هي ذكريات من الزمن الجميل الذي احتضن فيه درب السلطان أبناءه المشاهير، عشاق الكرة ( الأب جيكو، بيتشو، الظلمي، الحداوي، اسحيتة، بتي عمر، الحمراوي...) وهي الذكريات التي أهدى فيها هذا الحي الشعبي الفقير أجمل الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية التي أبدعها في زمن بيضاوي جميل أبناء من تاريخ عصفور، ثريا جبران، عبد العظيم الشناوي، محمد التسولي، عبد القادر مطاع، سعاد صابر، مصطفى الزعري، الحاجة الحمداوية، مصطفى الداسوكين، عبد القادر وعبد الرزاق البدوي، عبد اللطيف هلال، مصطفى التومي، عائد موهوب، أحمد الصعري، الشعيبية العدراوي... هو درب السلطان الحي الذي احتضن طفولة عبد اللطيف السملالي وسعيد السعدي الوزير الأسبق للأسرة والتضامن...، ومنح للتاريخ مناضلين يشهد شارع الفداء الشهير على تضحياتهم. للداسوكين حكايات خاصة مع درب السلطان، بين الإثنين حب مشترك، لا تكاد أحاديثه تخلو من النبش في ذكريات هذا الحي الذي احتضن طفولته، ولا يكاد يمر الفنان الذي أمتع في سنوات الثمانينيات بهذا الحي دون أن يستوقفه ابن من أبناء درب السلطان ليسأله عن الحال أو يذكره بلحظة مروره بهذا الحي. عن درب السلطان، يقول مصطفى الداسوكين في تصريح ل«المساء»: «أنا محظوظ أن أولد في درب السلطان، في هذا الحي الشعبي، حينما أعيد شريط الذكريات إلى الخلف، أتذكر أشياء ومظاهر انقرضت، من بينها الجوامع الصغيرة (المسيد). من هذه الفضاءات تخرج علماء وحفظ الأطفال والشباب القرآن، وكان لي الشرف أنني مررت بهذه المحطة، وبالقرب من حي«كارلوطي» هناك العديد من المساجد، من بينها: مسجد المحمدي ومسجد مولاي يوسف. حينما أحاول استرجاع لحظات طفولتي، أتذكر صورة وعنف «ساليغان» في الدارالبيضاء وأتذكر «سنيورة مول المشويطة»، هو رجل متشرد يعيش في السكة الحديدية، كان لدينا «سنيورة» في درب السلطان قبل أن يظهر في لبنان. في هذا الحي العريق اشتهرت العديد من المدارس من بينها: الهدى، الرشاد، المحمدية...». ولدرب السلطان حكايات فنية طويلة يحكي عنها الداسوكين، قائلا: «بدرب السلطان، عرفت معنى الفن والتمثيل، إذ كانت تقدم في حي «كارلوطي» سكيتشات عن المقاومة والخونة، وكنا نتلقى قيم المواطنة من هذه العروض، وكنا في الوقت ذاته نقصد قاعات سينمائية شهيرة (الأطلس، الكواكب، الزهراء، الباهية، شهرزاد...) إلا أن مرحلة تمرسي بالفن بدأت من خلال احتكاكي في المدينة القديمة (درب الصوفي) بفرقة بوشعيب البيضاوي، المفضل الحريزي... رفقة هذه الفرقة «بديت تنتسقا شويا شويا بالتمثيل»، في يوم من الأيام، كان هناك دور احتاج البيضاوي فيه إلى ممثل، فأسند لي الدور، ومع انتهاء تجسيدي صفق الجميع لأدائي. وبعد ذلك التحقت سنة 1964بفرقة «الأخوة العربية» لعبد العظيم الشناوي الذي كان له الفضل في صقل موهبتي الفنية بدرب السلطان. وبعد ثلاث سنوات أي في سنة 1967 انضممت إلى فرقة عبد القادر البدوي، وشاركت معهم في أول مسرحية بعنوان «النواقسية» التي قدمت بشكل مباشر على التلفزيون بمشاركة كل من عبد القادر البدوي، عبد الرزاق البدوي، مصطفى الزعري، نعيمة إلياس، وعائشة ساجد. هذه الفرقة اتخذت من محل بقيسارية «الحفاري» مقرا لها بالقرب من مقر فرقة عبد السلام حنات الرئيس السابق لفريق الرجاء البيضاوي». بداية فنية لا تخلو من طرافة، يقول عنها الداسوكين: «كما قلت سابقا كنا نتلقى عروضا اسكيتشات يؤطرها أناس مقاومة لم نكن نعرف هويتهم الحقيقية، وفي أحد الأيام كان مقررا أن نقدم عرضا مسرحيا بعنوان «البطل»، وكنا نحتاج في ديكور المسرحية إلى قارورة زجاجية وعصا كبيرة وقنب. وبعد التمرين جمعنا كل هذه الآلات في قفة، وفي الوقت الذي كنا نقصد منازلنا حوالي الساعة الحادية عشر ليلا، وقفت سيارة الشرطة (فاركونيط، فيها مخازنية)، وتم إيقافنا، وبعد التفتيش وجدوا القفة والزرواطة والقرعة والقنب، فسألونا عن وظيفتها، فقلنا لهم إننا ممثلون، فما كان منهم إلا أن حملونا إلى المقاطعة وخصصوا لنا احتفاء خاصا بالهراوات والعصي. ولقسوة حصة التعذيب تلك قرر بعض الممثلين الذين شاركوني في هذه المسرحية مغادرة المجال الفني دون نية العودة». «ما كان يميز درب السلطان، إلى جانب الحركية الفنية والثقافية أنه كان يشهد أنشطة رياضية مكثفة، إذ كانت العديد من ملاعب درب السلطان (الشوينطي، الحويط، الشيلي، الحفرة، العقرب...) ملتقى للاعبين كبار أمثال موسى، بهيجة، الوزاني، البيتشو... هذا الأخير الذي كانت تربطني به علاقة قوية، فقد كان صديقا حميما، إذ إنني قضيت معه أوقاتا طويلة، رغم أنه كان رجاويا، وأظن أنني ساهمت بشكل غير مباشر في التحاقه بفريق الوداد البيضاوي»، يقول مصطفى الداسوكين.