توالت على مدينة فاس أحداث مأساوية، فبعد مقتل عشرة مصلين جراء انهيار مسجد عين الخيل بداية الشهر الماضي، انضاف إلى سجل الحوادث انهيار منزل بحي بن زاكور السفلي (ظهر الخميس) خلف مقتل سبعة أفراد من عائلة واحدة، فيما نجى 19 فردا من سكان المنزل، المكون من ثلاثة طوابق، خمسة منهم أصيبوا بجروح وما يزالون في المستشفى (امرأة وزوجها وثلاثة أبناء)، فيما لم يكن عشرة منهم موجودين بالبيت لحظة وقوع الحادث يوم الجمعة الماضي. التجديد انتقلت إلى عين المكان وأنجزت الاستطلاع الآتي. نخشى أن يأتي الدور علينا أدى انهيار منزل مكون من ثلاثة طوابق يسكنه أفراد عائلة واحدة إلى سقوط منزل مجاور لم تكن صاحبته تقطنه لحظة وقوع الحادث، وإحداث شقوق في بيت آخر متاخم (غادره أهله خشية انهياره) وكذا تحطيم غرفتين لمنزل آخر. بالقرب من المنزل المنهار ما يزال رجال الوقاية المدنية والأمن الوطني تحسبا لأي طارئ، خاصة وأن ركام هذا المنزل لم ينقل. وعن سبب عدم إزالة الركام ، يقول أحد رجال الوقاية المدنية لالتجديد: إن إزالته من مكانه قد يؤدي إلى انهيار المنازل المجاورة لأنها لا تتوفر هي الأخرى على دعامات. وأرجع تقني، فضل عدم ذكر اسمه، أسباب الانهيار إلى انعدام وجود ركائز ودعامات بالمنزل المذكور وكذا طريقة البناء التي اعتبرها عشوائية. بينما رأى بعض السكان غير ذلك، وأرجعوا السبب إلى الأشغال الجارية التي تهم مد الحي بقنوات الصرف الصحي. يصرح أحد سكان المنزل المنهار لالتجديد بالقول: إنه قبل انهيار البيت بثلاثة أيام وأثناء قيام الجرافة بالحفر سقط جزء بسيط من سقف البيت، أما الجيران فما يزال الخوف يتملكهم من هول ماجرى، تقول إحدى الجارات: استيقظنا ليلا على وقوع حادث انهيار المنزل المجاور لنا، ونخشى أن يأتي الدور علينا، وحسب علمي فإن أصحابه وجه لهم إنذار بالإفراغ غير أنهم لم ينفذوه. امحمد مؤدب من جانبه قال إنه لم يسبق أن بلغنا بأمر إفراغ المنزل، وهذا مجرد كذب، فلا أحد يسكن في بيت يعرف أنه سيسقط عليه يوما ما. ضاع منا كل شيء..لقد أصبحنا مشردات كانت الجنازة رهيبة أول أمس (السبت) سبعة أفراد حملوا في لحظة واحدة قصد الدفن، وحضر مراسيم الدفن المسؤولون المحليون والجيران ليقدموا المواساة والتعازي لأقارب الضحايا. وفي اللحظة التي توجه فيها الرجال إلى المقبرة لمواراة التراب على جثامين الضحايا، لم يجد أفراد العائلة الناجون بيتا يأويهم سوى بيت قريبتهم عزيزة بومدين الذي يبعد عن مكان الحادث ببضعة أمتار، حيث جلسوا جميعا في بيت مكون من غرفتين وبهو صغير يتلقون التعازي من الجيران والمعارف. تقول كلثوم بشاري، التي رزئت في والديها وثلاثة من إخوتها: منذ ثلاثة أيام من وقوع الحادثة، شعرنا بأن المنزل بدأ يتحرك كلما بدأت الجرافة تحفر في الحي، غير أننا لم نكن نتصور أن يكون الأمر بتلك الخطورة، ومن قدر الله أننا قضينا تلك الليلة عند خالتي، تقاطعها أختها كريمة قائلة، وهي تبكي، لقد سقط جزء بسيط من سقف المنزل، ثم تستطرد بانفعال: ما جرى جرى ولكن ما مصيرنا نحن أربعة فتيات أين سنقيم ضاع منا كل شيء؟ لقد أصبحنا مشردات. طلبت من والدي مغادرة المنزل لم يتوقف إلياس منصور (13 سنة) عن البكاء منذ جلوسه إلينا، فمخيلته الصغيرة تحفظ كل الأحداث الذي شاهدها بأم عينيه، يقول إلياس بصوت حزين: في تمام الساعة الثانية عشرة ليلا من ليلة الخميس، لاحظت شقوقا بسيطة بالمنزل فتملكني الخوف وتخيلت أن البيت سينهار، فطلبت من والدي مغادرة المنزل والمبيت في أي مكان، غير أن أمي -رحمها الله- أمرتني بعدم الخوف والنوم، فتسللت خارجا، وقصدت الحارس الليلي وبقيت جالسا بجانبه إلى أن شاهدت منزلنا ينهار، ويتابع إلياس حديثه ودموعه على خده: إثر وقوع الحادث سارعت إلى المقاطعة قصد إخبارالمسؤولين هناك، وبعد لحظة حضرت السلطات المعنية، وعلمت بعدها أن أبي وأمي توفيا. لم يستطع إلياس إكمال حديثه لنا من شدة البكاء خوفا من المصير المجهول الذي ينتظره، وهو الذي غادر الدراسة باكرا لأجل العمل في مجال النجارة، ولا يعرف من سيكون له الحضن الدافئ خاصة وأنه لم يبق من أسرته الصغيرة سوى أخته ليلى التي ما تزال تتابع دراستها. لم أستيقظ إلا وركام المنزل يغطيني توجهنا إلى مستشفى الغساني حيث يرقد الناجون من الحادث، وهم خمسة أفراد من أسرة واحدة كانت تقطن بالطابق الثالث، تحدثنا إليهم بشروط مسبقة مثل أخذ الصور ممنوع ولو وافق المعنيون على ذلك، شروط تطبق على بعض وسائل الإعلام دون أخرى. بجناح الرجال من المستشفى يرقد امحمد مؤدب (36 سنة) مهنته خياط، يروي تفاصيل الفاجعة: نمت على الساعة الواحدة ليلا ولم أستيقظ إلا وسقف المنزل على ظهري، لم أستطع الحركة إلا بشق الأنفس، إلى أن تم إنقادنا من قبل رجال الوقاية المدنية وبعض الجيران. امحمد لم يعرف بعد نوع إصابته فهو لا يستطيع الحركة إلا بصعوبة شديدة، يقول امحمد محتجا: لحد الآن لم تجر لي أية فحوصات بالأشعة. في غرفة أخرى ترقد الدرسية البشاري، زوجة امحمد، رفقة ابنتها فتيحة (13 سنة) في حين كان طفليها نبيل ولبنى، اللذان لم يصابا إلا بجروح خفيفة، يلعبان على الجانب، تقول الدريسية: كنت نائمة وأخرجت رجلي بصعوبة شديدة إلى أن تم إنقاذي. أما فتيحة،منقطعة عن الدراسة وتساعد أباها في الخياطة، المصابة ببعض الشقوق في رجلها لم تتعرف إلى ظروف الحادث ولم تشعر بأي شيء إلى أن وجدت نفسها بالمستشفى ترقد إلى جانب أمها. تركنا الناجين من الحادث وهم يرددون سؤالا واحد: هل ستوفر لنا الجهات المعنية منزلا يأوينا، خاصة وأن ظروفنا المعيشية مزرية والمنزل الذي تركه لنا الأجداد أصبح ركاما؟ أما سكان فاس فيتساءلون بدورهم عن الحوادث المقبلة المرتقبة خاصة وأن فاس بها حوالي5453 دارا بناؤها متدهور، حسب إحصائيات وكالة التخفيض من الكثافة وإنقاذ مدينة فاس، وهو رقم يمثل نسبة 39 % من البنايات ب المدينة العتيقة، كما أن 1200 منزل من هذه المنازل المتدهورة تعد منازل آيلة للسقوط بنسبة 9 %. خديجة عليموسى