أعلنت وزارة الشؤون الثقافية في إطار تحضيرها لمعرض الكتاب لسنة 2012 عن مشروع إصدار كتاب يتضمن شهادات كتاب عن إصدارهم كتابهم الأول. وكانت لإصداري أول ديوان شعري نسائي في المغرب قصة تستحق أن تروى. الحديث عن الكتاب الأول يستدعي مجموعة قصص طريفة ومحزنة تستحق أن تروى. - ارتبط الكتاب أولا: بالمشاركة في مهرجان المربد الثاني المنعقد سنة 1972 ببغداد. لقد حظي الشعر الذي ساهمت به في هذا المهرجان باهتمام واسع. اعتبر اكتشافا لهذا الركن القصي في الوطن العربي وما يختزنه من تجارب مميزة لفتت الانتباه للمغرب وجعلته محط عناية. أكثر من ذلك لفت الانتباه بشكل خاص إلى حضور المرأة وتميزها كصوت شعري له خصوصيته وإضافته للشعرية العربية. لقد ظل شاعر العرب الكبير محمود درويش يردد جملا ومقاطع من تلك القصائد التي ألقيتها في المهرجان، ومثله عدد من كبار الشعراء والنقاد. وطلب الأستاذ سهيل إدريس نصوصا لمجلة الآداب البيروتية وكذلك عدد من الصحفيين والمثقفين، ما أثلج صدر سفير المغرب ببغداد آنذاك الدكتور عبد الهادي التازي الذي لم يكن كسفراء الزمن الرديء. كان حاضرا متتبعا معنيا بصورة بلاده، نشيطا معبأ لأداء مهمته التمثيلية والاستفادة من الفرص المتاحة لبناء علاقات المغرب وتوسيعها. لذلك عرض خدمات السفارة لتهييء الديوان وتقديم النسخ اللازمة للطالبين. المؤسف أن حالة مرضية داهمتني فلزمت الفراش بعناية بالغة من المهرجان والأطباء الذين شخصوا المرض في إجهاد لم يتحمله جنين في شهره السادس. هناك وقف المشروع. - وارتبط الكتاب ثانيا: بوضعي كرئيسة لمؤتمر اتحاد كتاب المغرب المنعقد بمدارس محمد الخامس سنة 1973والمسجل كأهم حدث في تاريخ الثقافة المغربية. ولسبب ما لم تتوقف الكتابات المؤرخة لهذا الحدث عند الاسم أو عند ذلك الدور المركزي الحاسم، الذي نهضت به في المؤتمر ودفعت في سبيله ضريبة ثقيلة؛ فأغلب هذه الكتابات تبتلع الحقيقة أو تقفز عليها أو تحرفها، باستثناء إشارات عابرة في أحسن الأحوال. إن الأحداث التاريخية في المغرب، بل في العالم، مع الأسف، تتعرض لكثير من التغيير والطمس أو التحريف. خارج القاعة بعد انتهاء المؤتمر، جاءني الأستاذ عبد الحميد عواد أحد قادة حزب الاستقلال ومدير مطبعة الرسالة آنذاك، ليقترح علي تقديم ديواني الشعري ليقوم بنشره. كان الديوان جاهزا باسم «كتابات خارج أسوار العالم»، لكنه أكبر حجما باشتماله على جزء آخر فصلته فيما بعد ونشرته كديوان مستقل باسم «أصوات حنجرة ميتة»، وهو عنوان كان مخصصا لأحد فصول الديوان. وبالفعل سلمت الديوان بحجمه وجزأيه ومحتوياته للأستاذ عواد بعد أيام، فقام بطبعه في الحين وبعثه إلي للتصحيح. كنت حينها منغمسة في عملية كبرى معقدة لإصدار جريدة «الاختيار»، بذلك ركنت العمل إلى أن صدر العدد الأول من جريدة «الاختيار» بمطبعة التومي بالرباط. بعد هذا العدد انتقلت إلى مطبعة الرسالة. كانت ظروف العمل عصيبة جدا في المطبعة بسبب الوسائل التقليدية المستعملة. يتم الطبع بضرب الحروف على الرصاص ثم تركيبها لتكوين الكلمات ثم الجمل في عملية معقدة تقع تحت ضغط حاجة الجريدة للصدور وترخيص الرقيب، ومحدودية الوسائل والمواد وقلة العمال، ما جعل طبع جريدة «الاختيار» رغم كونها أسبوعية محنة حقيقية. المحزن في الأمر أن العمال لجؤوا في لحظة خصاص إلى الرصاص المصفوف في رف فاستعملوه دون الانتباه إلى أهميته، ودون انتباهي أيضا، لكوني كنت أسكن تقريبا بين هذا الرصاص في قبو المطبعة لتصيد لحظة فراغ تمكن من تمرير مادة أو جزء منها، فقد كنت أدفع ثمنا لا يؤهلني لفرض شروطي على المطبعة ومديرها. ضاع إذن الديوان في فترة انشغال ولحظة غفلة. لكن الأدهى أنني بعد غياب طويل بحثت عن المخطوط المسودة لتصحيحها فلم أجد لا المخطوط ولا الرصاص المطبوع، إذ ضاع كل شيء في سبيل «الاختيار». أين وكيف؟ سؤال لم أجد له جوابا رغم جهود البحث الدؤوبة والتقصي؟. كانت نكبة حقيقية، دامت زمنا حاولت خلاله معاودة البحث ومحاولة تركيب الأوراق والكلمات دون طائل. بعد سنوات طويلة طول الأزمة النفسية التي عانيت منها، جاءتني بشارة بالعثور على المخطوط لدى أحد عمال المطبعة الذي أخذه إلى بيته. وطبعا لم يعد في حالته المكتملة أو العادية. ومن هذا المرجوع استطعت أن أستخرج قصائد للديوان الأول الذي أصدرته فيما بعد كما سياتي، باسم «كتابات خارج أسوار العالم». ثم ارتبط هذا الديوان في مرحلة ثالثة: بمربد العراق سنة 1987. هناك فكرت في مفاتحة «دار آفاق عربية» لطبع الديوان، ملحة على أن يتم ذلك خلال اليومين أو الثلاثة المتبقية لانتهاء المهرجان، كي أتمكن من الرجوع به للمغرب، فقد كان علي أن أهربه بحمولته الشعرية تلك المهددة بمخاطر الملاحقة والتأديب. كانت الفترة قصيرة جدا ومزدحمة بالنسبة للمؤسسة ولالتزاماتها في المهرجان. لكن بدعم ومساعدة استثنائية كريمة من الدكتور الموسوي مدير المؤسسة، صدر أخيرا ديوان أسطورة، بين تلك الضغوط، تقريبا في شكل منشور، فلم يسمح الوقت حتى بتهييئه في صورة كتاب من النوع الرفيع الذي تتميز به «دارالشؤون الثقافية آفاق عربية». ديوان هربته للمغرب بشكل سري، لأوزعه بطريقة سرية في حدود ضيقة جدا. كان ديوان تأريخ النكبات. ولأن المجال لا يسمح فإن الحكاية تقف هنا.