فيما كان المسؤولون والمنتخبون ورجال السلطة والجيش.. يجددون بيعتهم وولاءهم، هذه السنة، للملك محمد السادس، انشغل سلفيون في طنجة وتطوان والدار البيضاء.. بأخذ البيعة، لزعيم «الدولة الإسلامية» أبي بكر البغدادي، من باعة متجولين وعاطلين عن العمل وسجناء... ينتظرون فرصتهم للهجرة إلى «أرض الجهاد» في سورياوالعراق. حدثٌ كهذا ما كان ليمرَّ دون أن يعيد إلى الأذهان سؤال الولاء للوطن، بالنسبة إلى عموم المغاربة، مسلمين ويهودا... وسؤال «الولاء والبراء» بالنسبة إلى السلفيين الجهاديين المغاربة، والأوربيين من أصول مغربية، على الخصوص. 1 - إذا كان فشل إدماج «الجيل الثاني» من المهاجرين في أوربا قد جعلهم موزعي الانتماء والولاء: لغويا واقتصاديا واجتماعيا إلى البلد الأوربي الذي ازدادوا فيه، وثقافيا ودينيا إلى البلد الذي ينحدر منه آباؤهم (المغرب في حالتنا)، فما الذي يجعل هذا المواطن الأوربي، ذا الأصول المغربية، يُحوّل ولاءه في اتجاه بلد ثالث: أفغانستان أو العراق أو سوريا؟ عندما انخرط المغرب، سنة 1980، في المخطط الأمريكي السعودي، الذي وضعه الرئيس كارتر والملك فهد، بتخطيط وإشراف من مستشار الأمن القومى، بريجنسكي، والقاضي بخلق تيار سلفي رسمي، لمحاصرة المد اليساري المتصاعد في عدد من البلدان العربية والإسلامية، فإن هذا المخطط لم يشمل المهاجرين المغاربة في الخارج، على اعتبار وجود مراكز سعودية في أوربا، مما جعل من المهاجر المغربي الشاب، في العشر سنوات الأولى (1980 - 1990) مستهلكا سلبيا للفكر الوهابي الذي يحرم الخروج على الحاكم الظالم. في المرحلة الثانية، وتمتد من 1991 إلى الآن، أصبح المهاجر المغربي مصدّرا للفكر الوهابي نحو المغرب، بعدما قلبه ليصبح فكرا مكفرا للحاكم ومؤيدا للخروج عليه. حدث ذلك بالضبط بعد قيام حرب الخليج في 1991، وتحالف السعودية وأصدقائها العرب مع أمريكا، حيث تحول مركز دعم الوهابية الجديدة من الرياض إلى العواصم والهوامش الأوربية. إن فكرة «الولاء والبراء» (الولاء للحاكم المؤمن والبراء من الكافر) -التي يعتبرها بعض الفقهاء، كابن تيمية، من أركان العقيدة الإسلامية وشرطا من شروط الإيمان- هي التي «يوالي» السلفيون الجهاديون بمقتضاها بن لادن أو الظواهري أو البغدادي.. ويتبرؤون بموجبها من «الدولة الكافرة» أو «المنافقة» التي يوجدون على أرضها! فكرة «الولاء والبراء» هذه تبدو، ظاهريا، على النقيض تماما من الفكرة السلفية الرسمية التي تحرم الخروج على الحاكم رغم ظلمه، لكنهما، معا، ينتميان إلى فكر ما قبل المواطنة التي تقوم على وجود دولة يختار المواطنون فيها من يحكمهم.. ينتخبونه ويراقبونه وينتقدونه، ويسقطونه إذا تطلب الأمر ذلك، لكنهم يوالونه في السلم وفي الحرب. 2 - مشهد موشي أوحايوم، الحاخام اليهودي المغربي الذي اعتدي عليه مؤخرا بالدار البيضاء، وهو يتحدث إلى وسائل الإعلام عن تفاصيل ما تعرض له، فيما صورة زعيم حزب «شاس» الإسرائيلي المتطرف، عوفاديا يوسف، تظهر خلفه، تدفعنا إلى طرح سؤال مزدوج: هل ولاء بعض المغاربة اليهود للمغرب أم لإسرائيل؟ وإذا كان لبعضهم ولاء لبقاع مقدسة ومراجع دينية في إسرائيل، فهل من الضرورة أن يكون هذا الولاء لرجال دين وسياسيين دمويين من أمثال الحاخام عوفاديا يوسف الذي كان يصف العرب بالصراصير والثعابين ويدعو إلى إبادتهم بالصواريخ؟ يحق للمغاربة أن يفخروا، عربيا ودوليا، بأن بينهم مثقفين ومناضلين يهودا ضد الصهيونية، من أمثال أبراهام السرفاتي الذي كتب يقول: «كان عمري عشر سنوات في عام 1933 حين قال لي والدي ذات يوم في كنيس عن رجل يكثر الصلاة، إنه منافق.. قال لي: إنه صهيوني والصهيونية لا تمتّ بأي صلة إلى ديننا. في هذا الجو وهذا التصور، نشأت في كنف اليهودية المغربية المرتبطة منذ آلاف السنين بروح الأخوة مع الإسلام بشكل عام والإسلام في المغرب بصورة خاصة». وعيا منه بقيمة المواطنة، الجامعة، ظل إدمون عمران المالح يرفض تقديمه باليهودي المغربي، فكان يقول: أنا مغربي قبل أن أكون يهوديا. كما أن سيون أسيدون، ومن منطلق قناعته اليسارية التقدمية بكون «القضية الفلسطينية قضية وطنية»، يقف في طليعة المغاربة المدافعين عن الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني والمناهضين للتطبيع مع إسرائيل. في النهاية، يطيب لي أن أتقاسم مع السيد موشي أوحايوم ما كتبه ناشط السلام الإسرائيلي، يوري أفنيري، في مقال له بعنوان: «ألا يحرم الله حرب الأديان؟»، حيث يقول: «مرة سأل رفائيل (رافول) ايتان، وهو واحد من رؤساء أركان حرب الجيش الإسرائيلي السابقين، ضيفا أجنبيا: هل أنت يهودي أم مسيحي؟ رد الرجل: «أنا ملحد». فأعاد رافول بعصبية، أُوكيه.. أوكيه، ولكن هل أنت ملحد يهودي أم ملحد مسيحي؟». هذه الواقعة يعلق عليها الكاتب قائلا: «أنا نفسي ملحد مائة بالمائة، ويتزايد قلقي من أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي هيمن على حياتنا كلانا، يتخذ أكثر فأكثر طابعا دينيا. الصراع التاريخي بدأ كصدام بين حركتي تحرر وطني، كانتا تستخدمان الشعارات الدينية فقط كديكور.. فكل مؤسسي الحركة الصهيونية، تقريبا، كانوا ملاحدة ويعلنون ذلك بأنفسهم، فقد قال تيودور هرتزل في كتابه: «الدولة اليهودية» (Der Judenstaat)، والذي يعتبر ميثاق الصهيونية: «إننا سوف نعرف كيف نحتفظ برجال الدين لدينا قابعين داخل معابدهم. كما أن حاييم وايتزمان كان عالما لاأدريا؛ وفيلاديمير جابوتنسكي أوصى بحرق جثته بعد وفاته، وهي خطيئة في اليهودية؛ وديفيد بن جوريون رفض تغطية رأسه حتى في الجنازات».