لم تكن عملية فرار 9 سجناء مدانين بأحكام ثقيلة في قضايا الإرهاب، ليلة ال7 من أبريل الماضي، عبر حفر نفق أرضي في السجن المركزي بالقنيطرة، ب«الحدث العادي». بل كانت عملية الفرار أشبه بفيلم هوليودي أخرج بإتقان كبير. ولأن الأمر كذلك، فقد تعددت الروايات في هذه القضية التي ظلت إلى حد الآن واحدا من الألغاز الكبرى التي لم تفك بعد. حمو حساني، واحد من الفارين التسعة، يروي قصة اعتقاله وكيف وجد نفسه خلف القضبان قبل أن يضيف «أنه فر من السجن لأنه بريء من تهمة الإرهاب المنسوبة إليه». «جاءني أبو أنس وأخبرني أنه يخطط لعملية فرار جماعي عبر ثقب أرضي برفقة سبعة إخوة آخرين، وألح علي من أجل الانضمام إليهم ليكتمل العدد تسعة أفراد» يتذكر حمو حساني، أحد الفارين التسعة من السجن المركزي بالقنيطرة. ويضيف أن «الإخوة كانوا حينها في المراحل الأخيرة من حفر النفق». فوجئ حساني، المحكوم بالإعدام في ملف السلفية الجهادية، بأمر الفرار إلا أنه قرر الانضمام إلى «الإخوة» وتعاون معهم في حفر الأمتار الأخيرة من هذا النفق حتى كان ذلك اليوم المعلوم للفرار، ف«قررنا ترك رسالة واضحة بموافقة الجميع» تؤكد «أننا مظلومون وليس في نيتنا الانتقام ولا نريد إلا حريتنا». يقول حساني: «كنت فلاحا أساعد أبي في الفلاحة بقبيلة اسماعلة بإقليم خريبكة قبل أن يرسلني الأخير، في سنة 1993، إلى سلا حيث يقطن أخي الأكبر، وهناك تعلمت مهنة الخياطة لمدة سنتين، وبعد ذلك سافرت إلى مدينة الناضور للعمل بقبيلة بني سْدَال لمدة 5 سنوات». سنان من الأسنان ويضيف، حساني في رسالة توصلت بها «المساء»: «لاحظت أشياء كثيرة تتغير من حولي، خصوصا بعد أحداث 16 ماي بالبيضاء، فكنت أسمع اعتقالات هنا وهناك إلى أن تفاجأت في 15 من نونبر سنة 2004 على الساعة الرابعة صباحا بتدخل عنيف في بيتي من طرف رجال المخابرات». يتذكر حساني أن رجال المخابرات «قاموا بتفتيش دقيق لكل شيء، ولم يجدوا شيئا، لكنهم عثروا على سنيْن من الأسنان، فانهالوا علي بالضرب وعرضوني للتعذيب عدة ساعات، إذ لم يتقبلوا أن أقول لهم إن هاتين السنين هما لضيف جاء من بلدتي خريبكة في زيارة لي. كان ضيفي يريد الاحتفاظ بهاتين السنين لأنه قال لي إنه سمع بأحد الأحاديث النبوية عن نهي رمي الأسنان، بل يجب أن تدق، فعزمنا أن نبحث عن صحة هذا الحديث قبل أن نرميهما مع النفايات، فتركهما عندي في أحد الأمكنة حتى وجدتهما الشرطة، فاتهموني بكون هذه الأسنان هي لشخص مقتول»، يقول حساني في رسالته. وأضاف «بعد تعذيب طويل سألوني عن إحدى المواد التي بمجرد أن تُشَم يموت الإنسان، هذا حسب كلامهم، فنفيت هذا الأمر، وقلت لهم إن هذه المادة تسمى «ساسافينتي» وإنها تباع بمليلية» ويزيد موضحا « والغريب أنهم لم يبحثوا عن هذه المادة وماذا يعني هذا الاسم، فهي معروفة وتسمى بالعربية «الشاونية» أو «السودانية» التي تصنع منها «الهريسة»، فاعترفت لهم أني تخلصت منها». كرم الضيافة يتذكر حساني أن «أحد المخبرين قال لي إن أحد الأشخاص أخبرهم أن لدي سلاحا سلمه لي، فأردف كبيرهم، يدعى الحاج، قائلا : «إذا اعترف فأكرموه، وإذا لم يعترف فأكرموه». كما يتذكر أيضا أنه أوضح لهم أنه لا يعرف ذلك الشخص، الذي أخبرهم بوجود سلاح عنده، فشرعوا في تعذيبه بالكهرباء ومنعوه من النوم لمدة 8 أيام، قبل أن يسلموه إلى الشرطة القضائية بالدار البيضاء. وأكد حساني أن الشخص الذي دل رجال المخابرات عليه كان بينهما خلاف، وقد أتوا بشخص آخر، يقول حساني، أخبرهم بالحقيقة، حيث أطلعهم على الاسمين الحقيقيين اللذين يبحثون عنهما، وقد حدث ذلك كله خلال 10 أيام من التحقيق بالبيضاء، حيث تحسنت بعد ذلك معاملتهم له و«عرفوا أنهم أخطؤوا العنوان». في آخر أيام التحقيق، يقول حساني «جاؤوا ليلا وأخبروني أن ابن داود الخملي أخبرهم أن أباه قتل شخصا وأنا وصالح المعيزي شاركنا في هذا القتل، وأن ابن داود الخملي اعتقل». وهذه المعلومات «مصطنعة»، يقول المتحدث قبل أن يضيف: «لأنني علمت أن الخملي لم يعتقل ولم يصرح بأي تصريح، وبقيت 3 أيام أخرى من التحقيق مع التعذيب دون أن يتوصلوا إلى أية معلومات، ووقعت المحاضر تحت الإكراه، حيث قاموا بكتابة ما يهمهم وذلك بكوني أريد استهداف الدرك وتفجير المحاكم ومقرات الأمن وحيازة الأسلحة، ولم يسألوني عن تهمة القتل». يوم الإعدام ووصف حساني ما جرى له ب«المسرحية» ويقول إنها اكتملت عندما قال دفاعه إن : «موكلي حمو حساني لا علاقة له بهذه الجرائم، فهو من عائلة فقيرة وظروفه اجتماعية قاهرة وأنه أمي ويرعى الغنم، وتم استغلاله من طرف جهات متطرفة»، وكأن كل ما قالته المحكمة صحيح، يقول حساني، ويضيف « تفاجأت بهذا الكلام وقلت إنني لست في حاجة إلى من يدافع عني، فرفعت الجلسة، وكانت المداولة لمدة ساعتين، وبعدها صدر في حقي الحكم بالإعدام وكذلك الأخ صالح المعيزي». «بعد رجوعي إلى السجن، فوجئ كل الإخوة المعتقلين بهذا الحكم الجائر في حقنا، حيث كان الإخوة يخوضون إضرابا وطنيا في تلك الأيام بسبب الأحكام الجائرة في حقهم. وفيما بعد سيؤيد حكم الإعدام في حقنا من محكمة الاستئناف، ثم انتقلنا إلى سجن القنيطرة». يحكي الحساني.