خوسي ماريا ريداو هو كاتب وسفير سابق لإسبانيا لدى اليونسكو، أحد كتاب الرأي في جريدة «إيل باييس»، معروف بدرايته بالعالم العربي وتفاصيل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. يرى ريداو في هذا الحوار، أن إسرائيل كررت نفس خطأ عام 2006 عندما شنت حربها على لبنان، مضيفا أن هذا النوع من الحروب لا يمكن الانتصار فيه، بحكم أن الأهداف العسكرية والسياسية يصعب تحديدها بدقة، بل إن صورة إسرائيل تضررت على المستوى العالمي أكثر بكثير مما حدث في حرب لبنان. وقال إن لديه انطباعا بأن توقيت نهاية الحرب على غزة كان مرتبطا بيوم تنصيب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة. - من كان في رأيك المنتصر في الحرب الأخيرة ضد غزة، حماس أم إسرائيل؟ < طرح هذا السؤال وحده يجعلنا نقبل فكرة كون الحملة التي قامت بها إسرائيل لم يكن مخططا لها من طرف تل أبيب بشكل جيد، بحكم أن عدم امتلاك هدف محدد لا يمكنه أن يقود إلى انتصار محدد، وهو ما يفسح المجال أمام حماس لتعلن انتصارها، ورغم أن الاستراتيجيين تحدثوا عن دروس حرب لبنان صيف عام 2006 بيد أننا نجد أن تل أبيب ارتكبت نفس الخطأ في حربها ضد غزة، بل إن صورة إسرائيل تضررت على المستوى العالمي أكثر بكثير مما حدث في حرب لبنان. - ما هي العلاقة التي يمكن أن نربطها بين توقيت الحرب على غزة ومجيء باراك أوباما إلى البيت الأبيض؟ < لدي انطباع بأنه عندما أعلنت إسرائيل الشروع في عمليتها كان توقيت نهاية الحرب مرتبطا بيوم تنصيب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، والسبب هو أنه إذا كان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش قد أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بعملياتها، فلم يكن من باب المؤكد أن يوافق باراك أوباما تماما على ما تقوم به إسرائيل بعد تسلمه مقاليد السلطة في البيت الأبيض، وأظن أن خلال تلك الأيام القاسية التي جرت فيها الحرب ضد غزة، كانت هناك تفسيرات سلبية للصمت الذي أبداه أوباما تجاه ما يجري، والواقع أن وضعيته كانت تتلخص في كونه إلى ذلك الوقت مجرد رئيس منتخب وإذا ناقش قرارا اتخذه رئيس مازال في السلطة، وهو جورج بوش، فإن تصريحاته لا يمكن إلا أن تكون مؤيدة، وكان المخرج الوحيد لأوباما، حتى يختلف موقفه عن موقف بوش، هو أن يلتزم الصمت حيال ما يحدث، وبهذا المعنى تم تفسير موقف أوباما بشكل سيئ تجاه هذا الموضوع. من جهة أخرى، فإنه بمجرد تسلمه مقاليد السلطة كانت أولى الاتصالات التي أجراها هي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس دون أن يعرف ما إذا كان قد أجرى اتصالات مع إسرائيل. - لكن باراك أوباما أعطى الانطباع منذ البداية أنه حليف لإسرائيل بحكم أنه عين ابن شخصية إسرائيلية معروفة مديرا لديوانه وزار إسرائيل خلال حملته الانتخابية، ألا يمكن مع كل ذلك القول إننا لسنا بصدد أي تغيير في الموقف الأمريكي حيال هذا الموضوع؟ < أظن أنه من أجل تسهيل مهمة رئيس أمريكي يمكنه بشكل محتمل أن يغير السياسة الأمريكية في المنطقة، والشيء الذي يجب أن نفهمه جميعا أن اللعبة لا تتمركز حول دعم إسرائيل أو دعم السلطة الفلسطينية بقدر ما هي متمحورة حول احترام الشرعية الدولية وحقوق الإنسان والحق الإنساني الدولي، وما حصل خلال الأسابيع الأخيرة هو أنه بعيدا عن المواقف التي يمكن أن يتخذها كل طرف لصالح إسرائيل أو فلسطين، كانت هناك ضربة قاصمة لكل هذا النظام الدولي الذي له عدة عيوب، لكنه يبقى واحدا من الحلول ذات المصداقية، ليس فقط بالنسبة إلى هذا الصراع وإنما أيضا بالنسبة إلى صراعات أخرى، وما يجب أن يكون واضحا في ذهن الجميع يكمن في ضرورة أن نؤيد احترام الشرعية الدولية والقانون الدولي، وهذه المقاربة تجعلنا نقول إن إسرائيل لم تحترم القوانين الدولية وحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ويمكن أن نضيف شيئا آخر هو أن حماس بدورها لم تحترم ذلك بإطلاقها صواريخ صوب الجهة الأخرى، وما هو مؤكد أنه يجب فقط إلقاء نظرة على عدد الضحايا لمعرفة ما وقع واستنتاج مسؤولية كل طرف. - ما هي قيمة عبارات مثل القوانين الدولية والقانون الدولي الإنساني الآن بعد ما وقع في غزة؟ < أظن أنه بعد الهجوم على غزة وجب علينا أن نطالب بإلحاح أكبر باحترام القوانين الدولية، وسبق لي أن قلت إن إسرائيل قامت بقتل مدنيين فلسطينيين، وهو الأمر الذي يعد معاكسا لمبادئ القوانين الدولية، وما يمكن أن نطالب به حلفاء إسرائيل هو ليس أن يغيروا دعمهم لصالح إسرائيل إلى دعم آخر لفلسطين، بل أن يكون دعم القوانين الدولية فوق دعم الدولة العبرية، وهو ما يجب علينا الإلحاح عليه، وهي القوانين الدولية التي يتم خرقها عندما نشاهد صور مئات القتلى في صفوف المدنيين، وعندما نرصد تصرفات الجيش الإسرائيلي التي لا تحترم أبدا بنود اتفاقية جنيف، وخصوصا أننا شاهدنا ذلك في سياق احتلال لم يتوقف منذ عام 1967. - إسرائيل قامت بحربها ضد غزة بدعوى حماية أمنها القومي، ألا يمكن أن تكون حربها في حد ذاتها أكبر محفز لضرب مصالحها داخل وخارج حدود الدولة العبرية؟ < مرة أخرى، فإن إسرائيل ارتكبت نفس الخطأ الذي وقعت فيه خلال هجومها على لبنان عام 2006، وهو المتمثل في طرح السؤال حول المنتصر، وطرح هذا السؤال وحده، في حالة طرحه، يعد انتصارا بالنسبة إلى حركة مثل حماس وهزيمة بالنسبة إلى دولة مثل إسرائيل، بحكم أن معايير الانتصار والهزيمة ليست هي نفسها بالنسبة إلى الدولة والحركة . - بطبيعة الحال بحكم أن الأمر لا يتعلق هنا بحرب نظرا لأن المواجهة لم تكن تتضمن وجود جيشين؟ < فعلا، فهذه حرب ضد طرف معين، ومن هذا المنطلق، فمعايير حساب الانتصار والهزيمة مختلفة، مثلما أن إسرائيل، كما ظهر ذلك خلال حرب لبنان، لا تمتلك غير حظوظ قليلة لكسب مثل هذا النوع من الحروب بطريقة لا تقبل النقاش، وإعلان الحرب بهذا الشكل يعطي منذ البداية حظوظا لإعلان الانتصار بالنسبة إلى حركة حماس، وللإجابة عن هذا السؤال فإنه بدون شك رفعت الحرب من التهديدات تجاه أمن إسرائيل بحكم أن القوة وحدها لا يمكنها أن تضمن أمن الدولة العبرية. - هل نحن أمام مفهوم جديد يكمن في أن قوة الضعيف قد تهزم قوة القوي عسكريا بحكم اختلاف المعايير؟ < نعم، إسرائيل لم تكن بصدد مواجهة دولة، بل كانت في الحربين ضد لبنان وغزة تواجه منظمات مثل حماس أو حزب الله، وهو ما يجعلها أمام خطر أكبر، وهذه هي المفارقة الكبيرة، وهو ما يجب أن يدفع الاستراتيجيين الإسرائيليين إلى إعادة التفكير. - إسرائيل ربحت حروبها ضد الدول العربية، خصوصا خلال حربي 1948 و1967، وانبثقت عن ذلك أسطورة الجيش الذي لا يهزم والتي تكسرت نسبيا خلال حرب عام 1973، هل يمكن أن نقول إن أسطورة أقوى جيش في المنطقة انتهت؟ < لقد تغيرت الأوضاع الآن، فالإشكال لم يعد يكمن في مفهوم القوة، بل في مفهوم الانتصار، فلكي تربح الحرب يجب أن تحدد بدقة بالغة مفهوم الانتصار لديك، والمشكلة أن الحرب ضد المنظمات عوض الدول تجعل إسرائيل غير قادرة على تحديد الأهداف التي تريد الوصول إليها بدقة، وهذه الوضعية تجعلنا أمام عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين، مثلما أن الأهداف السياسية والعسكرية لإسرائيل لا يمكنها التحقق، فالجيش ينتصر عندما يكسب أرضا جديدة أو جبلا يخضعه لسيادته، لكن أمام منظمة أو حركة لا يمكن تحديد هذه المفاهيم، وبما أن مفهوم الانتصار غير محدد فإنه لا يمكن تحقيقه، وهو ما يؤدي إلى خلق فضاء للانتصار بالنسبة إلى هذه المنظمات. - ما هو المستقبل الذي يواجه دولة إسرائيل بحكم أنها أشبه بجزيرة وسط بحر من الدول تكن لها العداء؟ < لنقل إن إسرائيل هي واحدة من المثاليات المنتصرة خلال القرن العشرين، وهناك فقط اثنتان هما الأتوبيا الاشتراكية التي جسدها الاتحاد السوفياتي وأتوبيا الأرض الموعودة خلال القرن التاسع عشر التي جسدتها إسرائيل، لكن عندما انهارت الأتيوبيا السوفياتية ولدت روسيا، لكنه لو لم يتم تدبير الأتوبيا التي قامت عليها الدولة العبرية بطريقة حكيمة من طرف إسرائيل فإن ما سيبقى هو ما كانت عليه الأوضاع قبل عام 1948، وهذا هو الإحساس الدائم الذي يحمله الإسرائيليون، أي استمرار الخطر الذي يهدد وجود الدولة الإسرائيلية. - في نفس السياق يتحدث محللون في الصحف العبرية عن كون الخطر الحقيقي يأتي من ارتفاع النمو الديموغرافي لعرب إسرائيل، هل تتفق مع هذه الآراء؟ < نعم لقد قرأت مثل هذه التحليلات التي نشرتها الصحف الإسرائيلية، لكن يجب أن نفكر في أن عرب إسرائيل هم بداية الحل، بحكم أنه يمكن أن نصل إلى وضعية مثالية، في حالة تعويض الكلام عن الأراضي بكلام آخر عن الحقوق، ربما نكون في تلك اللحظة بصدد مناقشة الحقوق التي يتمتع بها كل طرف. - ظهر أن إسبانيا تريد لعب دور خلال الأزمة الأخيرة في الشرق الأوسط، لاحظنا كيف استقبل رئيس الحكومة الإسبانية الرئيس الفلسطيني محمود عباس وإرساله بعد ذلك لوزيره في الخارجية ميغيل أنخيل موراتينوس إلى إسرائيل ثم مصر، ما هي طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه إسبانيا في النزاع، خصوصا أنها كانت محتضنة مؤتمر مدريد للسلام؟ < نحن الآن في سياق مختلف تماما عن ذلك الذي جرت فيه فعاليات مؤتمر مدريد، وأظن أن الدور الذي يمكن أن تلعبه إسبانيا يجب أن يمر عبر الاتحاد الأوروبي، يعني أن المفارقة الكبرى التي لمسناها خلال الأسابيع الماضية هي حضور كبير للدول الأوروبية لكن بشكل متفرق دون أن يكون ذلك تحت راية الاتحاد الأوروبي كمؤسسة، وبالتالي فالدور المهم الذي يجب أن تقوم به إسبانيا هو الوصول إلى توحيد المواقف داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيضاعف القدرة على لعب أدوار في الشرق الأوسط وإيجاد حلول ثنائية أو البقاء منحصرين في أدوار انفرادية لا يمكنها أن تعطي نتائج مهمة أمام معضلة مستعصية، مثل معضلة الشرق الأوسط، لأنه عبر نهج سياسة أوروبية موحدة يمكن أن نمثل قوة قادرة على المساعدة في إيجاد الحل. - لكن رئيس الحكومة الإسبانية يعطي الانطباع بأن إسبانيا تبحث عن لعب دور دبلوماسي كدولة؟ < إذا كانت هذه هي الرؤية التي تحملها مدريد فأعتقد شخصيا أنها ستنتهي إلى الإحباط، بحكم أن امتلاك القدرة على إيجاد الحل يتم عبر الاتحاد الأوروبي، بحكم أن الرهان مرتبط بقوة الاقتراح، وهي القوة التي تعد أكبر عند الحديث عن الاتحاد الأوروبي وليس مجرد دولة عضو. - خرج ربع مليون متظاهر غالبيتهم العظمى من الإسبان إلى الشارع للتظاهر، هل يمكن أن نتحدث عن وجود وعي أكبر الآن لدى المواطن الإسباني بالقضايا الخارجية؟ < نعم، يمكن القول إنه في إسبانيا، بعد أحداث 11 مارس 2004، صار هناك اهتمام أكبر بما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما تمظهر قبل ذلك في رفض الحرب على العراق من جهة ومن جهة ثانية في اتخاذ موقف إزاء أحداث غزة كان مبنيا على ضرورة احترام القوانين الدولية ومعاهدة جنيف والقانون الدولي الإنساني، والسؤال الذي طرحناه في وسائل الإعلام الإسبانية هو احترام القوانين الدولية وحياة المدنيين بالنسبة إلى الجميع أي بما في ذلك إسرائيل وحركة حماس. - رأينا أن مواقف الحزبين الكبيرين في إسبانيا، الحزب الشعبي اليميني والحزب الاشتراكي الحاكم، كانت متباينة تماما إزاء أحداث غزة، ألم تصل بعد الأحزاب السياسية الإسبانية إلى مستوى ترك الخلافات الداخلية جانبا عندما يتعلق الأمر بقضية خارجية؟ < شخصيا تابعت بمرارة هذا الانحراف في النقاش الذي طغى في الساحة الإسبانية، لأنني ألح دائما على أن ما عشناه إزاء أحداث غزة لا يجعلنا ندافع عن هذا الطرف أو ذاك، بل يتطلب منا تقوية جهودنا من أجل احترام القوانين الدولية، وعوض ذلك كانت هناك مسائل أقل أهمية وهي تلك التي تم تمريرها للإسبان طيلة هذه الفترة، وألح على أنه في مثل هذه الأحداث لا يجب أن يجرفنا التيار وراء دعم هذا الطرف أو ذاك.