بعد سيل من الإشاعات والتكهنات حول الظروف الصحية للرئيس الفنزويلي، وبعدما تم تعميم صورة له مع ابنتيه قبل حوالي شهر لطمأنة مواطنيه والعالم بأنه مازال على قيد الحياة، أعلن مساء الثلاثاء بكاركاس رسميا عن وفاة الرئيس الفنزويلي هيغو تشافيز عن سن تناهز 58 عاما، وكان تشافيز قد خضع قبل نحو ثلاثة أشهر بكوبا لعملية جراحية رابعة ضد مرض السرطان. الخبر أعلن عنه نائبه نيكولاس مادورو، الذي قال في كلمة نقلها التلفزيون الرسمي «لقد تلقينا الخبر الأكثر مأساوية والأكثر حزنا الذي يمكن أن نعلنه أمام الشعب ... لقد توفي قائدنا الرئيس هيغو تشافيز فرياس اليوم الثلاثاء على الساعة الرابعة وخمسة وعشرين دقيقة بالتوقيت المحلي (الثامنة و55 دقيقة بالتوقيت العالمي) ». وأضاف مادورو أنه أعطى التعليمات بنشر قوات الجيش والشرطة لحماية الشعب٬ مضيفا أنه «وأمام هذا الألم الكبير والمأساة التاريخية التي حلت ببلادنا اليوم ندعو مواطنينا رجالا ونساء من جميع الأعمار للعمل على استتباب الأمن». وأوضح نائب الرئيس الفنزويلي، الذي سيتولى مسؤولية تسيير البلاد إلى حين انتخاب حكومة جديدة، بأن تشافيز توفي «بعد أن خاض معركة صعبة مع المرض طيلة مدة سنتين٬ دون أن تفارقه محبة الناس ومباركة الشعب والوفاء المطلق من رفاقه٬ رفاق النضال». وأضاف «نعرب عن حزننا وتضامننا مع والديه وأشقائه وابنتيه وأحفاده ومع كافة أبناء شعبنا». وبعد إعلان الخبر الذي كان يتوقعه الكثيرون، دون أن يدركوا حجم الحزن الذي سيخلفه، بدأ الشعب الفنزويلي يستعد لتوديع الرئيس، هيغو تشافيز، الذي كان قد أدخل منذ نحو أسبوعين إلى المستشفى العسكري بكاركاس لاستكمال العلاج فور عودته من هافانا حيث خضع لعملية جراحية معقدة لاستئصال أورام سرطانية، هي الرابعة من نوعها منذ منتصف سنة 2011 تاريخ اكتشاف إصابته بالمرض الخبيث. كما تم وضع الترتيبات لعرض جثمانه ليلقي عليه المواطنون نظرة الوداع الأخيرة، مع تحول الاهتمام إلى إجراء انتخابات جديدة سابقة لأوانها لاختيار من سيخلف الزعيم الاشتراكي الذي استمر حكمه 14 عاما. الزعيم الفنزويلي كان قد خضع لأربع عمليات جراحية في كوبا منذ اكتشاف إصابته بالسرطان في منطقة الحوض منتصف سنة 2011، ومنذ إجراء آخر عملية جراحية لاستئصال الأورام الخبيثة في 11 دجنبر 2012، أصبح الرئيس الفنزويلي يعاني من عدة مضاعفات، ولم يظهر في أي نشاط رسمي منذ ذلك الحين. مستقبل الثورة وبعد رحيل تشافيز الذي قاد ثورة كاسحة بفنزويلا، وصاغ ملامحها بنفسه، ما أكسبه شعبية واسعة بين صفوف الفقراء، أضحى الآن مستقبل ثورة تشافيز اليسارية يقع على عاتق نائبه نيكولاس مادورو. لكن ثورة تشافيز التي استطاعت بفضلها فنزويلا تحقيق الكثير من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية، أبعدته عن أبرز وجوه المعارضة الذين كانوا يعتبرون توجهاته السياسية وقراراته شمولية، ويعتبرون نظامه أحد أوجه الدكتاتورية. وسيكون مادورو، البالغ 50 سنة، وهو سائق حافلة سابق وزعيم نقابي، مرشح الحكومة في الانتخابات الرئاسية الجديدة التي من المرجح أن تضعه في مواجهة مع انريكي كابريليس، زعيم المعارضة وحاكم إحدى الولايات بالبلاد. وأعلنت السلطات الفنزويلية كذلك أنه ستتم الدعوة إلى الانتخابات خلال 30 يوما، لكن لم يتضح على الفور ما إذا كانت الانتخابات ستجري خلال 30 يوما أم أن الدعوة إليها فقط ستحدث خلال 30 يوما. كما سارع القادة العسكريون إلى إعلان ولائهم لمادورو، الذي كان قد أعلن تشافيز قبل رحلته العلاجية الأخيرة إلى كوبا أنه يفضله كخليفة له وطلب من أنصاره تأييد اختياره ذلك، وسيتولى مادورو زعامة البلاد بشكل مؤقت إلى حين إجراء الانتخابات. وساد الهدوء غالبية أحياء العاصمة الفنزويلية كاركاس، وخلت الشوارع من السكان خاصة الأحياء الراقية، كما أغلقت المتاجر أبوابها مع انتشار نبأ وفاة تشافيز خوفا من حدوث عمليات سلب ونهب. ورغم أن أنصار تشافيز أمضوا أسابيع عديدة وهم يؤقلمون أنفسهم مع فكرة رحيله المحتملة إلا أن الحزن تملكهم بعد فقد زعيمهم. وقالت إحدى المواطنات وهي تنتحب في شارع بلاسا الرئيسي بوسط العاصمة «لقد كان أبا لنا، لقد علمنا كيف ندافع عن أنفسنا، التشافيزية لم تنته، نحن الشعب وسنقاتل.« واحتشد مئات من المواطنين أمام المستشفى العسكري الذي قضى فيه الرئيس الراحل أسابيعه الأخيرة، وجاءت من شتى أنحاء العالم رسائل التعازي في وفاة تشافيز، بدءا بالمخرج السينمائي الأمريكي أوليفر ستون، وبان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، ووصولا للرئيس الأمريكي باراك أوباما. وقال أوباما في بيان صادر عن البيت الأبيض: «في هذا الوقت الصعب إثر رحيل الرئيس هوغو تشافيز، تؤكد الولاياتالمتحدة دعمها لشعب فنزويلا واهتمامها بإقامة علاقات بناءة مع حكومة فنزويلا.« محبوب الفقراء تشافيز الذي فاز بسهولة بولاية رئاسية جديدة مدتها ست سنوات في الانتخابات التي أجريت شهر أكتوبر المنصرم، سيتأثر بوفاته ملايين الأنصار الذين كانوا يعشقون حضوره الطاغي ومناهضته للسياسات الأمريكية الإمبريالية واتباعه لسياسة التمويل اعتمادا على الثروة النفطية، التي وفرت الغذاء المدعوم والمستشفيات المجانية لسكان الأحياء الفقيرة التي طالما تعرضت للتهميش والإقصاء. غير أن مواقف تشافيز الثورية لم ترق لكافة أطياف المجتمع الفنزويلي، إذ كان منتقدوه يرون في اعتماده على نظام الرجل الواحد وعلى سياسة التأميم والمعاملة القاسية مع خصومه، دليلا على أنه دكتاتور مغرور تسببت سياسته الاقتصادية في إهدار الكثير من عائدات النفط. وكان الرئيس الفنزويلي الراحل يتمتع بحضور وحيوية كبيرين ومعروفا بخطبه الحادة، وقد سعى لتحقيق مشروعه الكبير «اشتراكية القرن الحادي والعشرين» على رأس بلاده، التي تملك أكبر احتياطي من النفط في العالم. وقد بدأ منذ 1982 يعد مشروعه الاشتراكي الذي استلهمه من سيمون بوليفار، رمز الكفاح من أجل استقلال البلاد من نير الاستعمار الإسباني. وخلال 1992 سيقوم هيغو تشافيز عندما كان ضابطا في سلاح المظليين بتنفيذ انقلاب عسكري فاشل على الرئيس كارلوس اندريس بيريز الذي ألقى به في السجن سنتين، الأمر الذي جعله يحظى بشعبية كبيرة. بعد ذلك سيخرج تشافيز ورفاقه، الذين أدينوا بتهمة «التمرد العسكري» من السجن بفضل عفو رئاسي. وبعد مرور أربع سنوات سيقوده تحالف أحزاب يسارية إلى الفوز بالانتخابات الرئاسية بنسبة 56 في المائة من أصوات الناخبين، ليصبح بذلك رئيسا للبلاد. واستطاع هيغو تشافيز، الذي حكم أكبر دولة مصدرة للنفط في أمريكا الجنوبية، تأسيس شعبيته على عدة برامج اجتماعية في مجال الصحة والتربية حتى أصبح الناس الأكثر فقرا يشعرون بامتنان لا حدود له، ويكررون أنه أعاد لهم «كرامتهم» رغم التضخم الكبير الذي شهده الاقتصاد الفنزويلي. وفي المقابل يؤاخذ عليه منتقدوه بأنه يفرض حضورا طاغيا ويسخر موارد الدولة في خدمة قضية واحدة، وهي البقاء في الحكم، ورغم ذلك استطاع هذا المظلي السابق الفوز في كل الاستحقاقات الانتخابية التي شارك فيها بالرغم من اتهام معارضيه له ب «التسلط». تشافيز الذي كان متقد الحيوية والنشاط قبل مرضه، عرف عنه بأنه لا يرحم خصومه، ويتمتع بكاريزما قوية ويمكنه أن يمزج في خطاب واحد أغنيات شاعرية وشتائم وثقافة واسعة، كما طور أسلوبا في الحكم غير تقليدي يستند فيه إلى حدسه وما تعلمه من تدريبه العسكري. وتعتبر المؤرخة مارغاريتا لوبيث مايا، التي كانت حليفته قبل أن تنتقل إلى المعارضة، أن «تشافيز مزيج متناقض من اليسارية والنزعة العسكرية ولديه إقبال مفرط على السلطة، وأحد أكبر دوافعه هو البقاء في الحكم بلا حدود». وبعد محاولة الانقلاب التي تعرض لها سنة 2002 قال الراحل إن العالم ينقسم إلى فئتين: أصدقاء وخصوم واصفا معارضيه بأنهم «خونة» و«بلا وطن»، لكن خارج حدود بلاده ينظر إليه على أنه نموذج وممول لعدة زعماء يساريين في أمريكا اللاتينية، ومن أشد أنصار وحدة أمريكا اللاتينية. وقد أقام هيئات للتكامل الإقليمي ونسج تحالفات استراتيجية مع روسيا والصين وإيران، ولم يفوت الفرصة لدعم زعماء مثيرين للجدل مثل الزعيم الليبي، الراحل معمر القذافي، والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والرئيس السوري بشار الأسد. وفي الوقت نفسه أثبت تحليه بالبراغماتية، إذ لم يعمد يوما إلى تعليق إمدادات النفط نحو الولاياتالمتحدة رغم انتقاداته اللاذعة «للامبريالية الأمريكية.« ولد تشافيز سنة 1954 من أبوين كانا يعملان مدرسين بولاية باريناس، جنوبي غرب البلاد، وهو أب لأربعة أبناء. وكان تشافيز قد فاز للمرة الثالثة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أكتوبر الماضي بغالبية 54,42 في المائة من الأصوات، وكان هذا الفوز سيسمح له بالبقاء في الحكم حتى 2019 على أقل تقدير. إلا أن المرض حال دون عودته إلى كاركاس ليؤدي قسم اليمين ويتولى مهامه رسميا، وقد تم إرجاء هذا الحفل إلى أجل غير مسمى، ليتولى نائب الرئيس نيكولاس مادورو إدارة البلاد في غيابه. وقد عاد فجأة إلى كاركاس في 18 فبراير وأدخل إلى المستشفى العسكري في العاصمة بعدما كان يعالج منذ أكثر من شهرين في مستشفى بكوبا، حيث خضع لأربع عمليات جراحية كانت الأخيرة في دجنبر، منذ تشخيص إصابته بالسرطان في يونيو 2011 في منطقة الحوض. الاشتراكية وتدخل الدولة اعتمد رئيس فنزويلا هوغو تشافيز نظاما اشتراكيا يقوم على توسيع صلاحيات الدولة في اقتصاد بلاده من خلال عمليات التأميم وفرض مراقبة الدولة، بموازاة مع إقامة تحالفات جديدة مع القوى الصاعدة كالصين وروسيا والبرازيل. وكان تشافيز من أشد منتقدي الرأسمالية التي اتهمها بأنها «تصادر الشعوب»، و«تقضي على الجنس البشري»، وعمل خلال النصف الثاني من رئاسته على تحويل فنزويلا إلى دولة اشتراكية. وبدأ تشافيز يميل إلى تدخل الدولة في الاقتصاد عام 2003 ، بعد إضراب نفذته شركة النفط العامة وكانت له انعكاسات قوية على اقتصاد البلاد، الذي يستمد القسم الأكبر من العملات الأجنبية من العائدات النفطية. كما سمح بتدخل الدولة المتزايد في الاقتصاد وفرض رقابة شديدة على الأسواق، ووضع عددا من الإجراءات القانونية لتحديد أسعار المواد الغذائية الأساسية كالأرز والطحين والحليب. ومع ارتفاع أسعار النفط أطلق تشافيز سلسلة من الإصلاحات سنة 2004 سمحت بزيادة العائدات النفطية بفضل النظام الضريبي وضبط المساهمين في مشاريع الطاقة، وذلك في إطار «الانفتاح النفطي» على الشركات متعددة الجنسيات. كما أمر تشافيز باستعادة أكثر من 2,5 مليون هكتار من الأراضي كانت تملكها جهات خاصة، وقام بعمليات تأميم في قطاعات إستراتيجية مثل صناعة الاسمنت والتعدين والأغذية والكهرباء والاتصالات والمصارف. وفي المقابل، شجع إنشاء التعاونيات والمؤسسات التي تعتمد إدارة مشتركة بين الرأسمال والعمل والإنتاج الاجتماعي بأشكال جديدة مثل «الملكية التضامنية». وكان هدفه من خلال هذه السياسة التصدي لكافة أشكال الاحتكار. وبعدما كان إجمالي الناتج الداخلي الفنزويلي بمستوى 91 مليار دولار سنة 1990 ، انتقل إلى 328 مليار دولار في 2012، إلا أن حكومة تشافيز لم تتمكن من ضبط التضخم ولم تستطع تفادي النقص المنتظم في المواد الأساسية الذي عانت منه بصورة خاصة الطبقات الشعبية التي كان طالما أراد تشافيز حمايتها، وأسس مشروعه الاشتراكي دفاعا عنها.
مادورو.. سائق الحافلة الذي قد يصبح رئيسا
نيكولاس مادورو الذي أوصى الرئيس هوغو تشافيز قبل وفاته باختياره إذا اضطر لمغادرة السلطة، نقابي سابق في الخمسين من العمر، عمل قبل ذلك سائق حافلة، وهو من أشد المدافعين عن سياسة تشافيز ومعروف باعتداله وميله إلى المصالحة. وكان تشافيز قد طلب من الفنزويليين قبل مغادرته كاركاس انتخاب مادورو رئيسا لهم في حال اضطر إلى مغادرة السلطة، مؤكدا أنه «ثوري بالكامل» وأنه «رجل تجربة بالرغم من شبابه». وقال تشافيز «إنه أحد القادة الشباب الذين يتمتعون بأفضل الكفاءات لقيادة البلاد بيده الحازمة ورؤيته وقلبه كرجل من الشعب وموهبته مع الناس (...) وبالاعتراف الدولي الذي اكتسبه». مادورو شغل منصب وزير الخارجية منذ سنة 2006، وعينه تشافيز نائبا له في أعقاب فوزه في الانتخابات الرئاسية في السابع من أكتوبر المنصرم، ولا يعرف الكثير عن الحياة الخاصة لسائق الحافلة السابق، وكان قد تولى في الماضي لفترة وجيزة رئاسة الجمعية الوطنية (2005-2006) ، بعد انتخابه للمرة الأولى نائبا خلال 1999 تحت راية حركة الجمهورية الخامسة، التي أسسها تشافيز إثر وصوله إلى السلطة في العام نفسه. وكان الرجلان قد التقيا سابقا في إطار الحركة الثورية البوليفارية التي أنشأها تشافيز كذلك، ونفذ على رأسها محاولة انقلابه الفاشل على الرئيس كارلوس اندريس فيريز سنة 2002. وقال تشافيز عند تعيين مادورو في منصب نائب الرئيس «انظروا إلى أين وصل نيكولاس، سائق الحافلة نيكولاس. كان سائق حافلة، كم كانوا يسخرون منه.» وورد ذكر اسم مادورو تكرارا في إطار التكهنات حول هوية الخليفة المحتمل للرئيس المريض، ومنذ بدأ تشافيز رحلاته المتكررة للعلاج في كوبا كان مادورو من زواره المثابرين. كما بات هذا المسؤول الذي ينتمي إلى الجناح المعتدل في تيار تشافيز مألوفا في اللقاءات الدولية، منذ شارك بدل تشافيز في أشغال عدة اجتماعات للقمم والملتقيات الدولية والإقليمية المختلفة. ويركز محللون على نبرة المصالحة التي يعتمدها وقدرته الواسعة على التفاوض والتأثير على مختلف توجهات تيار تشافيز. وقال عنه المحلل السياسي ريكاردو سوكري «إنه لا يثير ضجيجا .. ويبدو أنه.. مستعد للحوار». وتابع سوكري «إنه أيضا خيار الزعيمين الكوبيين فيديل وراوول كاسترو» حليفي الرئيس تشافيز. وشددت المؤرخة مرغريتا لوبيز مايا من جهتها على «إخلاص (...) أفضل متحدث» دولي باسم تشافيز، الذي تبنى بالكامل خطابه «ضد الامبريالية» ودعمه للأنظمة المثيرة للجدل على غرار إيران وليبيا وسوريا. * وكالات