سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد اللطيف الحاتمي : لا مفر من التعديل الدستوري لتحقيق استقلال القضاء قال إن وجود وزير العدل ضمن أعضاء المجلس الأعلى للقضاء يشكل أكبر عائق أمام استقلالية القضاء
يرى عبد اللطيف الحاتمي، رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء، أنه من أجل تحقيق استقلال القضاء لا مفر من التعديل الدستوري لأنه مرتبط باختصاصات المجلس الأعلى للقضاء باعتباره مؤسسة دستورية يحدد الدستور نفسه تشكيلها واختصاصاتها. - لماذا ظل ورش القضاء عصيا على الإصلاح رغم تشديد الخطاب الرسمي والحزبي عليه في العديد من المناسبات؟ < لقد ظل ورش القضاء عصيا على الإصلاح لأنه متعدد الجوانب مثله مثل أي بنيان متآكل يكون في حاجة ماسة إلى التقويم لكي يسترجع عافيته ويصبح قادرا على مواصلة عطائه بصورة مرضية. والتآكل قد يصيب الجدران وقد يصيب السقف وقد يصيب الأبواب والنوافذ وقد يصيب المعدات الضرورية لتصريف المياه وقد يكون آيلا للسقوط، وفي هذه الحالة يصبح في حاجة إلى إعادة البناء برمته لإقامته من جديد على أسس متينة. فعندما رفع ابتداء من سنة 1996 شعار إصلاح القضاء تم التعامل معه على أساس بلورة مشروع إصلاحي مرحلي توخى في الحقيقة الترميم والترقيع وليس الإصلاح العميق الذي ينفذ إلى مكامن الضعف لتقويتها. وبالتالي فلم يتم التعامل مع مشروع الإصلاح باعتباره مشروعا طموحا وشاملا يستهدف كافة الأجهزة. و من غريب المفارقات أن الدولة عندما اتجهت إرادتها السياسية إلى إصلاح التعليم أعدت له ميثاقا وطنيا. وعندما وقع التفكير في خطة إعداد التراب الوطني تم إنشاء ميثاق وطني لإعداد التراب الوطني.غير أنه عندما رفع شعار إصلاح القضاء أسند أمر تحقيقه إلى وزير العدل أي إلى عضو في الحكومة الذي لا يمكنه أن يطبق إلا برامجها السياسية. و قد ترتب عن هذه المفارقة الغريبة أن المناظرة الوطنية السابعة للجماعات المحلية التي انعقدت ما بين 19 و21 أكتوبر 1998 طالبت بالتحرر من وصاية وزارة الداخلية من أجل مزيد من الاستقلالية بينما أريد للقضاء مزيدا من الوصاية ليبقى في معزل عن الانخراط في أوراش التحولات الكبرى التي يعرفها المغرب. و استجابة للدعوة الملكية من أجل تجند الجميع لتحقيق إصلاح شمولي للقضاء، بادرت جمعية عدالة والجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء والجمعية المغربية لمحاربة الرشوة إلى الانكباب على رصد معوقات الجهاز القضائي وتقديم مقترحات عملية لتجاوزها ضمن تقرير شامل ودقيق عرض على أغلب الجمعيات الحقوقية التي تبنت مرتكزاته، ثم بعد ذلك طرح على أنظار جميع مكونات المجتمع المدني التي أبدت اهتماما كبيرا للانخراط فيه. - على ضوء الخطاب الملكي الأخير، ما هي أهم الأعطاب التي يعاني منها القضاء بالمغرب ؟ < شخص الخطاب الملكي الأخير أهم معوقات القضاء المغربي التي سبق للجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء أن وصفتها في تقاريرها السابقة وتبناها مشروع الإصلاح الموقع عليه من لدن عشر جمعيات حقوقية وعلى رأسها : عدم اتسام القضاء بالسلطة، ذلك أنه لا يمكن تحقيق المدلول الحقيقي لفصل السلط كما أجمع عليه الفقه الدستوري إلا إذا كانت السلطات الثلاث داخل الدولة مستقلة عن بعضها ولا يمكن تحقيق هذا الاستقلال إلا بتمتع كل واحدة بمستلزمات السلطة.وبالفعل فإن دستور 1993، المعدل سنة 1996، لا يتضمن النص على إبراز القضاء كسلطة بكافة تمظهراتها ومقوماتها، وبالتالي فإن عدم اعتبار القضاء بمثابة سلطة مستقلة إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية يجعل منه مجرد مرفق من مرافق الإدارة العمومية. عدم تمتع القضاء بالاستقلال التام عن السلطة التنفيذية بالنظر من جهة إلى تشكيل المجلس الأعلى للقضاء الذي يضم وزير العدل ويوليه مركز نائب الرئيس الذي يعد رئيسه الفعلي بالنظر إلى ما تخوله صفته كوزير من اختصاصات واسعة إضافية، ومن جهة ثانية إلى اختصاصاته المحدودة والمنحصرة في «السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يرجع لترقيتهم وتأديبهم.» دون باقي الأوضاع القانونية المسندة للسلطة التنفيذية . و من جهة ثالثة تبعية المفتشية العامة لوزير العدل، وتبعية ميزانية المجلس الأعلى للقضاء لميزانية وزارة العدل من جهة رابعة ولهذا أكد الخطاب الملكي على إيلاء المجلس الأعلى للقضاء المكانة الجديرة به كمؤسسة دستورية قائمة الذات وذلك بتخويله حصريا الصلاحيات اللازمة لتدبير المسار المهني للقضاة من تعيينهم إلى إحالتهم على التقاعد وهو ما يؤدي حتما إلى استبعاد جميع الاختصاصات المخولة حاليا لوزير العدل بهذا الخصوص. - عوائق المحاكمة العادلة التي تتخذ مظهرين من خلال نقائص القانون الجنائي وما تضمنه من ثغرات قانونية تفتح المجال على مصراعيه أمام التأويلات المختلفة والمتناقضة أحيانا، إضافة إلى التعريفات والمفاهيم الفضفاضة المخلة بخاصية القاعدة القانونية وعلى رأسها قانون مكافحة الإرهاب وقانون الصحافة من جهة وتقليص ضمانات حقوق الدفاع بتكريس السلطات الفائقة المخولة للضابطة القضائية وممارساتها غير القانونية وتقوية سلطات النيابة العامة وما أحدثه قانون مكافحة الإرهاب من تراجعات. ولهذا ألح العاهل المغربي على نهج سياسة جنائية جديدة تقوم على مراجعة وملاءمة القانون والمسطرة الجنائية ومواكبتهما للتطورات وذلك بإحداث مرصد وطني للإجرام ومواصلة تأهيل المؤسسات الإصلاحية والسجنية والأخذ بالعقوبات البديلة وإعادة النظر في قضاء القرب. مركزية القرار بوزارة العدل مما دعا إلى تبني نظام اللاتمركز الإداري الذي يخول المحاكم والمسؤولين القضائيين الجهويين الصلاحيات اللازمة للنهوض بمتطلبات الإصلاح. ضعف التكوين القضائي والقانوني في بعض المجالات المستحدثة التي تتطلب تخصصا عاليا لمواجهة الطلب عليها بما يحقق الاطمئنان لرأس المال في مجال الاستثمار وضمان الحريات العامة في مجال النشر والصحافة. و لهذا دعا الخطاب الملكي إلى تأهيل الموارد البشرية تكوينا وأداء وتقويما وتحسين الأوضاع المادية للقضاة وموظفي العدل وإيلاء الاهتمام للجانب الاجتماعي. بطء العدالة بدليل تراكم مليوني قضية لم يتم البت فيها بعد، وتعثر مساطر تنفيذ الأحكام، وهو ما عبر عنه الخطاب الملكي «بالنجاعة القضائية» أي الفائدة من اللجوء إلى القضاء التي تتلخص في الحصول على حكم في أقصر مدة وتنفيذه بالسرعة المطلوبة وإلا لما كانت هناك فائدة في التقاضي. ولا يمكن تحقيق الشطر الأول من هذه المعادلة وتسهيل اللجوء إلى العدالة إلا بتبسيط المساطر وشفافيتها كما لا يمكن تحقيق الشطر الثاني منها إلا باتسام الساهرين على تنفيذ الأحكام من أعوان ومفوضين قضائيين بالصرامة اللازمة التي تتضمنها الصيغة التنفيذية المختوم بها الحكم القضائي. عدم استقلال القضاة عن سلطتي النفس والمال وهو ما دعا العاهل إلى التأكيد على تخليق القضاء لتحصينه من الارتشاء واستغلال النفوذ ليساهم بدوره في تخليق الحياة العامة بالطرق القانونية. - هل يمكن فصل إصلاح القضاء عن التعديل الدستوري؟ < يرتكز إصلاح القضاء في نظر الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء على ثلاثة محاور أساسية: استقلال القضاء - المحاكمة العادلة، والتخليق والنزاهة. فبالنسبة لتحقيق استقلال القضاء فإنه لا مفر من التعديل الدستوري لأنه مرتبط باختصاصات المجلس الأعلى للقضاء باعتباره مؤسسة دستورية يحدد الدستور نفسه تشكيله واختصاصاته. أما تعديل نصوص القانون الجنائي والمسطرة الجنائية وتقريب القضاء من المتقاضين وتيسير اللجوء إلى العدالة وسرعة البت في القضايا وتسريع وثيرة تنفيذ الأحكام فكلها أمور من اختصاص القانون أو السلطة التنظيمية التي ليس لها أي ارتباط بتعديل الدستور وبالإمكان، ما دامت الإرادة السياسية قد اتجهت بحزم وعزم نحو تحقيق هذه الحقوق، الانكباب من الآن على تحضير مشاريع القوانين التي يمكن إحالتها على البرلمان في أقرب دورة له. أما ما يتعلق بجانب النزاهة وتخليق القضاء فيحتاج إلى وقفة تأني لتعلقه بالنفس البشرية وما عليه من خير أو شر. فالنزاهة هي الصفة الشخصية المرتبطة بالقاضي كشخص دات عند اختلائه للحكم فيتأثر إيجابا أو سلبا بحسب درجة مناعته ضد مختلف الإغراءات البشرية حيث تتعرض إلى الاهتزاز على وجه الخصوص تحت تأثير: سلطة المال (الارتشاء)- أو سلطة الجنس (فساد الأهواء)- أو سلطة النفس (ضعف الإيمان) و هذه السلطات تتحكم فيها البيئة التي تربى في أحضانها القاضي ولا يمكن بالتالي تحقيق نزاهته عبر النصوص القانونية مهما بلغت من الدقة والصرامة. - إلى أي حد يمكن اعتبار النقط الست التي تحدث عنها الملك في خطابه الأخير بمثابة خارطة طريق لإصلاح القضاء ؟ < المحاور الستة التي تطرق إليها الخطاب الملكي تعتبر أهم مرتكزات العدالة التي يعتريها الخلل والتي تحتاج بصفة ملحة إلى الإصلاح، وبهذا المعنى فإنها تعتبر بمثابة خارطة طريق لإصلاح الجهاز القضائي كما عبر عن ذلك العاهل نفسه. ما هي الأسباب التي تحول في نظركم دون استقلال القضاء؟ < ليست هناك أسباب بقدر ما يتعلق الأمر باختيار سياسي اقتضته المراحل المتعاقبة بعد حصول المغرب على استقلاله وما استلزمته تلك الظروف من عدم القطع بصفة جدرية مع النظام القضائي لمرحلة الحماية والتدرج في تلك القطيعة بإحداث المجلس الأعلى وحذف الازدواجية القضائية تلتها مرحلة البناء القانوني الذي امتد لمدة عشر سنوات عرف القضاء خلاله صدور قانون التوحيد والمغربة والتعريب وهو القانون الذي تم تحريره بسرعة والتصويت عليه بالإجماع في غرفتي البرلمان وتوظيف على أساسه قضاة لا يتوفرون على المؤهلات الضرورية والتكوين اللائق لمواجهة تحديات تلك الاختيارات إضافة إلى الترجمة السيئة لأغلب النصوص القانونية. يضاف إلى ذلك ضعف الوسائل المادية والبشرية الموضوعة رهن إشارة المحاكم والمناخ السياسي الذي عرفه المغرب خلال السنوات الأولى من السبعينات وما ترتب عنه من قلاقل اجتماعية. كل ذلك ساعد على تدهور الجهاز القضائي الذي أصبحت سماته الأساسية تتلخص في تطبيق قوانين تنقصها الحبكة أو غير المنسجمة مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، وفي الغالب غير مستوعبة أو يتم تأويلها تأويلات خاطئة. و في سنة 1974 تم صدور القانون الأساسي لرجال القضاء الذي تضمن النص على إحكام سلطة وزير العدل على المسار المهني للقضاة والذي بحكم نيابته عن رئيس المجلس الأعلى للقضاء أصبح يترأسه بصفة فعلية بقبعتين، بحيث تنعدم أمامه في حق القضاة أبسط قواعد المحاكمة العادلة. إذن عوض الحديث عن أسباب انعدام استقلال القضاء يكون من الأنسب الحديث عن ظروف ثقافية واقتصادية وسياسية انعدم في مجرياتها هذا الاستقلال. مظاهر غياب استقلال القضاء تكمن مظاهر غياب استقلال القضاء على مستوى الضمانات الدستورية من جهة أولى وعلى مستوى الضمانات التي يخولها النظام الأساسي لرجال القضاء من جهة ثانية وعلى مستوى الاختصاصات التي يخولها القانون لوزير العدل . فعلى مستوى الضمانات الدستورية سبق الحديث عن عدم اعتبار القضاء سلطة مستقلة بجانب السلطتين التشريعية والتنفيذية. و على مستوى الضمانات التي يخولها النظام الأساسي لرجال القضاء (ظهير 11 نونبر 1974) فإن الدستور ميز بمقتضى الفصلين 85 و87 بين عزل قضاة الأحكام ونقلهم من جهة وجعل ذلك من اختصاص القانون وبين ترقيتهم وتأديبهم فجعلها من اختصاص المجلس الأعلى للقضاء . غير أن الواقع أبان على أن هذا الأخير يتولى النظر في شؤون قضاة الحكم وحدهم. أما قضاة النيابة العامة فيتم نقلهم بمقتضى ظهير باقتراح من وزير العدل بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء. و قد نظم ظهير 11 نونبر 1974 المكون للنظام الأساسي لرجال القضاء مسطرة تأديب القضاة في المواد من 58 إلى 62، حيث نص الفصل 58 على مبدأ المسؤولية المهنية بقوله: « يكون كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية أو بالشرف أو بالوقار أو بالكرامة خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية». و نص الفصل 60 على أن عقوبات الدرجة الأولى تصدر بمقتضى قرار لوزير العدل بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء، بينما تصدر عقوبات الدرجة الثانية بمقتضى ظهير بناء على اقتراح من نفس المجلس. أما المسطرة التأديبية فقد نص عليها الفصلان 61 و62 من النظام المذكور عندما أسند الأول لوزير العدل حق إحالة القاضي المذنب على المجلس الأعلى للقضاء وخوله حق تعيين مقرر بعد استشارة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء المعينين بقوة القانون، كما خوله الفصل الثاني حق توقيف القاضي فورا عن مزاولة مهامه في انتظار إحالته على المجلس إذا كان متابعا جنائيا أو اعتبر الخطأ المرتكب خطيرا. و بالتمعن في هذه المقتضيات يتبين أنها لا تختلف عن المسؤولية المهنية للموظفين العموميين المقررة بمقتضى الفصول 65 إلى 75 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية، لدرجة أنه يصعب الحديث عن نظام تأديبي خاص أو متميز بالنسبة لرجال القضاء. وهو ما يؤكد النظرة الوظيفية الصرفة لقطاع القضاء كمرفق من مرافق الإدارة العمومية. الشيء الذي يتنافى مع مبدأ استقلال القضاء كسلطة من السلطات الثلاث داخل الدولة. أكثر من ذلك فإنه بالتمعن في تلك المقتضيات من جهة أخرى يلاحظ التأكيد على صفة القطاع الوظيفي للقضاء من خلال هيمنة مؤسسة وزير العدل على مختلف مراحل المسطرة التأديبية: فهو الذي يثير أو يحرك المتابعة، وهو نفسه الذي يعين المقرر، وهو الذي يقرر توقيف القاضي عن ممارسة مهامه خلال فترة المتابعة أمام المجلس وهو نفسه الذي ستعرض أمامه فيما بعد المتابعة، وهو الذي سيترأس أعمال المجلس التأديبي بالنيابة عن الملك، وبالتالي سيبت في المتابعة التي أثارها هو نفسه، ويقرر تبعا لذلك في العقوبة الواجب اتخاذها في حق القاضي المتابع، وهو الذي سيسهر بعد ذلك على تنفيذ مقترحات المجلس التي ساهم في اتخاذها بل كان إما مصدر اتخاذها أو مزكيها أو الساهر على تنفيذها بعد مصادقة الملك عليها. و بالعودة إلى اختصاصات المجلس الأعلى للقضاء المنصوص عليها في الفصل 87 من الدستور يتبين من خلال هيمنة مؤسسة وزير العدل على مسطرة تأديب القاضي، استحالة قيام المجلس بالمهام المنوطة به أي استحالة «السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يرجع لترقيتهم وتأديبهم» عندما يتم إهدارها خلال إجراءات التفتيش والتحقيق من طرف المقرر وما يستتبع من إحالة القاضي « المذنب» وتوقيفه عن ممارسة مهامه. و هنا يكمن الخلل، إذ إن القاعدة تقتضي بأن يخضع الجهاز التنفيذي (و وزير العدل جزء منه) لرقابة القضاء، بيد أنه بخصوص تأديب القضاة وترقيتهم في إطار ما تقدم من تحليل نجد أن تلك القاعدة وقع عكسها بحيث أصبح الجهاز القضائي هو الذي يخضع لرقابة السلطة التنفيذية. وهي وضعية مرفوضة بجميع المقاييس العقلية والتشريعية لأنها تكرس مفهوم دولة الإدارة على عكس الخطاب الرسمي للدولة الذي يسعى إلى السير في تكريس دولة الحق والقانون. أسوء من ذلك، فإن هيمنة مؤسسة وزير العدل على مسطرة تأديب القضاة أمام المجلس الأعلى للقضاء بالشكل المتقدم، يضرب ويهدر بالتبعية مبدأ الحق في المحاكمة العادلة كحق من حقوق الدفاع الذي أحاطته المواثيق الدولية بأعلى ضمانات ممارسته وأولته الصدارة في كل محاكمة سواء كانت زجرية أو تأديبية. إذ كيف يتأتى ضمان المحاكمة العادلة لقاضي وهو يحاكم أمام نفس المؤسسة التي قامت بمتابعته وإحالته على أساس تقرير أعده المقرر الذي سبق لها أن عينته هي نفسها. والحال أن من أسس المحاكمة العادلة ألا يجتمع في يد نفس الجهاز صفتي الخصم والحكم. ثم كيف يتأتى بعد ذلك مطالبة هذا القاضي أو أي زميل آخر له من المحتمل أن يكون في وضعيته بتوفير المحاكمة العادلة للمتقاضين وقد حرم هو أو سيحرم من مزيتها؟ ثم كيف يتأتى للمجلس الأعلى للقضاء نفسه وقد توحدت في رئيسه الفعلي جهة المتابعة وجهة الحكم أن يحقق مراد المشرع من خلال « تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة» إن لم يكن على مستوى صفتهم كقضاة، فعلى الأقل بصفتهم متابعين معترف لهم بحق أساسي يهدف إلى تأمين محاكمتهم أمام قضاة يتصفون بصفة التجرد والحياد والاستقلال؟ ومن تم فإنه يمكن الجزم بأن وجود مؤسسة وزير العدل ضمن أعضاء المجلس الأعلى للقضاء يشكل أكبر عائق في وجه تحقيق مبدأ استقلال القضاء في المغرب وهو ما أشار إليه الخطاب الملكي بتخويل المجلس الأعلى للقضاء حصريا الصلاحيات اللازمة لتدبير المسار المهني للقضاة أي استبعاد اختصاص وزير العدل عن هذا المجال.