هيمنت الظروف الاستثنائية المرتبطة بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على الدورة السنوية للمجلس الوطني للائتمان والادخار التي انعقدت مساء أول أمس الثلاثاء في مقر بنك المغرب. ومن مظاهر الطابع الاستثنائي لهذه الدورة الثالثة حرص وزير الاقتصاد والمالية صلاح الدين مزاور، وهو رئيس المجلس، على عدم حضور الصحافة خلال جلسة النقاش التي عقدها أعضاء المجلس. في حين أن الوزير ذاته كان مبتهجا في الشهر نفسه من 2008 عندما أتاح لوسائل الإعلام فرصة حضور الخطابات الرسمية لكبار الشخصيات في المجلس الوطني في دورته السابقة، وأيضا متابعة أطوار النقاش بين الأعضاء إلى آخر لحظاتها، والتي عادة ما تحمل انتقادات من هنا أو هناك للسياسة المالية عموما وفي موضوع الادخار والائتمان على وجه التحديد. الوزير مزوار ووالي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، ركزا في تدخليهما على ما أفرزته الأزمة الاقتصادية العالمية من انكشاف كبير للهشاشات التي يعاني منها النسيج الاقتصادي المغربي، خصوصا في تنافسية صادراته، مشددين على ضرورة تسريع وتيرة تنفيذ الإصلاحات الجوهرية للاقتصاد الوطني. وأوضح وزير الاقتصاد والمالية أنه في الوقت الذي ساهم القطاع المالي بفضل أسسه المتينة في تجنيب البلاد اضطرابات على مستوى التمويل، فإن تداعيات الأزمة العالمية وتحضير بلدان العالم لمرحلة ما بعد الأزمة يفرض على المغرب عدم الإبطاء في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية في مجال الرفع من تنافسية الصادرات المغربية وتنويع الاقتصاد الوطني، «لأن الظرفية والمتغيرات الدولية أصبحت تستوجب ذلك»، على حد قول الوزير. من جانبه، ألح والي بنك المغرب على أن العديد من الأوراش الكبرى لإصلاح القطاع المالي كان يتم الحديث عنها منذ عقد السبعينيات ولم تنفذ إلى حد الساعة، وحان الوقت لتسريع وتيرة تنفيذها، ونبه الجواهري إلى أن من أبرز المشاكل التي نعاني منها عدم امتلاك النفس الطويل في مباشرة الإصلاحات، حيث ما إن ينطلق ورش للإصلاح المالي حتى يتوقف في منتصف الطريق. وأضاف أن على المغرب أن يعد العدة على المدى المتوسط والبعيد، وليس فقط القصير، لأن انتعاشة الاقتصاد العالمي لن تتم بسرعة وبالتالي فآثار الأزمة الاقتصادية والمالية لن تنمحي بسهولة. وخلال تدخله، استعرض الوزير مزوار رؤية الحكومة للنهوض بالقطاع المالي في المدى المتوسط عبر ثلاثة محاور هي سوق الرساميل والمراقبة المالية وتحسين مؤشر الاستبناك (وصول المواطنين إلى خدمات البنوك)، وفي هذا الصدد أعلن أنه تم الانتهاء من دراسة استراتيجية حول قطاع التأمينات وسيبرم عقد برنامج مع القطاع بعد انتهاء العطلة الصيفية، كما أحالت وزارة الاقتصاد والمالية على الأمانة العامة للحكومة مشروع قانون لإحداث سلطة مستقلة لمراقبة قطاع التأمينات تحظى بالاستقلالية في عملها. كما أعدت وزارة الاقتصاد والمالية مشروع قانون لتقوية أجهزة مراقبة بورصة الدارالبيضاء لمنحها المزيد من الاستقلالية، وكشف مزوار أن الأشهر القليلة الماضية شهدت تعميق النقاش بين الأطراف المتدخلة في عمل البورصة لإعادة موقعها في محيط المغرب الإقليمي. رئيس كونفدرالية الباطرونا، محمد حوراني، أشار خلال كلمة مرتجلة إلى أن المخطط الذي وضعته الحكومة لدعم القطاعات المتضررة من الأزمة العالمية يجب أن يركز على القطاعات التي تتوفر على قيمة مضافة عالية، ورأى أن على السلطات المالية أن تنكب على المشاكل التي لاقاها المقاولون المغاربة في عمليات الاستيراد والتصدير مع دول العالم، خصوصا بريطانيا، وتتجلى أساسا في مخاطر الصرف وسعر الصرف، داعيا إلى إعادة النظر في المقتضيات المنظمة لهذا المجال بما يقلل من خسائر المصدرين والمستوردين داخل المغرب. انخفاض وتيرة نمو القروض البنكية تشير المذكرة المقدمة خلال دورة المجلس الوطني للائتمان والادخار إلى أن معدل نمو القروض البنكية تراجع خلال الخمس أشهر الأولى لسنة 2009، ليتنقل من معدل 7,4 في المائة خلال الفترة نفسها من العام الماضي إلى 1,9 %، في حين ارتفعت القروض العقارية بنسبة 5,5 في المائة إلى غاية ماي 2009 مقابل 10,8 في المائة السنة الفارطة، فيما استقر معدل نمو القروض الاستهلاكية في 9,6 في المائة خلال الأشهر الخمس الأولى للسنة الجارية مقابل 12,7 في المائة خلال الفترة نفسها من 2008. وعلى مستوى المبادلات الخارجية للمغرب، ذكر مكتب الصرف أنه إلى غاية ماي الماضي تراجع نموها بنسبة 21 %، وكان الانخفاض أكبر في الصادرات بنسبة 26,6 % مقابل انخفاض ب 16,9 % في الواردات. وهو ما عمق من أزمة الميزان التجاري، إذ انخفضت نسبة تغطية الصادرات للواردات من 75,5 في المائة مع نهاية ماي 2008 إلى 66,7 في المائة برسم آخر ماي 2009.