لم تكن عملية فرار 9 سجناء مدانين بأحكام ثقيلة في قضايا الإرهاب، ليلة ال7 من أبريل الماضي، عبر حفر نفق أرضي في السجن المركزي بالقنيطرة، ب«الحدث العادي». بل كانت عملية الفرار أشبه بفيلم هوليودي أخرج بإتقان كبير. ولأن الأمر كذلك، فقد تعددت الروايات في هذه القضية التي ظلت إلى حد الآن واحدا من الألغاز الكبرى التي لم تفك بعد. وهذه واحدة من الروايات التي يقدم فيها عبد الهادي الذهبي، الملقب بأبي أنس وواحد من السجناء التسعة الفارين، الذي أشرف على عملية الفرار، نفسه على أنه هو من هندس عملية «الهروب الكبير» من أولها إلى آخرها. نعود إلى مسألة التراب. كما قلنا، فقد حفرنا 15 مترا بدون إخراج ولو كيس واحد من التراب من الغرفة التي كنا نعمل فيها، فأين البقية؟ بحيث بعد هذه المسافة كان ما يقارب 10 أمتار من النفق كلها مملوءة بالأكياس التي كانت تخرج عند العمل وتعاد بعد العمل، وهذا يتطلب جهدا كبيرا، فمنذ هذه اللحظات أخرجنا من الزنزانة ما يقارب 300 كيس عبر دفعات إلى بعض زنازين الإخوة المشاركين معنا، حيث كنا نحفر حفرة ثم نبلل الأرض جيدا بالماء ونقوم بضغطها جيدا فتبقى لنا مسافة خاوية لابأس بها ثم نفرغ فيها بعض الأكياس، وفي الأخير نضع الإسمنت على الأرض وكأن شيئا لم يكن؛ فكانت هذه الطريقة جد صعبة، حيث يوجد ما بين الزنازين ممر طويل وبه كاميرا للمراقبة، وكنا نمر بهذه الأتربة عبر هذا الممر بدون أي شكوك لا من جهة الكاميرا أو الحراس أو الإخوة غير المشاركين. أما المسافة المتبقية التي حفرناها في الثلاثة أيام الأخيرة فقد تركنا ترابها في الزنزانتين المجاورتين بعد إخراج الأكياس المخزونة في النفق، وهي الأكياس التي وجدت في الزنزانتين بعد فرارنا، حيث كنا قد حفرنا تقبا بين الزنزانتين لتمرير التراب إلى الزنزانة الأخرى والتحاق الإخوة بالزنزانة الرئيسية للفرار الأخير. فبعد تفريق بعض الأكياس المليئة بالأتربة على زنازين الإخوة المشاركين في العملية بالطريقة التي ذكرتها، حيث ازداد عدد الأكياس الأخرى بسبب ازدياد أمتار أخرى من الحفر خاصة بالارتفاع النهائي الذي بلغ 6 أمتار، وهو مخرج حديقة فيلا مدير السجن، حيث كانت أرضية الحديقة مرتفعة بزيادة أكثر من 3 أمتار على أرضية السجن، وهذا ما فاجأنا، فازداد حجم الأتربة المستخرجة، بحيث حفرنا بداية النفق نزولا 2.50 أمتار، وعند الارتفاع كانت المسافة 6 أمتار حتى إن الخروج كان جد صعب، وكنا نخشى من الهدم. بسبب هشاشة أتربة الحديقة بخلاف الأتربة بداخل السجن والتي كانت شبه صخرية. وللإشارة فقط في هذه النهاية، فبعد هذا العمل الجماعي المتقن التحق بنا ودخل في المجموعة حمو حساني المحكوم عليه بالإعدام ليكون العدد النهائي 9 أفراد. وفي الختام، قررنا تحديد وقت الفرار فكان يوم الأحد، يعني ليلة الاثنين 7 أبريل.. لم يكن قد بقي على ميلادي إلا يومان يوم، 9 أبريل. فنظمنا حفلا في ما بيننا، فاتفقت مع الإخوة أن يبيت محمد الشطبي ومحمد بوغمير وحمو حساني ومحمد الشاذلي محمد في الزنزانة المجاورة أما أنا والشطبي كمال وطارق اليحياوي ومهيم محمد وهشام العلمي فقررنا المبيت في الزنزانة الرئيسية التي بها النفق، فقمنا بشراء بعض المشروبات الغازية كأننا في حفل، لكي لا يشك الحراس في العدد الزائد للأفراد في الزنزانتين اللتين كان بينهما ثقب في الحائط لتسهيل التحاق الإخوة بنا، وأي خطأ سيؤدي إلى فشل العمل بأكمله لأن نسبة كبيرة من الأكياس المليئة بالتراب موضوعة في أماكن لوضع الملابس وأدوات الطبخ التي كنا قد وضعنا مكانها أكياس التراب المستخرجة من النفق. ففي الساعة السادسة مساء، دخلنا ووصل رئيس الحي إلى زنزانتينا فلاحظ العدد الزائد، ولكن هذا الاستغراب غطت عليه مظاهر الحفل الذي أعددناه وتزيين الغرفة فتلاشت الشكوك حيث أقفل علينا الباب وكذلك باب الزنزانة المجاورة. فاطمأننا بنسبة 50 % وبقيت ال50% الأخرى حتى يقوم بتصفية العدد النهائي في الحي ويقدم مفاتيح الحي إلى الإدارة، وهذا ما كان. فبيقنا نذكر الله عز وجل ونسأله أن يحفظنا. وبعدها صلينا العشاء ووضعنا آخر لمسات الخروج وهيأنا النفق جيدا لتسهيل خروج الإخوة بإزالة أي عائق وتعاهدنا على ألا نؤذي أحدا بعد خروجنا، وحرصنا على كتابة هذه الأشياء على الحائط دون أن ننسى تبرئة جميع الإخوة غير المنخرطين في عملية الفرار وكذلك حراس السجن الذين ليس لهم علم بما جرى، لأننا كنا نعلم بأن هذه العملية المنظمة ستجعل الشكوك تحوم حول بعض حراس السجن، لأن الكثيرين لم يصدقوا أننا لم نستعن بأي جهة أخرى لإنجاح هذه العملية بهذه الطريقة غير المسبوقة. وهكذا وفي الساعة الثانية من صباح يوم الاثنين قررنا الخروج بعد قيامنا بحلق لحانا وارتداء لباسنا الجديد وفتح ثقب صغير بحديقة المدير. كان هذا الخروج يقودنا نحو مصير مجهول لنا لعدم معرفتنا بدهاليز السجن وقلة معلوماتنا عن محيطه وعما قد يفاجئنا. فبعد هذه اللحظات العصيبة، قررت أن يخرج أولا هشام العلمي بصحبة طارق اليحياوي ومهيم محمد وأن أكون رابعهم ثم يليني كمال الشطبي، وكنت أجعل بين خروج الأخ والآخر مدة 3 دقائق لكي لا يكون هناك اختناق لأي أخ، وبعدها جاء دور محمد الشطبي ثم بوغمير عبد الله، وأخيرا حمو حساني، وهو آخر أخ التحق بالمجموعة، فوجدنا أنفسنا داخل حديقة كبيرة ورائحة المغروسات الجميلة، وكان هذا الإحساس ممزوجا بتخوف، حيث كان حائطها جد مرتفع ولا نعرف إلى أي جهة سنتجه فأمرت الإخوة أن يمسحوا التراب الذي على وجوههم وخلع الملابس القديمة التي خرجنا بها من النفق وترك الملابس الجديدة الداخلية.. كانت الأضواء جد قوية وكان تخوفي من أن تكون بهذه الحديقة كاميرا أو كلاب حراسة وبدأت أراقب عن بعد فتأكد لي عدم وجودها. فبدأت أتدحرج إلى أن وصلت إلى مكان شبه مظلم، ثم أعطيت إشارة للإخوة للاتحاق بي، فاجتمعنا في ذلك المكان وأخذنا ننظر إلى المساكن المجاورة، وكانت لحراس السجن، حيث لو كان أحدهم يطل عبر نوافذ تلك المساكن، لكان من السهل عليه أن يرانا، ولكن اختيارنا للخروج في تلك الساعة كان صائبا، حيث كانت الساعة تشير إلى ال2.30 بعد منتصف الليل، وبطبيعة الحال فالكل نائم. ولكن مع ذلك كنا نأخذ الحيطة والحذر. وبعد هذا التقدم، طلب مني مهيم وطارق أن يتقدما إلى الأمام باتجاه حائط المنزل، بحيث كان جسماهما نحيلين، فوافقت، فتقدما وتسلقا الحائط الذي لم نكن نتوقع أن نتخطاه بسبب ارتفاعه وقطع الزجاج التي كانت في أعلاه لمنع أي شخص من الاقتراب منه. فنجحنا في تخطي هذا الحائط والخروج من منزل المدير بدون أن يصاب أحد منا بأذى، وهذا من فضل الله علينا. فوجدنا أنفسنا في أحياء متواضعة وأزقة، فتوغلنا داخلها.. كانت تلك المنازل مخصصة لحراس السجن، على حد علمي. فكان خوفي الشديد من هذا العدد المشكوك فيه، خصوصا في هذه الساعة من الليل وفي هذا المكان الحساس جدا. في بعض الأحيان، كنا نمر أمام أحد المنازل فيبدأ نباح الكلاب، والغريب أن لا أحد فاجأنا في تلك الليلة وقام باستفسارنا، كأن الكل ميت، فكلما ابتعدنا عن السجن أحسسنا بنجاحنا وابتهجنا. وبعد أن ابتعدنا مسافة كيلومتر واحد، تفرقنا، حيث ذهب الشطبي محمد صحبة هشام العلمي، في اتجاه، وسرت أنا وباقي الإخوة في وجهة أخرى، وهكذا بدأنا نشم رائحة الحرية ورائحة السعادة، ومازالت إلى حد كتابتي لهذه السطور لم أنس هذه اللحظة الرائعة، وكأن يدا خفية أخرجتنا من السجن، وكأننا في حلم، فتعانقنا. وفي مسيرنا تفرقنا إلى مجموعتين متباعدتين في المسافة حتى لا تشك فينا أي دورية للشرطة نصادفها وحتى تكون تحركاتنا سهلة. هذا بخصوص قصة عملية الفرار، باختصار شديد. وفي فرصة قادمة سأقوم بكتابة عملية المطاردة التي دامت شهرين والتحديات التي لاقيناها وسر اعتقالنا والخطأ القاتل، وكذلك الجهة التي تمركزنا فيها.