المشاهد المغربي التي يتابع المسلسل الأمريكي «ربات بيوت يائسات» يتوقف باستغراب عند حكاية بطلته أنيت (فيليسيتي هوفمان) التي تعمل بالخارج بينما يبقى زوجها في المنزل ليرعى الأطفال دون أن يثير ذلك أي دهشة لدى جيرانها في حي ويستيريا. لكن ما قد يعتبره البعض جديدا وخارجا عن المألوف في هذا العمل الفني أصبح اليوم ظاهرة مألوفة في كثير من المدن المغربية وعند مئات الأسر، إما لأن الزوج عاطل عن العمل، وإما لأنه أصيب بحادثة أرغمته على القيام بدور ربة البيت، أو بسبب اعاقة جسدية. لكن في كل الحالات فإن نظرة المجتمع لمثل هذه الحالات لا تزال مشوبة بالاستنكار والريبة والسخرية أيضا. تبادل الأدوار كل صباح يرافق عبد القادر زوجته إلى محطة الحافلة، ثم يتوجه بعدها الى مدرسة طفلهما ويعود إلى المنزل لينهي بعض الأعباء المنزلية. بعد ذلك يقصد «الجوطية» عله يعثر على أشياء يشتريها ليعيد بيعها من جديد، وعند الظهيرة يعود لجلب الصغير من المدرسة وإطعامه ثم حمله إلى المدرسة مرة أخرى. أما في المساء فينتظر زوجته قرب محطة الحافلات ليعودا معا إلى المنزل.. إنه سيناريو يتكرر كل يوم يمارسه (ع) منذ 5 سنوات دون أدنى خجل. وبسبب ذلك أصبحت سيرة الاثنين، تلوكها الألسن، وكان السؤال الذي تردده نساء الحي هو: «هل جنت الفتاة لتتزوج رجلا يقوم بدور الزوجة؟ لكن الزوج كما يؤكد معارفهما كان صريحا مع زوجته منذ البداية، واعترف لها أنه على «باب الله» وكل ما يملكه غرفتان ومطبخ بسطح منزل والديه. وقد وافقت الفتاة لأنها كانت تريد أن تستر نفسها، خاصة أنها قضت معظم طفولتها وجزءا من شبابها خادمة في البيوت». تقول مصادرنا. كانت نظرة الناس في الحي قاسية عليهما معا، فقد كانت بعض نساء الحي يبادرن الزوج بسخرية قائلات: «صافي أنهيت المهمة.. أوصلت المدام إلى محطة الحافلات»، وحتى الزوجة كانت تتعرض للسخرية واللمز والغمز من طرف الجارات، سواء بالحمام الشعبي أو في حفلات الحي، وكن يسألنها ان كانت وظائف (ع) داخل جدران منزلها تتلخص في غسل أواني الإفطار، وشراء لوازم وجبة العشاء والعناية بالصغير، في حين تتولى هي الإنفاق على البيت والصغير، وكن يضحكن بسخرية وهن يرددن أنهن كثيرا ما يرينه يتولى غسل الملابس ونشرها بسطح المنزل. وهذا الوضع جعل زوجته تكتسب السلطة، وجعلها الآمر والناهي بالمنزل، كما تقول والدة الزوج. تعوله وتمده بالمال عندما زفت (أ) قبل 20 سنة عروسا إلى زوجها قادمة من البادية، كانت مهمتها مقتصرة على تربية الأطفال، ولم تكن تتصور يوما أنها ستصبح المعيلة لأسرتها بدل زوجها، لكن تغيرت الأحوال بعد أن أصيب شريك حياتها بعارض صحي أقعده عن العمل، حيث أصبحت تعمل بينما ينتظر هو في البيت عودة الأولاد من المدرسة واستقبال الضيوف إلى حين عودتها. عملت (أ) خادمة في البداية لدى عدد من الأسر، قبل أن تستغل مهارتها في الطبخ لتصبح طباخة في الأعراس والحفلات. وتؤكد مصادر قريبة أنه رغم شفاء زوجها إلا أنه فضل المكوث بالبيت، وأن الزوجة لا تكتفي اليوم بالإنفاق على البيت فحسب، بل تمد زوجها يوميا بمبلغ 30 درهما لشراء السجائر بالتقسيط وورق (اليانصيب)، كما أصبحت ابنتاها تساعدانها في مصاريف البيت من خلال صنع الحلويات. رأي النساء حول تبادل الأدوار بين الأزواج سألت «نجمة» مجموعة من النساء وخرجت بهذه الشهادات: تقول فاطمة الزهراء (ربة بيت):«المرأة اليوم تتحمل مسؤولية أكبر من طاقتها، وأصبحت في كثير من الأحيان هي المسؤول الأول والأخير عن أسرتها. وبعد أن كان الرجل في الماضي يشترط على زوجته ترك العمل لأنه يعتبر اشتغالها خارج البيت سبة في حقه، أصبح يشترط في وقتنا الراهن أن تكون عاملة لتتقاسم معه أعباء الحياة، وأصبحنا نرى سيدات يعملن بدون كلل في حين يبقى الرجل في البيت ليتولى تربية الأطفال». إيمان (طالبة): «لا يمكنني أن أتزوج بشاب عاطل عن العمل حتى لو كان حاصلا على مؤهل جامعي عال، وكل من لا يملك مقومات الحياة الزوجية من بيت وراتب شهري لا يمكنني الارتباط به. وفي اعتقادي أن الفتاة التي تقبل هذا الوضع فهي إما تعيش حياة صعبة، أو أنها تبحث عن أمان مفقود في حياتها تعوضه بالزواج برجل ولو كان عاطلا عن العمل». رأي الدين * الإمام والخطيب سعيد حنين إذا كانت الزوجة مجبرة تخير بين الاستمرار أو طلب الطلاق «الزواج في الإسلام رباط مقدس يتحمل فيه الطرفان المسؤولية، والعلاقة بين الزوجين قائمة على المودة والرحمة لقوله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة». هذه المودة والرحمة التي تأسست عليها الحياة الزوجية تجعل كل طرف يعمل كل ما في وسعه لمساعدة الطرف الآخر قدر المستطاع. فإذا كان الزوج المكلف شرعا بالإنفاق على الزوجة والأولاد عاجزا عن تحمل المسؤولية، إما لظروف صحية أو غيرها، وكانت الزوجة تريد مساعدته وليست مجبرة على ذلك، وإنما متطوعة بدافع المودة والرحمة، فلا مانع أن تقوم بعمل يمكن أن يخرج الأسرة من أزمتها إذا كان الزوج عاجزا عن الكسب الحلال، ولها في ذلك الأجر والثواب لأنها تساعد الزوج على أعباء الحياة. لكن إذا كان الزوج يتمتع بصحة جيدة، وقادرا على الكسب وتوفرت له الظروف، وتكاسل أو تملص من المسؤولية وألقاها بكاملها على عاتق الزوجة ففي هذه الحالات يبقى للمرأة خياران: أن تصبر على هذه الحياة من أجل أولادها وتواصل العمل في مساعدة زوجها. أو ترفع أمرها للقاضي بدافع عجز الزوج عن تحمل المسؤولية وتطلب الطلاق. رأي علم الاجتماع * عبد الكريم بلحاظع ليس لتبادل الأدوار بين الزوجين أي تداعيات نفسية وصف عبد الكريم بلحاج، أستاذ علم النفس والاجتماع بكلية الآداب بالرباط، تبادل الأدوار بين الأزواج بالظاهرة الصحية، مضيفا أنها حديثة العهد بالمغرب بعد أن فرضتها ظروف الحياة المعاصرة حيث جعل إيقاع الحياة السريع الأفراد في سباق حتى يتوافقوا معها. قد نصادف زوجا لا يملك مؤهلا يسمح له بالعمل أو أصيب بعاهة أو وجد نفسه عاجزا عن إيجاد عمل فيصبح من المنطق أن يتكفل بأعمال البيت سواء الشؤون اليومية أو تربية الأطفال. وهذه الحالات تكسر النظرة التقليدية للمجتمع الذي يرى أن الزوج لا يمكنه القيام بأعباء المنزل، وبخصوص النظرة السلبية للمجتمع تجاه هذه الظاهرة، فإن الزوجين إذا أعارا اهتماما لها فإنها ستضر بهما أكثر مما ستفيدهما. وعليه لا ينبغي لهما أن يتأثرا بنظرة المجتمع لأن كل واحد منهما يكمل الآخر. ويمكن تغيير هذه النظرة عن طريق التحسيس والإعلام بالتأكيد على أن الزوجين شريكان في الحياة، وأن تبادل الأدوار لا يهدم العلاقة الزوجية، وهذه الحالات قد تثير الاستغراب في الوقت الراهن لأنها تشكل نسبة قليلة، لكنها حين تتضاعف نسبتها ستخف حدة نظرة المجتمع، وكم هي كثيرة الظواهر التي كانت شاذة عن القاعدة في الماضي أصبحت اليوم عادية. ولا أعتقد أن يكون لتبادل الأدوار بين الزوجين أي تداعيات نفسية أو اجتماعية مادامت تحافظ على كيان الأسرة وتجعل العلاقة الزوجية مستمرة.