سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتور عبد اللطيف بروحو (عضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، والمتخصص في المالية العامة) ل«التجديد»: المعارضة شاردة في نقاشها لمشروع قانون المالية
انتقد عبد اللطيف بروحو عضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، بعض مداخلات المعارضة في الكثير من الحالات مؤكدا أنها تنم عن الجهل بالمعطيات والخلط بين المصطلحات بشكل غريب. واستدل بروحو في حوار مع «التجديد»، بكون المعارضة تبني أطروحاتها على نسب النمو وهي لا تفرق في الأصل بين «استهداف النمو» وبين «النمو التوقعي» مما كان يثير الشفقة حقيقة، وأخرى كانت تتحدث عن تراجع الحكومة عن النموذج التنموي وفي نفس الوقت تعتبر مشروع القانون المالي استمرارا للحكومات السابقة. وبخصوص ما إذا كانت الأغلبية متخوفة من ممارسة الحكومة للفيتو ضد تعديلاتها قال برحو إن الحكومة لن تلجأ إليه إلا للضرورة نظرا للمنهجية الجديدة في تعاطيها مع مقترحات الفرق البرلمانية. في هذا الحوار سألنا الدكتور بروحو عن درجة التناقض في رؤية الأغلبية البرلمانية والحكومة للمشروع، وملاحظات فريقه البرلماني على الحكومة في إعداد هذا المشروع، وما مدى صوابية الجزم بأن الحكومة بنت فرضياته على أرقام هشة وغير واقعية، وإليكم التفاصيل: ● تعرض مشروع قانون المالية لموجة من الانتقادات خصوصا من لدن المعارضة، وبعض أطراف الأغلبية، أنتم كحزب في الأغلبية، هل ترون أن هذه الانتقادات مبنية على أسس أم أنها «بوليمك» سياسي؟ ●● يلاحظ أن الحكومة الحالية تعرضت لنوع غريب من المعارضة بمجرد تشكيلها وحتى قبل أن تبدأ بالاشتغال، بحيث لاحظنا أن جزءا من المعارضة الحالية لا هم له إلا محاربة العدالة والتنمية وكأنه لا يصدق أنها بالفعل فازت بالانتخابات وشكلت الحكومة، وبالتالي نجد هذه الأطراف تعارض الحزب وليس الحكومة، وتعارض وجود العدالة والتنمية في الحكم من أساسه. وفي الواقع يمكن التمييز هنا بين نوعين من المعارضة: هناك معارضة بناءة، وهي للأسف قليلة في برلماننا الحالي، تحاول ان تنتقد إجراءات الحكومة بنوع من الموضوعية والعِلمية؛ وهناك معارضة أخرى غريبة في تصرفاتها، وكأنها حائرة بين معارضة ومحاربة الحزب وبين البحث عما يمكن معارضته من إجراءات للحكومة الحالية. إن جزءا كبيرا من المعارضة الحالية (خاصة التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي) أوصل تدبيرها السيء للشأن العام خلال السنوات السابقة لمستوى الأزمة التي يعيشها المغرب حاليا، وعلى مر السنوات السابقة كنا نفاجأ كل سنة بإجراءات تتناقض مع واقع المغرب وطموحاته، وكنا نعارض هذه الإجراءات من منطلق حرصنا على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. فالاتحاد الاشتراكي ترأس الحكومة لسنوات عديدة وكان يسير وزارة الاقتصاد والمالية لمدة 10 سنوات، والتجمع الوطني للأحرار شارك في جميع الحكومات السابقة وسيَّر وزارة المالية ووزارات أخرى لسنوات عديدة، والأصالة والمعاصرة كان وضعه غريبا بحيث شارك في الحكومة وعارضها وصوت معها في نفس الوقت ويعتبر بالتالي شريكا في المسؤولية عن تدبير الشأن العام. وعلى هذا المستوى شكَّل النقاش السياسي حول مشروع القانون المالي لسنة 2013 مناسبة أمام فرق الأغلبية لتدقيق الإجراءات الحكومية ومشاريعها ومناقشة مدى تحقيقها للمصلحة العامة، أما عدد من مداخلات فرق المعارضة فشهدت نوعا من التخبط باعتبار أحزابها السياسية هي من أوصل المغرب لهذا المستوى من الكوارث الاقتصادية والمالية، وبالتالي كانت أغلب المداخلات تحمل تناقضات سياسية تهدد بشكل حقيقي مصداقية الأحزاب المعارِضة. فلا هي تستطيع التخلص من ضعفها السياسي أمام ما تراه من نتائج تدبيرها الكارثي للشأن العام خلال السنوات السابقة، ولا هي قادرة على تحسين صورتها أمام الرأي العام الذي لم يقتنع بعد بمعارضتها العشوائية، بل إن شريحة كبيرة من المواطنين لم تقتنع أصلا بأن هذه المعارضة يمكنها أن تنجح في مهامها بعد فشلها في تدبير شؤونه العامة. وداخل لجنة المالية حيث جرى النقاش العام الرئيسي لاحظنا نوعا من الشرود داخل عدد من أقطاب هذه المعارضة، فلم تستطع مداخلاتها أن تميز بين ما تتخذه هذه الحكومة من إجراءات وبين ما تسببت فيه من تدبير خلال 14 سنة الأخيرة من كوارث، وما أوصلت إليه المغرب من أزمات خانقة في العجز المالي وعجز الميزان التجاري واختلال ميزان الاداءات، إلى جانب هشاشة المرافق العمومية وتدني الخدمات، وتفشي الرشوة والفساد في مختلف مرافق الدولة الرئيسية. ولا يمكن في الوقت الحاضر الحديث عن معارضة حقيقية داخل البرلمان المغربي، بحكم أن جزءا كبيرا من هذه المعارضة فقد مصداقيته أمام الشعب المغربي نظرا لكوارث تدبيره للشأن العام بالمغرب خلال السنوات السابقة، خاصة وأن فرق المعارضة الحالية لا تركز على النقاش العلمي الموضوعي بقدر ما تحاول تقليد العدالة والتنمية في معارضتها السابقة، وهذا يزيد من معاناتها ويجعلها مثيرة للشفقة. أما فرق الأغلبية فكانت مناقشاتها في حدود المعقول رغم النفس الحاد لبعض المداخلات، وهذا طبيعي في ظل ظرفية سياسية خاصة تتميز بديمقراطية عميقة وتُخول للبرلمانيين ممارسة حقهم التشريعي والرقابي بالكامل. فالبرلمان ليس غرفة للتسجيل وآلة للتصويت على المشاريع الحكومية، وإنما هو مؤسسة تشريعية من حق النواب فيها مناقشة السياسات العمومية وانتقاد الإجراءات الحكومية ولو من موقع الأغلبية، لأننا فرق سياسية ذات عمق شعبي حقيقي ونعبر عن تطلعات المواطنين وهواجسهم. ● في هذا السياق ما هي درجة التناقض في رؤية الأغلبية البرلمانية والحكومة للمشروع؟ ●● لا يوجد أي تناقض في وجهات نظر الأغلبية والحكومةّ، فكما قلت سابقا، فريق العدالة والتنمية قريب من المواطنين ويعبر عن همومهم وتطلعاتهم، وبالتالي فإن المناقشات التي يجريها بالبرلمان تستحضر هذه المعطيات في تعامله مع الحكومة، وهو فريق يتزعم الأغلبية الداعمة للحكومة. وعندما تأتي الحكومة بمشاريعها للبرلمان فإن الفريق من هذا المنطلق يدرس الإجراءات ويكون نقاشه جديا لما يحقق المصلحة العامة، ويقترح ما يحسن ويُجوِّد النص المقترح ،ومشروع قانون المالية يخضع لنفس المنطق باعتباره أهم قانون يصادق عليه البرلمان سنويا. فالإجراءات الضريبية والمالية تثير الكثير من النقاش بين الحكومة والبرلمان، وفرق الأغلبية من منطلق حرصها على مصلحة المواطنين تدرس الإجراءات الواردة في القانون المالي وتناقش الحكومة في مدى تحقيقها للمصلحة العامة ومدى فعاليتها في حسن تدبير الشأن العام، وهذا منهج ربما يعتبر جديدا في تعامل البرلمان مع الحكومة، على اعتبار أننا كنا نلاحظ في السابق غيابا شبه تام لفرق الأغلبية السابقة بحيث تكتفي بالحضور يوم التصويت على المشروع، فهذا ما حاولنا تجاوزه، وجعلنا البرلمان مجالا لتعميق الدراسة والمناقشة وليس فقط غرفة للتسجيل وآلة للتصويت. وهذا ما يتطلب مزيدا من التعاون والتنسيق بين الحكومة والبرلمان، وخاصة فرق الأغلبية الحالية حتى تكون الصورة واضحة، خاصة وأن الحكومة تعبر عن هذه الأغلبية وهي منتخبة من قِبَلها، ولا يمكن مستقبلا أن ننتظر الإجراءات التي ستأتي بها الحكومة قبل أن نستوعبها بدورنا ونبدأ في مناقشة مدى جديتها وفعاليتها بالبرلمان. ●● وما الذي تعيبونه أنتم كفريق برلماني على الحكومة في إعداد هذا المشروع؟ ●● في الواقع يمكن اعتبار هذه السنة استثنائية لم تتمكن فيها الحكومة بعد من ترتيب كامل شؤونها حتى تباشر الإجراءات الاستراتيجية الكبرى بشكل طبيعي، وبالتالي فإن تعاطيها مع فرق الأغلبية لم يكن بالشكل الذي نتوخاه من تنسيق قبلي ومناقشة قبلية للإجراءات الكبرى التي يمكن تضمينها مشروع قانون المالية. وهذا ما جعل عددا من النواب البرلمانيين من فرق الأغلبية يفاجَؤون ببعض مضامين مشروع قانون المالية لسنة 2013، وهو ما كان أثره المباشر على نوعية المداخلات التي ألقاها عدد من النواب من مختلف فرق الأغلبية، والذي كان فيه قليل من الحدة الزائدة بنفس شبه معارِض، لكن يبقى هذا الأمر غير ذي خطورة فيما يتعلق بالعلاقة بين الحكومة وفرق الأغلبية. فالحكومة الآن مقتنعة بأنها تحتاج لتواصل مستمر بينها وبين فرق الأغلبية بكامل أعضائها، وهو ما أكد عليه رئيس الحكومة قبل أيام، فالتواصل والنقاش القبلي للإجراءات والمحاور الكبرى التي سيتضمنها القانون المالي يعتبر منهجية راقية في العمل السياسي، وترسيخا لمبدأ التوازن بين السلط الدستورية وتعاونها، وتطبيقا للمسؤولية المشتركة بين البرلمان والحكومة فيما يخص التوازن الاقتصادي والمالي. ● هل تتوقعون أن تفرض الحكومة استنادا إلى الفصل 77 من الدستور الفيتو على تعديلاتكم التي قدمتوموها على المشروع؟ ●● ما لاحظناه هو العكس تماما، فالحكومة خلال مناقشة ميزانية 2012 خلال أبريل الماضي قبلت عدة تعديلات لفرق المعارضة نفسها وليس فقط فرق الأغلبية، وهي سابقة في العمل البرلماني، فخلافا لما كان يحدث في السابق، لم تستعمل الحكومة آنذاك الفصل 77 من الدستور (الفصل 51 سابقا) إلا مرة واحدة، وقد نوهنا بتعامل الحكومة مع البرلمان حينها وخاصة مع التعديلات التي قدمتها الفرق البرلمانية. ونحن في فرق الأغلبية نقوم أولا بالتنسيق بيننا ونتقدم بتعديلات مشتركة على إثر الدراسة العميقة لمضامين مشروع قانون المالية وأحكامه ومقتضياته، ولا شك أن الحكومة ستستمر في تعاطيها الإيجابي مع تعديلاتنا وأيضا مع تعديلات المعارضة. أما فيما يخص الفصل 77 من الدستور فأعتقد أن الحكومة لن تلجأ إليه إلا للضرورة نظرا للمنهجية الجديدة في تعاطيها مع مقترحات الفرق البرلمانية، وهنا يجب التأكيد على أن الدستور الجديد جعل البرلمان مسؤولا بدوره عن التوازن الاقتصادي والمالي للميزانية، مما يتطلب معه مراجعة طرق تقديم التعديلات ومحتواها حتى لا تتسبب الفرق البرلمانية نفسها في خرق أحكام الدستور على هذا المستوى وتقوم بتقديم تعديلات تخل بهذا التوازن المطلوب. ●● حملتم في أكثر من مرة مسؤولية ما وصلت له البلاد من أزمات إلى الأحزاب التي تقود المعرضة اليوم وأكدتم أنها لم تكن لها في يوم من الأيام أية رؤية تنموية متكاملة، هل ما جاء به مشروع القانون المالي لهذه السنة سيخرجنا من هذا المأزق؟ ●● لقد لاحظنا أن مشروع القانون المالي لسنة 2013 كان موضوع جدل سياسي عقيم بعيد عن هواجس واهتمامات الرأي العام، علما أن الحكومة الجديدة وضعت تصورات تقوم على استرجاع التوازنات المالية والاقتصادية، ودعم التماسك الاجتماعي، وترشيد الإنفاق العمومي ووقف نزيف الفساد في تدبير المالية العامة. وعوض أن تحاول المعارضة الجديدة مناقشة إجراءاته الكبرى، نجدها تركز على معارضة حزب العدالة والتنمية عوض معارضة القانون المالي الذي يحاول معالجة الكوارث التي خلفتها. ومن هنا كان تساؤلي منطقيا حول ما إذا كان المغرب بالفعل يمتلك نموذجا تنمويا يستند على محددات ومؤشرات إيديولوجية أو مرجعية تتعلق بإنتاج الثروة وتحقيق النمو وبآليات توزيع هذا النمو وتحقيق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية. بل إني تساءلت أيضا حول ما إذا كانت بالفعل للحكومات السابقة لمسات إيديولوجية نجد أثرها في الإجراءات السياسية وفي قوانين المالية السنوية؟؟ أما الحكومة الجديدة فتمتعت بالقدر الكافي من الشجاعة لتصارح الرأي العام بالإكراهات التي ورثتها، ولم تلجأ لإخفاء الحقائق والوقائع عن الشعب المغربي كما كان يحدث في السابق، عندما كانت الأزمة الخانقة تضرب الاقتصاد العالمي، في حين كان وزير المالية آنذاك يلح بشكل غريب على عدم تأثر المغرب بها، لنجد أنفسنا في نهاية 2011 أمام كارثة عجز الميزانية الذي وصل لمستويات تاريخية، تنذر بإدخال المغرب لا قدر الله في برنامج جديد للتقويم الهيكلي. إن استرجاع التوازنات المالية، ورفع نسبة النمو، ودعم القطاعات الاجتماعية، كانت من أهم الإجراءات التي جاءت بها حكومة ذ. بنكيران خلال تقديمها لمشروع قانون مالية 2013، والذي يعتبر استمرارا لقانون المالية لسنة 2012 وتعبيرا عن مضامين البرنامج الحكومي. وقد حاولت بالفعل تجاوز سلبيات التدبير المالي العمومي، ووضعت مقاربة جديدة لرفع مردودية عدد من القطاعات المنتجة، وجاءت بإجراءات تساهم بفعالية في دعم الاستثمار وترشيد التدبير العمومي. ● الذي أعيب على الحكومة من طرف المعارضة خصوصا في مشروع القانون المالي أنها بنت فرضياته على أرقام غير واقعية، ما مدى صوابية هذا الطرح؟ ●● العكس تماما هو ما نلاحظ مع الحكومة الجديدة، فهي كانت واضحة مع الرأي العام ومع المؤسسة التشريعية ولم تغالطهما على مستوى التوقعات والفرضيات، وبنت فرضيات المشروع على معطيات علمية وواقعية، تبدأ من توقعات النمو والتعجز المالي، وتصل إلى أسعار البترول والمواد الأولية في السوق الدولية والتي يكون لها تأثير مباشر على التوازنات الاقتصادية والمالية للدولة. وما كنا نلاحظه خلال النقاش العام باللجنة ينم في الكثير من الحالات عن الجهل بالمعطيات والخلط بين المصطلحات بشكل غريب، فبعض مداخلات المعارضة تبني أطروحاتها على نسب النمو وهي لا تفرق في الأصل بين «استهداف النمو» وبين «النمو التوقعي» مما كان يثير الشفقة حقيقة، وأخرى كانت تتحدث عن تراجع الحكومة عن النموذج التنموي وفي نفس الوقت تعتبر مشروع القانون المالي استمرارا للحكومات السابقة؟؟ لكن بالمقابل اعتبرنا أن الحكومة بنت المشروع على واقع الاقتصاد المغربي وعلى مقدراته الفعلية وعلى واقع الاقتصاد العالمي، ولم تستعمل لغة الخشب ولم تخفي المعطيات عن الرأي العام وصارحته بالأزمة وتداعياتها على الاقتصاد الوطني خلافا لما كان يحدث في السابق، لطنها أيضا وضعت إجراءات فعلية لمعالجة الاختلالات وإعادة إطلاق محركات النمو وضبط العجز ومعالجة اختلالات الميزان التجاري. ● هناك من يلاحظ أن المعارضة تعاطت في معارضتها لقانون المالية الذي أنجزته حكومة مكونة من أربعة أحزاب إلى معارضة لحزب العدالة والتنمية؟ ●● هذا بالضبط ما أكدت عليه، وهو ما لاحظه الرأي العام خلال الخرجات الإعلامية لهذه الأحزاب وخلال المناقشة العامة. وإذا كان مشروع القانون المالي لهذه السنة طموحا ويعِد باسترجاع التوازنات المالية والاقتصادية والاجتماعية، فإن ما أثار الرأي العام حاليا نوع المعارضة الموجودة بالبرلمان، والتي كانت تدبر الشأن العام لمدة تزيد عن 14 سنة وأوصلت البلد إلى مستوى الأزمة غير المسبوقة التي ورثتها الحكومة الحالية. فأحزاب المعارضة الرئيسية أوصلت المغرب لمرحلة أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة، ولم تكن لها في يوم من الأيام أية رؤية تنموية متكاملة، وكانت ضحية تنازع لوبيات عدة أفقدت القوانين المالية السابقة أي مفعول حقيقي على التشغيل أو النمو الاقتصادي وتوزيع ثماره بشكل عادل على جميع فئات المجتمع. وإذا كانت حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران تحاول، منذ تنصيبها أواخر يناير من هذه السنة، مسابقة الزمن من اجل استرجاع التوازنات المالية والاقتصادية والاجتماعية، فإن النقاش السياسي حول مشروع القانون المالي لسنة 2013 شهد نوعا من التخبط لدى المعارضة الجديدة التي أوصلت المغرب لهذا المستوى من الكوارث الاقتصادية والمالية. فلا هي تستطيع التخلص من ضعفها السياسي أمام ما تراه من نتائج تدبيرها الكارثي للشأن العام خلال السنوات السابقة، ولا هي قادرة على تحسين صورتها أمام الرأي العام الذي يستهجن معارضتها العشوائية، بل إن شريحة كبيرة من المواطنين لم تقتنع أصلا بأن هذه المعارضة يمكنها أن تنجح في مهامها بعد فشلها في تدبير شؤونه العامة. وعوض أن تحاول المعارضة الجديدة مراجعة طرق تدبيرها الداخلي، وتضع برنامجا لتأهيل ذاتها كي تصبح قوة اقتراحية، نجدها تركز كما أكدتُ سابقا على معارضة حزب العدالة والتنمية، وتعارض وجود هذه الحكومة من أساسه عوض أن تعود إلى الشعب وتحاول إقناعه ببرنامجا، إن كانت تتوفر أصلا على برنامج. ● من كل هذا هل بإمكان هذا المشروع أن يخرج المغرب من دوامة الأزمة التي تحيط به؟ ●● هذا هو السؤال العميق الآن في ظل الظرفية الحالية، فالتدبير المالي لهذه الأحزاب التي أصبحت اليوم في وضعية المعارضة أفقد المغرب إمكانات هائلة، وانتقلت معه وضعية الميزانية العامة للمغرب إلى عجز خطير سنة 2011 يتجاوز 43 مليار درهم وتقارب نسبته 7 %. وهو ما يحتاج معه المغرب إلى إصلاحات عاجلة على مستوى ترشيد النفقات وإلى إجراءات استراتيجية تهم إصلاح تدبير المالية العمومية وطرق إعداد وتنفيذ السياسات العمومية، وإلى إصلاح ضريبي عميق يتجاوز اختلالات الوضع الحالي، وإلى تدابير استراتيجية تؤدي لتخفيض العجز بشكل تدريجي دون الإضرار بالالتزامات الاجتماعية للدولة. ونحن نعتبر بأن الحكومة الحالية واعية بهذه الإكراهات وتتعامل مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي المغربي بالجدية والجرأة اللازمتين. فعلى المستوى الاقتصادي نجد مشروع قانون مالية 2013 مستهدفا لنمو متوازن، وداعما لمقاولات المغربية، ومحفزا للأداء الفعال للاقتصاد الوطني، سواء على مستوى إعادة توجيه أهداف الاستراتيجيات القطاعية أو مراجعة بعضها، أو تقديم برامج واضحة على مستوى البنيات التحتية ودعم القطاعات الحيوية. وعلى المستوى الاجتماعي نجد المشروع مكملا لقانون المالية 2012، ومستمرا في تطبيق المحاور الأساسية للبرنامج الحكومي على مستوى تحقيق التوازن بين دعم الاقتصاد الوطني ودعم التماسك الاجتماعي وتوازنهما معا، وهي مضامين واضحة وتعبر عن العمق الاجتماعي لهذه الحكومة وتؤكد سعيها لتحقيق أكبر قدر من الاستقرار الاجتماعي ورفع القدرة الشرائية للمواطنين ودعم الفئات الهشة، مقابل دعم السكن للطبقة الوسطى التي كادت أن تندثر مع السياسات المتبعة من قبل الحكومات السابقة التي يزايد بعض أحزابها على هذه الحكومة. ● وما الجديد الذي جاء به هذا القانون إذا ما قارناه بمشاريع قوانين المالية؟ ●● في الواقع يعتبر هذا المشروع تكملة لقانون المالية لسنة 2012 كما سبق أن بينت ذلك، ويستمد إجراءاته الأساسية ومحاوره الكبرى من البرنامج الحكومي على المستويات المالية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يميز عمل هذه الحكومة ويعبر عن هويتها وعن عمقها الشعبي. فالحكومة الحالية وضعت تصورات جدية لوقف نزيف الفساد وتحقيق أكبر قدر من التوازن الاقتصادي والاجتماعي ومعالجة الاختلالات الكبرى التي يعاني منها المغرب بشكل هيكلي نتيجة إخفاقات التدبير السابق الذي ساهمت فيه المعارضة الحالية. وإذا فصلنا في أهم الإجراءات التي جاء بها مشروع 2013، فنجد دعما للمقاولة المغربية باستثمار عمومي يفوق 180 مليار درهم موجه بالأساس للشركات الوطنية وبشكل خاص المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتم اقتراح سعر تحفيزي للضريبة على الشركات الصغرى في حدود 10 % بعدما كان السعر يتحدد سابقا في 15 و30 %، إضافة إلى دعم المقاولات المغربية بأزيد من 400 مليون درهم عبر برامج «امتياز» و»مساندة» و»إنماء»، إضافة إلى العديد من الإجراءات التي تعتبر رافعة للمقاولة المغربية وداعمة لها. أما على مستوى التوازنات الاجتماعية، فتم إقرار مساهمة للتماسك الاجتماعي، وهي عبارة عن اقتطاع إجباري من الأرباح العالية جدا بالنسبة للإفراد (أزيد من 25 ألف درهم شهريا) وللشركات التي تحقق ربحا صافيا يفوق 20 مليون درهم سنويا. وستخصص هذه الموارد للتماسك الاجتماعي المحدد في القانون، وستسهر الحكومة على ضمان انتفاع الفئات الفقيرة والهشة من هذه الموارد كي لا تتكرر حالة صندوق المقاصة. وأمام ضغط الأزمة المالية والعجز الموروث عن الحكومات السابقة لم تلجأ الحكومة الحالية إلى الحل الأسهل لمواجهة ضغط الميزانية عبر تخفيض نفقات الاستثمار، وإنما قررت مواجهة الاختلالات الاجتماعية بكل موضوعية وجدية، وأحدثت آليات لدعم التوازن بين الأداء الاقتصادي للدولة ومسؤولياتها الاجتماعية. كما نجد لأول مرة مشروع قانون مالية يسطر بالأرقام البرامج الأساسية لاشتغال الحكومة على مدى سنة 2013، سواء على مستوى البنيات التحتية للمملكة، أو القطاعات الصناعية والفلاحية، أو على مستوى القطاعات ذات الطابع الاجتماعي والتضامني.