وحدها الحوادث ذات الدلالة الاستثنائية هي التي تلهب حماس المحلل السياسي حتى لو لم تحتل واجهة المشهد الإعلامي، وعندما تتجسس (إسرائيل) على أمريكا فمن الضروري أن نتوقف ونحاول فهم دلالات الموقف الذي يفترض ألا يحدث في ضوء المقولات السائدة في الخطاب السياسي العربي عن العلاقة بين أمريكا (وإسرائيل) والتي تتراوح بين الترويج الأعمى لمقولة أن (إسرائيل) تحكم أمريكا، والترديد الببغائي لخرافة أن العلاقة بينهما هي «العروة الأوثق» التي لا ثغرات فيها ولا مسافات ولا خلافات حيث «إسرائيل هي أمريكا» و«أمريكا هي إسرائيل»! ذكر مكتب التحقيقات الفيدرالي أن العميل «لاري فرانكلين» الذي كان يعمل محللاً للمعلومات الاستخبارية والمتمتع بحظوة لدى رؤسائه، تمكن من اختراق البيت الأبيض وقام بتسريب معلومات سرية إلى الحكومة الإسرائيلية عن طريق اثنين من منظمة «إيباك» الصهيونية حول مداولات داخلية جرت في البيت الأبيض· وفي هذا السياق فإن فرانكلين متهم بأنه نقل (لإسرائيل) عدة مرات، معلومات سرية تتعلق بدولة في الشرق الأوسط (لم يرد اسمها لكن قد تكون إيران)، وكذلك معلومات حول القوات الأمريكية في العراق، إلى مسؤولين اثنين في لجنة العلاقات العامة الأمريكية/ الإسرائيلية (الإيباك) وإلى المستشار السياسي في السفارة الإسرائيلية في واشنطن، كما اتهم ذلك العميل بحيازة وثائق سرية بشكل غير شرعي في منزله· وفي إطار التحقيقات التي أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي بهذا الخصوص، طلب اثنان من المسؤولين السابقين في اللوبي الصهيوني الأمريكي «الإيباك «والمتهمين بالتجسس على وزارة الدفاع الأمريكية لصالح (إسرائيل) استدعاء ثلاثة دبلوماسيين إسرائيليين للإدلاء بإفادتهم أمام المحكمة التي تنظر في قضيتهما، الأمر الذي يشير إلى ضلوع إسرائيل في هذه العملية· و هل وقع الإعلام الأمريكي ضحية لمعلومات إسرائيلية مضلّلة؟ في نوفمبر 1986 كانت وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية قد أخذت تذيع أن فئات إسرائيلية قامت ربما بمساعدة من الحكومة الإسرائيلية بدفع إدارة الرئيس الأمريكي حينئذ ريغن إلى تزويد آية الله الخميني بالأسلحة،وعندما قام المدّعي العام الأمريكي آنذاك «أدوين ميز» بتأكيد الخبر في مؤتمره الصحفي المشهور بتاريخ 26 نونبر من نفس العام، نفى إسحاق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي بغضب أن تكون إسرائيل لعبت دور المحرّض والمشجّع في القضية، فما كان يخشاه المسؤولون الإسرائيليون هو أن يتخذ البيت الأبيض من إسرائيل كبش فداء في محاولة منه لشرح ما لا يُشرح للشعب الأمريكي، هكذا ورد في افتتاحية صحيفة «بي فينال Bee Final» في 21 أكتوبر 1987.