يرجع ظهور جرائم الأجانب في المغرب، مخالفتهم وسجنهم، والعقوبات التي كانوا يتلقونها جراء ذلك إلى عهد ما قبل ظهور الدولة المغربية الحديثة بمؤسساتها ودستورها، وذلك على عكس ما يتوقعه الكثيرون، من أن المغرب كدولة كانت منغلقة على ذاتها لم تعرف تواجد السجناء الأجانب إلا في الفترة التي تزامنت مع فرض الحماية، حيث ارتفع تواجد الأوربيين من فرنسيين، إسبان، إيطاليين وغيرهم من الجنسيات، وذلك بسبب التعامل التجاري. فبالرغم من أن المغرب لم يعرف السجن كمؤسسة إصلاحية بمفهومه الحالي إلا في العصر الحديث، إلا أن ذلك لا يعني أن المغرب على مر العصور لم تكن فيه أقبية سرية يرمى فيها المخالفون للسلطان، الخارجون عن القانون والمنتهكون لحرمات المجتمع، تقاليده وعاداته، غالبيتهم مغاربة، لكن جزءا مهما منهم كان من الأجانب. كما لم تخل هذه الأقبية والدور والدهاليز التي كان السلاطين يخصصونها لرمي معارضيهم والخارجين عن قوانينهم، من سجناء أجانب بالرغم من انغلاق المغرب على نفسه في ذلك العصر. وتكشف العديد من الكتابات الأوربية الكثير من الروايات التي نسبت لسجناء أوربيين وأجانب مروا من سجون السلاطين المغاربة، بعدما رمت بهم أقدار الأسر خلال القرصنة أو تواجدوا في المغرب لممارسة التجارة، حيث كانت العقوبة أشد قسوة عليهم كأجانب غير مسلمين وغير عرب، مقارنة بالمغربي أو العربي بصفة عامة. واشتهر بعض السلاطين، أشهرهم المولى الرشيد والمولى إسماعيل والمولى سليمان، أنهم من السلاطين الذين عجت سجونهم بالمئات من السجناء الأجانب، نساء ورجال، وبينما كان الرجال منهم يؤخذون إلى أعمال البناء القاسية، وللقيام بالأعمال التي تهم بناء قصور ومساكن السلطان وقصاباته، كانت النساء يقذف بهن في أقبية الحريم، ويتخذن كجواري في قصوره ، كما أن السلطان قد يقدمهن كهدايا إلى أصدقائه ومقربيه. وبالرغم من أن فترة الحماية تتميز بقلة وجود السجناء في المغرب، إلا أن ذلك لا يعني انعدام تواجدهم في سجون السلطان، إذ تكشف الكاتبة الأمريكية «إديث وراتون» في كتابها «في المغرب»، أن سجون المغرب كانت تعرف تواجد سجناء من الأجانب، خاصة من الجنسيات الأوربية، الفرنسية، البريطانية، الإسبانية، والألمانية، وكان ذلك إبان فترة القرصنة وما كان ينتج عنها من أسر أعداد كبيرة منهم، وبعضهم من التجار الذين استقروا بالمغرب وارتكبوا مخالفات أو تورطوا في جرائم احتيال، فانتهى بهم المطاف في السجون، حيث كانوا يعاملون بقسوة وتصدر في حقهم أحكام أشد قسوة من نظرائهم المغاربة. مع فجر الاستقلال، ارتفع عدد السجناء الأجانب في سجون المملكة وذلك نتيجة ارتفاع الوافدين من الخارج ومن أوربا للاستقرار والتجارة، إذ أصبح تواجد السجناء الأجانب في المغرب ظاهرة عادية، بعد أن تطورت الجريمة العابرة للحدود. في هذا الملف تنبش «المساء» في بعض الكتابات الغربية التي تناولت موضوع السجناء الأجانب في المغرب عبر التاريخ، ورصدت تواجدهم في مختلف الأمكنة التي كان يخصصها السلاطين لأسراهم وسجنائهم، اعتمادا على مذكرات لبعض من تمكن من النجاة واستطاع الفرار إلى بلده، قبل أن يخط ما عاشه في مذكرات صمدت إلى اليوم، كما تلقي الضوء على موجة السجناء الأجانب التي اجتاحت سجون المغرب في العصر الحالي، بعد انفتاح المغرب على العالم، وعلى دول الجوار، وهو الانفتاح الذي ملأ سجون المغرب بالأجانب، كما جعله تحت عيون المنظمات الحقوقية التي تراقب معاملتهم في مختلف سجون المملكة. كيف كان سلاطين المغرب يقسون على سجنائهم من العجم صحافي بريطاني يتحدث عن «جحيم» السجون الذي عاش فيه مواطنوه يشتهر السلطان مولاي إسماعيل في الكتابات الأوربية على أنه من السلاطين العلويين الذين عرف المغرب تحت حكمهم، تقوية للدولة العلوية، إذ امتدت إمبراطوريته من الجزائر الحالية إلى ما يسمى اليوم موريتانيا. لكنه أيضا يشتهر ضمن هذه الكتابات بأنه من السلاطين الذين عرف حكمهم تواجد الكثير من المواطنين الأوربيين، بريطانيين، إسبانيين، وبرتغاليين في السجون المختلفة التابعة له، وإن كانت جرائمهم وجنحهم متعددة، احتيال في التجارة، سرقة، تجسس، أو قرصنة، فإن النسبة الأكبر منهم كانت نتيجة أعمال القرصنة، أو أسرى حرب قادتها جيوش السلطان خاصة في المناطق الشمالية للمملكة. كما يشتهر المولى إسماعيل بأنه بنى قصره الإمبراطوري بعد تشجيع من الملك الفرنسي «لويس الرابع عشر» الذي كان قريبا منه، كما بنى جدارا طويلا لحماية مدينة مكناس، وتذكر مصادر تاريخية متعددة أنه استعان بسجناء أجانب، وقراصنة أوربيين ألقي عليهم القبض من طرف قواته لبناء قصره الإمبراطوري، كما استغلهم في بناء وتشييد جدار مدينة مكناس الشهير. إذا كان السلطان يختار أن تقطع رؤوس السجناء المغاربة، أو أن يلقى بهم في غياهب السجون ومعاملتهم معاملة قاسية، فإن مع السجناء الأجانب كانت الأمور تختلف، أغلبهم كان يقاد إلى أعمال شاقة، حتى لو كانت عقوبتهم وجرائمهم بسيطة. يقول «جون ويندس» وهو رحالة بريطاني، كان يزور خلسة محاكم المملكة في عهد السلطان مولاي إسماعيل، ويشهد على محاكمات لمواطنين بريطانيين، منهم المحتالون، ومنهم الجواسيس، وغالبيتهم تجار تورطوا في قضايا مع تجار مغاربة، يقول الرحالة البريطاني الذي أصبح بمثابة مرجع لدى البريطانيين والكتاب الأمريكيين. «على السجناء الأوربيين عامة والبريطانيين خاصة، أن يتحملوا الحرارة المفرطة إن هم أرادوا أن يعيشوا في المغرب» ويحكي البريطاني أن هؤلاء السجناء كانوا يقسمون إلى مجموعات، كل مجموعة توكل إليها مهمة بناء جزء معين، وكان السجانون أو المشرفون على سير العمل يرغمونهم على الاندماج في عملهم، عندما تكمل مجموعة من السجناء بناء جزء ما، يجب على باقي المجموعات أن تكون قد أنجزت العمل نفسه، وإلا تعرضت للعقاب نتيجة التأخير. كل قطعة يجب أن توضع بتناسق، وفي الوقت نفسه الذي تضع فيه المجموعة الأخرى قطعها، لقد كان الأمر أشبه بجحيم. ويحكي الرحالة أن المشرفين المكلفين من طرف السلطان كانوا يجبرون السجناء البريطانيين على أمور وحشية، وبما أن الحر كان شديدا ونظرا لقلة المياه والطعام، يسقط الكثير منهم مغشيا عليه، وفي غالب الأوقات يموت بعد فترة وجيزة، وكان كل سجين يسقط ميتا أو مغشيا عليه يصير جزءا من الحائط الذي هو بصدد بنائه. ويحكي الصحافي البريطاني أنه كان ضمن وفد دبلوماسي بريطاني إلى مولاي إسماعيل، فدخل قصور السلطان، وتحدث إلى الكثير من رجاله، وتمكن من التجول قرب بعض الأماكن الخاصة بالسلطان، كما تحدث إلى مسؤولين لدى السلطان، وهو ما مكنه من جمع الكثير من المعلومات حول السجناء البريطانيين في سجون المولى إسماعيل، ولأن أغلب السجناء ورثهم السلطان من سلفه الذي أسرهم بدوره، فقد أصبحوا سجناء بدل أسرى حرب كما كان يطلق عليهم على عهد سلفه. كان مولاي إسماعيل يحتفظ بالسجناء البريطانيين لأهداف دبلوماسية، ويحكي الصحافي البريطاني، أنه عندما قدم السفير البريطاني إلى المغرب كان مولاي إسماعيل يعتمد كثيرا على هذه الزيارة لتقوية موقف المغرب لدى الدولة الأوربية التي كانت الأقوى، لذلك كانت هديته إلى السفير مجموعة من السجناء البريطانيين، الذين قضت محاكم السلطان في حقهم بأحكام مختلفة. السفير بدوره توصل برسائل من زوجات بعض هؤلاء السجناء، من أجل التعجيل بالتدخل لدى السلطان مولاي إسماعيل للإفراج على أزواجهن. كانت خطة مولاي إسماعيل الذي كان يعتقد أنه سيفاجئ السفير البريطاني، أن يفرج على عدد محدد من السجناء البريطانيين كعربون حسن نية، ورغبة في الصداقة مع المملكة المتحدة، غير أنه سرعان ما تبين أن السفير قادم رفقة وفده وبهدف واحد وهو قضية السجناء البريطانيين، ليس فقط بإلحاح من زوجات السجناء، بل أيضا بطلب من الحكومة البريطانية التي جعلت من الإفراج عن سجنائها لدى السلطان من أهم أولوياتها. ويكشف الصحافي أن السفير البريطاني كان يخبره مرافقوه بأن أي سجين يبقى في سجون السلطان مصيره الموت، حيث كانت التقارير التي ترفع تؤكد على أنهم يعاملون بقسوة أشد من تلك التي يعامل بها نظراؤهم المغاربة. ولعبت زوجة السلطان «خناثة بنت بكار» دورا كبيرا في كيفية استفادة السلطان من ذلك دبلوماسيا فقد لعبت دورا بارزا في تثبيت اتفاقية السلام والتجارة التي وقعت بمكناس بين الإيالة الشريفة ودولة بريطانيا العظمى في شخص سفيرها شارل ستيوارت خلال صيف سنة 1721م، كما أن السفير البريطاني الذي فطن إلى قوة تأثير «خناثة» زوجة السلطان، فتح خط تواصل معها، وتسجل مصادر تاريخية كما يسجل الأرشيف البريطاني أن سفير دولة بريطانيا العظمى كانت له مراسلات مع السيدة «خناثة زوجة السلطان مولاي إسماعيل، أما تلك المراسلات فكانت جلها تصب في نطاق إقناع السلطان مولاي إسماعيل بجدوى إطلاق سراح السجناء الذين هم من رعايا دولة بريطانيا العظمى، فقد طلب منها السفير عبر مراسلاته مباشرة أن تدعم طلب الدولة البريطانية. وقد استهدف البريطانيون «خناثة بنت بكار» زوجة السلطان مولاي إسماعيل لأنها استطاعت أن تتميز وسط البلاط العلوي بحظوتها العلمية والفقهية التي اكتسبتها عبر إدمان التحصيل المعرفي الذاتي، وأيضا ترجع حظوتها لدى السلطان بسبب نسبها المغافري، التي تتحدر منه أيضا أم السلطان إسماعيل «للا مباركة وهو ما جعلها محط حظوة حتى لدى السلطان مولاى إسماعيل، وبعدما تشربت تربية القصر، اتخذها مستشارة له في الكثير من الأمور، وخاصة علاقاته الدبلوماسية والتجارية مع الدول الأوربية، مما جعل سفير دولة بريطانيا العظمى يعتمد على حظوتها لدى السلطان زوجها من أجل إقناعه بإطلاق سراح السجناء الأجانب، وما يشكله ذلك من أثر إيجابي على علاقة المغرب بدولة بريطانيا العظمى التي يمثلها، وهو ما سعت إليه «خناثة بنت بكار»، إذ يرجع إليها المؤرخون قبول السلطان مولاي إسماعيل بعرض هدية الإفراج عن السجناء البريطانيين عند لقاء السفير البريطاني من أجل التعبير عن حسن النية والرغبة في ربط علاقات جدية وحسنة مع بريطانيا العظمى. السجناء الفرنسيون والقرصنة تعود فترة تواجد السجناء الفرنسيين أو من كان يطلق عليهم الأسرى إلى الفترة التي ارتبطت بنشاط القرصنة، فكان المغاربة يقرصنون الفرنسيين ويحتفظون بهم كأسرى وسجناء لبيعهم فيما بعد مقابل مبالغ مالية إلى بلدهم الأم فرنسا، أو لتحصيل مكاسب دبلوماسية عبر استعمالهم للتفاوض كاتفاقيات تجارية، أو مقايضتهم بمسجونين أو أسرى مغاربة كانوا يقبعون في سجون فرنسا. يعود تواجد أوائل السجناء الفرنسيين في السجون المغربية إلى فترة حكم مولاي رشيد، حيث ارتبط أسر عدد كبير منهم بالقرصنة التي انتشرت في ذلك الوقت، وقد فشلت السلطات الفرنسية في التوصل إلى اتفاقيات من أجل تحريرهم من قبضة الجيش السلطاني، لذلك سيمضي غالية هؤلاء فترات طويلة وهم في سجناء السلاطين، وكانوا يرغمون على أعمال شاقة، وتوفي الكثير منهم جراء ظروف السجن القاسية، بالرغم من المحاولات المتكررة التي قادتها فرنسا لتحريرهم، إلا أن أي اتفاق لم يتم التوصل إليه مع السلطان مولاي رشيد، وبينما كانت فرنسا تحاول جاهدة تحريرهم، كانت أعداد أخرى تضاف إليهم بشكل مستمر، فبالرغم من دخول فرنسا في مفاوضات لتقديم الفدية لتحريرهم أو مبادلتهم، لم يتوقف سقوط المزيد منهم في الأسر، وجلبهم إلى الأماكن التي كان يحتفظ بهم فيها، فقد كانت هذه التجارة تجارة رابحة، إذ أن القراصنة كانوا يبيعونهم في الأسواق أو للسلطان. ومع مجيء السلطان مولاي إسماعيل تحول هؤلاء إلى سجناء بعدما لم تستطع فرنسا تحريرهم على عهد سلفه، يسري عليهم ما يسري على باقي السجناء المغاربة من أعمال شاقة وتكليف بأعمال البناء، وتحكي بعض المرويات أن السلطان مولاي إسماعيل كان يتعامل مع هؤلاء الفرنسيين حسب رتبهم التي قبض عليهم بها، أو المراتب التي يحتلونها اجتماعيا في المجتمع الفرنسي، فهناك النبلاء، وهناك الفرنسيين العاديين، لذلك كان التعامل معهم يسترعي هذا التفاوت الطبقي المعتمد في فرنسا، كما أن السلطان مولاي إسماعيل ومساعديه من المتفاوضين مع الفرنسيين، يفرقون في مفاوضاتهم بين النبيل الفرنسي وبين الفرنسي العادي، فمقابل كل نبيل كان يطلب إطلاق سراح عشرة مسجونين أو أسرى مغاربة لدى فرنسا، كما أنه في حال الفدية كان المبلغ الذي يطلب لتحرير نبيل فرنسي يكون مرتفعا، مقارنة مع ما يطلب مقابل فرنسي يعد من العامة. وتتفق الروايات التي تتناول مشاكل أسرى وسجناء فرنسا في المغرب على عهد المولى إسماعيل على أن فرنسا حاولت لمدة طويلة تحرير سجنائها من المغرب، مستعملة شتى الوسائل والإغراءات للسلطان المولى إسماعيل الذي كان يرغب في تحسين علاقاته بالأوربيين والاستفادة من تطورهم التكنولوجي والعلمي، لكن ذلك لا يجب أن يكون على حساب كرامة ومصلحة المغرب، حيث تظهر كتب التاريخ أنه كان يبحث في منصب أي مفاوض فرنسي يبعث إليه من ملك فرنسا وقيمته الاجتماعية، قبل أن يقرر في أن يقابله شخصيا أو أن يكلف أحد مساعديه بمقابلته، لذلك لم تنجح جميع محاولات التفاوض، كالترغيب والترهيب الذي أقدمت عليه الدولة الفرنسية، في أن تدفع السلطان مولاي إسماعيل في أن يطلق سراحهم، بعد أن فشلت في ذلك على عهد مولاي الرشيد. ولجأت فرنسا في عهد لويس 14 إلى المزج بين الليونة والقوة من أجل إقناع السلطان المغربي بحل مشكلة السجناء الفرنسيين، لكن دون جدوى، مما دفع فرنسا إلى الاستعانة بخدمات هيئات دينية مسيحية لمحاولة تحريرهم، حيث كانت هذه الهيئات الدينية تعتقد أن السجناء الفرنسيين في الدول الإسلامية يتعرضون لغسيل دماغ، ويجبرون على اعتناق الإسلام كحل من أجل أن تخفيف مدد سجنهم أو يطلق سراحهم نتيجة اعتناقهم الإسلام. وكانت هناك هيئة دينية يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن الثالث عشر الميلادي، كانت تنظم حملات من أجل جمع الأموال الضرورية من تبرعات الميسورين الفرنسيين، وأيضا المحسنين من أجل محاولة افتداء السجناء والأسرى الفرنسيين في المغرب وفي باقي الدول الإسلامية، حيث تعرض هذه الهيئات شهادات تم تجميعها من سجون المغرب ومعتقلاته لسجناء فرنسيين أجبروا على اعتناق الإسلام والتخلي عن المسيحية، وهي هيئات دينية وجمعيات المحسنين مكنت الملك لويس 14 من أن يعرض على السلطان المولى إسماعيل تحرير سجناء فرنسا من سجونه في المغرب مقابل مبلغ مالي يصل إلى 300 ليرة عن كل سجين فرنسي، وهو ما رفضه السلطان الذي كان يرغب في أن يفرض التفاوض مع فرنسا بإطلاق سراح عشرة مغاربة محتجزين لديها مقابل فرنسي واحد، ولم يكن يرغب في المقابل المادي بل أن يتم التبادل وهو ما كانت ترفضه فرنسا، لأنها كانت تعلم أن السلطان لا يمكنه أن يدفع مقابلا ماديا عن كل سجين مغربي، لذلك كانت ترفض التبادل وتدفع باتجاه أن يكون لكل سجين مقابل مادي يدفع لتحريره، وكانت هذه الهيئات الدينية تزور المغرب وتتفاوض مع السلطان مولاي إسماعيل من أجل إطلاق سراح السجناء الفرنسيين، لأنهم كانوا يعتقدون أن السجناء الذين هم على دين المسيحية كانوا يخضعون لمحاولات اعتناق الإسلام قسرا. ويحكى أن بعد وصول المفاوضات إلى الباب المسدود، وبعد استشعار السلطان بما كانت تخطط له فرنسا أقفل باب التفاوض بشكل تام، وعندما كانت البعثات الدينية تزوره ، كان السلطان مولاي إسماعيل يخبرهم أنه أقسم على أنه لن يقدم على إطلاق أي سجين من أية دولة كانت، وقد أدى استعصاء تحرير السجناء إلى تدهور العلاقات بين المغرب وفرنسا، وفشل الملك لويس 14 في تحرير سجنائه من قبضة السلطان مولاي إسماعيل بالرغم من الاستعانة بالهيئات الدينية التي قامت برحلات متعددة إلى المغرب من أجل افتداء السجناء. لم يكن هناك عدد معين للسجناء، إلا أن الثابت هو 50 ألفا من الأسرى من دول أوربية مختلفة، أغلبهم كانوا يقبعون في السجون قبل أن يأتي مولاي إسماعيل، وعند توليه العرش استخدمهم في بناء قصر مكناس، كما استعان بهم في بناء أكبر سجن بالمدينة نفسها، وتعود فكرة السجن بحد ذاته إلى سجين برتغالي يدعى «كارا»، كان هو من أوحى إلى السلطان المولى إسماعيل بفكرة ضرورة بناء سجن كبير، وبعد أن اقتنع السلطان بفكرة السجين البرتغالي، أوكل إليه الإشراف عليه مقابل أن ينال حريته ويعيش في المغرب معززا مكرما أو يتمكن من العودة إلى بلده، وهو ما حدث إذ أن البرتغالي أبدع في الإشراف وتفنن في البناء والهندسة، وتلقى حريته كمكافأة، ولعل من أجمل ما أبدع السجين البرتغالي هي قبة السفراء، لإتاحة الفرصة للسلطان مولاي إسماعيل بأن يخصص القبة ومجالسها الفخمة لاستقبال سفراء الدول الأوربية التي ترغب في أن تبادل أسراها أو تفك قيدهم، عبر دفع فديات مالية لخزينة السلطان. تجار فرنسيون لن تقتصر سجون ومعتقلات السلطان المولى إسماعيل على الأسرى الذين ورثهم عن سلفه مولاي الرشيد وتحولوا في عهده إلى سجناء، أو الأسرى الذين حصل عليهم من القراصنة، بل كانت السجون تضم أيضا سجناء فرنسيين لم يحملوا يوما سلاحا في وجه قوات السلطان، إنهم التجار الفرنسيون الذين كانوا يعيشون في المغرب، وبالرغم من قلة عددهم إلى أنهم كانوا يشكلون فئة تجار لا بأس بها كما تروي بعض الكتب، وهم أيضا كان وضعهم في المغرب مثل تجارتهم، يتأثرون بالعلاقات الفرنسية المغربية، فإن كانت علاقات البلدين جيدة تزدهر تجارتهم، ويتمتعون بالتقدير والاحترام من طرف العامة، كما من طرف قوات وسلطات السلطان، أما إذا كانت العلاقات بين البلدين متوترة فسرعان ما كان ذلك يؤثر عليهم، ويبطئ أرباح تجارتهم، بل وأحيانا يتعرضون لخيبات وخسارات قد تودي بهم إلى السجن، كما وقع سنة 1716 ، إذ تمت مصادرة سلع التجار الفرنسيين، وزج بالكثير منهم في السجن. ومن الأسباب التي أدت إلى تدهور التجارة الفرنسية بالمغرب والزج بالكثير من التجار الفرنسيين في السجن هو تقلص الوجود الفرنسي بالمغرب تجاريا ودبلوماسيا، لصالح بريطانيا التي كانت ترى في المغرب حليفا لابد منه في المنطقة، مما جعل مكانتهم تتهاوى في المغرب، وأصبح من السهل مصادرة أملاكهم والرمي بهم في السجن، بعد أبسط مخالفة تجارية يرتكبونها. وحكاية السجناء التجار من الحكايات المشهورة، والتي تناولها المؤرخون الفرنسيون بشكل كبير في كتبهم والصحافة الفرنسية في مقالاتها، ويرجع الفرنسيون سبب الزج بالكثير من التجار الفرنسيين في السجن ومصادرة أملاكهم إلى فرنسي يدعى «بيبي»، هاجر إلى المغرب، واشتغل وسيطا بين السلطان مولاي إسماعيل والدول الأوربية التي كانت ترغب في تحرير سجنائها من السجون المغربية، ورغم الأموال التي كان يجنيها من الوساطة التي كان يقوم بها، إلا أنه أصيب بالإفلاس، وإفلاسه أثر على باقي التجار الفرنسيين لارتباطهم به، وهو ما جر عليهم مصائب كبيرة، انتهت ببعضهم سجناء في سجون السلطان، فيما هدد الآخرون بالسجن والحجز على سلعهم في حال فشلوا في تسديد ديونهم. وتروي الكتب أنه لم تخل سجون مولى إسماعيل من تجار فرنسيين فشلوا في أداء ديونهم، فبعد أن أصابهم الإفلاس سجنت بعضهم، وهو ما أدى إلى غضب فرنسا التي كانت ترى في الزج بتجارها في السجن ومصادرة سلع الآخرين مناورة من السلطان مولاي إسماعيل، لدفعها إلى الرضوخ لمطالبه من أجل توقيع اتفاقية بين البلدين، وهي الأحداث ذاتها التي دفعت الحكومة الفرنسية إلى إقفال قنصليتها في سلا، والتراجع عن محاولات بناء علاقات دبلوماسية جيدة مع السلطان المولى إسماعيل. وترتب عن هذا الأمر ازدياد سجناء فرنسا في المغرب، كما تزايد عدد سجناء المغرب في فرنسا، فتوقف التبادل الدبلوماسي بين البلدين، وتصاعدت حدة النزاع المسلح بينهما، وهو ما كان يؤثر على أوضاع السجناء داخل السجون، الذين كانت معاملتهم تتأثر بعلاقة المغرب ببلدهم. سجون الحسن الأول والنساء حتى في عهد الحسن الأول كانت سجون المغرب على بساطتها، وبدائية هندستها تعج بالسجناء الأوربيين، ففي عهد الحسن الأول، كانت السجون تعج بعشرات الأسرى من الأوربيين، غالبيتهم تم القبض عليهم خلال الحروب التي قادها جيش السلطان ضد بعض الجيوش الأوربية، هكذا يروي أحد الصحافيين البريطانيين. ويحكي صحفي بريطاني عاصر تلك الفترة وتمكن من القيام بجولة في المغرب أنه في 11 شتنبر من سنة 1908، بعد أن تم تكليفه بمهمة صحفية، انطلق من لندن في عمل صحفي صوب المغرب، ومما كتبه أن السجناء الأوربيين وعلى غرار السجناء المغاربة، كان يتم استغلالهم في بناء قصور السلاطين. ويروي أن القصور التي تم بناؤها في مدينة مكناسومراكشوفاس، كان المشرفون على بنائها ينقلون مئات السجناء إلى ورشة العمل، ويكلفونهم بمهام مختلفة في الموقع، ويعهد إليهم بكل الأشغال الشاقة التي كانت تهم قصور السلطان والمباني الخاصة به أو بأحد أفراد عائلته. وكان لهؤلاء المشرفين الصلاحية الكاملة لاتخاذ العقاب المناسب في حق أي سجين أو أسير يتقاعس أو يظهر خمولا وقلة نشاط في عملية البناء أو المهمة التي كلف بها في الموقع، وحتى من كان مصابا بمرض يكون معرضا للعقوبة التي يقررها هؤلاء المشرفون. وكان المشرفون على بناء القصور يدفنون كل من تهاون في العمل ويغطونه بالتراب والكلس، إلى أن يختفي جسده كليا، وعند انتهاء جولة اليوم يعاد السجناء إلى السجن في انتظار يوم جديد، ويروي الصحافي أنه في سنة 1721 أرسل سفير بريطاني يدعى «ستيوارت» كسفير من إنجلترا ليقوم بشراء العبيد الأوربيين ويعيدهم إلى أرضهم، لكنه وجد أغلبهم تحول إلى دين الإسلام حتى تنتهي معاناته الفظيعة في الأشغال الشاقة. لقد تم إنقاذهم وعاملهم المغاربة معاملة جيدة، على عكس أولئك الذين فضلوا البقاء على ديانتهم النصرانية». ولم تقتصر سجون المغرب على عهد السلاطين، مولاي الحسن الأول، مولاي رشيد، أو مولاي إسماعيل على الرجال، بل شملت النساء من الأوربيات، اللواتي كن يجبرن على نفس ما يجبر عليه الرجال، لكن في غالب الأحوال كانت النساء ينتهي بهن المطاف في قصور السلطان، ويتخذهن كجواري أو خادمات في القصور التي يتردد عليها، وكانت غالبيتهن لا تشملها اتفاقيات التبادل أو تحرير الأسرى والسجناء مقابل فدية، إذ كان السلطان يهدي بعضهن كجواري إلى المقريين منه وإلى أصدقائه. ولم يتم الانتهاء من إشكالية السجناء حسب الصحافي البريطاني ذاته إلا في سنة 1856، عندما نجح «السير جون دريموند» في تحرير جميع العبيد والمسجونين. كان هذا في أيام مولاي الحسن، السلطان والد مولاي عبد الحفيظ وعبد العزيز. ومن الأمور المثيرة التي يشير إليها الكاتب أن أهمية السجناء الأوربيين في السجون المغربية لم تكن فقط للاستفادة من الفدية المرتفعة، أو من تبادل يمكن المغرب من تحرير سجناء مغاربة في سجون أوربية فقط، بل كان الأمر يسهم في استقرار داخلي، فكلما كان عدد السجناء الأوربيين من ديانة مسيحية مرتفعا كلما احترم المغاربة السلطان أكثر، فينظر إليه على أنه «أمير المؤمنين قاهر المسيحيين» هكذا كان ينظر المغاربة البسطاء إلى السجناء الأوربيين في سجون السلطان، وكان كلما انتشر أن عدد المسيحيين في سجون السلطان كبير، كلما سهل على أعوان السلطان جمع الضرائب والإتاوات من عامة الشعب. سجناء العرب في ظل «الإرهاب» العابر للحدود، عرفت السجون المغربية «نوعا» جديدا من السجناء الأجانب، ويتعلق الأمر بالسجناء المتحدرين من دول عربية، ومن السجناء الذين كان من النادر تواجدهم في المغرب، سجناء الجارة الجزائر، إذ يبلغ عددهم حسب منظمة حقوقية جزائرية أصدرت تقريرا مطلع الشهر ما قبل الماضي لرصد أوضاع السجناء الجزائريين في بلدان مختلفة من العالم، أكثر من 500 سجين جزائري يقبعون في السجون المغربية، نسبة 80 في المائة منهم متورطة في جرائم تهريب المخدرات والاتجار فيها، والرقم الذي قدمته المنظمة الحقوقية يعتبر أن أكبر عدد من السجناء الجزائريين يوجد بالمغرب. وقد استندت الرابطة الجزائرية في الأرقام التي ضمنتها إلى تقريرها إلى رسالة موجهة من سجين جزائري يتواجد منذ مدة في أحد السجون المغربية، إلى عائلته في ولاية «الشلف» الجزائرية، يشرح فيها ظروف اعتقاله، وأيضا غياب أي اهتمام من طرف التمثيلية الدبلوماسية الجزائرية في المغرب. وتنقل الرسالة كيف تتعامل السلطات السجينة المغربية مع السجناء العرب، والذين غالبا ما تتم معاملتهم مثل السجناء المغاربة. ويدعي السجين الجزائري أنه صوت السجناء الجزائريين «المعتمدين» في سجون المملكة، وأنه ينقل معاناتهم، داعيا الحكومة إلى التدخل لفك أسرهم، وحسب أحد المصادر الذي تحدثت إليه «المساء» فعبر التاريخ وبعد فترة حصول المغرب على استقلاله، كان الجزائريون هم أكثر السجناء العرب تواجدا في السجون المغربية بعد الفترة التي تلت انفتاح المغرب على العالم، وإذا كان أول سجين جزائري بمفهوم السجين يعود إلى فترة الثائر «بوحمارة»، الذي أسس قضاءه الخاص في شمال المغرب، حيث تروي إحدى الجرائد الفرنسية أن الثائر «بوحمارة» تم إخباره أن أحد المواطنين الجزائريين القاطنين في المغرب يسخر منه، وأصل الحكاية أن «مترجما يتحدر من الجزائر اسمه «بلقادر بن عمار» وخلال الاحتفال بمناسبة «الكرنفال» التي أقيمت من طرف الجالية الفرنسية في المغرب، شارك الجزائري في الاحتفال، وتجول مقلدا شخصية الثائر «بوحمارة» بشكل ساخر للمتفرجين الذين أثنوا على العرض الساخر، وسرعان ما أخبر «بوحمارة» بالأمر، فأقسم أمام مقربين منه على أنه سيجعل الجزائري يندم على اليوم الذي جاء فيه إلى هذه الدنيا، وأمر جنوده بالقبض عليه مهما كلف الأمر. وفي أحد الأيام وبينما الجزائري «بلقادر بن عمار» مارا من باب مدينة «مليلية» حيث كان متجها لزيارة أحد أصدقائه المغاربة، ألقى عليه جنود الثائر «بوحمارة»القبض، وبينما هو في السجن كان بوحمارة يفكر في طريقة لمعاقبته بطريقة تكون عبرة للآخرين، الذين يتجرؤون على السخرية من طموحاته، ورغم مقاومة الرجل وصراخه أنه بريء، لم يشفع له ذلك أمام «بوحمارة»، الذي أصدر حكمه وكان حكما قاسيا، إذ تم وضع السجين في فوهة مدفع، وبعد أن أعطى الثائر الأمر أطلق المدفع النار والجزائري في فوهته، لينطلق كالكرة في السماء قبل أن يتحول جسده إلى أشلاء في الهواء. سجناء السعودية قلة رغم أعداد الموقوفين الكبيرة حسب أحد المصادر يشكل السجناء من جنسية سعودية نسبة قليلة، ويعود تاريخ أول سجين سعودي إلى ثورة البترول التي عرفتها الدول الخليجية، إذ تحسن مستوى عيش المواطن السعودي. كما يعود سبب قلتهم في السجون بالرغم من الأخبار التي تملأ الصحف بشكل مستمر عن توقيفهم، إلى أن غالبيتهم يتم توقيفهم من طرف الشرطة بعد تورطهم في قضايا فساد، قبل أن تتم متابعتهم في حالة سراح وترحيلهم إلى بلدانهم، كما أن اتفاقيات التعاون القضائي ساهمت بتقليص عدد السجناء المتحدرين من المملكة السعودية، إذ يتم تسليمهم إلى بلدهم بموجب هذه الاتفاقيات. وسبق لصحيفة»عكاظ» السعودية أن كشفت أن المملكة العربية السعودية وقعت اتفاقية مع المملكة المغربية للتعاون القضائي، تسهم في تبادل السجناء، مرجعة ذلك إلى علاقات التعاون بين المملكتين «الشقيقتين». وتصرف السلطات السعودية إعانات مالية لسجنائها في المغرب، الذين تتنوع جرائهم بين جنائية ومالية، بالرغم من أن الإحصائيات الرسمية تظهر أن السجناء السعوديين في المغرب يعدون على رؤوس الأصابع، لكون المتورطين في الجرائم الأخلاقية سرعان ما يرحلون إلى بلدهم.. السجناء الإسبان ضيوف السجون المغربية عبر التاريخ اقتصرت سجون فترة بداية الدولة العلوية على الأسرى من سجناء إسبانيا الذين تم القبض عليهم خلال حملات القرصنة، أو خلال المواجهات التي كانت تندلع بين جيش إسبانيا والجيش المغربي، في إطار المحاولات التي قام بها السلطان مولاي إسماعيل لتحرير مدينتي سبتة ومليلية، والقليل من التجار الإسبان الذين كانوا يستقرون بالمغرب من أجل التجارة، لكنهم سرعان ما ينتهون إلى سجون السلطان بسبب خرقهم لمبادئ التجارة أو بسبب تهم الاحتيال التي كانت تؤدي بهم إلى السجن. مع مجيء فترة الحماية وحتى بعد الاستقلال، بدأ عدد السجناء الإسبان في السجون المغربية يرتفع، كما بدأت جرائمهم التي تكون سببا للزج بهم في السجن تختلف عما سبق، ويرجع شقير أستاذ العلاقات السياسية الأمر إلى القرب الجغرافي، وغالبا ما يتصدر الاحتيال في التجارة الأسباب التي تجعل السلطات المغربية تزج بمواطن إسباني في السجن، مع حالات نادرة لإسبانيين تورطوا في التجسس، كجمع المعلومات عن السكان وعاداتهم، تقاليدهم وطقوسهم في التدين، وهو ما كان يعتبر تجسسا على مصالح المغرب، ويؤدي حسب المؤرخين إلى أحكام قد تصل إلى السجن مدى الحياة أو مددا طويلة، على عكس سجناء آخرين، كما حدث مع الجاسوس الإسباني «علي باي العباسي». وتعد إسبانيا في الوقت الراهن، من الدول الأوربية التي يتواجد مواطنوها وبأعداد كبيرة في السجون المغربية في شكلها الحالي والمعاصر، وذلك بفعل القرب الجغرافي الذي شجع الإسبان على النشاط التجاري الشرعي أو حتى غير الشرعي في المغرب. وإذا اقتصر الأمر في السابق على القراصنة الإسبان وأعداد قليلة من سجناء إسبانيين تورطوا في قضايا اختلاس أو إفلاس في التجارة وزج بهم في السجون، فإن العصر الحالي يختلف اختلافا كبيرا كما تظهر الأرقام الرسمية الصادرة عن الدولتين، وسبق لتقرير إسباني أن أشار إلى أنه يوجد في المغرب أكثر من 140 سجين إسباني، بتهم مختلفة بين جرائم مالية، وجرائم الاتجار في المخدرات، وهو ما يجعل إسبانيا في المرتبة السابعة ضمن الدول الأجنبية من حيث عدد السجناء الذين يقضون عقوبتهم في سجون المغرب بسبب جرائم وجنح مختلفة، يأتي في مقدمتهم كما تظهر الأرقام الاتجار في المخدرات وتهريبها من المغرب إلى داخل الأراضي الإسبانية. علي باي العباسي.. حكاية جاسوس إسباني انتهى في أيادي جلادي السلطان اسمه الحقيقي هو «باديما كاسيتو لبيليش»، اتخذ اسم «علي باي العباسي» كاسم حركي لتغطية نشاطه المتعلق بالتجسس في المغرب، ولد في مدينة برشلونة بإسبانيا، كان من طلاب جامعة «بلنسية» متخصصا في علوم الرياضيات، الفيزياء، الفلك، والطبيعيات. أما مؤهلاته اللغوية فقد كانت متنوعة، إذ أتقن إضافة إلى اللغة الإسبانية، الفرنسية، والإيطالية، والإنجليزية، كما تعلم اللغة العربية في مدينة مدريد، في عهد المولى سليمان، انتحل صفة تاجر وتمكن من التردد على دوائر القرار المقربة من السلطان ونقل أخبارها إلى الإسبان، إتقانه للغات خاصة اللغة العربية، جعل ملك إسبانيا يستعين به للتجسس على السلطان المغربي مولاي سليمان، وإقناعه منح إسبانيا امتيازات تجارية خاصة، مقابل وعد دولته بمساندته للقضاء على خصومه والمنشقين عنه، كما يروى أن الإسبان أخبروه أنه في حال امتناع مولاي سليمان عن ذلك وعجزه عن إقناعه بمنح امتيازات تجارية للأسبان، يجب عليه أن يتجه صوب منافسي السلطان، ويقنعهم بمساعدتهم في الاستيلاء على العرش مقابل مساعدة إسبانيا في المغرب. بعد قدومه إلى المغرب غير اسمه إلى «علي باي العباسي» حيث ادعى أنه سليل تاجر عربي شهير يعود أصله إلى الدولة العباسية، اسمه «عثمان باي» ويتحدر من مدينة حلب في سوريا. ويعود سبب ادعائه أنه عربي من حلب إلى عدم إتقانه للدراجة المغربية حتى لا ينكشف أمره، وتمكن من التخفي، حتى أنه تمكن من زيارة مكةالمكرمة، مما جعله يصنف كأول أجنبي غير مسلم يزورها عبر التاريخ. ورغم أنه ليس مسلما فقد أتقن دور الجاسوس المتخفي في ثوب مسلم، إذ أنه كان يؤدي الصلوات الخمس، ويقدم الزكاة للمعوزين من العامة، مما جعله يتميز بسمعة جيدة في أوساط المغاربة، فساعده ذلك على الوصول إلى الدوائر العليا بشكل متقن. مكث بمراكش نحو سنة، وحاول مرارا أن يستدرج الملك إلى عقد اتفاق مع إسبانيا، لتحصل بموجبه على الامتيازات التجارية المذكورة، غير أن محاولاته باءت بالفشل، فعزم، وهو في مهمة مخزنية بالصويرة، على عرض تقديم المساعدة لشخصين من الزعماء في إحدى المناطق، ليشقا عصا الطاعة على الملك ويتوليا زمام الحكم في المغرب خلفا للسلطان، مقابل تعهدهما بمنح امتيازات تجارية لإسبانيا. ويروى أن رفض السلطان مولاي سليمان توقيع اتفاقيات لصالح إسبانيا دفعه إلى سوء التصرف، بعد أن بدأ يفقد صبره، لأن الوقت بدأ ينفذ منه، وهو ما أثار شكوك بعض مرافقي السلطان في أعماله قبل أن يقرروا مراقبته. ويحكى أنه بعد أن علم السلطان بهويته الحقيقية أخرجه من فاس، وأرغم على مغادرتها تحت حراسة مشددة. وفي رواية أخرى يحكى أنه بعد أن علم السلطان بحقيقته أمر باعتقاله وسجنه، وعذب في أحد المراكز التي كان السلطان يتخذها لسجن معارضيه والخارجين عن القانون من العامة، وذلك بعد أن فرق بينه وبين زوجته. وقبع في السجن مدة طويلة تحت التعذيب، إلى أن تدخل أخ السلطان المولى هشام وأطلق سراحه، ويكشف بعض المؤرخين أنه بسبب صداقته بموالى هشام ضد أخيه السلطان المولى سليمان، تمكن من الخروج من السجن قبل أن يفر مغادرا المغرب بعد إطلاق سراحه. ألمانيا تتغاضى عن سوء معاملة سجنائها مقابل الامتيازات التجارية في كتابها» في المغرب» تخصص الكاتبة الأمريكية « إديث وراتون» التي كانت ضيفة على المقيم العام الفرنسي «ليوطي» في المغرب، حيزا هاما للحديث عن السجناء الألمان في المغرب في فترة الحماية أو حتى ما قبل فترة الحماية. وتروي الكاتبة أن السجناء الألمان كانوا يقبعون في سجون المغرب لأسباب وجنح مختلفة، القرصنة، التجارة، وجرائم أخرى تتعلق بالاحتيال المالي، وكان ينتهي بهم المطاف كما انتهى بغيرهم من السجناء من دول أوربية أخرى. وكانت السلطات المغربية تأخذهم إلى مشاريع بناء الطرق الحديثة، فقد كان» الألمان» بارعون في ذلك، إذ اشتهروا في العالم بتفانيهم في العمل، وهو ما كان يشجع السلطات المغربية على أخدهم إلى الأوراش المختلفة المفتوحة في مختلف مدن البلاد، وتكشف الكاتبة أن ألمانيا كدولة أوربية قوية لم تكن تمانع في دلك، إذ كانت تسعى إلى موضع قدم في المغرب، وجعل السوق المغربية من أهم الأسواق التي تستقبل صادراتها، وهو ما جعل الألمان يتغاضون عن معاملة السجناء وأعدادهم الكبيرة المتواجدة في سجون المغرب. وبالرغم من صعوبة استحضار رقم محدد للسجناء الألمان، إلا أن الكاتبة تدرك أن أعدادهم كانت كبيرة، وكانوا يستخدمون في المشاريع ذات الأعمال الشاقة، وتزعم الكاتبة الأمريكية أن غالبية الطرق في المغرب بناها هؤلاء السجناء الألمان. لكن فيما بعد تكشف الكاتبة أن ألمانيا لجأت إلى الاحتجاج لدى السلطان، لأن السجناء الألمان يتعرضون لسوء المعاملة، ويستغلون أبشع استغلال في تشييد الطرق والمباني المختلفة دون مقابل ودون صون لكرامتهم، وذلك في محاولة لإرغام السلطان على تقديم امتيازات تجارية للألمان في المغرب، مثل تلك الامتيازات التي كانت تحظى بها فرنساوإنجلترا. محمد شقير *: السجناء كانوا ورقة دبلوماسية على طاولة المفاوضات مع أوربا - كيف يمكن التأريخ لوجود سجناء أجانب في المغرب ؟ تتميز فترة ما قبل الحماية بقلة وجود السجناء في المغرب، وهو الأمر الذي يرتبط بعاملين، العامل الأول هو أن السجن لم يكن «مؤسسة» في تاريخ المغرب، العامل الثاني هو أن المغرب كان منغلقا على نفسه، الشيء الذي جعل توافد الأوربيين على المغرب قليلا. فيما يخص العامل الأول معروف أن النظام العقابي في المغرب كان يرتكز بالأساس على الشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية، ترتكز على ما يسمى بالحدود، بحيث أن كل العقوبات منصبة على هذا القصاص، القتل أو الإعدام، وإذا رجعنا إلى تاريخ المغرب، سنجد بأن السجناء الأجانب كانوا قلائل جدا، وكانوا متمركزين في مراكش. كما كان تواجدهم مرتبطا بما كان يسمى بجيش الروم الذي كان مندمجا في جيش المرابطين والموحدين، كما أن عددهم كان جد محدود، وبالتالي بعدما يقوم بعضهم بمخالفات يتم سجنهم في كنيسة المسيحية التي كانت متواجدة في مراكش. إذن كما قلت هذا عامل أساسي جعل عدد السجناء الأوربيين أو الأجانب بصفة عامة، محدودا، العامل الثاني المغرب كان غير منفتح على الخارج، لأن بعض التجار أو بعض السفراء هم الذين كانوا يقومون بمهام محدودة ثم يرجعون إلى بلدانهم، وبالتالي لم يكن المغرب في حاجة إلى سجون مخصصة لهؤلاء السجناء الأجانب، لأنهم لم يكونوا يقيمون بشكل دائم في المغرب، لكن بحلول القرن السادس عشر بدأ المغرب في الانفتاح، والدليل على هذا أنه في عهد مولاي إسماعيل بني أكبر سجن بمكناس، يسجن فيه بعض السجناء الأوربيين ولكن لمدد محددة، مثل القراصنة والحروب التي كانت تنشب ما بين جيش السلطان وباقي الجيوش الأوربية. - كيف كانت تحدد المدد التي يقضونها في السجن ؟ مقام هؤلاء كان محدودا، ريثما يتم تحريرهم بموجب مقايضة، أو افتداء هؤلاء الأسرى بدفع تعويضات مادية، يتم تحديدها حسب مرتبة الأسير، بمعنى أن مفهوم السجين لم يكن معروفا آنذاك، كان الأسير كما هو معروف يتم في إطار الحروب، بمعنى أن مفهوم السجين لم يكن ينطبق على الأسير، باستثناء بعض السجناء الذين كان يتم استغلالهم في بعض المباني، خاصة في عهد مولاي إسماعيل، حيث يتم استغلال بعضهم مثل المهندسين في بناء القصور والقصبات إلى غير ذلك، إذن بعد هذه المرحلة سنجد أن مفهوم السجن لم يتبلور بشكل كبير إلا في عهد الحماية، ومنذ بسط الحماية على المغرب خصوصا الحماية الفرنسية بدأنا نسمع ما يسمى بالسجون، إذ تم خلق عدة سجون سواء مركزية أو صغرى. هل يتم تمييزهم عن باقي السجناء المغاربة ؟ السجناء كانوا يعاملون حسب رتبهم، خاصة الأسرى الذين يقبض عليهم. أثناء الحرب التي انتهت بهزيمة الجيش البرتغالي كان من ضمن الأسرى الكثير من النبلاء، وبالتالي كان التعامل مع هذا النوع من السجناء يتم بشكل أفضل، لأنهم ذوو مرتبة عالية، وبالتالي التعويض الذي سيؤدى عنهم سيكون مرتفعا. إضافة إلى هذا لا ننسى أن المغرب بلد إسلامي، والتعاليم الإسلامية توجب التعامل مع السجين بشكل أكثر رحمة، إلا أن هناك بعض السجناء الذين كانوا يقومون بإعمال شاقة فيما يخص بناء بعض القصور أو القصبات، فطبيعة العمل هي التي تفرض التعامل معهم بنوع من القسوة، ولكن هذا مرتبط بمرتبة السجين ووضعيته، القسوة كان يعاني منها السجناء الذين لا يتمتعون بمرتبة اجتماعية عالية، لأنه كان معروفا أن هؤلاء لن يتم افتداؤهم، وحتى في حال افتدائهم يتم ذلك بمبالغ زهيدة. - يعني كان الأسير ورقة دبلوماسية في أيدي السلطان ؟ طبعا، كان الأسرى يشكلون ورقة للتفاوض مع ملوك ورؤساء الدول الأوربية، وحتى السفارات التي كانت تتم بين الدول في هذا الإطار، كانت من أهدافها إطلاق مجموعة من السجناء أو الأسرى، إذن البعد السياسي كان حاضرا في هذا الإطار. - كيف تغير الأمر في العصر الحديث ؟ بعد الحماية جاءت مرحلة المؤسسات السجنية، لأننا وصلنا إلى الدولة العصرية، وعندما نقول دولة عصرية نقول مؤسسات، وبالتالي أصبح السجن مؤسسة، العامل الثاني مع الحماية توافد على المغرب الأوربيون بأعداد كبيرة سواء تجار، معمرين، أو جنود أو موظفين إلى غير ذلك، ومن الطبيعي في إطار التعامل أن ترتكب جرائم ومخالفات إلى غير ذلك، وبدأ مفهوم السجن يظهر، وتم الاختلاط بين السجناء المغاربة وبين السجناء الأوربيين، وتضاعف هذا الأمر خاصة بعد الاستقلال، حيث أن المغرب نظرا لانفتاحه على الخارج وعلى أوربا بالخصوص، ونظرا للسماح لمجموعة من الجنسيات بالإقامة في المغرب تضاعف عدد السجناء داخل السجون المغربية، كما ساهم في ذلك ظهور الجرائم العابرة للحدود، كجرائم الإرهاب وجرائم التهريب أو جرائم المحذرات إلى غير ذلك من الجرائم الحديثة. - هل يتم التعامل معهم بشكل مختلف عن السجناء المغاربة ؟ عادة ما يتم التعامل معهم إما عبر اتفاقيات التعاون القضائي، أو العمل على بقائهم حتى قضاء عقوبتهم السجينة، وتجدر الإشارة إلى أن ما حدث بصدد قضية البيدوفيلي الإسباني، أظهر إلى أي حد يتواجد السجناء الأجانب في السجون المغربية. تواجد السجناء الأجانب في المغرب أصبح ظاهرة ملموسة في ظل ارتفاع الجرائم العابرة للحدود، مادام أنه أصبح منفتحا على الخارج. وبما أن المغرب له موقع استراتيجي مهم، فمن المحتمل أن يكون هناك سجناء أوربيون ومن مختلف الجنسيات، وبجرائم متعددة سواء الإرهاب، التهريب الدولي، الاتجار بالبشر، مما يطرح مشكل كيفية التعامل مع هؤلاء السجناء داخل السجون المغربية في ظل تمثيليات دبلوماسية تثير عدة مشاكل وضجيجا إعلاميا، عندما تحس أن مواطنا حاملا لجنسيتها انتهكت حقوقه داخل السجون المغربية، وهو أمر يمكن للمغرب تجنبه عبر التعامل مع السجناء بمنطق القانون، تجنبا لأي تصرف قد يلطخ سمعة المغرب الحقوقية في الخارج عبر التقارير الدولية. * أستاذ العلوم السياسية