في الوقت الذي يبشر فيه المسؤولون في الدار البيضاء بأن المدينة تتحرك ويدافعون بكل شراسة عن المشاريع الكبرى، فإن هذه المدينة تعيش مشاكل كثيرة كانتشار الحفر في الشوارع والأزقة، وقد أصبحت هذه القضية تثير اشمئزاز الكثير من سكان المدينة، إذ لا يعقل، حسب رأيهم، أن تظل المدينة غارقة في مشاكل تعود إلى القرون الوسطى. ويؤكد بعض المتتبعين للشأن المحلي أنه حان الوقت للتفكير الجدي لحل هذه الإشكالية التي تؤرق السائقين وتكون سببا في وقوع حوادث سير خطيرة أحيانا كثيرة. طيلة الأيام التي سبقت دخول نظام وحدة المدينة إلى حيز الوجود سنة 2003 ظل المدافعون عن هذه التجربة يؤكدون أنها النظام الأصح، لكي تتخلص المدينة من مشاكلها القاتلة وعيوبها الخانقة سكانها، ومن بين الأحلام التي تم الترويج لها آنذاك القضية المرتبطة بوضع إستراتيجية موحدة لتعبيد الشوارع والأزقة، إذ تم التأكيد أن نظام وحدة المدينة سيقطع بشكل كلي مع النظرة التجزيئية للمدينة، وسيوزع «الزفت» حسب حاجيات المقاطعات وليس لأي اعتبار آخر، لكن يظهر أن قدر المدينة هو عدم الخروج من هذا المأزق. فرغم الكثير من الصفقات ومساهمات وزارة الداخلية لهذا الغرض، فإن الحفر لا تزال صامدة والمتجول في بعض شوارع الدار البيضاء يعتقد أنها تعرضت لقصف جوي. «المساء» سألت مجموعة من المعنيين بهذه القضية ونبشت في الأسباب التي تجعل مدينة بحجم الدار البيضاء غير قادرة على الخروج من هذه الأزمة على مستوى بنيتها التحتية، ووقفت على الاختلاف في وجهات النظر، لكن جميع التصريحات كانت تصب في اتجاه واحد وهو أنه حان الوقت لطرح هذه القضية بكل جرأة ومسؤولية، لأنه من العيب أن تعاني العاصمة الاقتصادية من هذا المشكل الذي يرجع إلى العصور الوسطى. الداخلية تتدخل من حين إلى آخر تفرج وزارة الداخلية عن دفعات من أجل تعبيد الشوارع، والمساهمة في الحد من انتشار الحفر وسط الشوارع، خاصة في المقاطعات المحيطة بمركز المدينة، إلا أن هذا الأمر لا يكون كافيا من أجل وضع حد لهذا المشكل، وتبقى الحفر المنتشرة في العديد من الطرقات من المشاكل القائمة، إذ بمجرد ما يتم إصلاح بعض الحفر حتى تظهر أخرى في شوارع جديدة، ويعتبر مصدر من مجلس المدينة أنه من الصعب جدا حل هذه الإشكالية على اعتبار أن المدينة في حاجة إلى ما يفوق 70 مليون درهم، أي 700 مليار سنتيم، لكي تكون شوارع الدار البيضاء في أحسن حال، وهذا الأمر لا تقدر عليه المدينة وحدها، كما أن وزارة التجهيز لا يمكنها أن تقوم بمشاريع «التزفيت» في الوسط الحضري، وهو الأمر، حسب المصدر ذاته، الذي يدفعها إلى الاكتفاء ببعض الرتوشات في هذا الشارع أو ذاك. هذا الطرح يصطدم بالعديد من المنتقدين، حيث تؤكد أطراف مهتمة بهذه القضية أنه لا يمكن بأي حال الارتكان دائما إلى قضية ضعف السيولة المادية للتغطية على المشاكل التي تعرفها المدينة، ومن بينها قضية انتشار الحفر، فلو كانت الدار البيضاء، حسب أصحاب هذا الرأي، تبذل مجهودا كبيرا من أجل استخلاص مداخيلها، لما كانت في حاجة إلى تدخل الداخلية أو أي جهة أخرى، فالقضية مرتبطة بغياب إرادة حقيقية لاستخلاص مداخيل الدار البيضاء، والتي تبقى دون المستوى مقارنة مع الإمكانات الخاصة للعاصمة الاقتصادية. وبالنسبة لأصحاب هذا الرأي، فالمشكل يكمن في طريقة إنجاز الصفقات، التي لابد أن يعاد فيها النظر وتشديد المراقبة على الشركات المكلفة بعمليات التعبيد وأن ترصد الاختلالات بطريقة علمية لمعرفة المناطق التي في حاجة إلى التبليط بالإسفلت والقطع مع سياسة إرضاء الخواطر، إذ لابد أن تعطى الأولوية للمناطق التي تعاني من الكثير من الحفر، كما هو الحال بالنسبة للمقاطعات المحيطية. دفاتر التحملات واعتبر مصطفى رهين، عضو مجلس المدينة، (مستقل) أن قضية انتشار الحفر لها علاقة بعدم احترام دفاتر التحملات، أثناء إنجاز صفقات تعبيد الشوارع، مؤكدا أنه لو كانت هناك مراقبة جدية لعمل من ينجزون مشاريع التعبيد لما كانت الدارالبيضاء تعيش هذا المشكل، وقال « هناك عدم احترام لدفاتر التحملات بخصوص الصفقات المنجزة قصد تعبيد الشوارع، كما أنه لا يتم احترام مدة الضمانة المحددة في عشر سنوات، ولم يحدث يوما أن تم استدعاء أي مسؤول عن شركة لتعبيد الشوارع لمطالبته بعملية الإصلاح، مادام أن المدة المحددة للضمانة هي 10 سنوات»، وأكد رهين أن المشكل له علاقة بغياب حس المراقبة، وحمل رهين مسؤولية انتشار الحفر لشركات الاتصالات و«ليدك» التي تقوم ببعض الأشغال دون القيام بعملية الإصلاح، وقال «من المؤسف أن شركات الاتصالات وليدك تنجز بعض الأشغال لكنها لا تقوم بالإصلاح، وهو ما يساهم في انتشار الحفر بشكل غير مقبول، كما أن المسؤولين في مجلس المدينة لا يحملون أنفسهم عناء مراقبة هذه الشركات ودفعها للقيام بالإصلاحات». وأضاف أن المثير في هذه القضية أن مجموعة من الطرق الموجودة في البوادي والقرى لا تزال تقاوم رغم إحداثها منذ الاستقلال، في حين أن شوارع كثيرة في المدينة غزتها الحفر، علما أنها حديثة العهد. سياسة الرتوشات وأكد المستشار سليمان زعواط أن الإشكال له علاقة بالاكتفاء فقط ببعض «الروتوشات» عوض القيام بالتغيير الجذري، وقال في تصريح ل «المساء» لا يوجد تغيير أساسي في تعبيد الشوارع، نظرا لمجموعة من العوامل، من بينها ضغط حركة السير والجولان، لأنه لا يمكن قطع الطريق مدة طويلة، مع العلم أنه من المفروض أن تكون هناك مدة معينة لهذه العملية، إلا أنه نظرا لهذه العوامل يتم اكتفاء فقط بالإصلاحات، وأضاف أن من بين المشاكل التي تساهم في انتشار الحفر، المياه التي تخلفها الأمطار والتي لا تتسرب إلى قنوات الصرف بشكل سلس، ما يجعلها راكدة في مكان معين، فتتسبب في إحداث الحفر. وأكد أن طريقة تعبيد الشوارع في بعض المدن الأوروبية تختلف كليا عما يجري في البيضاء وهذا راجع إلى الإمكانات المادية، مؤكدا أن هناك إشكالية على مستوى البنيات التحتية وأن انتشار الحفر واحد من أوجهها. النظرة الضيقة وأوضح عبد الغني المرحاني، نائب رئيس مقاطعة سيدي مومن، أنه من غير المعقول أن تبقى الدار البيضاء رهينة هذه الطرق في تعبيد الشوارع ، وقال لقد حان الوقت لوضع برنامج حقيقي لهذا المشكل يأخذ بعين الاعتبار الفلسفة التي قامت عليها وحدة المدينة، فهناك بعض المقاطعات تستفيد من التبليط دون حاجة إليه، وأضاف أن المقاطعات العمالتية (نسبة إلى العمالة) تحتاج إلى أكبر حصة من «الزفت»، عكس المقاطعات الأخرى، وهذا الأمر يرجع، حسب رأيه، بشكل كبير إلى غياب برمجة حقيقية وخطة عمل، التي يجب أن تكون بشكل شمولي وليس تجزيئيا، بالابتعاد عن النظرة الضيقة لبعض المنتخبين، حيث لابد أن نأخذ بعين الاعتبار مشاكل المدينة عموما وليس المقاطعات، بمعنى أنه إذا كانت مقاطعة ما لا تحتاج إلى «الزفت»، فليس هناك أي مبرر لكي تأخذ حصتها منه، ولتترك الفرصة للمقاطعة التي تغرق في الحفر، لأن هذا هو الحل في اعتقادي من أجل أن نرفع عن أنفسنا هذه السبة، فلا يعقل أن تكون في كل زنقة وشارع خرائط من الحفر، ما يتسبب للمواطنين في الكثير من المشاكل. المحنة الأخرى «مقدو فيل زادوه فيلة»، هذا المثل ينطبق على شوارع الدار البيضاء، إذ في الوقت الذي يشتكي فيه السائقون من الانتشار المهول للحفر، تفتقت عبقرية السلطات في منتصف الألفية الحالية عن فكرة إحداث «المحدودبات» بمبرر ضرورة التخفيف من السرعة، وأصبحت طريقة إنجاز بعض مخففات السرعة ل«دودان» تثير استياء سائقين كثر، الذين يؤكدون أنها تتسبب في أعطاب تقنية كثيرة لمركباتهم، ودعا بعض مهنيي النقل ومنتخبين في مجلس المدينة إلى ضرورة اتخاذ قرار بهدم هذه المخففات وإعادة إنجازها من جديد بطريقة تقنية جيدة، واعتبروا أنه حان الوقت لإعادة إنجاز مخففات السرعة بطريقة تقنية لا تتسبب في وقوع أعطاب تقنية للسيارات، سيما أن الكيفية التي أنجزت بها مثار جدل واسع في مجموعة من مناطق الدار البيضاء. وإذا كانت هناك أطراف تدعو فقط إلى إعادة إنجازها، فهناك من يرفع سقف مطالبه إلى هدمها بشكل كلي، كما هو الحال بالنسبة إلى مصدر نقابي من قطاع سيارات الأجرة، الذي سبق أن قال ل «المساء» إن سيارات الأجرة تتخبط في خسائر كثيرة بسبب وجود مخففات السرعة، وذهب المصدر إلى حد المطالبة بهدمها بصورة نهائية، وقال «نحن نطالب بإزالة هذه المخففات، نظرا للأضرار الكثيرة الناجمة عنها، فكما يعلم الجميع أن مجموعة من الطاكسيات يعود تاريخ تصنيعها إلى ما يفوق 20 سنة، وهو الأمر الذي يجعلها مهددة بالأعطاب التقنية الكثيرة جراء هذه المخففات، واعترف كريم غلاب، حينما كان يحمل حقيبة التجهيز، في برنامج حوار بعدم قانونية هذه المخففات ورمى بالكرة إلى العمدة محمد ساجد، لكن تم اعتبار هذا الرأي وقتها مجرد تصفية حسابات سياسية قديمة بين العمدة محمد ساجد وكريم غلاب، على اعتبار أن غلاب كان يرغب في عمدية البيضاء، وهو ما جعله ينتقد بشراسة خطة إحداث هذه المحدودبات. ومنذ اتخاذ قرار بإنجاز ل«دودان» في الدار البيضاء استاء مجموعة من السائقين، الذين يطلقون عليها أوصافا كثيرة من قبيل «جبال توبقال» و«القبور»، وطالب مجموعة من المنتخبين في التجربة الجماعية السابقة العمدة محمد ساجد بضرورة وضع حد لإنجاز هذه المخففات، نظرا لعدم قانونيتها، لكن ظلت هذه الصيحات في واد ومسلسل إحداث المحدودبات في واد آخر. انتشار الحفر والمحدودبات تنضاف إلى المشاكل الكثيرة التي تعرفها شوارع المدينة، فحتى إدارة «مدينة بيس» اشتكت في لقاء إعلامي من أن حافلاتها لا تحظى بأي بنية تحتية من شأنها تسهيل عملية السير والجولان، ويعتبر بعض العاملين في الفحص التقني أن هذين العاملين (أي الحفر والمحدودبات) تساهم بشكل كبير في تردي الوضعية الميكانيكية للسيارات والشاحنات والحافلات، وتزيد من حدة حرب الطرق التي أصبحت تشكل أكبر هاجس لجميع المواطنين ليس في الدار البيضاء وحدها، بل في كل ربوع الوطن.
مروان: تردي حالة الطرق يتسبب في اختلال أنظمة السلامة للعربات
تحظى السلامة الطرقية في بلادنا بأهمية بالغة من طرف كل مؤسسات الدولة من خلال رصدها لميزانية مهمة لهذه الغاية، كما أن فعاليات المجتمع المدني تلعب دورا مهما من خلال البرامج التوعوية وكذا كل المتدخلين، يأتي الفحص التقني للعربات في مقدمتها لماله من دور مهم في مراقبة الحالة الميكانيكية والتقنية ومدى صلاحية السيارات، وبالتالي المساهمة الفعالة من جهتها في الجهود الرامية إلى الحد من حوادث السير. غير أن ما يعيق سير وسائل النقل على الطريق بشكل سلس هو حالة هذه الطرق, التي تسير من سيئ إلى أسوأ، خصوصا بأزقة ومجموعة من شوارع المدينة، رغم أن السلطات المحلية ترصد نسبة مهمة من ميزانيتها لإصلاح وصيانة الطرقات التي انعكست حالتها المتردية على منظومة السلامة الطرقية وعلى العربات بشكل خاص. وإن تردي حالة الطرق تتسبب في اختلال أنظمة السلامة للعربات، وتأتي في مقدمتها العجلات، التي تصبح مدة صلاحيتها مع كثرة الحفر لا تتجاوز نصف مدة الصلاحية التي تعهد بها الصانع، جراء سقوطها المتكرر في هذه الحفر، وفي حالة ومحاولة تفاديها فإن صاحب السيارة يكون معرضا لحوادث السير، كما تؤثر هذه الحفر سلبا على النوابض، التي قد تصبح غير صالحة عند أول حفرة تسقط فيها عجلات السيارة، خصوصا إذا كانت مقرونة بالسرعة وقد تؤدي كذلك إلى انقلاب وسيلة النقل المعنية، الشيء الذي قد يتسبب في إزهاق الأرواح. كما أن أغلبية السائقين ليسوا مهنيين ليتمكنوا بخبرتهم من التعرف على صلاحية النوابض من عدمها، لأن العملية تتطلب وسائل متطورة تتوفر في مراكز الفحص دون غيرها. والنوابض التي تتأثر بالحفر تساهم في عدم تحكم السائق في سيارته بشكل سليم، خاصة عند المنعرجات لما لها من دور في توازن العربة، كما تظهر على العجلات تشوهات بشكل جلي، نتيجة لغياب دور النوابض، التي تعمل على كبح اهتزاز السيارة في مطبات الطريق. إن تواجد الحفر وكثرتها أصبحت تقض مضجع جل السائقين وخصوصا منهم المهنيين لأنهم دائمو التواجد على الطريق التي تستنزف طاقتهم، كما أصبحت مشكلا حقيقيا في العديد من طرقات المدينة لتساهم وإن بنسب متفاوتة في وقوع الحوادث داخل المدينة، ولابد أن نشير إلى أن النوابض وعيوب محور القيادة تشكل رقما مهما من العيوب المسجلة على العربات أثناء خضوعها للفحص التقني الدوري. لكل ما سبق ذكره نستشف تأثير الحفر التي نصادفها كثيرا، خصوصا بعد تهاطل أمطار الرحمة، التي تعري واقعا مرا، وما أخطر الحفر التي تكون مملوءة بالمياه، لأنه لا أحد يعرف عمقها، وتجد بعض العربات صعوبة كبيرة للخروج منها، فلنغير سلوكنا، لأن سلوكاتنا السابقة أعطتنا نتائج أقل ما يقال عنها أنها سيئة، من بنية تحتية و أسطول يهترئ في أقل مدة ومسؤولين محليين خارج التغطية. * أحمد مروان, فاحص تقني