تسلط «المساء» الضوء على رجالات صنعوا مجد مدينة مراكش، وأخرجتهم من الظل إلى مشاركة الرأي العام المراكشي والوطني هموم قضية حملوها على عواتقهم. عمدت «المساء» إلى الاقتراب من ثلة من خيرة رجالات، تركوا بصمات في المدينة الحمراء، وأغلبهم تواروا إلى الظل بعيدا عن عدسات المصورين أو كاميرات الإعلاميين، أو حتى مقالات الصحافيين. واتصلت بالجدد منهم، منهم من اعتذر نظرا لمرضه، ومنهم من فضل عدم الظهور تواضعا، فكانت «المساء» صلة وصل بينهم وبين قراء أرادوا معرفة الكثير عنهم، لأنهم كانوا يعملون أكثر مما يتكلمون .. المقرئ وديع شاكر، من أشهر القراء بمدينة مراكش، بصوته الجميل وتواضعه الجم، يجذب عشرات آلاف المصلين إلى مسجد «الكتبية»، وقبله إلى مسجد «القصبة» مولاي اليزيد، لصلاة التراويح، وهو المسجد الذي يمتاز بأجواء روحانية فريدة، فهذا المسجد في رأي وديع شاكر، يجد فيه أثر الصالحين الأولين، ممن حملوا مشعل القرآن الكريم. ولد وديع شاكر بحي القصبة سنة 1981، وبه ترعرع، درس بمدرسة «وادي المخازن» الابتدائية، قبل أن يلتحق بإعدادية الإمام مالك، وبعدها بثانوية القاضي عياض، حيث حصل على شهادة الباكالوريا، بميزة حسن في تخصص العلوم التجريبية. تميز وديع شاكر خلال مرحلة طفولته بطيبته ودماثة خلقه، وذلك راجع إلى البيئة والوسط الأسري المحافظ، الذي نشأ فيه. أكمل وديع شاكر الذي لا يزال في بداية عقده الثالث دراسته الجامعية بكلية الحقوق، التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، شعبة القانون الخاص، سنة 2004، قبل أن يمتهن مهنة التوثيق العصري في السنة نفسها. شيوخ وجوائز مع تربية وديع شاكر في أسرة أرضها القرآن وسقفها الإيمان وجدرانها العلم ومكارم الأخلاق، بدأت معالم هذا النموذج المتفرد في الأخلاق والعلم والمعاملات تظهر بشكل جلي في شخصية الابن الصغير. فقد ظهر ميول وديع إلى فن التجويد، في سن مبكرة، منذ بداية سنته الرابعة، وكان يردد ما يسمعه من آيات وسور من القرآن الكريم بصوت حسن، مما جعل والده، الذي لايزال يلازمه إلى اليوم، ووالدته، التي شكلت مصدر تهذيبه وتربيته، وبعض معارفه، لاسيما فقيه مسجد الرحمة والمؤذن مولاي حفيظ الإدريسي رحمه الله، يتنبؤون له بمستقبل جيد، في مجال تجويد وترتيل القرآن العظيم، فبدؤوا يشجعونه على المضي في هذا المسار النير. لم يقتصر التحفيز على السير في هذه الطريق على الوالد والوالدة وبعض المعارف، بل كان للجدة دور كبير أيضا في ما وصل إليه وديع اليوم من «نجومية» وشهرة في مجال ترتيل القرآن وتجويده خلال صلاة التراويح بمسجد «الكتبية» القريب من ساحة جامع الفنا الشهيرة. فقد كانت جدته تحرص على تلقينه القرآن الكريم في أذنه، وبعض الأذكار والأوراد اليومية، وقد تأثر بذلك، وأتقن التجويد والقراءة، لكن حفظ القرآن الكريم كان دائما متقطعا لانشغاله بالدراسة، إلى أن من عليه الله، حين انتقلت الأسرة إلى حي «إسيل»، بحفظه في سنة واحدة، وهو ابن 18 سنة، ويحضر في الوقت نفسه لشهادة الباكالوريا. تلقى وديع شاكر القرآن الكريم على يد الفقيه الحسين عفيفي، وتلقى المخارج على يد الشيخ عبد الكبير، وحفظ القرآن الكريم في المسجد على طريقته الخاصة، فبعد كل صلاة صبح، لا يخرج إلى المدرسة، إلا بعد حفظ ربع من القرآن الكريم، وكان مع مجموعة من الشباب يقومون بتنظيف مسجد «إسيل» ، والسهر على راحة المصلين، وكان مؤذنه يجمعهم لحفظ القرآن الكريم، ويترك لهم مفاتيح المسجد، حيث كان يقضي غالب وقته بالمسجد في حفظ القرآن الكريم، وكان الوحيد من وفق في ذلك. أثناء حفظه القرآن الكريم، كان يستمع إلى إمام الحرمين الشيخ علي جابر، وشيخ الشيوخ، خليل الحصري، ومصطفى إسماعيل، ومحمد رفعت والمنشاوي، ومن القراء الجدد أنور الشحات، ومحمد عمران... وكانت له مشاركات في مسابقات للتجويد على الصعيد المحلي، حيث كان يحصل على الجائزة الأولى، في عدد من المسابقات، كالتي تنظمها جمعية «الحافظ بن عبد البر»، للحفاظ على التراث الإسلامي، وجمعية «السبيل» وغيرها من الجمعيات. وكانت هاته المشاركات من بين الدوافع التي حققت في نفسه ذلك الارتباط بحفظ القرآن الكريم، وعدم تضييع موهبة التجويد. وديع يتسبب في إفطار الصائمين قبل الموعد منذ صغره رسمت في شخصية وديع شاكر ذلك الطفل المهذب المؤدب، الذي يشق لنفسه طريقا للسالكين على درب القرآن حفظا وأخلاقا. فمنذ أن كان عمره 4 سنوات، وهو يردد أذان المغرب من فوق منزلهم بالمدينة القديمة بمراكش، حتى إن جيرانهم كانوا دائما ينتظرون أذانه ليفطروا في رمضان (كان لمسجد القصبة مؤذنان، الأول مؤذن رسمي بالمسجد، والثاني مؤذن الدرب هو وديع شاكر لجمال صوته). وفي يوم من أيام رمضان، قام بترديد أذان المغرب 10 دقائق قبل موعده، فاعتقد الناس أنه أذان المغرب، فأفطروا على أذانه. كما وقعت له طريفة أخرى متعلقة بمسجد «القصبة»، الذي كان محبوبا عنده منذ صغره، حيث تغيب يوما عن أسرته، وتأخر كثيرا بالليل، فلجؤوا إلى مؤذن المسجد سي عبد السلام رحمه الله، الذي كان صديقا لجده، فطمأنهم بالاطلاع على المسجد فوجدوه نائما في صومعته. لم يجد وديع شاكر بدا من الصلاة في مساجد مراكش، كيف ولا وهي الأماكن التي طبعت ذكريات ووشمت لحظات لا تنسى في ذاكرة الشاب وديع شاكر. لقد عرض عليه الصلاة خارج مراكش، وتحديدا بمدينة الدارالبيضاء، وخارج المغرب بفرنسا، وبلجيكا، ومصر (أول دعوة له لإقامة التراويح كانت من قبل الجالية الفرنسية بباريس)، إلا أن إصراره على البقاء في مراكش يرجع إلى رغبة الوالدين الكريمين، كما يصعب عليه مفارقة الأجواء الربانية والروحانية، التي يجدها بمسجد «القصبة» قبل حوالي أربع سنوات برفقة إخوانه، الذين يشرفون معه على تنظيم المسجد لأجل التراويح، كما هو الشأن اليوم بمسجد «الكتبية»، الذي يغص بالمصلين، الذي يحلون به من كل مناطق وأحياء المدينة الحمراء، حتى أن منهم من يقطع أزيد من 30 كيلومترا للصلاة وراء هذا الإمام الذي بكّى آلاف المصلين، ويسلم على أيدي عدد مهم من الأجانب من مختلف الجنسيات (الروسيين، الاسبانيين، الفرنسيين...). يستعد وديع شاكر لصلاة التراويح خلال شهر رمضان قبل حوالي شهر من حلوله، إذ يأخذ إجازة من عمله، لتلاوة القرآن الكريم، ومراجعة الحفظ، ومراجعة الحزب اليومي. ولا يشغل نفسه مع كثرة أو قلة حضور المصلين وراءه. كما أنه يراجع الحفظ في سيارته وفي تنقلاته وسط المدينة.