أنا أم لطفلين الأول يبلغ من العمر10 سنوات والثاني 6 سنوات. توفي والدهما منذ سنتين ومنذ ذلك الحين وأنا أحاول أن أكون بالنسبة لهما الأم والأب في نفس الوقت وأجاهد لكي لا يحرما من أي شيء لأنهما يتيمان. مشكلتي تكمن حاليا في أنني بدأت أصاب بالإرهاق الشديد لأنني أبذل مجهودا كبيرا في الاهتمام بهما طوال الوقت، حيث أجد نفسي أهتم بأتفه الأشياء التي تخصهما والتي في الحقيقة أعلم أنها لا تستدعي مني كل هذا الاهتمام وقد أصبح ابني الأكبر يطلب مني أشياء لا أستطيع تلبيتها ويغضب بشدة عدة مرات في اليوم ودون سبب، فما العمل؟ > حينما يتعلق الأمر بموت أحد الوالدين يكون من المهم جدا أن يصل الطرف الآخر الذي ظل على قيد الحياة إلى مرحلة يتقبل فيها شيئا ما موت شريكه ويفكر في الطرق التي يمكن أن يوظفها لكي لا تقف الحياة بأكملها بالنسبة إلى الأسرة عند حدث الموت هذا. أتفهم سيدتي الوضعية والمعاناة التي تعيشينها حاليا وأتفهم هذا الإرهاق الذي تشتكين منه لأنك حسب ما ذكرت في رسالتك تريدين لعب دور الأم والأب في نفس الوقت ولا ترغبين في أن يشعر طفلاك بالحرمان بسبب غياب الأب داخل الأسرة، لكن دعيني أقول لك إنه ليس من الضروري أن لا يشعر طفلاك بالحرمان وإنما عليهما أن يتقبلاه ويعيشاه ويشعرا بالرغبة في الحياة. لقد قلت أيضا إنك لا ترغبين في أن يشعر طفلاك بأنهما مختلفان عن الأطفال الآخرين لأن والدهما قد توفي، لكن ما يجب الانتباه إليه في الواقع ليس الموت في حد ذاته وإنما كيف يعيشان هذا الغياب وما هي التفسيرات التي أعطيت لهما حوله، فموت الأب لا يمكنه لوحده أن يجعل معاناة الأطفال تستمر وإنما أيضا المعنى النفسي لهذا الموت بالنسبة إلى المحيط الأسري. أطفالك هم طبعا في حاجة شديدة إليك كأم تحب وتعطف وتمنح الكثير من الأشياء لكن أيضا تمنع من كثير من الأشياء التي لا تستطيع توفيرها أو لا يمكنها تحقيقها، لأن فيها ضررا بالنسبة إلى الأطفال. هكذا لن يستغل طفلاك غياب الأب من أجل التعود على تحقيق كل الرغبات الخاصة بهما كما لن تصبح علاقتك بهما رهينة فقط بما يمكنك أن تمنحيه لهما. كما أن حياتك بأكملها لا ينبغي أن تنحصر في ما يجب أن تفعليه أو لا تفعليه من أجلهما لأنه من الأمور التي تستطيع أن تخدم بشكل إيجابي تكوينهما النفسي. هو إحساسهما العميق بأن لديك اهتمامات أخرى في الحياة بالإضافة إليهما لكي لا يقتصرا بدورهما على عالمك ويستطيعا الانفتاح على علاقات أخرى مع الأقارب أو في المدرسة مثلا. بقي أن أقول لك شيئا مهما وأساسيا جدا وهو أولا ضرورة أن تفسري بطريقة واضحة وبسيطة لطفليك معنى الموت وبأن والدهما وإن لم يعد معهما كما كان من قبل فإنه دائما سوف يكون معهما في قلبيهما لأنه والدهما ولأنه كان يحبهما كثيرا، ثانيا لا بد وأن تريهما من فترة لأخرى ألبوم الصور التي تضم الأسرة قبل موته وصوره هو خصوصا، وأن تمنحي إحدى صوره لطفليك إن أرادا الاحتفاظ بها أو الاحتفاظ بأحد أفراد الوالد من اختيارهما، لأنه عن طريق ذلك يمكنهما أن يتقبلا شيئا فشيئا هذا الموت وكذلك الشعور بالحضور الرمزي للوالد داخل المنزل بالرغم من غيابه الفعلي. < أنا فتاة أبلغ من العمر 22 سنة، متفوقة في دراستي وليس لدي أي مشكل جدي يسبب لي المعاناة مع أسرتي، إلا أنه لدي خوف شديد من التجول لوحدي في الشارع إذ بمجرد ما أجدني أمام أناس لا أعرفهم أشعر بعدم الأمان وأحس أنه في أية لحظة يمكن أن يؤذيني أحد ما، أخبرك أن والداي يخافان علي كثيرا خصوصا أمي، وذلك منذ طفولتي حيث لم يكن باستطاعتي اللعب كثيرا مع الأطفال الآخرين لأن والداي يعتقدان أنه يجب علي أن أبقى دائما قريبة منهما لكي لا أصاب بأي مكروه. في الحقيقة إن هذا الإحساس بأن مكروها قد يلحقني بسبب الآخرين سبب لي معاناة كبيرة، فهل مشكلتي هذه تستدعي علاجا نفسيا؟ > مشكلتك هذه تحثني على الحديث عن أهمية فترة الطفولة وما يحدث خلالها في التصور الذي سوف يحمله الطفل حول نفسه وحول الآخر لاحقا، إذ في هذه الفترة يغلب التخيل على طبيعة التفكير لدى الطفل وبالتالي فإنه يعطي للواقع تفسيرات وتصورات قد تكون بعيدة كل البعد عن الحقيقة، وهنا يأتي الدور الكبير للمحيط من أجل استغلال هذا الخيال في تنمية شخصية الطفل وقدراته عن طريق إتاحة الفرصة له من أجل الحديث عن هذا العالم الخاص جدا من التخيلات، وكذلك عن طريق أنشطة فنية إلى غير ذلك، إلى جانب هذا يظل من الأساسي جدا إعطاء تفسيرات بسيطة وواضحة حول المخاوف التي يشعر بها الطفل والتي قد تكون ناتجة عن نظرته اتجاه بعض الأمور لكي يحس بالأمان والاطمئنان اللازمين لنموه النفسي, بالإضافة إلى ذلك قد يستحضر الطفل خوف والديه الشديد عليه من الآخرين أو من أشياء ليستمر معه هذا الخوف لاحقا ولو انتهت فترة الطفولة. لقد ذكرت في رسالتك مدى خوف والديك عليك وخصوصا والدتك. أود أن أقول لك إنه لحسن الحظ أنك تعتنين بهذه المسألة لأنها أساسية جدا ولها دور كبير في ما تعانين منه حاليا، إذ إن خوف والديك هذا قد يكون راجعا لعوامل نفسية خاصة بهما، كما أنهما لم يقصدا الإساءة إليك عن طريق حرصهما الشديد عليك إلا أنك أصبحت الآن تخافين على نفسك خوفا مماثلا لذلك الذي تلقيته عن والديك. من المؤكد أن لكل واحد منا مخاوفه الخاصة به والتي قد تكون متعلقة بأشياء كثيرة تحدث في الشارع كالسرقة والاعتداء مثلا، لكن إن كانت هذه المخاوف تجعلك عاجزة عن الخروج إلى الشارع والالتقاء بالآخرين ففي هذه الحالة قد يتطلب الأمر علاجا نفسيا لتجاوز المشكل، لأنك ربما في حاجة إلى الحديث عن مخاوفك والاشتغال عليها بطرق علاجية لكي لا تتجنبي أو تهربي من كل ما تخافين منه وإنما من أجل التعامل مع هذا الخوف بطرق جديدة. وأخيرا أقول لك إن هذه النظرة من الخوف التي تحملينها حول الآخرين قد تكون من ورائها مجموعة من التفسيرات والتأويلات والتبريرات التي أعطيتها لخوف والديك عليك فتعاملت معها على أنها الحقيقة الوحيدة، وهذا ما يمكنك التعمق فيه عن طريق العلاج النفسي إلى جانب عوامل أخرى خفية قد تكون أيضا من وراء هذا المشكل الذي تعانين منه.