تيمنا بالقائد طارق ابن زياد، أحرق ميغيل أنخيل موراتينوس، وزير خارجية إسبانيا، بدوره السفن الإسبانية في صخرة جبل طارق، ولم تكن سفن موراتينوس من خشب، بل هي حقبة تاريخية بأكملها أكلتها النيران بمجرد ما وَطِئت قدم رئيس الديبلوماسية الإسبانية صخرة جبل طارق، فالإسبان أدركوا أن البحر وراءهم والبريطانيين أمامهم وما لهم من مفر غير المفاوضات ونهج سياسة براغماتية. كانت زيارة موراتينوس تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فوجود بريطانيا في صخرة جبل طارق منذ أزيد من ثلاثة قرون كان أشبه بشوكة في الخاصرة القشتالية، وهو ما أثر على علاقات مدريد ولندن في فترات تاريخية متعددة وبقيت الحدود البرية بين الصخرة وإسبانيا مقفلة لأكثر من عقدين إلى أن فتحها الزعيم الاشتراكي فليبي غونزاليث. واليوم، يقوم زعيم اشتراكي آخر هو رودريغيث ثباتيرو، بتنسيق مع وزير خارجيته موراتينوس، بخطوة ستقلب مجرى التاريخ، فلم ينزعج موراتينوس، وهو يطأ الصخرة من الأعلام البريطانية التي وضعت في الشرفات واللافتات والتي تدعو إسبانيا إلى نسيان مطالبها التاريخية، مثل تلك اللافتة التي تقول «قولوا لموراتينوس إننا بريطانيون». غالبية القنوات التلفزيونية الإسبانية بعثت بمراسلين إلى عين المكان من أجل رصد دقائق الزيارة التي سيكون لها ما بعدها، لكن الأعناق بقيت مشرئبة إلى الندوة الصحافية التي عقدها موراتينوس بعد لقائه بوزير الخارجية البريطاني ورئيس الحكومة المحلية للصخرة. وهنا، جاء موراتينوس ليدافع عن سياسته النفعية إزاء الوجود البريطاني، فالهدف الرئيسي بالنسية إليه هو حل المشاكل العالقة المرتبطة بالعبور الحدودي ومشاكل السيادة البحرية والنظر إلى المستقبل لا إلى الماضي. وغير بعيد عن المكان الذي كان موراتينوس يلقي فيه خطبته، وقف بعض نشطاء الحزب اليميني الإسباني الرافضين للزيارة التي اعتبروا أنها تضر بالمصالح الاستراتيجية للتاج الإسباني وتجعله ينحني قليلا للتاج البريطاني. واعترف موراتينوس بأنه لم يناقش مسألة السيادة مع البريطانيين، لكنه أعاد التأكيد على المطالب التاريخية لمدريد إزاء الصخرة. وما يفهم بين السطور أن هذه القفزة في الهواء تبدو محسوبة من طرف الإسبان الذين اقتنعوا بأن سيادة كاملة لهم على الصخرة غير ممكنة، فباتوا في الوقت الراهن يبحثون عن سيادة مشتركة وإخراج مسلسل المفاوضات من جموده. وكانت أول خطوة في هذا المسار الذي ينظر إلى المستقبل هي تجاوز الحاجز النفسي بتنظيم زيارة رسمية للصخرة، ورحب البريطانيون بهذه الزيارة لأنهم، في النهاية، سيربحون أشياء كثيرة ولن يخسروا أي شيء تقريبا. من تناقضات السياسة الخارجية الإسبانية أنها تفصل بين ملفي مضيق جبل طارق وسبتة ومليلية، فمدريد تعتبر أن صخرة جبل طارق لها بحكم أنها توجد فوق شبه الجزيرة الإيبيرية، وقد انزعجت كثيرا عندما بعث الملك محمد السادس بطائرة عسكرية إلى مطار خيطافي لنقل جثمان الرضيع ريان الورياشي، الذي ينتمي والده إلى مدينة سبتة ويعيش بالعاصمة الإسبانية، ذلك أن الجنازة شبه العسكرية التي نظمت للرضيع جعلت الإسبان يركضون في كل الاتجاهات ويندبون حظهم، ووجدوا أنفسهم مكتوفي الأيدي اللهم بعض الأصوات اليمينية التي جاءت إلى التلفزيون لتصرخ وتندد.