بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما كان المال يشتري «الوطنية»
الخونة في المغرب
نشر في المساء يوم 22 - 12 - 2013

عندما هبطت الطائرة التي أقلت السلطان المنفي محمد بن يوسف على أرض المغرب، سرعان ما نصبت المشانق، أعد «الوطنيون» لائحة بأسماء الخونة، أي من فرحوا وابتهجوا لمنفى السلطان، ومن تعاونوا مع سلطات الاحتلال، صدر الأمر السلطاني بظهير شريف نشرته جريدة «العلم» آنذاك، كان الظهير/القرار يشرع أن تصادر أملاك هؤلاء الذين خانوا الوطن، بتعاونهم مع الأجانب، فكانت اللائحة تضم المئات لتتقلص في ظروف غامضة إلى العشرات.
بعضهم صُودرت أملاكهم، وعاشوا منبوذين، دفنوا في أراضي وبلدان أجنبية، والآخرون كانت أسماؤهم في القائمة الأولى من اللائحة، لكن بقدرة قادر وجدوا أنفسهم يسيرون دفة البلد بعد الاستقلال.
الأثرياء والحاذقون منهم اشتروا صك غفران يبرئهم، فيما تعرض من رفض منهم إلى النهب ومصادرة الأملاك، بينما ذاع صيت آخرين بخصوص براءتهم من تهم التخوين، ونجت أملاكهم التي انتقلت رفقة مناصب سامية في الدولة إلى أبنائهم وأحفادهم فيما بعد. لا يمكن أن تحاكم أبناء وأحفادا لكون أجدادهم أو آباءهم «اتهموا»بالتعاون مع الاستعمار الفرنسي، يقول أستاذ التاريخ بجامعة عين الشق معروف الدفالي.
كان إعلان لائحة الخونة التي كان وراء تحديدها وإعدادها سياسيون، وبعض رموز الحركة الوطنية وخاصة حزب الاستقلال ورجالات المقاومة، وقعت هناك التباسات كثيرة في تعيين الأسماء الحقيقية التي كانت قد تعاملت مع الاستعمار بشكل من ألأشكال، إذ تولدت مجموعة من الأحقاد وتصفية حسابات ورطت العديد من الأبرياء.
الكثير ممن صدرت في حقهم تهمة الخيانة دفعوا رشاوى بمبالغ مالية كبيرة من أجل أن تزال أسماؤهم من اللائحة، وهذا طبعا ما حصل يقول أستاذ التاريخ بكلية عين الشق بالدار البيضاء، معروف الدفالي. استقل المغرب سنة 1956، وتقوت الملكية بعد عودة محمد الخامس من المنفى، لكن هذه الفترة وعلى عكس ما كان متوقعا، طبعها القتل والتصفية الجسدية في حق بعض من كانوا أبرياء، ذنبهم الوحيد أنهم كانوا أثرياء، في جو من الفوضى ساهمت فيها الدولة بشكل كبير بضغط ممن كانوا يصنفون أنفسهم مقاومين، وعلى الموجة نفسها بدأت الاغتيالات، في عهد التجاذب السياسي.
هناك من دفع مبالغ نقدية، واشترى «صك غفران» رغم أنه كان متورطا في مساعدة نظام الحماية الفرنسية ضدا على مصالح ووحدة المغرب، وتمكن فيما بعد من الاستعانة بصك غفران هذا، ليظهر بمظهر الوطني، وبتبوء مناصب كبيرة في المغرب «المستقل».
لكن أمام اشتداد الفوضى، وتولي مسؤولية تحديد ومحاسبة «الخونة» من طرف جهات سياسية معينة، في غياب جهات قضائية مسؤولية، فقد تحول الأمر إلى تصفية حسابات حتى الشخصية منها، فكانت النزاعات الشخصية بين أناس عاديين حافزا لتهم التخوين، ومن تم التصفية الجسدية أو انتزاع الأملاك عنوة.
ويخصص الكاتب المغربي محمد شكري في روايته «زمن الأخطاء» فصلا كاملا للحديث عن فترة التخوين التي انتشرت في البلد عشية رجوع محمد الخامس من المنفى، فانتشرت هذه الظاهرة بشكل كبير، أغلبها كانت تصفية لحسابات شخصية كما يقول الكاتب ذاته، فيتم قتل وحرق من يتهم بالخيانة طمعا في ماله وأملاكه، أو أن يتهم من طرف أشخاص له بالخيانة، ويتخذون ذلك ذريعة لتصفية وإقبار لديونه عليهم. «المساء» تعيد النبش في ملف الخونة، ممن صدر في حقهم ظهير شريف يُصادر أملاكهم، ويحرمهم من الأهلية الوطنية لمدة 15 سنة، وتنقل شهادات لمن عاصروا المرحلة من كتاب وصحافيين وأحفاد لهؤلاء الذين يسمون «الخونة»، كما تلقي الضوء على بعض الكتابات التي تتطرق إلى الموضوع عبر شهادات لأناس عاصروا تلك المرحلة المظلمة من تاريخ المغرب.
كيف كان «المقاومون» يبتزون الأثرياء
«صك» البراءة من الخيانة
حدث في المغرب قبل أكثر من 50 سنة، أن كان امتلاك المال يؤدي إلى القتل، والنزاعات الشخصية مع الجيران والأقارب تؤدي كذلك إلى الهلاك، والتهمة؟ خائن ومتعاون مع سلطات الاحتلال الفرنسية. هكذا تحول الظهير الذي صدر عشية عودة السلطان محمد الخامس من المنفى إلى ذريعة لبث الفوضى والسرقة دون حسيب أو رقيب.
وأصبح بعض من يدعون مقاومة الاستعمار زبانية ينهبون الأموال ويأخذون الرشاوى، لمنح صك براءة من تهمة الخيانة، التي كانت تؤدي إلى القتل أو الاعتقال والتعذيب.
كانت التهمة تخفف حسب المبلغ المدفوع، ويمكنها أن تزول في حال الموافقة على المبلغ المقترح، قد يبدو المبلغ ضئيلا بالنسبة للكثيرين اليوم، غير أنه كان مبلغا يوازي شركات فرنسية مهمة حينها، يقول عبد الكريم الفيلالي في كتابه «تاريخ المغرب الكبير»، وكان يمكن أن يؤسس شركات قوية في المغرب في ذلك الوقت.
إبراهيم الزهاني.. الرجل الذي اشترى صك غفرانه ب33مليون من المقاومين
عندما بدأ نفوذ فرنسا يضعف في المغرب بدأت حمايتها التي كانت توفرها لأتبعاها من المغاربة تضعف، فكان هؤلاء عرضة لعقاب رجال التحرير ومن يقودون المقاومة، وأحيانا من أناس عاديين وجدوا في الفترة فرصة للسيبة، والأخذ بالثأر من أناس لا ذنب لهم سوى أنهم أغنياء ولهم أملاك.
تحكي الشهادات أنه عندما نصب ابن عرفة ملكا للبلاد، شاعت حفلات البيعة في كل المدن المغربية، يقودها رجال في غالبيتهم كانوا قضاة يحكمون في قضايا وشكاوى الناس، لجأت فرنسا إلى إقناع هؤلاء لسطوتهم العلمية في أوساط المغاربة المتدينين بطبعهم.
في القنيطرة سميت بيعة ابن عرفة ببيعة القنيطرة، تجمع حوالي مائتي ألف من سكان المدينة ونواحيها، بعضهم جاء بدافع حب الاستطلاع، وبعضهم الآخر خوفا من نظرات كانت تطلقها عيون من جاؤوا من المتعاونين لدعوتهم، خطب فيهم يومها القاضي عبد المجيد بن عبد الله الفاسي، استهل خطابه بالقول: «من كان يعبد محمد بن يوسف فهو قد انتهى ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم رفع كفه اليمنى قائلا إذا كان الشعر ينبت هنا فإن ابن يوسف سيعود»، بعد أن اشتد عود المقاومة وجيش التحرير وضعفت فرنسا، لم يصب عبد المجيد أي سوء، الغريب أنه بعد الاستقلال عين بالمجلس الأعلى للقضاء.
والأغرب أن التجمع الذي كان بطله، نسب إلى إبراهيم الزهاني، رجل من رجال المدينة، بعد أن ضعفت هيبة فرنسا ورجع محمد الخامس، طالته أيادي رجال التحرير رغم أن سيده عين في مركز قوي في جهاز القضاء في الدولة.
كان استغرابه أن الرجل الذي كان وراء كل شيء عين في أعلى منصب في قضاء المملكة، في الوقت الذي طالت أيادي الانتقام أناس ضعفاء، اقتصر دورهم على تنظيم الصفوف يوم التجمع أو استدعاء الناس.
ضعفاء الناس طالتهم يد الاغتيال، أما الأغنياء من المتعاونين فقد كان لهم ما يغرون به هؤلاء «الوطنيين».
ساوموه كي يدفع من أجل أن يشتري صكا للغفران، يجعله بعيدا عن الأيادي، كانت أملاكه تغري وتسيل لعاب الكثيرين ممن تلبسوا عباءة المقاومة، لذلك تناوب عليه رجال محسوبون على حزب الاستقلال.
«سمسره» رجل يدعى عمر بن عبد الجليل، أفهمه أنه معرض للتعذيب أو القتل ومن تم مصادرة أملاكه، كما أن حرمة أهله معرضة لإحلال، لم يجد الرجل بدا من الانصياع لرجل لم يتردد للحظة في قطع رؤوس بعض ممن لم يرتكبوا ذنبا، بل كان ذنبهم الوحيد أنهم ذوو أملاك ولهم ثروة.
طلب منه أن يدفع أربعين مليونا سنة 1956 أو يُقتل هو ولده، تحت تهمة أنه كان من كتب بيان التجمع الذي بُويع فيه ابن عرفه بالقنيطرة، في الوقت الذي كان يعرف غالبية الناس والسكان أن من كتبه شخص ثان يدعى بدار الجلاوي، أدرك الرجل بفعل تعليمه المخزني العالي طبيعة الأمور، لكن رغم ذلك تردد في الدفع، إذ اعتقد أنها سحابة وتمر وتهديد غير جدي، غير أنهم سرعان ما قاموا بتصفية أربعة أشخاص على شاكلته ووجهت لهم اتهامات بالخيانة رغم براءتهم، قتلوا على مرأى من الناس وأحرقت جثثهم في ساحة عامة، منظر اللحم المتفحم ورائحة اللحم البشري المشوي أرعدت فرائص الرجل، فما كان منه إلا أن تفاوض على الثمن، فمن أربعين مليون ومن خلال الاعتماد على وسطاء ومعارف ومقربين، اقتنع «جلادوه» أن يخفضوا ثمن براءته، ودفع ثلاثة وثلاثين مليون مقابل صك براءة يشهره في وجه رجال جيش التحرير فيما بعد.
ويكشف عبد الكريم الفيلالي أن من بين الناس الذين فاوضوه الديغوسي بن حماد وبن شقرون وهما من قيادات حزب الاستقلال يومها.
عبد الحي الكتاني.. مصادرة أغنى مكتبة في تاريخ المغرب
تعود عداوة عبد الحي الكتاني مع السلطان، إلى مراسلته ذات يوم للسلطان عبد الحفيظ ينصحه ويحذره من مغبة الاستمرار في السير على خلاف التقليد والعرف والدين، لكن السلطان سرعان ما غاضه ذلك، رغم المنزلة التي كان يخصه بها، فسجنه رفقة أخيه بتهمة التخطيط لقلب النظام وتكوين حكومة غير شرعية، تعرض خلالها للتعذيب وأصناف التنكيل من طرف زبانية السلطان، لكن موت أخيه الذي كان رفقته في المعتقل متأثرا بالتعذيب، كان أهم عامل في أن أصبح معاديا للنظام، وبعيد مغادرته للمعتقل ألف كتابه «ما علق في البال من أيام الاعتقال» يصف محنة الأسر وظروفه، أصبح الرجل يجهر بعدائه للنظام، ورغم أن علاقته تحسنت بشكل خفيف بعد مجيء السلطان محمد الخامس للحكم، إلا أنه سرعان ما طغت الأحقاد القديمة في نفس عبد الحي الكتاني وجاءت فرصته للانتقام من قتلة أخيه.
كان عبد الحي الكتاني ممن بايعوا ابن عرفه بعد تنصيبه، وبعد عودة محمد الخامس من المنفى، كان ضمن من صدر اسمه في لائحة الخونة الذين تصادر أملاكهم، ويحرمون من الأهلية ولا يتولون أي منصب في الدولة.
لتختفي كل مواقفه السابقة، وحتى ظهائر التوقير التي كان خصه بها كل من مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ ومولاي يوسف ومحمد الخامس لم تشفع أن تجنبه المصير المحزن الذي ألقى بظلاله على عائلته حتى بعد وفاته.
صودرت أملاكه، وعلى رأسها مكتبته الغنية بالكتب، وعاش منفيا بمدينة «نيس» الفرنسية إلى حين وفاته بها، لم تتم إعادة الأملاك التي صودرت، كل ما بقي ظهائر توقير يشهرها حفدته أمام كل صحافي يحاول النبش في الموضوع.
الصبيحي كان يجبر
المغاربة على طبخ الكسكس للجنود الفرنسيين
محمد بن الطيب الصبيحي، لم يكن مصيره يختلف عن زميله عبد الكريم بن سودة، الرجل ولد في مدينة سلا، وتوفي فيها، قضى حياته بالمغرب، وزار الحجاز حاجًا، كما زار كثيرًا من بلدان الشرق والغرب، تلقى تعليمه في مدينتي سلا والرباط ثم بمدينة فاس، ودرس على يد مشاهير من شيوخ عصره، تولى باشوية مدينة سلا، وكان إلى جانب ذلك يقوم بتدريس العلوم لتلاميذه، وهو ما ساهم بشكل كبير في أن يخلق له سمعة ذاع صيتها، تغنى فيها بفرنسا ورئيسها، يلتمس بعض أساتذة التاريخ المعاصرين الأعذار للرجل، ربما للرجل قناعته، يقول أستاذ التاريخ معروف الدفالي.
اتهم بالخيانة ورأى أن فرنسا هي الحل كي يتقدم المغرب ويزدهر، بلغت حماسته إلى حدود نظم قصيدة شعر سماها «تحية للرئيس الفرنسي».
هل كان الرجل مضطرا ومجبرا كما يزعم بعض المختصين في التاريخ المغربي؟ لكنه نشر القصيدة في جريدة «السعادة» وهي جريدة كانت تتغنى بالاستعمار، عدد 2363 أبريل عام .1922 في صبيحة يوم بارد بلغت «وقاحته» حسب رجال جيش التحرير أنه طلب من الفرنسيين أن يملأوا الشوارع والأحياء بالجنود، خوفا من انتفاضات، مبررا أن هؤلاء لا يفهمون غير لغة القوة، وكان يجبر السكان على أن يطبخوا لهؤلاء الجنود الجائعين «الكسكس» تحت التهديد.
لم يمر وقت طويل حتى تمكن منه رجال جيش التحرير، أو ربما أشخاص لا علاقة لهم بجيش التحرير، المهم أنه سقط في قبضة من يكرهون تواجد فرنسا.
عندما تمكن منه رجال جيش التحرير تفننوا في تعذيبه، إدخال أشياء غريبة في مؤخرته، وإجباره على شرب الكثير من غرائب السوائل، أو القيام بحركات غريبة وسط قهقهات وضحكات حراسه، لكن على شاكلة عبد الكريم بن سودة، تدخل مدير الأمن محمد الغزاوي الذي كان يحظى بمكانة وسمعة جيدة لدى المقاومين ليطلقوا سراحه دون المساس بممتلكاته حتى بعد صدور الظهير وصدور اسمه ضمن من يجب مصادرة أملاكهم.
محمد المقري.. أموال ومنازل أبيحت باسم الظهير الذي نشر في جريدة العلم
بعد أن حصل المغرب على الاستقلال كثيرة هي العائلات التي تمت مصادرة أملاكها واضطهد أفرادها في سياق حملة تصفية حسابات أضفيت عليها حلة التخوين، علما أن الجميع تعامل مع الفرنسيين بشكل أو بآخر، يقول أحد أحفاد محمد المقري.
صحيح أن البعض كانت له علاقة مباشرة بأعداء السلطان الشرعي محمد الخامس وتولوا مقاليد المسؤولية بل وشرعوا في رمي الآخرين بتهمة الخيانة.
بعد ستة أيام من صدور لائحة الخونة الذين تصادر أملاكهم ويحرمون من الأهلية توفي محمد المقري عن سن يناهز 115 سنة، إذ جرد من حق المواطنة، وصودرت أملاكه.
اشتغل كاتبا خاصا في دار المخزن منذ عهد السلطان الحسن الأول، وهو ما سمح له أن يكون قريبا من السلطة ومن مصدر الثروة.
من أملاكه التي صودرت محل سكن يوجد بحي المودة بالرباط، كان يتخذه مكانا للاستراحة من أعباء العمل، عندما صودر منه حوله وزير الداخلية الدموي محمد أوفقير إلى مركز لتعذيب المعارضين للنظام في فترة ما بعد الاستقلال، وهو ما جعل اسم «دار المقري» ترتبط بالتعذيب في سنوات الرصاص.
بعد مصادرة كل أملاكه اتهم أحفاده قيادات من حزب الاستقلال بالاستيلاء على الأملاك بذريعة التخوين.
بن سودة.. الرجل الذي أجبر على الاغتسال ببوله والتعايش مع «غائطه»
لم يخرج عبد الكريم بن سودة عن قاعدة الكثيرين ممن بايعوا ابن عرفه أو اتهموا أنهم بايعوه، كان قاضيا كالكثيرين وكان ينظم الشعر ويتلو القصائد في الجلسات المغلقة لندمائه من أصحاب الجاه والسلطان، هكذا يورد موقع عربي سوري يتحدث عن شعراء العالم العربي من عهد الاستعمار في كل العصور العربية، كما أن بنسودة كان قاضيا وشاعرا.
صك الاتهام كان ثقيلا، عبد الكريم بن سودة يتهمه جيش التحرير أن خيانته عن إرادة، لقد تشبع بالفكر الاستعماري لفرنسا، ولم يكن مكرها أو مجبرا على مجاراتهم تحت أي تهديد، إذن فهو خائن يستحق العقاب.
صعوبة مصادرة أملاكه أو حتى تخريبها ونهبها، نظرا لحمايته من الفرنسيين وأيضا لترامي أملاكه وشساعتها، جعل الحقد عليه يتكاثر من «الوطنيين، ليتم اختطافه واحتجازه في مكان قصي وخفي.
ويكشف بعض من استمعت إليهم «المساء» أن الكثير من أصناف التعذيب لم تشف غليل رجال جيش التحرير، فلجئوا إلى أن جعلوه يغسل وجهه وأطرافه ببوله في كل يوم، إمعانا في إذلاله، لكن الرجل لم يعدمه رجال التحرير الذين حولوا حياته إلى جحيم، إذ توسط بعض مقربيه لدى مدير الأمن آنذاك محمد الغزاوي، الذي كان يتمتع بصوت مسموع وبنفوذ واسع في أوساط رجال جيش التحرير، وقد بادر إلى التدخل لدى رجال جيش التحرير وسرعان ما أطلقوا سراحه.
تمتع فيما بعد بالحرية، في الوقت الذي كان معاونوه ومقربوه يتفنن رجال جيش التحرير في تعذيبهم، هذه الحرية ستجعل عائلة بن سودة تكمل مسارها بكل أريحية، وتتبوأ مناصب المسؤولية المؤدية للاغتناء في مغرب الحسن الثاني، وحتى مغرب محمد السادس.
مقاول يهرب أمواله من المصادرة على شاكلة أفلام «مافيا»
من بين القصص التي استقتها «المساء» من زعيم سياسي سابق، أن مقاولا جاءه بعض رجالات المقاومة وطلبوا منه مبلغا ماليا، مقابل ألا يرد اسمه في لائحة الخونة في جريدة «العلم» آنذاك، ولأن هذا المقاول، كان يعتبر نفسه وطنيا، رفض تسليم هدا المبلغ، أضافوا اسمه في آخر لحظة إلى قائمة الخونة، وصدر في حقه حكم بمصادرة الأملاك.
ويذهب المصدر ذاته إلى أن المقاول كان له ابن، درس بفرنسا وكان يعي خطورة تحدي أبيه لرجالات أصبحوا يمتلكون جزءا كبيرا من السلطة في دولة كانت ضعيفة، فقام بتهريب مبالغ من المال، مما وجد لديهم كنوع من الاحتياط، وهذه الأموال هي التي ستكون نواة أساسية فيما بعد لبناء أحد الفنادق الشهيرة بمولاي بوسلهام، فكيف تم ذلك؟
استعان بأحد أصدقائه كسائق من أجل تهريب الحقيبة، إلى إحدى مدن الجنوب، وبالفعل قام بذلك، لكن وعي جزء من الحركة التي كانت تسهر على إصدار أحكام التخوين، في إطار الجاسوسية التي كانت تتمتع بها، تم ترصد السيارة التي أقلت الأموال.
عندما أدرك الابن أن السيارة مراقبة، نزل من السيارة في غير الوجهة المقصودة وطلب من السائق الاستمرار، تاركا الأموال في عهدة السائق، وترجل حاملا حقيبة فارغة لتمويه مترصديه، فيما تابع السائق سيره.
ذهب إلى فندق صغير، وبعد لحظة وجيزة هاجمه المترصدون وانتزعوا منه الحقيبة، معتقدين أنهم غنموا، ليفاجؤوا بأنها مملوءة ببعض الجرائد وثياب بالية تعود لوالده.
نجا جزء كبير من الأموال ولم تستعمل إلا في وقت قريب من زمننا الحالي، إذ استثمرت في مشروع فندق يعد الأشهر والأفخم في مولاي بوسلهام.
التهامي الكلاوي: مصادرة 16 ألف هكتار عاد منها القليل
في يوم 19 ماي من سنة 1953، تباهى الكلاوي بصداقته مع فرنسا وكرهه لمحمد الخامس، كان ذلك عبر بيان أصدره يوضح فيه موقفه بوضوح تام، سانده الكثير من الباشاوات والقواد في دعواه وحقده على الملك محمد الخامس، لكن بعد عودة محمد الخامس من المنفى، ارتمى الكلاوي تحت قدمي السلطان يطلب المغفرة والصفح عن كل ما بدر منه، توفي سنة 1956، صودرت أملاكه وحكم عليه بعدم الأهلية رفقة ابنيه إبراهيم واحماد.
سنوات بعد ذلك، وفي محاولة لرد الاعتبار للتهامي الكلاوي، أصدر ابنه عبد الصادق الكلاوي كتابا بعنوان « العودة، والدي التهامي الكلاوي» يتبنى فيه أطروحة أن والده خان المغرب والمغاربة من أجل أن تستمر الملكية في البلاد ولا تسقط.
كان الكلاوي يتمتع بشخصية خيالية في أذهان السكان القريبين من محل سكناه، إذا كانوا يتداولون القصص عنه كأنه أسطورة، فالرجل كان له من النساء مائة امرأة بين جارية وزوجة وخادمة، له من الأملاك ما يسيل اللعاب الطامعين والحاسدين.
التهامي الكلاوي، اسم أشهر من علم، كان يعد أغنى من السلطان محمد الخامس نفسه، إذ كان يمتلك ما يناهز 16 ألف هكتار من الأراضي، يشتغل فيها المئات من السكان في منطقة حوز مراكش، ويكشف «بول باسكون» في كتابه «الفترات الكبرى للقيادة»، أن الكلاوي كان الأكثر نفوذا وشهرة في منطقة حوز مراكش، نظرا لأملاكه الكثيرة، مما منحه نفوذا كبيرا في المنطقة.
عندما صدر القرار بمصادرة أملاكه، حجز على أكثر من 11.400 هكتار من الأراضي الزراعية المسقية، وكان من الأملاك أيضا 25.000 من الأراضي التي ليس لها رسوم، وأراضي زيتون تصل إلى أكثر من 660.000 شجرة، ويعد ما تم حجزه من أكثر الأملاك المصادرة من الخونة.
عندما مات عام 1956، كانت هناك حوالي 100 امرأة بين خادمة وجارية، وأرملة واحدة هي والدة عبد الصادق.
يتحدر من عائلة فقيرة، لكن بعد اكتشاف معدن الملح، أصبحت العائلة غنية جدا، لكن تسلسل الثراء يظل صعب الرصد، بسبب أن الوثائق أو أرشيف العائلة احتجز ولم يخرج للعلن منذ سقوطها بسبب الخيانة، كما يكشف ذلك «بول باسكون».
وكان عمره يقل عن 30 سنة عندما عينه السلطان مولاي عبد الحفيظ في منصب باشا مراكش، في الوقت الذي كان شقيقه الأكبر المدني الكلاوي يتولى مهمة وزير الحرب في مخزن مولاي عبد الحفيظ، قربه من السلطة مهد له الطريق للاغتناء ولفرض نفوذ رهيب في المنطقة، فكانت كلمته مسموعة وأوامره مطاعة.
ويكشف أستاذ التاريخ معروف الدفالي أن العائلة استفادت من إرجاع بعض الممتلكات التي صودرت، إبان صدور الظهير القاضي بمصادرة أملاك من اتهموا بالخيانة، إضافة إلى وعود بإعادة بعض الممتلكات الأخرى.
عبد الكريم الفيلالي: حرق خمسة وثلاثين شخصا بتهمة الخيانة
يحكي عبد الكريم الفيلالي في كتابه «تاريخ المغربي العربي الكبير» أن الفوضى عمت كل مكان، القتل والفدية لأتفه الأسباب، الفترة كانت فترة مآسي المغرب وسبب الكثير من جراحه، القتل مباح، وأسهل التهم التي توزع هي تهمة الخيانة والتعاون مع الفرنسيين، أناس كانوا أميين ويجهلون حتى معنى كلمة خيانة أو تواطؤ، ذنب المتهمين الوحيد أنهم أغنياء.
في صبيحة أحد الأيام انتشرت الفوضى وأخذت الحماسة مواطنين أحرقوا خمسة وثلاثين شخصا بتهمة أنهم كانوا من أنصار الكلاوي، لم يكن هناك ما يثبت التهمة، لكن شهادة أكثر من شخص كانت تكفي أن يستعمل البنزين قانونيا، أمام مرأى من الجنود الفرنسيين أو أمام الشرطة التي لم تكن تحرك ساكنا.
فكان كلما أراد شخص أن يصفي حسابه مع شخص آخر أو أنه مدين له بمال، خاصة إذا كان غنيا، إذ يسهل جلب حنق الفقراء عليه، يتهمه بالخيانة والتعاون مع الفرنسيين.
في الجزء العاشر من كتاب «تاريخ المغرب العربي الكبير» يسلط عبد الكريم الفيلالي الضوء على جزء من تصفية الحسابات التي طالت وانتشرت يومها، ويسوق مثالا صارخا على ذلك، ففي صبيحة يوم كان الناس يشيعون جنازة ثلاثة معتقلين سياسيين قتلهم الجيش الفرنسي، كانوا يحسبون من المقاومين، شارك في الجنازة أكثر من 50000 شخص من المغاربة البسطاء، ما إن انطلقت جموع جنازتهم، حتى بدأ الكثير منهم يتساقطون، يتأوهون من شدة الألم.
أصيب منهم 500 شخص بتسمم، السبب ؟ بعد أن شربوا مياها كان يسهر على تقديمها رجل فقير رث الثياب، لا يدل شكله على أنه أرسل من جهة من الجهات، لكن الرجل سرعان ما اتخذ في حقه حكما فوريا، ما إن اتهم حتى قتل وأحرقت جثته، ساعتها أمام أنظار الجنود الفرنسيين وعناصر من الشرطة المغربية الذين لم يحركوا ساكنا، في الوقت الذي كان المسكين يتلوى أمام منظر البنزين الذي يصب على جسمه وعود الثاقب الذي حوله إلى كثلة بشرية مشتعلة.
لم تكتف الوفود بإحراق الشخص الذي قدم الماء، إذ يكشف المؤلف أنه ما إن تقدمت جموع الجنازة ، شخص آخر لم يوقف سيارته احتراما للجنازة، بل حاول اجتياز الجموع مستعينا ب»زمارة» السيارة.
انقضت عليه الأيادي المتحمسة من كل جانب، صدر الحكم في حينها، أشخاص كثيرون لم تكن تجمعهم بالوطنية إلا الأسماء كانوا من ضمن المشيعين في الجنازة، قرر الحكم في لحظة، إنه خائن ومتعاون مع الفرنسيين، فما الحكم الذي يستحقه هذا الخائن؟ سكب عليه البنزين وأحرق هو وسيارته، تفحم أمام الجنود الفرنسيين وتقدمت الجنازة كأن شيئا لم يكن.
الروائي محمد شكري: تهمة الخيانة كانت أسهل تهمة
يخصص الكاتب المغربي محمد شكري في روايته «زمن الأخطاء» فصلا كاملا للحديث عن فترة التخوين التي انتشرت في البلد عشية رجوع محمد الخامس من المنفى، فانتشرت ظاهرة التخوين بشكل كبير، أغلبها كانت تصفية لحسابات شخصية كما يقول الكاتب ذاته.
ويشير إلى أن بعض المتحمسين ل»سيادة النظام كانوا يسمحون لأنفسهم أن يلبسوا ملابس عسكرية، بقطعة واحدة بنطلون أو سترة أو بذلة كاملة موسومة برتبة ضابط، فيها شارة علم المغرب، ولم تكن السلطات تعترض عليهم أو تمنعهم من التجوال بها.
وينقل الكاتب صورة عن الغضب الشعبي اتجاه باشا المدينة الذي اضطرت السلطات الإسبانية إلى تهريبه خارج المغرب.
فباشا المدينة كما يروي محمد شكري، ذهب ليلقي خطابا في الفلاحين، لم يعجبهم الخطاب فرموه بالحجارة وشتموه، ثم نظموا مسيرة للانتقام منه، كان يتهم أنه من عملاء الاستعمار الإسباني، واستغلت تهمة التعامل مع الاستعمار الإسباني لتأجيج الجموع وقيادتها إلى حيث إقامته الفاخرة.
ويكشف محمد شكري أن في تلك الأيام كان يكفي أن يتهم أحد المتظاهرين أيا كان بالخيانة فيحرق فورا، دون أن يحاكم، أو حتى أن يفتح تحقيق في الموضوع.
ورغم أن الباشا تمكن من الهرب إلى جانب زوجته الإسبانية إلى إسبانيا تحت رعاية الإسبان يقول الكاتب، إلا أن المغاربة الهائجين، عندما اكتشفوا أن خادمه الأسود هو فقط من يتواجد في البيت لم يتراجعوا، نبشوا أظافرهم في لحمه، حتى سالت دماؤه، كان الأطفال يتصايحون في بهجة والنساء يزغردن، بعد أن سال دمه وانهارت قواه، لم يشفي ذلك غليلهم، فرموه بهراوات منقوعة في البنزين ومشتعلة، أمام قوة النار التي كانت تلتهم جسده اشتد صراخه، في الوقت الذي لم تتوقف زغاريد النساء وصرخات الابتهاج، رغم صرخاته ورائحة اللحم البشري لم تأخذهم به رأفة، بينما الجنود الإسبان ينظرون على حياد ودون أن يتدخلوا.
ويضيف الكاتب أنه في وقت من الأوقات بينما بدأت النار في جسده تخبو، ظهرت جماعة أخرى تجر عجوزا لم يكن يعرف أنه خائن، ولم يكن مشهورا حتى في أوساط الناس، لكن تهمة من أحد السكان جعلته خائنا، جروه إلى حيث الجموع، حيث احرقوا خادم الباشا، صبوا عليه البنزين واحرقوه وسط صرخات ابتهاج الأطفال وزغاريد النساء.
ويكشف شكري أن الوقت حينها ساد فيه القتل بتهم الخيانة التي كان الناس يصدقونها بسرعة كبيرة ودون تمحيص أو تدقيق، حيث يورد مثالا آخر لرجل يدعى الشريف السوماتي، يقول أنه كان قائدا سابقا في قرية خميس الساحل، قيل فيما بعد أن أحد المتظاهرين كان مدينا له بمبلغ من المال عجز عن تسديده فدبر له مكيدة حتى يتخلص منه، وهكذا تم قتله وحرقه بالبنزين.
ابن عرفه الذي شفع له انتماؤه للأسرة العلوية
أما ابن عرفه الذي شفع له انتماؤه للعائلة الملكية العلوية أن يعود جثمانه إلى أرض الوطن، فقد كانت مصادرة أملاكه مسألة داخلية للعائلة العلوية، فر من المغرب باتجاه فرنسا، حيث وفرت له الدولة الفرنسية منزلا بمدينة «نيس» الفرنسية» أقام فيه إلى جانب أسرته حتى وفاته سنة 1976 عن سن ناهز التسعين سنة، ورفض الحسن الثاني نقل جثمانه للدفن في المغرب، قبل أن يوافق سنوات بعد ذلك على أن ينقل سرا ويدفن في مقبرة صغيرة بمدينة فاس، بعد أن ظلت جثته لمدة عامين في أحد مساجد باريس الفرنسية، كما سمح لبناته بالعودة والعيش بالمغرب.
وكان ابن عرفه بعد أن استقر في فرنسا هاجر إلى بيروت، لكن سرعان ما عاد إلى فرنسا بعد أن تعرضت شقته في باريس إلى السرقة، وكان أهم ما سرق الخاتم السلطاني الذي كان يوقع به الظهائر الشريفة.
الطيب بن البغدادي «الشاذ»
صبيحة 21 من نونبر1955 قتل الطيب بن البغدادي وأحرق جسده، رائحة شواء اللحم البشري التي انتشرت في محيط بيته الفخم أفحمت أفراد عائلته، بل تجمدت الدموع في محاجر عيونهم، كانت الدموع دليلا على التواطؤ الموجب للقتل والإحراق، حتى جيرانه لم يجرؤوا على طرح الكثير من الأسئلة « اشتهر بن البغدادي أنه شخص مثلي الجنس، كان يعشق الغلمان، ويكرس الكثير من وقته كي يصطادهم، لم يكن يجد صعوبة في ذلك نظرا لموقعه القضائي، يتجول بسيارته ليلا كي يقتنص من يلبي شهوته ورغبته، بعيدا عن أعين الفضوليين من سكان المدينة، وأمام تواطؤ ولا مبالاة سلطات الاحتلال الفرنسي، خاصة جنرالا فرنسيا كان يقيم بالمدينة جمعته بالبغدادي «البلية» نفسها، أي اصطياد الغلمان وهو ما جعل الجنرال الفرنسي يتقرب من البغدادي ويجعله ذا منزلة رفيعة.
لكن هل قتل بسبب خيانة لم تثبت أم بسبب ميول جنسية مثلية؟ يذكر الفيلالي أن الطيب بن البغدادي كان دائما برفقته غلام من غلمان مدينة فاس، ووالده كان على رأس المدينة، وكان مسؤولا عن الأمن، ويقسو على المقاومين، أكثر من قسوة المعمرين وسلطات الاحتلال الفرنسية. تم التفاوض معه، جلسات مغلقة، وكلام كثير وحديث يطول إلى بدايات الساعات الأولى من الصباح، لكن دون جدوى، لم يمنح الكثير من الفرص على غرار من دفعوا لشراء غفرانهم، قتل وأحرق رفقة رفيق له يدعى الفشتالي، لكن هل رفض المبلغ المقترح لشراء صك غفرانه؟ تكشف بعض المصادر التي عاصرت المرحلة أن المبالغ التي كانت تطلب كانت ثروات هائلة جدا، يطلبها مبتزون لم يقاوموا يوما، كانت تشكل غصة في حلق الضحايا ممن يتهمون بالخيانة.
يقين الطيب وثقته العمياء في سلطة الاحتلال الفرنسية، وأنه باستطاعتها أن تتدخل لتنقده من الهائجين كان وراء تردده في شراء «براءته»، أمام رفضه وتشبثه بأمل صداقته -كما يقال- مع الفرنسيين كان لابد من تنفيذ الحكم، القتل والحرق، أحرق حيا أمام أنظار من اتهم أنه تعاون معهم.
عبد الرحمان الحجوي.. نهب القصر الملكي وهرب إلى فرنسا
عبد الرحمان الحجوي عين في منصب مدير للتشريفات في قصر ابن عرفه، كان مساندا لابن عرفه وأكثر مقربيه تشددا، كان يكتب افتتاحيات تمجد الاستعمار الفرنسي وتسب السلطان محمد الخامس، إذ أدار جريدة السعادة، التي كانت تعد لسان الإقامة العامة الفرنسية، وفي إحدى الافتتاحيات ختم يقول إن العهد الجديد قضى باعتلاء ابن عرفه للعرش، مضيفا أن « الملوك تتبدل والعرش يبقى في الأسرة العلوية».
وقد صنفت» لجنة تطهير الخونة» عبد الرحمان الحجوي ضمن لائحة الأشخاص الذين صدر في حقهم حكم» عدم الأهلية الوطنية، والتجريد من كافة حقوق المواطنين لمدة خمسة عشر عاما، ومصادرة جميع أملاكهم.
عبد الرحمن الحجوي، اعتبر أهم عقبة كانت تحول دون إبعاد بن عرفة، والحال أن هذا الشخص لم يكن سوى عون تنفيذ تابع لسلطة تنظيم الوجود الفرنسي.
فر عبد الرحمان الحجوي إلى فرنسا بمساعدة الفرنسيين الذين كانوا يقيمون بالمغرب ويدافعون عن أن يبقى ابن عرفه سلطانا للبلد.
صودرت أملاكه التي لم يتمكن من تهريبها إلى فرنسا، أراضي ومنازل صعب عليه تحويلها إلى نقد، فتمت مصادرتها ونهبها من طرف من كانوا يتزعمون تيارات «المقاومة».
كيف تحولت الخيانة إلى ذريعة لتصفية الحسابات الشخصية
حرب الاغتيالات وشلالات الدم
لم تخرج حرب الاغتيالات التي بصمت فجر الاستقلال عن موجة التخوين ومصادرة الممتلكات، كما يقول أستاذ التاريخ معروف الدفالي، وحالة الفوضى التي طبعت المشهد في المغرب عشية الاستقلال، ارتبطت بها ارتباطا وثيقا.
تفجرت شلالات من الدم ليس فقط لحسابات سياسية، بل أيضا لحسابات وضغائن شخصية، طلبات زواج ورفضها، طلبات علاقات حب ورفضها، كان يمكن أن تؤدي إلى عملية اغتيال دون أن تحرك السلطة أي ساكن، لكن أين هي السلطة؟
ورغم أن جزءا كبيرا من الاغتيالات تدخل في إطار الحرب التي دارت رحاها بين حزب الاستقلال وبين حزب الشورى والاستقلال، بين حزب الاستقلال الذي كان يرى أن الوقت وقت بناء دولة بعيدا عن التعددية الحزبية، وبعيدا عن تبني نظام ديمقراطي بالمغرب، وحزب الشورى والاستقلال المدافع عن الخيار الديمقراطي، وخيار التعددية الحزبية لبناء أساس دولة عصرية وديمقراطية قوية.
غير أن الاختلاف السياسي لم يكن وحده وراء عدد آخر من جرائم الاغتيال، التي كان ضحاياها وحتى منفذوها في منأى عن التطاحن السياسي الدائر حينها.
من أشهر ما يحكى هو اغتيال أب رفض تزويج ابنته من مقاوم ينتمي لجيش التحرير، وتكشف مصادر أن رجلا أعجب بها وأراد أن يتزوجها، ونظرا لأنها كانت مقبلة على دراسة الطيران المدني، رفض والدها الكثير من الخطاب، من بينهم شخصية تحسب على المقاومين، ففهم المقاوم الرفض الذي تلقاه ذات يوم في حمام شعبي أنه انتقاص من رجولته، فانتفض وفعل المستحيل كي يؤلب على الرجل «مقاومين» من جيش التحرير لإدخاله في لائحة الخونة، لكن دون جدوى، ليغتال الرجل صبيحة يوم بدم بارد.
وبعيدا عن تبادل الاتهامات بخصوص المسؤولية عن الاغتيالات، تشهد مصادر في حديثها ل»المساء» عايشت المرحلة أن أموال أناس نهبت بدون وجه حق، وأن الكثير ممن تمت تصفيتهم لا علاقة لهم بالتجاذب السياسي الذي اشتد فجر الاستقلال، أو بالخيانة التي كانت التهمة الأسهل لتصفية أي شخص غير مرغوب فيه أو محسود بسبب ماله.
وتم استغلال ذوي السوابق الإجرامية، في تنفيذ الاغتيالات وهو ما ساهم بشكل كبير في اغتيال أشخاص فقط لتزامن تواجدهم في المكان أو الزمن الذي أعطي كتفاصيل عن الضحية.
هكذا اغتيل عمر الإدريسي، الرجل الذي لم تكن تجمعه بالسياسية أي علاقة، ويعرف أنه يحافظ على مسافة بينة معها، قتل رميا بالرصاص من طرف مجهولين، في الوقت الذي كان المقرر أن يتم اغتيال عبد الهادي مسواك، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي المغربي.
عبد الله الوازني، الرجل الذي لم يكن يتوانى عن التعبير عن إعجابه بزعيم النازيين، أدولف هتلر، زار برلين إبان الحرب العالمية الثانية، وأمام ضغط من يسمون أنفسهم بالوطنيين أصدر وزير الداخلية يومها إدريس المحمدي أمرا باعتقاله، لكن الرجل لم يتم العثور عنه، إذ اختفى وكأن الأرض قد ابتلعته،
لترجح فرضية مقتله تحت التعذيب في معتقل دار بريشة» بتطوان.
اغتيل إبراهيم الروداني، الوجه البارز في الحركة النقابية والمقاومة المسلحة، بعد أن هجم عليه مسلحون بالرصاص الحي، يومها شاءت الصدف أن يغتال رفقة شقيقيه، وأحد المارة الذي لم يكن له من ذنب سوى المرور لحظة تنفيذ الجريمة، لقي بوشعيب الزيراوي، رفيق الروداني، حتفه هو الآخر رميا بالرصاص في درب البلدية بالدار البيضاء، وهو المصير نفسه الذي لقيه لحسن الجلاوي وأحمد الشرايبي والمجاطي والمختار كندوز.
وتكشف بعض الراويات أن العديد من أعضاء حزب الشورى والاستقلال راحوا ضحية مذبحة رهيبة نفذها أعضاء راديكاليون بحزب الاستقلال، عندما كانوا يهمون بدخول مدينة سوق الأربعاء الغرب رفقة الكثير من الكشافة، للاحتفال بتعيين المحجوبي أحرضان عاملا على الرباط والنواحي.
عبد القادر برادة، أب الصحافي حميد برادة، جريمته أنه كان يستقطب الريفيين ممن يقيمون بطنجة للانضمام لحزب الشورى والاستقلال، وهي كانت في حد ذاتها تهمة وجريمة وتستحق التصفية الجسدية، فتم التخطيط بعد التحذير، ليتم اختطافه، اختطف رفقة صهره عبد الحميد بوسليخين، من يومها لم يعثر لهما على أثر ولم يعرف مصيرهما، بعد بداية عودة الهدوء شاعت فرضية أن يكونا اغتيلا تحت التعذيب في المعتقل الشهير «بريشة» بتطوان.
الفقيه عبد العزيز بن إدريس، كان العلامة البارزة على اشتداد التوتر بين حزب الاستقلال وحزب الشورى، عندما اغتيل في سنة 1959، إذ تم اعتقال الذين نفذوا جريمة الاغتيال وهما الحسن بن الحسن القهواجي والشخص الثاني هو محمد بن الحسين الذي كان يلقب بالأعور، تعرضا للتعذيب تحت الضغوط، فقتل الحسن بن الحسن القهواجي بمخفر الشرطة، بينما تم الحكم بالإعدام في حق محمد بن الحسين ونفذ فيه.
معروف الدفالي*: أغلب الضحايا الذين صودرت أملاكهم لم يكونوا خونة
- رغم مرور زمن على فترة «الخونة» مازال الكثير يكتب عنها، لماذا لم يطو الملف نهائيا؟
هي من القضايا الساخنة في المغرب بعد الاستقلال ومن المشاكل الكبرى، أو ما سمي بالتطهير، وهو الكشف عن الناس الذين تعاملوا مع الاحتلال في فترة الحماية، والذين اتهموا بأنهم كانوا عملاء، وأنهم كانوا ضد استقلال بلدهم، وهذه هي الفكرة، لكن ما يمكن مناقشته هو كيف كان التفكير في معالجة هذه الفكرة، فطريقة التفكير في معالجتها هي التي شابتها مجموعة من الأخطاء.
- تقصد إعداد لائحة الخونة؟
طبعا اللائحة التي نشرت تناولت مجموعة من الأسماء، الذي كان عليه أن يحدد اللائحة هي الجهات المسؤولة، أي جهات قضائية مثل وزارة العدل، وهذه مسألة أولى، المسالة الثانية أن يقدموا للمحاكمة ليثبت هل فعلا كانوا خونة أم لم يكونوا خونة، وتبعا للبحث يمكن إصدار أحكام في حقهم أو تسريحهم، هذا ما كان يجب أن يكون، لكن الواقع أن الأمور اختلطت فيها أشياء كثيرة جدا، وأصبحت ثنائية الخيانة والوطنية ثنائية سارية في المجتمع المغربي، وأصبحنا أمام مشكل تعريف من هو الخائن أولا، فمجموعة من الضحايا يقولون إنهم وطنيون، ولم يكونوا أبدا خونة، ويقولون إن حزبا معينا الذي كانت له الأغلبية وكان هو الأقوى هو الذي بدأ يسطر كما يحلو له الأسماء التي صنفها ضمن الخونة، ويتهم المواطنين بالخيانة، إذا الكثير من الضحايا يقولون إن من كان ينتمي إلى الحزب فهو وطني، ومن لم يكن ينتمي إليه فهو خائن، إذا المقاييس اختلطت، ثم يقولون إن مجموعة من الخونة الحقيقيين الذين أصبحوا أثرياء اشتروا من هذا الحزب الوطنية بهذه الطريقة أو تلك، فكانوا خونة حقيقيين في فترة الحماية وأصبحوا وطنيين في بداية الاستقلال، وأن مجموعة من الوطنيين الذين كانوا وطنيين حقيقة، وكانوا يختلفون مع ذلك الحزب، صنفوا في بداية الاستقلال بأنهم خونة، إذن الأشياء اختلط فيها الإيديولوجي بالسياسي بالمصلحي.
- هل حاذت الأمور عن نطاقها لتصبح تصفية حسابات بدل تحديد من تعامل مع الحماية؟
المشكل أنه كانت هناك تصفية حسابات سياسية ضيقة بشكل كبير، خلال مرحلة امتدت من 1956 إلى سنة 1960 لما اختلطت الأمور حانت الفرصة لتصفية الحسابات الشخصية، إذ أصبح كل شخص يريد الانتقام من خصم له، ينتقم بهذه الطريقة عبر تسميته خائنا أو يشي به أنه كان خائنا.
لابد طبعا من استحضار أن البلد كان في مرحلة انتقالية، البلد كان محتلا لمدة 44 سنة، دخل في مرحلة انتقالية بعد الاستقلال، المراحل الانتقالية دائما تكون مشاكلها كبيرة، لماذا؟ لأن هناك صراعا من أجل المشروعية، هناك صراع من أجل السلطة، هناك صراع من أجل مصالح خاصة، كل هذه الأمور تختلط، وتخلق هذا النوع من الارتباك.
- لكن الكثير من الأسماء التي شغلت مناصب مثلا في الجيش الفرنسي تقلدت مناصب مهمة في مغرب ما بعد الاستقلال؟
هؤلاء كانوا ضباطا في الجيش الفرنسي، ولكن لابد من الانتباه لبعض الأدوار التي قاموا بها، عندما نتحدث عن البكاي، صحيح أنه كان جنديا في الجيش الفرنسي، وصحيح أنه شارك في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الفرنسيين، وأنه فقد رجله دفاعا عن فرنسا، لكن كيف حول البكاي هذه الأمور إلى إيجابيات منذ نفي السلطان، فالرجل تخلى عن منصبه كباشا لمدينة صفرو احتجاجا على الحدث، وانتقل إلى فرنسا واستمر هناك يدافع عن استقلال وعودة السلطان، إلى أن عاد السلطان، إذا هذا الرجل في نهاية المطاف وطني، ثم هو كفاءة من الكفاءات، أوفقير نفسه الذي نتحدث عنه كثيرا، كان أيضا مع الفرنسيين وتعاون معهم، ولكن الأمر الذي لا ينتبه له الناس كثيرا أن هذا الرجل هو الذي حصل على وثيقة تنازل ابن عرفة، الذي تعاون مع الفرنسيين من أجل عزل ابن عرفة وعودة محمد الخامس، وبالتالي هو الذي سهر الليل واستطاع أن يأتي بوثيقة تنازل ابن عرفة، إذن هناك دور ما لعبه هذا الشخص، أو على الأقل كان في صف الذين عملوا على إزالة محمد ابن عرفة وعودة محمد بن يوسف، ولعل هذا الموقف كان من الأسباب التي بوأت هذا الرجل ما تبوأ من مكانة فيما بعد، لابد في التاريخ أن نبحث عن الأسباب..
- لكن كانت أسماء لا أحد ينكر خيانتها، كعبد الرحمان الحجوي؟
عبد الرحيم الحجوي غادر بعد الاستقلال، كان ضد محمد بن يوسف، وكان مع استمرار ابن عرفة، ولما فشلت كل تحركاته كان من بين الذين غادروا المغرب إلى فرنسا.
مجموعة الصداقة الفرنسية
المغربية وعداؤها للمقاومين
مجموعة الصداقة الفرنسية المغربية من الناس الذين لم نعطيهم حقهم لحد الآن، هؤلاء كما يقول العربي المساري أحد الأحصنة التي جرت عربة الاستقلال، لعبوا دورا رئيسيا في تعريف الفرنسيين بعمق القضية المغربية، ولعبوا دورا في النضال من أجل استرجاع المغرب لاستقلاله، هؤلاء الناس أرى أن نرد إليهم الاعتبار بشكل كبير، لأنهم ساهموا في استقلال المغرب.
- لكنها تبرأت من المقاومة؟
جمعية صداقة مغربية ليست وحدها التي تبرأت من المقاومة، حتى الأحزاب السياسية وهذا حق مشروع، عندما أناضل سياسيا فأي عمل آخر خارج السياسة يقض مضجعي، كما أن كل من يدعو لوضع السلاح يقض مضجع المقاوم، فكل طرف يرى طريقته في الكفاح هي الطريقة الصحيحة، وأنه غير مستعد للطريقة الأخرى، فالسياسيون كانوا على طرفي نقيض مع المقاومين، المقاومون لا يؤمنون إلا بالسلاح والسياسيون لا يؤمنون إلا بالدبلوماسية، والذي شوش على هذا الأمر هو ادعاء بعض الأحزاب السياسية أنها كانت وراء المقاومة، وفي الحقيقة هذا مجرد إدعاء.
المقاومة المسلحة شيء والعمل السياسي شيء آخر، ومجموعة من الأحزاب السياسية أصدرت بيانات تبرأت فيها من المقاومة، حتى تلك التي ادعت فيما بعد أنها كانت وراء المقاومة.
المشكل ليس إصدار بيانات لأنها تؤمن بالسياسة، لكن المشكل هو ادعاء أنها كانت وراء المقاومة.
- كيف أصدرت لائحة بأسماء الخونة، ما هي معايير تحديد الخائن ؟
صعب جدا، لأن الخائن هو الذي أساء للوطن بشكل مباشر، ويمكن أن تكون له هذه القناعة، ولكن لم يسئ لأحد، وقد تجد أناسا لهم شعارات وطنية وأساؤوا إلى الوطن، وجب التمحيص في الأمور ولا يجب التسرع، هناك أشخاص قيل في حقهم أنهم إذا غادرت فرنسا البلاد سيغادرون معها، وفيما بعد أصبحوا وطنيين وأصبحوا أسماء لامعة.
- لكن هناك أسماء جاهرت بموالاتها للفرنسيين، كعبد الحي الكتاني ؟
طبعا عبد الحي الكتاني كان له موقف من القصر لأنه قتل أخاه، وظلت الضغينة التي ولدت مجموعة من المواقف فيما بعد، وهي التي ولدت تحالفه مع فرنسا، هو خائن في رأي الحركة الوطنية، ولكن هل هو خائن في رأي نفسه، لكنه بالنسبة لنا هو عكس الحركة الوطنية، وأنه كان من أكبر الأسماء وراء نفي السلطان محمد الخامس، كان ضد استقلال البلاد، هذه مواقف يجب البحث في أسبابها.
لا يمكن فهم هذه الأشياء بسبب التطورات السياسية التي عرفها المغرب، طبعا الصراع من أجل السلطة تحول ليصبح بين القصر وبين الحركة الوطنية، وطبعا بالنسبة للقصر لا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي، كان له أنصار وقد يكون هؤلاء استغلوا الظرف.
المسألة السياسية هي مسألة فرص يمكن لأي شخص أن يستغل فرصة معينة.
هذا جانب آخر هل يمكن أن نتهم أسرة بكاملها إذا كان أحد أفرادها خائنا، ليس معقولا، فإذا كان الجد خائنا قد يكون أحفاده وطنيون.
- كيف تم تنفيذ القرار بمصادرة الأملاك ؟
صودرت أملاك الكثير، ليس من المتعاونين فقط، بل حتى ممن ليسوا متعاونين، وهذا هو المشكل.
هذه التجاوزات كانت بشكل كبير في تلك المرحلة، بعد أن اختلطت الأمور، أعيد لبعض العائلات أملاكها، عائلة «لكلاوي» مثلا تم إرجاع جزء كبير من أملاكها.
الصراع من أجل السلطة كان وراء عمليات الاغتيال والاختطافات والتجاوزات الكبرى في حق عدد كبير من الضحايا، الذين كانوا من الوطنيين أكثر من الخونة.
أكثر من 180 معتقلا، الاختطافات كانت على أشدها، من المقاهي من البيوت، ميلشيات مسلحة في الشوارع والأزقة، تطلق الرصاص كما تريد، يمكن القول إن المغرب عاش نوعا من الفوضى.
- من كان المسؤول عن ذلك ؟
الضحايا يتهمون حزب الاستقلال، في الوقت الذي كان أغلب الضحايا من حزب الشورى والاستقلال ومن منظمات الهلال الأسود والحزب الشيوعي المغربي، ومن حزب المغرب الحر في الشمال، هؤلاء هم أغلب الضحايا.
الأحزاب كانت منقسمة بين رأين، رأي حزب الاستقلال الذي كان يريد أن يبني دولة قوية مركزية، ومن بعد يمكن الحديث عن الديمقراطية، وبين حزب الشورى والاستقلال الذي يرى أن الدولة لا يمكن أن تبنى إلا عن طريق الديمقراطية والتعدد الحزبي، رأيان مختلفان كانا على رأس الخلافات الكبرى التي سادت آنذاك.
بالنسبة لحزب الاستقلال التعددية الحزبية والديمقراطية والانتخابات مضيعة للوقت، يجب بناء الدولة أولا، أما حزب الشورى والاستقلال فيرى العكس، في نظره لا يمكن بناء دولة إلا بأساس ديمقراطي من البداية.
- هل وقف القصر موقف المتفرج ؟
القصر كان طرفا معنيا وله حساباته الخاصة، كما لعب دورا ما، بالنسبة لنا هذا الدور لا نعرفه بشكل محدد.
* أستاذ مادة التاريخ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.