تصعد سيارة الأجرة البيضاء المنعرجات واحدا تلو الآخر، وهي تترجرج من ثقل حملها الذي اعتادت أحشاؤها عليه. بمجرد أن غادر السائق فاس، علت سحابة من البخار الزجاج الداخلي للسيارة، وهو ما كان انعكاسا لبرودة الجو في الخارج، الناتج عن انخفاض درجة الحرارة بسبب الارتفاع الذي كانت السيارة قد وصلت إليه. بعد أزيد من ساعة على الطريق غير المعبدة بالكامل، وصلت سيارة الأجرة بركابها إلى محطتها النهائية: جماعة مولاي بوشتى الخمار. إلى جانب ضريح الولي الصالح مولاي بوشتى الخمار، والذي يحج إليه سنويا المئات من المغاربة في إطار الموسم الذي يقيمه له السكان، تشتهر المنطقة بانتشار زراعة أشجار الزيتون، والمعروفة وطنيا بجودة منتوجها من الزيت والزيتون، بسبب الطقس الذي يسود المنطقة، والذي تعتبر أشجار الزيتون الوحيدة القادرة على تحمل انخفاض درجات الحرارة خلال فصل الشتاء. لكن بالإضافة إلى أشجار الزيتون التي تعتبر ثروة محلية ثمينة، تعرف المنطقة، كذلك، باحتضانها لسد الوحدة، وهو السد الأكبر في المغرب، والثاني في إفريقيا بعد السد العالي في مصر. لكن السد الذي شكل مفخرة سياسة السدود التي قادها الملك الراحل الحسن الثاني، أصبح مهددا بالتلوث جراء مخلفات مطاحن الزيتون المنتشرة على ضفاف السد، وهو ما يهدد بكارثة بيئية وشيكة في حال عدم تدخل السلطات لوضع حد للأمر. «المرج».. الملوث الصامت بما أن قبيلة فشتالة التي تستوطن تاريخيا المنطقة، تشتهر بزراعة أشجار الزيتون منذ مئات السنين، فقد كان من الطبيعي أن تنتشر على طول المنطقة مطاحن مخصصة لاستخراج زيت الزيتون من المحاصيل التي يجنيها السكان، سواء من أراضيهم التي يملكونها، أو من أراضي الأحباس التي يستغلونها بتفويض من الدولة، مقابل الاستفادة من جزء من مداخيل المحاصيل التي تنتجها تلك الأراضي. لكن في ظل ضعف البنية التحتية للمنطقة القروية، لم يجد أصحاب تلك المطاحن إلا سد الوحدة من أجل إلقاء المخلفات الناتجة عن عملية استخراج الزيت من الزيتون، دون إدراك الخطورة التي قد تتسبب فيها تلك المخلفات على الأسماك التي تعيش في السد، أو على القطيع الذي يرعى في الأراضي المجاورة له. «كل السكان يعرفون أن مادة المرج التي تنتج عن عملية طحن الزيتون هي مادة سامة، وأنا شخصيا كانت لي تجربة معها قبل بناء السد، حيث كنا نلقي بها في أرض اخترناها لذلك، غير أن تلك الأرض ظلت غير صالحة للزراعة لمدة عشرين سنة، ولم تفلح كل المحاولات لزرع القطاني أو غيرها، بحكم أنها أصبحت في حكم الأرض المحروقة»، يقول التهامي، ابن المنطقة بلهجته الجبلية، قبل أن يضيف والغضب يعلو صوته: «حتى الكسيبة ديالنا ما كاتكسبشي صحتها ملي كا تشرب من السد، واخا نعياونعطيوها في العلف». هذا الرأي يحصل على اتفاق من أغلبية الفاعلين الجمعويين في المنطقة، والذين دقوا غير ما مرة ناقوس الخطر بسبب التلوث الذي يعرفه سد الوحدة، بسبب مخلفات مادة المرج التي تلقى فيه من طرف أرباب مطاحن الزيتون. العياشي بوعرفة، واحد من أقدم الفاعلين الجمعويين بالمنطقة، والكاتب العام لجمعية السلام لتنمية وحماية الموارد الفلاحية والبيئة، يؤكد، من جهته، أن التلوث الذي يصيب السد يؤثر على كل البيئة المحيطة به، وأيضا تلك الموجودة بداخله، «يجب ألا أن ننسى بأن سد الوحدة يحتضن أنواعا مختلفة من الأسماك، أصبحت مهددة بفعل ارتفاع نسبة التلوث، لتنضاف إلى التهديد الذي يشكله ذلك على صحة الأشخاص والحيوانات التي تعيش على ضفاف السد، وفي تماس يومي معه بشكل من الأشكال». أكبر سد في خطر لم يكن من الممكن أمام الحديث عن هذا التلوث أن نكتفي بتصريحات الفاعلين الجمعويين المحليين، بل قررت «المساء» الذهاب بعيدا في رحلة نحو ضفاف السد، من أجل الوقوف على حقيقة الأمر، وهو ما لم يكن سهلا تماما، خاصة في ظل وعورة الطريق المؤدية إلى السد، وصعوبة المسالك المحيطة به بسبب مياه الأمطار التي تجعل من الصعب العبور منها، سواء بواسطة السيارة أو مشيا على الأقدام. تطوع عدد من أبناء المنطقة لمرافقتي رغم علمهم بصعوبة ما كنت أنوي القيام به، لعلمهم المسبق بالحالة التي توجد عليها الطريق غير المعبدة، لكنهم قبلوا بذلك سعيا وراء إيصال الحقيقة إلى الرأي العام كما قالوا. انطلقنا بسيارة أحد المرافقين الشخصية من مركز الجماعة، لنقطع مسافة عشرين دقيقة تقريبا، قبل أن نجد أنفسنا فوق مرتفع مشرف على السد، وهو المرتفع التي توجد على جوانبه مطاحن الزيتون، والتي يقول سكان المنطقة إنها تعود إلى ملكية شخصيات نافذة، بينها رئيس الجماعة القروية لمولاي بوشتى الخمار. «ضفاف السد تضم أكثر من 70 مطحنة عصرية للزيتون، فضلا عن 13000 مطحنة تقليدية منتشرة في كل الإقليم، وهؤلاء الذين يتهمونني بتلويث السد يستغلون العمل الجمعوي لحسابات سياسية، لأنهم لم يقدروا على مواجهتي مباشرة، وفشلوا في اكتساب ثقة السكان»، يقول محمد المنصوري، رئيس جماعة مولاي بوشتى الخمار القروية غاضبا ردا على تلك الاتهامات. رغم أن السيارة التي كانت تقلنا لم تكن معدة للمرور عبر المسالك الوعرة، فإن صاحبها اختار المخاطرة بها وبراكبيها، في سبيل الوصول إلى السد عبر منحدر تحولت تربته إلى طين بسبب الأمطار، وهو ما كان يزيد من فرضية انزلاق إطارات السيارة كلما تقدمت في اتجاه هدفها. نزلت السيارة عبر المنعرجات الصعبة، إلى أن وصلت إلى منطقة مستوية يستحيل معها أن تستمر في التقدم، قبل أن يطالبنا السائق بالنزول منها وإكمال بعض الأمتار المتبقية مشيا على الأقدام، وهي المهمة التي لم تكن سهلة، بالنظر إلى طبيعة التربة في محيط السد، وتحولها إلى أوحال يصعب المشي فوقها. كان منظر السد يبدو عجيبا، وقد انقسم سطحه إلى لونين مختلفين: لون أزرق صاف يعكس لون السماء، وهو اللون الغالب والممتد على امتداد البصر داخل السد، ولون آخر داكن اختلط فيه اللون الأزرق باللون الأسود، وهو الغالب على ضفة السد المتصلة بمجار طبيعية، تحمل رواسب من مادة المرج القادمة من مطاحن الزيتون المنتشرة بالقرب من السد. «ما نراه الآن هو جزء يسير فقط من التلوث الذي يعرفه سد الوحدة، وهو التلوث الذي يبلغ قمته خلال موسم جني الزيتون وما يليه، حيث تصب كل المطاحن مخلفاتها من مادة المرج داخله، وهو ما يهدد مستقبلا بكارثة بيئية إذا لم تتحرك السلطات المعنية لوضع حد لهذه التصرفات»، يقول عبد الوهاب العمراتي، الفاعل الجمعوي المحلي، والتأثر باد على وجهه الذي يعكس القلق الذي يساور سكان المنطقة. لكن رئيس جماعة مولاي بوشتى حتى وإن كان يعترف بخطورة إلقاء مادة المرج داخل السد، سواء على الأسماك الموجودة به أو على الكائنات الحية التي تعيش في محيطه، إلا أنه يعتبر أن نسبة تلك المادة مقارنة مع حجم السد تبقى ضئيلة، ولا تشكل خطرا آنيا على مياه السد، «وأنا شخصيا قمت بوضع ثلاثة صهاريج في المطحنة التي يملكها ابني، تجنبا لمثل هذه الاتهامات المجانية، علما أن ما يلقى في السد، هو أقل بكثير مما يلقى في نهر سبو على سبيل المثال، لذلك لا يجب تضخيم المسألة». «المساء» وخلال وجودها بالمنطقة، استطاعت الحصول على وثيقة موقعة من طرف مفوض قضائي محلف لدى المحكمة الابتدائية بتاونات، تحمل تاريخ 16 دجنبر من السنة المنصرمة، وهي الوثيقة التي يؤكد من خلالها المعني بالأمر، أنه قام بمحضر معاينة للمكان المعروف ب«السداري»، بناء على مطلب من جمعيات تنشط بالمنطقة، حيث توجد معصرة الشمال التي يملكها ابن رئيس الجماعة القروية، مؤكدا أنه خلال المعاينة التي قام بها، شاهد تسربات لمادة المرج من المعصرة إلى واد مدرك الذي يصب في حقينة سد الوحدة، مؤكدا أن المحضر الذي حرره هو بقصد الرجوع إليه عند الحاجة. سد الوحدة.. نعمة أم نقمة؟ حين قرر الملك الراحل الحسن الثاني بناء سد الوحدة خلال تسعينيات القرن الماضي، استبشر سكان المنطقة خيرا، خاصة وأن القرار جاء في فورة السياسة التي أعلن عنها الملك الراحل، والتي كان المغرب الرسمي يراهن عليها من أجل دعم قطاعه الفلاحي، في مواجهة موجات الجفاف المتكررة التي كانت تضرب المغرب خلال تلك السنوات، إلا أن تطبيق المخطط على أرض الواقع عرف تجاوزات عديدة، إذ ساهم السد بشكل كبير في تعميق العزلة التي تعاني منها المنطقة، عبر تحويل الطريق الرئيسية إلى وجهة أخرى، وهو ما زاد من عزلة الكثير من المناطق الجبلية. العياشي بوعرفة، الفاعل الجمعوي المحلي والمهتم بالبيئة، يؤكد أن انعكاسات بناء السد على أبناء المنطقة كانت كثيرة ومتعددة، «إذ بالإضافة إلى الطريق التي حرمنا منها، والتي كان بالإمكان أن تغير الكثير في المنطقة ونواحيها، فقد حرمنا، أيضا، من الضيعات الفلاحية التي كان يشتغل فيها أبناء المنطقة، رغم الجهود التي نقوم بها حاليا من أجل غرس أشجار الزيتون سعيا إلى توفير المزيد من فرص الشغل للساكنة المحلية، وفي محاولة لمنع أبناء المنطقة من الهجرة نحو المدن القريبة كما كان حال سابقيهم»، يضيف بوعرفة وأمارات الأسى بادية على محياه الذي غطته التجاعيد، بعد أن تقدم به السن وصار مقبلا على التقاعد. منذ بدء استغلال سد الوحدة سنة 1996 من طرف الدولة، بدأت معاناة السكان من ما يفترض أنه معلمة حضارية كبرى في البلد، إذ تحول السد إلى ما يشبه مقبرة كبيرة لأبناء المنطقة وزائريها، ممن يقصدونه خلال فصل الصيف من المدن القريبة للاستجمام، هربا من حرارة المدن الداخلية القريبة، خاصة العاصمة العلمية فاس. أبناء القبيلة يتذكرون جيدا العشرات من أبناء المنطقة وزائريها الذين ابتلعهم السد العملاق، دون أن تتخذ السلطات التدابير اللازمة للحد من هذه الفواجع، حتى وإن كانت السباحة ممنوعة نظريا، فإنه لا وجود لمراقبة صارمة في هذه النقطة بالذات. منازل محرومة من الكهرباء رغم أن ربط المنطقة بشبكة الكهرباء قد بدأ منذ سنوات عديدة، فإن العديد من المنازل بالمنطقة لا تزال محرومة من الكهرباء، ومنها من ينتمي إلى نفس الدوار، حيث يبدو النصف مضاء ليلا والنصف الآخر مظلما. رسميا، يقول المسؤولون إن عدم ربط الكثير من المنازل بشبكة الكهرباء، يعود بالأساس إلى كونها مقامة فوق أراض سلالية، وتزويدها بالكهرباء يعني اعتراف السلطات بملكية تلك الأراضي من طرف مستغليها، وهو المنطق الذي ترفضه جمعيات المجتمع المدني العاملة بالمنطقة. عبد المولى العمراتي، الفاعل الجمعوي بالمنطقة، يؤكد أن أكثر من 70 منزلا بالمنطقة لا تزال محرومة من الربط بشبكة الكهرباء، خاصة بدوار عين حمدي الذي يستفيد فيه البعض من الكهرباء رغم كونهم يقيمون في أراض سلالية، في حين يحرم البقية من ذلك، «أكثر من ذلك، هناك من يقيم في أراض في ملكيته، دون أن يتمكن من الحصول على حق الربط بشبكة الكهرباء، وهو ما يزكي كلامنا عن وجود حسابات سياسية وراء هذا الحرمان، ويزيد إحساسنا بالحزن والحكرة التي نعاني منها كأبناء المنطقة، لأننا إذا أردنا ملء بطارية هاتف نقال، فعلينا الانتقال لمسافة طويلة من أجل هذه الخطوة البسيطة»، يختم الفاعل الجمعوي الشاب كلامه وسط همهمات مؤيدة له من طرف الحضور من شباب الدوار. «واالعداوواالعداو، عايشين لا ما لا ضو» شعار رفع خلال الوقفة التي قام بها ممثلو المجتمع المدني بالمنطقة أمام البرلمان قبل أسابيع معدودة، وهي الوقفة التي اتهموا رئيس المجلس القروي للجماعة بمحاولة عرقلة تنظيمها، حتى لا يصل صوت السكان إلى المسؤولين في العاصمة. في المقابل، ينفي رئيس المجلس القروي للجماعة تلك الاتهامات، مؤكدا بأنه أول المدافعين في وجه المسؤولين عن ضرورة ربط سكان الأراضي السلالية بالكهرباء، على اعتبار أن ذلك لا يعني تملك هؤلاء لتلك الأراضي، «وأولئك الذين تم ربطهم بالكهرباء من سكان تلك الأراضي، أنا من زودتهم بها خلسة عن أعين السلطات، والأمر لا علاقة له بتصفية الحسابات كما يدعي البعض ممن لهم حسابات شخصية معي، ويريدون تصفيتها باستغلال العمل الجمعوي». أوضاع اجتماعية مزرية تبقى جماعة مولاي بوشتى الخمار من أفقر المناطق في منطقة تاونات، نظرا لانعدام شروط العيش الكريم بها، فضلا عن انتشار البطالة في أوساط شبابها، وانعدام الفرص أمام الطلبة الذين يعودون إليها حاملين شهادات جامعية عليا. على طول الطريق التي مررنا منها بسيارة مرافقنا، انتشرت دكاكين معدودة على رؤوس الأصابع، كانت تبدو أشبه بقبور باردة، في غياب الكهرباء. سائق السيارة أصر على التوقف بجانب بناية مقفرة، كانت تبدو مثل دكان مهجور، مقسم إلى ثلاثة أجزاء متساوية. «هذا ما يفترض أنها دكاكين نموذجية أقامها رئيس الجماعة، لكن كما نرى فهي غير صالحة للاستغلال، لأن مساحتها ضيقة جدا، وهي على هذه الحال منذ مدة طويلة»، يقول التهامي بنبرة يعلوها الأسى، قبل أن نعود أدراجنا إلى السيارة مكملين طريقنا نحو مناطق أخرى. مررنا على المدرسة الوحيدة بالمنطقة، والتي تجمع أطفال دواوير عديدة ومتباعدة فيما بينها. المدرسة بدورها تعاني من غياب الربط بشبكة الكهرباء، وهو ما يضاعف من معاناة التلاميذ والأساتذة على حد سواء. صادفنا عند بوابة المؤسسة عمر، أحد المعلمين المشتغلين بالمدرسة الابتدائية. كان الشاب القادم من الجنوب يبدو متناغما مع محيطه الجبلي، بجلبابه الصوفي السميك، ونظاراته المتواضعة التي تتوسط وجهه المستدير الأسمر، وهو اللون المميز لأبناء المنطقة الجنوبية للمغرب. «نحن في هذه المنطقة المعزولة نعاني من نقص الإمكانيات، ومعاناتنا تتضاعف أكثر في فصل الشتاء، حين نجد أنفسنا بين مطرقة المذكرات الوزارية، وبين خوف الأهالي على أبنائهم، وهو خوف مشروع نظرا لما تعرفه المنطقة من مخاطر، تصل حد انتشار الحلوف في بعض الأوقات من السنة»، يقول عمر بلهجته التي صارت خليطا بين اللهجة الصحراوية واللهجة الجبلية المحلية، قبل أن يشير باتجاه التلاميذ الذين كانوا يلعبون في مساحة مجاورة للمدرسة قائلا: «ما ذنب هؤلاء الصغار الذين يضطرون للقدوم في الصباح الباكر للمدرسة، حتى لو كانت الحصة التي سيدرسون فيها حصة مسائية، ألن نشجعهم بهذه الكيفية على مغادرة المدرسة والانحراف»، قالها وصوته يرتجف من شدة الانفعال، بعد أن غلب عليه تأثره فلم يستطع إكمال كلامه. إلى جانب المدرسة الابتدائية، يقع مستوصف القرية الذي يبدو من الخارج أشبه بمخزن حبوب مهجور، خاصة وأن طلاءه الخارجي لا يوحي للناظر إليه بأن هناك حياة بالداخل. المستوصف يعاني بدوره من غياب الربط بالكهرباء، وهو ما يجعله بدون فائدة بالنسبة للساكنة، خاصة وأن الآليات البسيطة التي يتوفر عليها تحتاج إلى الكهرباء من أجل تشغيلها، وآخرها ثلاجة المستوصف التي لا تشتغل، مما يجعل اللقاحات وغيرها مهددة بالإتلاف. لا يزال الشاب حميد يتذكر كيف اضطر بعد أن وضعت زوجته مولودهما الأول، إلى الانتظار لأيام من أجل تلقيح ابنه الرضيع، بحجة أن الطبيبة لا يمكنها فتح علبة اللقاحات وإلا أصابها التلف، وعليها انتظار مجيء رضع آخرين، أو انتظار نهاية الشهر حتى يمكنها التضحية بباقي المخزون الذي يوجد لديها. ووسط الصراعات السياسية التي تشهدها المنطقة، يبقى الضحية في المرتبة الأولى هم السكان الذين لا زالوا يصارعون من أجل حياة كريمة، بغرض اللحاق بركب الحضارة الذي لا يرونه إلا عندما يخرجون من قريتهم نحو المدن المجاورة سعيا وراء الرزق أو الاستشفاء، في انتظار التفاتة من الجهات المعنية إلى المنطقة وساكنتها، والاستجابة لمطالبهم التي يعتبرونها بسيطة وضرورية، دون الأخذ بعين الاعتبار المصالح السياسية الضيقة، ولا الحسابات الشخصية لكل فرد على حدة. أكبر سد بالمغرب سد الوحدة هو أكبر سد بالمغرب، ويعد ثاني سد في إفريقيا بعد السد العالي في مصر. يقع في قرية المجاعرة في إقليم تاونات، على بعد 80 كلم شمال «فاس»فاس. تبلغ طاقته الاستيعابية 3 مليارات و800 مليون متر مكعب. بناه الملك الراحل الثاني»الحسن الثاني في إطار اهتمامه ببناء السدود، والتي بلغ عددها 125 سدا، طاقتها الاستيعابية مجتمعة أكثر من 20 مليار متر مكعب من الماء. رغم المعاناة التي تبدو على سكان المنطقة، فإن محمد المنصوري، رئيس جماعة مولاي بوشتى، يؤكد أن هذه الأخيرة تعيش أزهى أيامها، «وهو ما تترجمه المشاريع التي عرفتها الجماعة خلال سنتي 2012 و2013، والفائض المسجل في حسابها السنوي، والذي بلغ أكثر من 200 ألف درهم، بعدما كان في الأمس القريب لا يتعدى 24 درهما». الرئيس الاستقلالي يعتبر أن الحملة التي يشنها بعض الفاعلين الجمعويين ضده، سببها حسابات سياسية، مؤكدا أن العديد منهم لهم دعاوى قضائية في المحاكم، ولهم مشاكل مع البناء العشوائي أو حفر الآبار، «بل ومنهم من يطالب بالدعم لجمعيات عائلية تضم أبناءهم وزوجاتهم، أما أنا فيوم أحس بأن نصف السكان ليسوا معي فسوف أنسحب من المسؤولية دون أية مشكلة».