بوتيرة سريعة تتغير كثير من الأشياء في حياة المغاربة. لكن، ولسوء الحظ عوض أن تتطور الأمور نحو الأفضل تسير بشكل حثيث في الاتجاه المعاكس! تذكرون، مثلا، أنه وإلى حدود أواسط التسعينيات من القرن الماضي، كانت الأسر المغربية تقيم حفلات صغيرة لأبنائها وبناتها الذين يتابعون دراستهم في مدارس التعليم العمومي عندما ينجحون في الحصول على شهادة الباكالوريا. دابا واخا تشدّ لاليصونص فالفيزيك ولاّ الشيمي ما تلقاش حتى اللي يگول ليك مبروك! فأحرى أن تجد من يقيم لك حفلة للاحتفال بنجاحك الجامعي. والسبب بطبيعة الحال يعود إلى كون أبناء هذه الأسر المغلوبة على أمرها، كلما كثرت الشواهد التي يحصلون عليها، وكلما اقتربوا من إنهاء مسارهم الدراسي، يتحولوا إلى مصدر قلق لذويهم، على اعتبار أن المصير الذي ينتهي إليه حتى المجازون في الوقت الراهن هو الدخول إلى عالم البطالة من بابه الواسع. داكشي علاش حتى واحد ما بقاش كايفرح بيهم. ولهذا السبب ربما، يفضل كثير من الآباء أن يقصروا الطريق، ويفصلون أبناءهم الصغار عن الدراسة في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية لكي يلتحقوا بعالم الشغل، عوض أن يقضوا سنوات كثيرة في الدراسة، وبعد ذلك يعودون إلى البيت في هيئة «عالات» تبحث عمن يعيلها. فالتعليم العمومي في الوقت الحالي لا يعود على الذين قضوا فيه ثلثي أعمارهم بأية منفعة من جهة ضمان المستقبل. وإذا كان بلدنا في نظر المسؤولين ينقسم إلى مغرب نافع ومغرب غير نافع، فالتعليم بدوره ينطبق عليه نفس الشيء. التعليم غير النافع بطبيعة الحال هو التعليم العمومي، والتعليم النافع هو ديال الفلوس، وإن كان مستوى التلاميذ المتخرجين من كلا التعليمين واحد. غير أوكان أولاد اصحاب الفلوس سبحان الله العظيم ديما طالع ليهم الشان، واخا ما كايعرفو والو! المضحك في الأمر هو أن كثيرا من الآباء يصرون على تسجيل أبنائهم الصغار في المدارس الخاصة لكي يتلقوا تعليما «راقيا» من طرف أساتذة أكفاء. وهم لا يعرفون أن كثيرا من هؤلاء «الأساتذة» ليسوا سوى طلبة تخرجوا من الجامعة لتستغلهم هذه المدارس في تعليم أبناء عباد الله بدون أن يكون لديهم أي تكوين. فهؤلاء المساكين يشتغلون في ظروف سيئة للغاية، بأجور ضعيفة وبلا تعويضات. ومع ذلك لا يستطيعون حتى أن يفتحوا أفواههم لكي يقولوا «آحْ». حيت يلا گالوها بلا شك الشارع غادي يگول ليهم يا مرحبا! وبسبب كل هذه الكوارث التي يعيش على إيقاعها التعليم الذي تحول عندنا في شقه الخاص إلى قطاع تجاري مربح، نفهم لماذا يحتل المغرب في لائحة البلدان العربية المرتبة الرابعة عشرة من حيث جودة التعليم، بجوار العراق المحتل، وبعيدا عن مدينة غزة التي لديها نظام تعليمي أفضل من نظامنا رغم الإحتلال والحرب والدمار. بالله عليك يا سعادة الوزير، ماذا يمكن لأي طالب أن يصنع ب 450 درهما في الشهر؟ واش يكري بها، ولا ياكل بها، ولا اشنو؟ هذه المنحة المخجلة أيها الوزير الاشتراكي لا تكفي حتى لتغذية طفل صغير، فأحرى أن يعيش بها طالب جامعي بكتبه ومعيشته وغيرها من الضروريات. أما الكماليات فالطلبة لا يرونها إلا في الأحلام! هذا لمن ما زالت تأتيه الأحلام الجميلة. فكثير من الطلبة، وفي انتظار الحصول على تلك المنحة الضئيلة، ما كايبقاش عندهم وجه باش يدوزوا قدام مول الحانوت بسبب الكريدي الذي لا يدفعونه حتى يصيروا أشباه عبيد ومتسولين لدى أصحاب دكاكين البقالة. وربما يعود سبب كل أعمال العنف التي تشهدها الجامعات المغربية بشكل متواتر إلى الظروف المزرية التي يعيش فيها الطلبة و«الحگرة» التي يشعرون بها. ولكي ينفسوا عن أنفسهم قليلا يصبون جام غضبهم على بعضهم البعض عبر خلق صراعات تافهة يتم حسمها في الغالب بالأسلحة البيضاء والهراوات والسلاسل الحديدية! لذلك نكرر طلبنا للسيد أحمد اخشيشن أن يفعل شيئا لتحسين أوضاع هذه الفئة «المظلومة»، راهم آسعادة الوزير، ولا شك أنك تعرف ذلك جيدا عايشين غير بالخوا الخاوي! أما تلك السنوات التي يقضونها في الجامعة، وبما أنها لا تسعف في ولوج عالم الشغل، فتستحق منا أن نسميها بنفس الاسم الذي يحمله المسلسل التركي «سنوات الضياع»!