لا تصبح ماركسيا، فالثورة تأكل أبناءها، ومن يبقى منهم على قيد الحياة ينتهي وزيرا في حكومة يمينية. لا تصبح كاتبا، فالكتاب نرجسيون ولديهم عاهات مستديمة وعقد كثيرة، ليس فقط مع دور النشر ولكن مع أنفسهم أيضا، ويفقدون البصر مبكرا بسبب القراءة. لا تكن قاضيا، لأن قاضيين في النار وقاضيا واحدا فقط في الجنة، وأيضا لأن أجرة القاضي تافهة ولذلك تصبح أعين بعضهم بصيرة وأيديهم طويلة جدا. لا تكن أستاذا، فكثرة الوقوف أمام السبورة تورث الربو والحساسية، وكثرة التفكير في الراتب تقود إلى الترشح في الانتخابات. لا تكن مخرجا سينمائيا، فالإخراج ينتهي بصاحبه إلى قضاء بقية عمره بعينين خارجتين وراء النقود. لا تكن ممثلا في الأفلام والمسلسلات الرديئة، فالممثلون الحقيقيون يوجدون في غرف البرلمان، وهم من الموهبة بحيث يمثلون على شعب بكامله. لا تكن وزيرًا للثقافة، فالثقافة سيدة مسنة ومفلسة تقرأ الكتب الصفراء قبل النوم. لا تكن يساريا، فاليساريون أصبحوا مثل العميان في لوحة «رامبرانت»، أو كالرفاق في أغنية عبد الحليم حافظ، حائرون يتساءلون ويسيرون على غير هدى ويتصادمون في ما بينهم ويتصايحون ثم يتساقطون. لا تبدأ يمينيا ولو كان لينين على اليسار. لا تكن مع الوسط، فالوسط الوحيد المتبقي في هذا العالم العربي هو ذلك الوسط الذي تحركه نانسي عجرم كل مساء في فضائيات الطرب العربي. لا تكن تقدميا حتى لا يتزعمك الرجعيون ويتقهقروا بك إلى الخلف. لا تكن رجعيا حتى لا تسقط الحكومة في حبك. لا تصبح جنديا، فالأرض ليست لأحد، الله وحده يرث الأرض. لا تصبح شاعرا، فالقصيدة امرأة غير شريفة تنام كل مساء مع شاعر جديد، وما من شاعر شريفٍ أبدًا. لا تصبح عاشقاً، فالحب مجرد أمير أعمى يسير في شارع مضاء. لا تصبح شجرة، فالعصفور جبان والحطاب أيضا جبان. لا تصبح وردة، فلا أحد يحب الورود حقا، وحتى الذين يحبونها يقطعونها بسبب هذا الحب. لا تصبح حاكما، فكثرة الجلوس تصيب بالبواسير، وأعمار الحكام كأعمار التماسيح، طويلة جدا. لا تصبح رجلا، فالرجال قليلون. لا تصبح امرأة، حتى لا تضطر إلى الوقوف وراء كل عظيم تافه. لا تنحن كثيرا لكي لا تتحول إلى قنطرة فيعبر الآخرون فوق ظهرك. لا تقف طويلا لكي لا تتحول إلى نصب تذكاري يتبول عليه السكارى. لا تنم بعينين مقفلتين لكي لا يفوتك أن ترى أحلامك بوضوح. لا تعش من أجل أحد، لأن العمر قصير ولا يتسع لأحد آخر غيرك. لا تصدق نصائح الأطباء حول السكر والملح والكوليستيرول والتبغ، لأننا كلنا سنموت في نهاية المطاف، بسبب الضغط أو بسبب الحسرة. لا تكن صاحب قضية، ومن الأفضل أن تكون صاحب قاض، فهذا أفيد بالنظر إلى الوتيرة التي يحاكمون بها هذه الأيام. لا تكن زعيم حزب حتى لا تصاب بالعجز الجنسي، فأغلب زعماء الأحزاب السياسية ملتصقون بكراسيهم حتى النهاية ولا يفكرون ب«ممارسة» شيء آخر غير الزعامة. لا تكن عازفا على القيثارة حتى لا يتهموك بمحبة الشيطان. لا تكن متدينا زيادة عن اللزوم حتى لا يتهموك بمحبة الله. لا تضح من أجل أحد إلا إذا كنت متأكدا من أن الذي تقاوم من أجله يستحق التضحية. فالذين ضحى الجميع من أجلهم اتضح أنهم لا يفكرون سوى بأنفسهم، والذين أخلص الجميع في محبتهم اتضح أنهم لم يكونوا يحبون أحدا سواهم، والذين أوشك الجميع أن يموت من أجلهم اتضح أنهم غير مستعدين للموت من أجل أحد. حتى من أجل أنفسهم لن يموتوا.. هؤلاء الجبناء. لا تقاوم من أجل أحد مادام هذا الأخير جبانا يقبل بالاحتقار، فالمقاومون كلهم قدماء ولديهم مكاتب رثة يعدون فيها الشاي على شرف المقدمين والشيوخ والخونة القدامى. كن منضبطا مثل المساء، فهو لم يخلف موعده أبدا. كريما مثل الغروب الذي يقدم الشمس قربانا كل يوم. كن كتوما مثل الليل الذي يأتي متخفيا في ثيابه السوداء لكي لا يفطن لقدومه أحد. كن متواضعا مثل النهار الذي يجرد الليل من ثيابه كل صباح بلا ادعاء أو بطولات. كن وفيا مثل الطيور، فهي لا تستبدل شدوها أبدا بشيء آخر. كن مثل الريح، دائم التأفف. كن مثل النهر، فهو لا يغير مجراه أبدا. كن مثل الشجرة، فهي تموت واقفة. كن صامتا مثل الوقت، فهو يمر خلسة على أطراف أصابعه. كن وفيا مثل الهاتف، فهو لا يخون صاحبه مع هاتف آخر عندما لا يرن. كن مثل الصدفة، خيرا من ألف ميعاد. كن بابا موصدا في بيت مهجور. كن قميصا منسيا تحركه الريح فوق حبل. كن حجر عثرة في طريق اللصوص. كن مواطنا صالحا لنفسه، وإذا استطعت كن صالحا للآخرين أيضا...