتشو ودييغو رحمه الله 5 بونات لأخذ الصور والاحتفاظ بالباقي، من هنا بدأ المسار الرياضي الطويل». مسار يقول عنه البنيني: «أتذكر أن أول مقابلة خضتها كانت ضد الوداد وانتصرنا فيها بثلاثة أهداف لصفر، وسجلت في المقابلة هدفين، هذا الحدث شجعني وجعل أبناء درب السلطان والجمهور الرجاوي يتعرف على البنيني، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنني كنت على علاقة جيدة بالجمهور، إذ لم يسبق أن حدث لي شيء غير عادي، بالعكس كان يكن لي كل الاحترام ولا يتردد في تهنئتي في كل انتصار، ومن الطرائف أنني خلال المقابلة التي سجلت فيها الهدفين وانتصرنا فيها منحت يومها تذكرة لصديق ودادي ليتابع المقابلة، وبعد انتهاء المقابلة غضب، وحاول أن يرد على تلك الهزيمة لفريقه، فأقام لنا حفل عشاء وكتب ب«السفة» كلمة «واك واك»، وقال لنا «كلو بالصحة والعافية، راه السفا تتكال من الداخل». وحول اختياره البقاء في فريق الرجاء وتفضيل عدم الهجرة قال البنيني: «لقد عرض علي فريق سانت إيتيان في سنة 1970 مقابلا ماديا مهما بلغ 82 مليون سنتيم، إلا أنني رفضت ذلك، لأنني كنت متعلقا بالفريق الأخضر، ولم يكن واردا بالنسبة إلي أن أغادره أو أغيره، فقد بدأت مساري في الرجاء وأنهيته في هذا الفريق الكبير». ويحكي البنيني عن ذكريات كروية خاصة: «في مقابلة ضد الجزائر انهزمنا في مقابلة الذهاب بثلاثة أهداف لواحد، وحينما استقبلناهم في المغرب، حدث موقف غريب، إذ كنت ألعب في الجناح الأيسر، فغيرني الملك الحسن الثاني إلى الجناح الأيمن وانتصرنا في هذه المقابلة، وأظن أن المقابلة أجريت سنة 1971». بعيدا عن أجواء الكرة، يتحدث البينيني عن علاقات نسجها في هذا الحي، يقول عنها: «كما قلت سابقا كنت على علاقة بعائلة بنابدجي، كما ربطتني علاقة خاصة بمصطفى بيتشو ابن خالتي وصديق العمر الذي كان يسكن أمامي، هنا أعترف أن موته شكل ضربة قاضية وخسارة حقيقية للكرة المغربية وخسارة لي شخصيا، لأنني كنت لا أفارقه، ولو بقي حيا لعرف مساري الرياضي اتجاها آخر، وأتذكر الخطوات التي قمنا بها معا لمساعدة العديد من الأشخاص. في هذا الحي تعرفت على الطيب الصديقي وعبد الهادي أخيه وعلى الحاجة الحمداوية ونعيمة المشرقي وعبد اللطيف هلال والشعبيبة العدراوي.