وحدها الحوادث ذات الدلالة الاستثنائية هي التي تلهب حماس المحلل السياسي حتى لو لم تحتل واجهة المشهد الإعلامي، وعندما تتجسس (إسرائيل) على أمريكا فمن الضروري أن نتوقف ونحاول فهم دلالات الموقف الذي يفترض ألا يحدث في ضوء المقولات السائدة في الخطاب السياسي العربي عن العلاقة بين أمريكا (وإسرائيل) والتي تتراوح بين الترويج الأعمى لمقولة أن (إسرائيل) تحكم أمريكا، والترديد الببغائي لخرافة أن العلاقة بينهما هي «العروة الأوثق» التي لا ثغرات فيها ولا مسافات ولا خلافات حيث «إسرائيل هي أمريكا» و«أمريكا هي إسرائيل»! يلاحظ المتتبع لسجل التجسس الإسرائيلي على الولاياتالمتحدة، أنه بدا منذ الإعلان عن قيام دولة (إسرائيل)، خفيف الوطأة مسكوت عنه إعلاميا، وبالتالي كان هناك عجز لدينا في التوسع في معظم فضائح جرت فصولها في النصف الثاني من القرن الماضي في العقود الأربعة المتتالية بدءا من الأربعينيات وحتى الثمانينيات منه، باستثناء فضيحة «بولارد» واكتفينا بما جاء في كتاب «ستيفن غرين» بعنوان مساومات مع الشيطان, وما جاء أيضا في دراسة معن أحمد الحلقي «التجسس الصناعي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة». في العقد الأخير من القرن الماضي، كان التقدم العلمي التكنولوجي الهائل وكانت الثورة التقنية الرقمية (ثورة الاتصالات) قد فجرت معها كل ينابيع المعرفة، وبدأت الصورة تتضح كما بدأت الأصوات تصبح أعلى وأقدر على الإفصاح عما تخفيه أروقة السياسة، كما ظهرت فضائح أخرى كان وراءها الموساد الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة ( مونيكا - كلينتون) فعرف العالم وسكت والسكوت في الكثير من الأحيان أوضح من الكلام. نشير هنا إلى أن اكتشاف فضيحة مونيكا لوينسكي قد جاء من طرف اليهود الإسرائيليين، وهددوا بها كلينتون حينذاك بعد أن كانت الاستخبارات العسكرية تبحث عن جاسوس إسرائيلي آنذاك لم يعرف اسمه الحقيقي وكان اسمه «ميغا»، حيث تم السكوت عن كشف تفاصيل العلاقة الجنسية بين كلينتون ولوينسكي مقابل إغلاق ملف المتابعة والبحث الجاري بحق عميل الموساد «ميغا». ولما كان مطلع القرن العشرين وكانت تفجيرات 11 شتنبر2001 مما تقشعر له الأبدان وتجحظ له الأعين، وأقنعت أمريكا مدعومة بترسانة إعلامية يهودية في غالبيتها العالم كله أن أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ورجاله كانوا وراء التفجيرات، فقد اتجهت إلى ملاحقته وملاحقة الإرهابيين على حد قولها، في وقت كانت فيه التحقيقات الأمريكية تجري في الخفاء لتتبع شبكات تجسس إسرائيلية متنوعة التنظيم والأهداف، دون أن يدري العالم الواقف على قدم واحدة - خوفا من العقاب الأمريكي- شيئا عما يدور في الخفاء، ولكن قدر للحقيقة أن تظهر دون أن ينجلي الباطل، ونجح الموقع الفرنسي المتخصص في المعلومات والتقارير الاستخبارية Intelligence on line فيما لم تنجح فيه شبكة فوكس الإخبارية الأمريكية من قبل، أو لعلها كانت هي الأخرى متواطئة مع ساسة الحكم في البيت الأبيض، وفجر Intelligence on line قضية اكتشاف أمر عشرات الجواسيس الإسرائيليين في الولاياتالمتحدة بشكل لم يقتصر على جذب انتباه الأوساط الإعلامية المتخصصة فقط، بل إنه جذب انتباه الأوساط الإعلامية الدولية إلى حد صار من الصعب معه على المسؤولين الأمريكيين الاستمرار في التستر على القضية لصالح (إسرائيل).