الترجمات الدقيقة ليست ترجمات حرفية بالضرورة، وإنما هي تلك الترجمات الملائمة. هذا إذا افترضنا أن هناك ترجمات نهائية. ومعناه أن المقابِلات الموضوعة بأمانة لبعض الكلمات والتعابير قد لا تكون مناسبة لترجمة واقع الحال، فكلمة «المظلة»، مثلا، أكثر ملاءمة، في واقعنا العربي، من «المطرية «التي قد يتمسك بها بعضهم إمعانا في التدقيق وحفاظا على ظاهر المفردة في سياقها الغربي، وعبارة» أدفأ الصدرَ» الفرنسية لا تنقل بصدق حقيقة عبارة» أثلج الصدرَ «في اللغة العربية. إنها بداهة يتعلمها التراجمة في أول دروسهم. بيد أن ما يضمره هذا التمظهر اللغوي البسيط هو أكثر من إجراء تقني لأنه يخفي رغبة استحواذية تتملك الذات المتلفظة إزاء موضوعها التلفظي. ومن ثم نزوعها إلى نفي الآخر وتشييئه بما هو هامش ومحيط. يتبدى هذا أكثر في صياغات باتت مألوفة لدينا من قبيل» فلان اكتشف أمريكا «أو كذا أمكنة وأقوام. وكأن وجود هاته وهؤلاء رهْنٌ بشخص أو بمؤسسة، ومن دونهم كان عدما. ولعل قارئة النشرة الجوية في إحدى القنوات الفرنسية، وهي تختتم، باعتداد، وصْلتها بعبارة» والشمس تشع بسخاء في شمال أفريقيا» قد تعي أو تجهل بأن مطلب دول» شمال الجنوب» هو المطر وليس الشمس. لكنها لا تترجم، في الواقع، إلا «رؤية» نرجسية لا تبرح تتردد في أفلام وثائقية كولونيالية، غالبا ما تعرضها قنواتنا من دون انتباه، ما تفتأ تصر على أن فرنسا، مثلا،» جاءت لتحضير الأهالي وحمايتهم»، رغم أنه لا فرنسا الغازية ولا الأهالي يصدقون ذلك، لأن الحضارة وحتى من منظور أنتروبولوجي غربي لا تتفرد بها مجموعة بشرية دون سواها. ولعل المسألة لا تقتصر على تقابل تقليدي بين شرق وغرب في صراعهما التاريخي وتنافيهما شبه الطبيعي، وإنما هي ظاهرة تكاد تتفشى في الحوض السوسيوثقافي الواحد، حيث تتنازع المركزيات من أجل السيطرة الفعلية والرمزية، بدءا من التغليب النحوي إلى التغليب الجغرافي والثقافي، كما في عدم مراعاة مقاربة النوع في الخطاب أو في الحالات التعميمية التي تتجاهل مكونات هامة من المجموعة (فلاعتبارات تنظيمية وعملية، في تداول السلطة، يتم الاحتكام إلى الأغلبية في الأنظمة الديموقراطية). بناء على هذا من حقنا أن نتساءل عن الخلفية المتحكمة في تسمية» المغرب العربي» نفسها، لا لأن هذا الأخير جمّاع مكونات عربية وغير عربية، وحسب، وإنما أيضا لأن بلدانه تتخذ الأسماء التالية: المغرب الأقصى(المغرب) والمغرب الأوسط (الجزائر) والمغرب الأدنى (تونس)، وهي تسميات تتخذ القربَ والبعدَ من المركزية المشرقية معيارا لها...أما كان للمغرب الأقصى، من منطق مغاير، أن يكون هو المركز وما تبقى أدنى أو أقصى؟ لربما ذاك هو السؤال الفعلي لنقد دوغما المركزيات! * كاتب