في هذا الحوار، يشرح محمد كرين، الخبير الاقتصادي وعضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ومجلس رئاسة الحزب، الأسباب التي دفعت العديدين إلى انتقاد المنهجية التي تمت وفقها مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2014، مرجعا ذلك إلى غياب قانون تنظيمي حديث للمالية، مؤكدا على صحة النقاشات التي عرفتها صفوف الأغلبية أثناء فترة النقاشات داخل البرلمان، من أجل الوصول إلى الصيغة النهائية التي ستكون ملزمة سياسيا وقانونيا. - ما تعليقك على الانتقادات التي وجهت إلى المنهجية التي تم اعتمادها في مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2014؟ الانتقادات تعدت المنهجية المعتمدة في مناقشة مشروع قانون المالية لتشمل المسلسل الكامل ابتداء من مرحلة التهييء، ومرورا بالمناقشة والمصادقة على الميزانية على مستوى غرفتي البرلمان. وهذه الملاحظات والانتقادات تم التعبير عنها السنة الفارطة خلال مناقشة ميزانية 2013، حيث تعهدت الحكومة آنذاك بتقديم مشروع قانون تنظيمي جديد للمالية، إلا أن الحكومة لم تتمكن من ذلك، بالنظر للتصدعات التي عرفتها الأغلبية الحكومية هذه السنة، وما نتج عنها من عدم استقرار على المستوى الحكومي، وخاصة وزارة المالية التي تعاقب على رأسها ثلاثة وزراء خلال بضعة شهور، وهناك من ذهب إلى اعتبار أن تقديم مشروع قانون المالية في أجله القانوني هو «إنجاز» في حد ذاته، بالنظر للظروف التي تكلمنا عنها. - البعض عاب انتقاد أطراف داخل الأغلبية لهذا المشروع، هل هذا يعني غياب الانسجام ما انعكس على المنهجية التي تم اعتمادها في المناقشة؟ أنا شخصيا أرى أنه شيء إيجابي أن ترتفع بعض الأصوات من داخل الأغلبية لانتقاد بعض التدابير المقترحة في مشروع قانون المالية، أولا لأنه مجرد مشروع، وهو بالتالي قابل للتعديل والتغيير والإصلاح قبل المصادقة عليه، ولن يصبح ملزما قانونيا وسياسيا إلا بعد المصادقة عليه من طرف مجلس النواب ومجلس المستشارين. كما أن الشيء الايجابي هو أنه بهذه الطريقة سيلعب البرلمان دوره كاملا، ولن يتحول إلى غرفة للتسجيل توافق بشكل أوتوماتيكي على مقترحات الحكومة، ما دامت تتوفر فيه هذه الأخيرة على الأغلبية المضمونة. وفوق هذا وذاك، فإن هناك اختلافات بين مكونات الأغلبية، على مستوى المقاربات الاقتصادية، بل وحتى على مستوى مشاريعها المجتمعية، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تكون هناك تباينات، علما أن الفيصل يبقى هو البرنامج الحكومي المتوافق عليه بين مختلف أطراف الأغلبية. - هل تعتقد أن للبرلمانيين المستوى المطلوب من أجل مناقشة أهم قانون في البلاد؟ وهل هم في حاجة إلى تكوين خاص من أجل مواكبة مثل هذا النقاش التقني؟ علينا بداية أن نوضح أن البرلماني أو البرلمانية في كل الأنظمة التمثيلية هو، أولا وقبل كل شيء، ممثل للمواطنين والمواطنات الذين انتخبوه للتشريع باسمهم، فهو (أو هي) ليس بالضرورة خبيرا في كل القضايا التي تطرح داخل قبة البرلمان، وهكذا نجد في كل الديمقراطيات الناضجة أن الخبراء والاختصاصيين في مختلف المجالات، يشتغلون إلى جانب ممثلات وممثلي الأمة، بالإضافة إلى كل الأفكار والمقترحات والدراسات التي تقوم بها الأحزاب التي ينتمون إليها، والتي غالبا ما تكون تتوفر على مراكز للأبحاث والدراسات. لكن هذا لا يلغي ضرورة منح تكوين خاص وذي مستوى تقني ومعرفي رفيع من طرف البرلمان، ومن طرف الأحزاب السياسية، حتى يتمكن البرلمانيون والبرلمانيات من استيعاب كل الأبعاد لمختلف القضايا المطروحة للنقاش داخل البرلمان، وخاصة قانون المالية، لكونه يبلور الاختيارات الأساسية للسياسات العمومية. وينبغي الإشارة إلى أنه تم مؤخرا إحراز شيء إيجابي في هذا الصدد، حيث أصبحت الفرق البرلمانية تتوفر على ميزانية خاصة للاستعانة بخبراء خارجيين. كما أن جل الفرق البرلمانية دأبت على تنظيم ندوات دراسية في مختلف المجالات، بما فيها قانون المالية، والتي يساهم فيها خبراء من أحزابها أو خارجها. - ألا تعتقد أن النقاش حول مشروع قانون الميزانية غلبت عليه المزايدات السياسية، عوض التوجه مباشرة إلى النقائص التي كانت تعتريه من أجل إصلاحها؟ إن ما يبرز أكثر لدى الرأي العام من خلال مناقشة مشروع قانون المالية داخل البرلمان هو الجانب السياسي الذي يطغى على الجلسات العامة التي تبث عبر وسائل الإعلام، والتي تفسر تصويت الفرق لصالح أو ضد الميزانية أو أجزاء منها. ومن الطبيعي أن يكون هذا النقاش سياسيا بالأساس، إلا أنه داخل اللجان البرلمانية يكون هناك في كثير من الأحيان نقاش غني يؤدي في بعض الحالات إلى تعديلات جوهرية، كما وقع بالنسبة للتراجع عن الضرائب الجديدة، أو ارتفاعها بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة على بعض المواد والخدمات، التي تستهلك من طرف الفئات المستضعفة، مثل السردين والأرز والشمع و»الشريحة» وغيرها.