كشف بنسالم حميش، وزير الثقافة، أن وزارته ستحصل على ارتفاع محسوس في ميزانيتها للسنة المقبلة. ودعا الوزير، في حوار خص به جريدة «المساء»، إلى تنويع مصادر التمويل الثقافي بدعوة القطاع الخاص للاستثمار في هذا القطاع، وتحسيس «المحسنين الذين لديهم أموال لا يعرفون ما يفعلون بها»، إضافة إلى بحث آفاق التعاون الدولي، كما تحدث عن تصوره لشروط الدعم الثقافي. - الأستاذ بنسالم حميش، حدثُ تعيينكم وزيرا للثقافة، في التعديل الجزئي الأخير للحكومة، هل كان بالنسبة إليكم مفاجئا؟ < هل كان بالنسبة إلي مفاجئا؟ أقول ربما لا، لأنه كما تعلم في 2007 راج اسمي بقوة، وتلقيتُ الخبر من عند الصديق رشيد نيني ومن عند الأخ أحمد السنوسي، وكانا المبادرين الأولين إلى إخباري بهذا. أو على الأقل أرجح بأن صُدفة قوية كانت تسير في هذا الاتجاه. ولكن هذه المرة، كنتُ فعلا على أهبة الذهاب لقضاء عطلتي في اليونان، كما هي عادتي في شهر غشت من كل سنة. وفاجأني الأمر ولم يفاجئني. فاجأني لأنني، كما تعلم، لم أفعل أي شيء من شأنه أن يبوئني الصدارة، لأن أحتل هذا المنصب، ولم يفاجئني لأن اسمي كثيرا ما كان يتردد. - حدث تعيينكم وزيرا للثقافة، تلقاه جل المثقفين المغاربة بتفاؤل، لكن بعض بوادر القلق بدأتْ تتسرب من داخل جُدران الوزارة, ماذا يمكن أن تقولوا بهذا الخصوص؟ < لا، هذا القلق أنا لم ألمسه إلى حد الآن. تعييني كان في 29 يوليوز. كان أمامي شهر غشت وهو شهر عطلة، وكثير من العاملين في هذه الوزارة، وبالأخص رؤساء المديريات، كانوا في عطلة. أنا الوحيد الذي لم آخذ يوما واحدا للاستراحة. هذا قلصَ طبعا من برنامجي في مجال اللقاءات. كنتُ أنتظر عودة هؤلاء الإخوة من عطلتهم حتى أجتمع بهم. ثم جاء شهر رمضان المبارك، حيث تتقلص نسبيا وتيرة العمل، ومع ذلك ما توقفتُ. بل بالعكس أجريتُ لقاءات ماراطونية، مع جميع رؤساء المديريات، واحدا واحدا، للنظر في واقع الحال ومحاولة استشراف المستقبل. بالإضافة إلى اجتماعات أخرى مع الكاتب العام وغيره. ولكن، في جميع الأحوال، الذين يقولون إن الوزير عندما يلج باب وزارته، يدخل متأبطا برنامجه واستراتيجياته، فهذا أمر غير ممكن. الآن وتيرة العمل هي أكثر تسريعا. طبعا هناك أوراش ابتدَأَ العمل فيها منذ سنوات، وتحظى بالأولوية، لأن جلالة الملك لديه إرادة قوية في أن تنجز: معاهد ومتاحف.. وبالتالي كان لا بد أن تكون لها الصدارة والأسبقية. من جهة أخرى، ينبغي للناس أن يفهموا أنه لا توجد طائرة تُحَلِّق في الجو بدون طاقة. أعني أنه بدون قانون المالية، بدون اجتماع مع وفد وزارة الاقتصاد والمالية برئاسة السيد الوزير صلاح الدين مزوار، ما كان لي أن أخطط استراتيجية هكذا. أنا لا أريد لهذه الوزارة أن تكون مقبرة للوعود الخائبة أو للوعود الضالة والمضللة. عليَّ أن أعرف بالذات ما هي ميزانية هذه الوزارة بالنسبة إلى2010. بدون هذه المعلومة، سيكون من الصعب أن أوزع الوعود. فإذن الآن، وقد حصل هذا الاجتماع، والحمد لله حصلنا على ميزانية سجلتْ ارتفاعا محسوسا ودالا بالنسبة إلى ميزانية السنة السابقة، هنا يمكنني، طبعا، حسب المرافق التي تُشرف عليها الوزارة، أن أعطي وعودا وأقول «المؤمن إذا عاهد وفى»، لأنه يعرف أن لديه إمكانيات في المصاحبات المالية، في مجال المسرح، في مجال التشكيل، في مجال النشر والكتاب، في مجال معرض الكتاب إلخ. ولكن ما أضيفه كذلك أن وزارة المالية بدورها لها إكراهاتها. أنا أدعو إلى ضرورة تنويع مصادر التمويل الثقافي. هناك القطاع الخاص، لا بد من تحسسيه بالثقافة وبضرورتها كحقل استثمار. هناك المحسنون، الذين لديهم أموال ولا يعرفون ما يفعلون بها، إلا إذا قدمتَ لهم برنامجا محكما، هادفا، ذا غايات محددة، واضحة. هناك كذلك الاتحاد الأوربي، السفارات، وجهات أخرى. وعلى ذكر السفارات، أُذَكِّر مَن يعتقد أنني أخلو هنا إلى مكتبي، أنِّني استقبلتُ العديد من السفراء والسفيرات. وكانت أول سفيرة استقبلتها هي سفيرة اليابان، ثم تلتها سفيرة الصين... وكان النقاش حول المساعدات التي يمكن لهذين البلدين، من خلال سفارتيهما، أن يقدماه للحقل الثقافي المغربي. السفيرتان معا أكدَّتا أنهما تفضلان الاستثمار في المجال القروي والمدن الصغيرة، حيت تعوز الدور والتجهيزات.. لقد أكدتا لي أنه إذا كانت هذه هي الخانة، فهما معا مستعدتان للمساعدة. أدعو كذلك إلى الانفتاح على الشخصيات المواردية. فقد استقبلتُ السيد العلوي المدغري، وكان وزيرا سابقا، وأسس جمعية سماها جمعية «ثقافات العالم»، ووضع لها برنامجا محكما واضحا، وطلب مني نوعا من المساعدة، على أساس أنها ستكون متبادلة. أول الأمس، استقبلتُ الفنان المهدي قطبي، ونعرفُ الشبكات التي ينتمي إليها، وعلاقاته المفيدة. لقد وعدني بأن يفعل كل ما في وسعه لكي يمول، على الأقل، في حدود 60 أو 70 في المائة، سواء في ما يخص المعارض، أو في ما يخص بناء متحف الفنون المعاصرة، وما إلى ذلك. هذه الأشياء يلزمها بعض الوقت، ولا يمكننا بعصا سحرية، في ظرف وجيز، أن نحقق كل ما يُنتظر منا. - هناك مَن رأى في تقلدكم حقيبة وزارة الثقافة إعادة اعتبار للفلسفة بالمغرب. ما هو تصوركم لدعم الثقافة الفلسفية والفكر العقلاني بالمغرب؟ < الفلسفة ستكون حاضرة. عندما أتحدثُ عن الإستراتيجية وعن الاختيارات الكبرى، فلا بد أن تكون مدعومة برؤية. وهذه الرؤية إذا كنت فكرية فلسفية طبعا ستكون قيمة مضافة. ولكن كل ما سأفعله هو بناء على معرفتي بالحقل الثقافي المغربي. فحيث يكمن الخصاص والعجز، سيكون حقل نضالي. أكيد، سنقوم بمسح على الصعيد الوطني، في كل المدن وفي كل القرى، حتى ننظر في الإجراءات الاستعجالية، التي ينبغي أن نقوم بها الآن وليس غدا. أنا أعتقد عن إيمان، أن أي عمل إذا لم تسبقه الفكرة أو النظرية، هو والعبث على حد سواء. أؤمن بهذا، لأن الفكرة هي مشكاة تنيرك، تظهر لك الأهداف، تظهر لك الطريق الأصح، الذي يلزم السير عليه، والعمل بدون نظرية، من شأنه أن يؤدي بنا إلى الدروب المسدودة، أو إلى مجموعة من الحركات التي أحشرها في النشاط من أجل النشاط. هذا النوع من الأنشطة الذي يكون لأجل تزجية الوقت. وأنا لا أريد هذا، أريد أنشطة نوعية أولا، ولكن نحاسبها من حيث نتائجها، التي ينبغي أن تكون ملموسة. - هذه كلها أفكار نبيلة، لكن هل يمكن أن نتحدث الآن، على الأقل، عن الخطوط العامة لبرنامجكم الثقافي؟ < نحن نتذكر قولة مفيدة، في هذا الباب، لوزير الداخلية الفرنسي الأسبق شارل باسكوا: «الوعود لا تُلزم إلا مَن يُنصتُ إليها». وأنا لا أريد أن أقع في هذا الفخ. لن أتفوه بوعد، إلا إذا علمت مُسَبَّقا أنه قابل للإنجاز. أما بخصوص الخطوط العريضة، فطبعا نتحدث مثلا عن أزمة القراءة. وهذه الأزمة، مثل الأزمة المالية علينا أن نحللها، لا أن نكرر دائما ما نقوله، في نوع من عملية التدمير الذاتي، والإيحاء بأننا لسنا شعبا قارئا، وأن القراءة في واد ونحن في واد. فحتى هذا العامل النفسي، يمكن أن يفاقِم الأزمة نفسها. - أليس هذا من قبيل النقد الذاتي، الذي يمكن أن يساعد؟ < نعم، ولكن الإنسان الذي يكرر هذا الكلام صُبْحَ مساء، في آخر الأمر سيجد ما يكرره. نحن نُقر بوجود أزمة، لكننا أوتينا من العقل ما نحتاج إليه، لذلك سنضع الأمور على الطاولة: لماذا هناك هذه الأزمة، وما هي أسبابها الظاهرة والخفية؟ ولماذا، خلال سنوات، لم يتم إيجاد الحلول المناسبة للتقليل منها على الأقل؟ هذا هو سؤال الأسئلة. وبعد ذلك سنجد أنواعا من الآليات والأدوات، وأكاد أقول الحيل، لتحسيس وتوعية الناس على العموم، بأن الطريق إلى اكتساب المعرفة، وبناء مجتمع المعرفة هو القراءة. والقراءة بالذات، هي بهذا المعنى، تصبح أعز ما يُطلب. ولهذا، فشعار المعرض القادم، سيكون بهذا المعنى. التفكير الفلسفي شيء جميل، ولكن البراغماتية ضرورية. فكرتي هي أن نقوم، بشراكة مع السيد وزير التربية والتعليم، الأستاذ اخشيشن والأخت السيدة لطيفة العابدة، بعملية استكشافية في صفوف التلاميذ، وحتى ربما الطلبة، وسأنظم ما أسميه مؤقتا أولمبياد القراءة والحفظ وذاكرة التراث، بمعنى تنظيم مسابقة، يأتي خلالها الإنسان ويتلو عليك المعلقات السبع أو التسع، حفظا وبالذاكرة، مع الحرص على الإلقاء الجيد. هذا الأولمبياد موجود في الرياضة، فلماذا لا يكون عندنا مثله في الثقافة، ونعممه على المدن الكبيرة والصغيرة، في البوادي، في المدارس. فكرتي بالذات هي الدفع إلى اكتساب اللغة، من خلال هذا النوع من التباري. وأنا أعي ما أقول، لأنه لو سألتني عن الشيخ الأكبر، أو عن معلقات الشعر الجاهلي، أو أدب المتنبي، فيمكنني أن أستظهر، عن ظهر قلب، أبياتا وأبياتا لا حصر لها، تعلمتها عندما كنتُ تلميذا ثم طالبا. وأرى الآن أنني عندما أبدع، فالذاكرة اللغوية تفعل فعلها. أليس هذا شيئا جميلا؟ - كيف نؤسس لدخول ثقافي مناسب وحيوي، خاصة وأنه مع كل دخول يتجدد نفس القلق عند المهتمين والمتتبعين؟ < أنا أتمنى أن تكون السنة كلها شهورا للدخول الثقافي، حتى لا نرهن أنفسنا بأجندة وبشهر معين إلى آخره. أتمنى أن يكون هناك فيض إيجابي خلال شهور السنة كاملة. طبعا جرت العادة، بعد العطلة الصيفية، أن يكون هناك دخول، لأن دور النشر تلقي بمنتوجها، وتكون مستعدة. ولكن لا ينبغي أن نحول هذا إلى هوس. طبعا أنا ألاحظ أن الدخول الثقافي ليس كما نرجو، ولكني أعتبر أن هناك دخولا في هذا الفصل، ودخولا آخر، وهذا يقع حتى في فرنسا، حيث يكون في بداية 2010، بالنظر إلى ما ترمي به دور النشر في سوق المكتبات، وفي سوق القراءة. - ولكن، أين يكمن عندنا الخلل؟ لماذا لا يكون هذا الدخول حدثا يحسس بأهمية الكتاب والقراءة والثقافة في حياة المواطن، كما يقع في دول أخرى؟ < هذا سؤال، في حقيقة الأمر، لا يمكنني أن أجيب عنه بكلمات قصار، لأن القضية تتعلق بتقاليد. طبعا هناك بلدان ترسخ فيها هذا التقليد، وأصبح الناشرون حريصين على أن يكونوا في الموعد، وهذا سؤال علينا أن نطرحه على ناشرينا بالدرجة الأولى. هل يهيئون أنفسهم لكي يكونوا في الموعد، إما في شهري، شتنبر/ أكتوبر، أو يناير/ فبراير؟ هذا سؤال علينا أن نطرحه عليهم. - ربما للأمر علاقة بسوق تداول الكتاب، التي تبدو ضعيفة بالمغرب؟ < هذا طبعا ما يقوله الناشرون، فيصرحون بأن طلب الكتاب واستهلاكه ما زالت وتيرته متدنية. كلهم يقرون بهذا. وبالمناسبة، فقد اجتمعتُ بهم، وكان سؤالي هو: لماذا لا تهيئون للدخول الثقافي؟ فكانت تعلتهم هي أن الكتاب أصبح استهلاكه يعرف تراجعا ملحوظا. ونؤكد هنا أن هذا التراجع سنعمل على وضع حد له، حيث سنكون بالنسبة إليهم شريكا، وشريكا فعالا. سنقدم لهم دفوعات ومساعدات لتقوية وتيرة الإنتاج، شريطة أن تكون لكل دار نشر لجنة قراءة محترفة، توافق على نشر هذا الكتاب ولا توافق على نشر الآخر. أكثر من هذا، عندما يكون الكتاب في مرحلة البروفات، لا بد أن تتكفل به لجنة تصحيح، حتى لا تقدم هذا المنتوج مليئا بالأخطاء. وإذا لم تستوف أي دار هذين الشرطين، لن يكون هناك دعم. - صرحتم مؤخرا، بأنكم تفضلون ألا تنصرف الوزارة مباشرة إلى شؤون النشر، على أن تدعم الناشرين أكثر، حتى لا تتحول إلى منافس لهم. لكن ألا يكون هذا على حساب حاجيات الثقافة المغربية في المرحلة الراهنة؟ < ينبغي أن تكون لنا اختيارات. هناك دور للنشر، وإذا أصبحت وزارة الثقافة ناشرة، فإنها ستدخل في مزاحمتها ومنافستها. لا يُمكننا أن ندعم دور النشر، وفي نفس الوقت نكون ناشرين، مع استثناء يتعلق مثلا بنشر أول كتاب، أول إبداع بالنسبة إلى الشبان، الذين لا يجدون ناشرين. هنا تقوم الوزارة بواجبها. بخصوص نشر الأعمال الكاملة، فهذا تقليد جميل لا بد أن نستمر فيه، ونحرص على توسيع نطاقه. أما أن يكون لنا برنامج نشري، فهذا ليس معقولا، لأننا سنكون مضطرين للتخفيض من الثمن، وهذا يمكن أن يشوش على الناشرين المحترفين، الذين مهمتهم في السوق هي النشر والتسويق. - ولكن الناشر المغربي عادة ما يفتقد إلى حس المغامرة، وينشر كتبا أحيانا بناء على حسابات ضيقة. لذلك ألا يبدو تدخل الوزارة ضروريا؟ < الكتاب لا يوجد فقط لكي يُطبع ويُصبح كتابا. الكتاب عندما يُطبع لا بد وأن يُوَزع. إذا أصرت الوزارة على أن تصير دار نشر، فينبغي أن تصبح كذلك شركة توزيع. - صحيح، هذه النقطة، أريد أن أعود إليها، لأنه يُلاحظ أن منشورات الوزارة لا تُوزع! < كلٌّ ميسر لما خُلِق له، لا يمكن أن تقوم بأعمال يعيش منها الآخرون. هذه المزاحمة ستكون غير متكافئة. المجلس الأعلى للثقافة في مصر، مثلا، ينشر ما شاء الله من كتب، ولكنه لا يوزعها. يخزنها عنده، ويشارك بها في المعارض، ويوزعها بالمجان. هذا ليس هو المطلوب. الكتاب إذا لم يُوزَّع، فمعنى هذا أننا نقتله، أو نقبره حيا. فإذا أردنا أن نكون دار نشر، ينبغي أن نكون بالموازاة دار توزيع. تصورُنا هو أن نعين لجنة قراءة، تنتقي الكتب التي لا بد أن تُنشَر، حينها نتوجه نحن كوزارة إلى هذا الناشر أو ذاك، يملك مصداقية وحضورا، فنتعاقد معه على طبع الكتاب على نفقتنا، شريطة أن يوزعه إذا كان كذلك موزعا، أو يوكل هذا الأمر إلى دار توزيع متخصصة، والحساب يكون في الأخير. وتعلم أن التوزيع، على ضرورته، فهو غير كاف، لأنه لا بد كذلك من مصاحبة إعلامية. - حين يقدم الناشر كتبا لدعمها، ماذا سيكون موقف الوزارة؟ < هذه قضية أخرى، إذا كان الناشر يقدم كتبا، طبعا منتقاة، فسنقدمها للجنة قراءة، إما تصادق على بعضها، أو ترفض الكل. المهم أن تخضع للجنة صارمة حريصة على النوعية، على الجودة، على الكفاءة، على الاسم كذلك. فإذا توفرت هذه الشروط، فإننا سنساعد هذا الكتاب على أن يُطبع ويُروَّج، ويقرأ. - الجوائز التي تقدمها وزارة الثقافة، غالبا ما لا تترك ذلك الصدى المفروض في الجوائز الثقافية، على مستوى تداول الكتاب، وعلى مستوى لقاءات المؤلفين بالقراء. كيف نؤسس حيوية من المطلوب أن تخلقها مثل هذه الجوائز؟ < تعلم أن هذه مؤاخذتي أنا أيضا، قبل أن أكون وزيرا. لا يمكن أن تُعطى جوائز فقط لقيمتها المادية. هذا شيء جميل في حد ذاته، بل سأطالب حتى بالرفع من قيمة هذه الجوائز ماديا، لكن هذا لا يكفي. فإذا كان الكتاب قد مرَّ عبر لجنة موقرة، محترمة، وموضوعية، فهذا الكتاب لا بد من أن يحظى بكل شروط الحضور والانتشار والتوزيع، في المغرب وخارجه. هذا هو اختياري. - لكن الإعلام، خاصة التلفزيون، لا يقوم بمهمته المطلوبة منه في هذا الباب! < في هذا المجال بالذات عندي فكرة واحدة، أتمنى أن أحققها. والآن، أنا بصدد الاتفاق مع الأستاذ فيصل العرايشي ومع السيد سليم الشيخ، مع وزارة الاتصال، لكي تكون هناك وصلات إشهارية للإخبار عن الكتب. لأن هناك مشكلة حقيقة، فالكتاب يظهر، ولكن الخبر لا يصل. أكثر من هذا، أريد مثلا إقناع إخواني في مجال الإعلام السمعي البصري أن يعيدوا للثقافة اعتبارها من خلال برامج ثقافية. علينا ألا نتعلل بقضية الجمهور، أو نمرر البرنامج الثقافي بعد منتصف الليل، أو قبيله. لا أبدا. هنا يلزم إجراء مفاوضات مع هذا المرفق. ولكن قبل أن نعيد إحياء هذه البرامج الثقافية، وتكون مبرمجة خلال السنة، مع فاعلين نختارهم، ستأتي مثل هذه الوصلات الثقافية، لتخبر عن الكتاب وصاحبه ودار النشر. سأدعم جمعيات المسرح والتشكيل أكثر من المتوقع - بالنسبة إلى الدعم المسرحي، يُلاحَظ أن الدعم لم يحقق النتائج المرجوة منه، على مستوى خلق حيوية مسرحية بالبلد؟ - أنتَ تسألني عن الماضي...! - لكن، الملاحظة، هل هي صحيحة أم لا؟ < أنتَ تعرف أنه في مجال المطالب دائما هناك «هل من مزيد».? عموما، هذا الشأن سأسهر عليه. ولن تكون بدعة، هذه فكرة أنقلها عن علاقة وزارة الاتصال بالصحافة الوطنية. أي جمعية جمعية، كما هو الحال بالنسبة إلى الجريدة، إذا لم تستوف سنتيها، الأولى والثانية، لن تحصل على دعم. لا بد من أفق زمني، لأن الخطر يكمن هنا، مثل نبات الفطر، الجمعية تنشأ، تستفيد من الدعم ثم تختفي، أو تنحل، لتعيد خلق نفس الجمعية باسم آخر. هذا شيء سنضع حدا له. الجمعية إذا لم يكن في عمرها، على الأقل، سنتان مليئتان بالعمل والعطاء والقدرة على الاستمرارية، لن تنال شيئا. ولكن إذا كانت الجمعية، بوسائلها الخاصة، والموارد موجودة إذا عرفتِ الأبواب التي ينبغي أن تُطرَق، وقدمتْ ملفا مؤرخا بالأنشطة والأمكنة، فإنها ستحظى بالدعم، سواء في المسرح أو التشكيل، وقد يكون أحيانا أكثر من المتوقع. لماذا؟ لأننا نروم الفعالية. - على ذكر التشكيل، يلاحظ أن ساحات مدننا غالبا ما تخلو من لمسات فنية، ترتبط مثلا بالمنحوتات، أو بتزيين المدن. ألا تفكر الوزارة، بتنسيق مع الجماعات ومجالس المدن، في إعطاء مدننا فسحة من الجمال، تدعم صورة البلد، وتاريخه؟ < نعم، أعطيك فقط مثالا، نحن سنعيد ترميم واجهة مسرح محمد الخامس، الواجهة الزجاجية. وسنساهم في إعادة ترميم تلك الواجهة، سيكون الفن المغربي المعماري والهندسي والزخرفي حاضرا، حتى نقول إننا سنلج هذا المسرح، ويقابلنا الإمضاء الفني المغربي. هذا المشروع هو من الترميمات المُجَدولة، في القريب العاجل. ثم شيء آخر، أريد أن أزف بُشراه إلى كل الإخوان المهتمين بالثقافة أو بالإبداع، وهو أن ما كان يسمى وزارة الأنباء سابقا، وهو يوجد، في قلب العاصمة، سيتم تفويته إلى وزارة الثقافة. هذا المكان الذي له تاريخ وذاكرة، سنعمل على تمليكه للوزارة، لِنجعل منه مركزا متعدد الوظائف والاستعمالات، تحت اسم «ملتقى للثقافة والإبداع». سيكون بمثابة مجال مفتوح، لمن يريد أن ينظم نشاطا فنيا، شعريا، روائيا، أو موائد مستديرة في الفكر، في الفلسفة، في السوسيولوجيا... نحن كوزارة للثقافة، سنعمل أولا على ترميمه وإصلاحه، وخلق فضاءات، سنعيرها لمن يطلبها، بالمجان أو بالمقابل حسب طبيعة الجمعية. لقد كان هناك تفكير في تحويله إلى متحف للحلي، ولكن متحف الحلي موجود في الوداية، وهو المَعْبَر لكل من دخل الوداية، فتصبح زيارة هذا المتحف، أكاد أقول، فرضَ عين. فإذن سيُخصص هذا الفضاء للثقافة والإبداع، حيث يمكن لبيت الشعر أن يشتغل فيه، لاتحاد الكتاب كذلك، إن شاء الله، بعد أن يقف على رجليه. وأنا متيقن أن النبوغ المغربي، وآخذ عن عمد هذا العنوان للمرحوم عبد الله كنون، موجود، وقد يلزم أن نزيح عنه الغبار، والحيف الذي لحقه مند عقود وعقود، من طرف أناس، للأسف الشديد، يستصغرون أنفسهم، فيقفون موقف الانبهار أمام ثقافة المشرق، ونعتز بها، لأنها جزء لا يتجزأ منا، أو الثقافة الأوربية، وينصهرون إما في هذه أو تلك، انصهارا يذيب الشخصية المغربية، ويجعلها مكسرة النوابض. عندما نكون واعين، بنبوغنا المغربي ومفتخرين به، فإن انفتاحنا على الآخرين سيكون انفتاحا حقيقيا، انفتاحا نَدِّيا، وليس انفتاح الصغير على الكبير، أو الضعيف على القوي.