المقرئ وديع شكير، من أشهر القراء بمدينة مراكش، بصوته الجميل وتواضعه الجم، يجذب آلاف المصلين إلى مسجد القصبة مولاي اليزيد لصلاة التراويح وراءه منذ ست سنوات، وهو المسجد الذي يمتاز بأجواء روحانية فريدة لا تصل إليها أجواء باقي مساجد المدينة على روحانيتها أيضا، وديع يقول إنه يجد فيه أثر الصالحين الأولين ممن حملوا مشعل القرآن الكريم، تحدث في هذا الحوار عن نشأته، وتعلمه للقرآن، ومزاوجته بين مهنته موثقا عصريا ومقرئا للقرآن الكريم، وعن وسر تعلقه بمسجد القصبة ورفضه السفر إلى الخارج، واهتمامه بالرياضة. **** كيف نشأ الأستاذ وديع شكير؟ ولدت بحي القصبة سنة 1981 وبه ترعرعت، درست بمدرسة وادي المخازن، وإعدادية الإمام مالك، وثانوية القاضي عياض حيث حصلت على الباكالوريا بميزة حسن في العلوم التجريبية، وأكملت دراستي الجامعية بكلية الحقوق شعبة القانون الخاص سنة ,2004 قبل أن أمتهن مهنة التوثيق سنة .2004 وقد ظهر ميولي إلى فن التجويد في سن مبكرة (4 سنوات)، وكنت أردد ما أسمعه من قرآن كريم بصوت حسن، مما جعل والدي ووالدتي وبعض معارفه، لاسيما فقيه مسجد الرحمة والمؤذن مولاي حفيظ الإدريسي رحمه الله، يتنبؤون لي بمستقبل جيد ويشجعونني، وكانت جدتي تحرص على تلقيني القرآن الكريم في أذني وبعض الأذكار اليومية، وقد تأثرت بذلك وأتقنت التجويد والقراءة، لكن حفظ القرآن الكريم كان دائما متقطعا لانشغالي بالدراسة، إلى أن من علي الله، حين انتقلنا إلى حي إسيل، بحفظه في سنة واحدة وأنا ابن 18 سنة، وأحضر لشهادة الباكالوريا. ما سر جمعك بين موثق ومقرئ؟ صحيح أننا في العالم العربي الإسلامي لا نجد ذلك الإمام والفقيه التقليدي الذي ينتظر إكراما من غيره، بل هناك أئمة وقراء وحفاظ أساتذة ودكاترة متطوعون، وهم من يكرمون بدورهم المحتاجين، لا ينتظرون إكرامية غيرهم. وهذه صورة وظاهرة جديدة ومحمودة. ومع هذا كله نقول بأن قارئ القرآن الكريم يجب أن يكرم لاعتبار أن حافظ القرآن الكريم هو من أهل الله وخاصته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد بدأت الصورة تتغير، ومقرئ القرآن يحبذ أن يكون له إلمام أيضا بمواضيع فقهية وسياسية واقتصادية ومجتمعية. دعني أرجع بك، وأسألك كيف حفظت القرآن الكريم في سنة واحدة؟ لقد تلقيت القرآن الكريم على يد الفقيه الحسين عفيفي، وتلقيت المخارج على يد الشيخ عبد الكبير، وقد حفظت القرآن الكريم في المسجد على طريقتي الخاصة، فبعد كل صلاة صبح، لا أخرج إلى المدرسة إلا بعد حفظ ربع من القرآن الكريم، وكنتُ مع مجموعة من الشباب بمسجد إسيل نقوم بتنظيف المسجد والسهر على راحة المصلين، وكان مؤذنه يجمعنا على حفظ القرآن الكريم ويترك لنا مفاتيح المسجد، حيث كنت أقضي غالب وقتي بالمسجد في حفظ القرآن الكريم، وكنت الوحيد من توفق في إتمام ذلك. هل يمكن القول بأن حسن صوتك الحسن هو من دفعك إلى إتمام حفظ القرآن الكريم؟ نعم. من هم الشيوخ الذين تأثرت بهم في بداية مشوارك مع القرآن الكريم؟ أثناء حفظ القرآن الكريم؛ كنت أستمع إلى إمام الحرمين الشيخ علي جابر وشيخ الشيوخ خليل الحصري ومصطفى إسماعيل ومحمد رفعت والمنشاوي، ومن القراء الجدد أنور الشحات ومحمد عمران. وكانت لي مشاركات في مسابقات للتجويد على الصعيد المحلي حيث كنت أحصل على الجائزة الأولى مثل المسابقات التي تنظمها جمعية الحافظ بن عبد البر للحفاظ على التراث الإسلامي وجمعية السبيل وغيرها من الجمعيات. وكانت هاته المشاركات من بين الدوافع التي حققت في نفسي ذلك الارتباط بحفظ القرآن الكريم، وعدم تضييع موهبة التجويد. ما رأيك في مبالغة مجموعة من القراء في تتبع النغمات والتركيز عليها في التلاوة؟ علم المقامات مطلوب وليس عيبا في تلاوة القرآن الكريم وتجويده. وسوف أكشف لكل أمرا، فأثناء تلاوتي في الصلاة لا أعرف ما المقامات التي سأستعملها في الصلاة برغم درايتي بهذا العلم العلم، لأني حين أتوجه إلى الله تعالى في الصلاة أحاول أن أتخشع، فلا أفكر بتاتا في طريقة التلاوة وتحديد المقامات ولا في عدد المصلين ورائي، والتوفيق يكون من عند الله. وحسن تلاوة القرآن الكريم هبة من الله في أول الأمر، كما أنه يمكن اكتسابها بالتعلم، فهناك قراء وإن كانوا يقرؤون بصيغة مسترسلة بسيطة في أدائهم إلا أنك تحس بالخشوع معهم، وبالقرآن الكريم يصلك من القلب إلى القلب. كيف ترى ظاهرة إقبال الناس على المساجد في شهر رمضان؟ الشباب في رمضان يقبلون على المساجد بكثرة ولله الحمد. كما أن هاته المساجد تزداد اكتظاظا بعد رمضان بالمقارنة مع ما كان من قبل .. وفي مراكش يكون الإقبال كبيرا على العديد من المساجد لتوفر القراء الشباب المتميزين بالقراءات الجميلة. وهذا راجع لكون أن هناك صحوة إسلامية وأن الشباب بدأ يلجأ إلى الدين بكثرة. ذكريات مع مسجد القصبة؟ كان عندي 4 سنوات حينها، حيث كنت أردد آذان المغرب من فوق شباك منزلنا الذي كان يطل على دربنا بالمدينة القديمة بمراكش. حتى إن جيراننا كانوا دائما ينتظرون آذاني ليفطروا في رمضان (كان لمسجد القصبة مؤذنان، الأول مؤذن رسمي بالمسجد، والثاني مؤذن الدرب هو وديع شكير لجمال صوته)، وفي يوم من أيام رمضان، قمت بترديد آذان المغرب 10 دقائق قبل موعده، فاعتقد الناس أنه آذان المغرب فأفطروا على آذاني. كما وقعت لي طريفة أخرى متعلقة بمسجد القصبة الذي كان محبوبا عندي منذ الصغر، حيث تغيبت يوما عن أسرتي وتأخرت كثيرا بالليل، فجاءوا إلى مؤذن المسجد سي عبد السلام رحمه الله الذي كان صديقا لجدي، فطمأنهم بالاطلاع على المسجد فوجدوني نائما في صومعته. (يتبع)