عبد الحق لعيايدة هو مؤسس الجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر في بداية التسعينيات من القرن الماضي، في سياق رد الفعل على تدخل المؤسسة العسكرية في إلغاء الانتخابات التشريعية التي أعطت الجبهة الإسلامية فوزا كاسحا. ترأس لعيايدة قيادة الجماعة الإسلامية المسلحة بعد مقتل رئيسها الأول محمد علال الملقب ب«موح ليفيي»، في سنة 1992 في اشتباكات مع قوات الأمن الجزائري. وفي 1993، تسلل لعيايدة إلى التراب المغربي لملاقاة جزائريين أفغان، قبل أن يسقط في قبضة الأمن المغربي، لكن لعيايدة يقول إنه لم يكن معتقلا في المغرب، بل دخل إليه بطلب من جهات عليا في المغرب وتعرض إلى المساومة في قضية الصحراء قبل أن يتم تسليمه إلى السلطات الجزائرية ليقضي 12 عاما في السجن. - أنت واحد من الرموز المحسوبة على الجبهة الإسلامية للإنقاذ، هل تفكر في دعم الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة لولاية ثالثة؟ < الجبهة الإسلامية للإنقاذ ليست حزبا قائم الذات، بل هي تنظيم منحل، ونحن كرموز من بقايا الجبهة، كل واحد منا له موقف شخصي خاص به، ونحن لا نفكر حاليا في دعم الرئيس بوتفليقة أو غيره من المرشحين، نحن الآن نفكر في إيجاد حلول للأزمة التي تعيش فيها البلاد منذ الانقلاب على الشرعية والديمقراطية قبل 16 سنة، لأنه ما الجدوى من تغيير الدستور ومن إجراء الانتخابات إذا لم نخرج الوطن الجزائري من أزمته الراهنة. - وما هو الحل الذي تقترحونه للأزمة في الجزائر؟ < الحل هو الذي اقترحناه في البداية ومازال صالحا إلى الآن، وهو أنه كانت هناك انتخابات في إطار تعددية حزبية كالتي شاركت فيها الجبهة وفازت بالأغلبية بطريقة ديمقراطية باعتراف كل الأحزاب في الجزائر وأيضا باعتراف الدول الأجنبية، لكن فوجئنا بأنه وقع انقلاب ضد الشرعية الشعبية، واليوم المطلوب هو الرجوع إلى تلك الشرعية. - هل تفكر في ترشيح نفسك ضد الرئيس بوتفليقة؟ < نعم، لدي طموح في الترشح للانتخابات الرئاسية في الجزائر، إذا لم يمنعوني من هذا الأمر، لكن شريطة ألا يكون عبد العزيز بوتفليقة مرشحا للرئاسة، لأن منافسة بوتفليقة في هذه الحالة ستكون مجرد مضيعة للوقت والمال والجهود لا أقل ولا أكثر، لأن نتيجة الاقتراع ستكون معروفة سلفا، والجزائريون يعرفون من هي الجهة التي تقف خلفه، وإن كنا إلى حد الآن لا نعرف ما إذا كان بوتفليقة سيترشح أم لا، لأن الذي يروج خبر ترشحه هو جهات أخرى بما فيها الأحزاب السياسية التي تنتقده عندما لم تأخذ نصيبها من المناصب والامتيازات. - هناك من يقول إن المؤسسة العسكرية في الجزائر تتجه إلى حشد كل الهيئات السياسية بما فيها أحزاب المعارضة وراء دعم الرئيس بوتفليقة. إلى أي حد هذا الأمر صحيح؟ < الناس يتحدثون عن المؤسسة العسكرية كما لو أن هذه المؤسسة تستشيرهم في كل شؤون البلاد. ولهذا أنا أقول إنه إذا كانت المؤسسة العسكرية في الجزائر هي التي تحسم في كل صغيرة وكبيرة تهم قضايا البلاد، فما جدوى من وجود هذه الأحزاب، ولماذا لا تحل نفسها وتلتحق هي بدورها بالمؤسسة العسكرية ثم نرجع إلى عهد الحزب الوحيد وكفى، بدل أن تغرقنا هذه الأحزاب بالحديث عن مفاهيم الديمقراطية والتداول على السلطة. والمؤسف أن الأحزاب اليوم في الجزائر هي التي تتحدث عن ترشيح بوتفليقة وليس الناطق الرسمي باسم المؤسسة العسكرية الذي لم يتحدث بعد عن أمر الترشيح من عدمه. فهل معنى هذا أن هذه الأحزاب قاصرة وليست لديها القدرة على اقتراح الحلول والبدائل لمشاكل البلاد أم ماذا؟ وهذا في الحقيقة وضع غير صحي ولا يمت بأي صلة إلى قيم الوطنية المفروض أن تحكم أداء الأحزاب. - هناك من تحدث عن إمكانية ترشح الرئيس السابق ليامين زروال ضد بوتفليقة. هل تؤيد هذا الترشيح؟ < أنا شخصيا ضد ترشح زروال إلى رئاسة الجمهورية الجزائرية، لأنه كان رئيسا منتخبا وانسحب قبل نهاية ولايته، فلماذا يعود من جديد لحكم الجزائريين. ثم إن زروال لم يتحدث إلى حد الآن عن دواعي انسحابه من الرئاسة والمفروض أن يحاسب على تلك المرحلة التي تولى فيها مسؤولية البلاد. أما أن يعود إلى الرئاسة بدون محاسبة وبدون الكشف عن دواعي استقالته، فمعناه أن الشعب الجزائري شعب قاصر وهناك من ينوب عنه في تحديد مصلحته العليا. فنحن لسنا في نظام استبدادي تحكمه عائلة معينة أو نظام خلافة، بل نحن في جمهورية ديمقراطية، كما يقولون، ولا ينبغي لأي شخص أن يترشح متى شاء وينسحب متى شاء. - يقال إنكم في الجبهة الإسلامية للإنقاذ ستدعمون ترشيح الرجل الثاني في الجبهة علي بلحاج ضد الرئيس بوتفليقة. ما صحة هذا الكلام؟ < علي بلحاج فعلا لديه طموح في الترشح للانتخابات الرئاسية لمنافسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وإذا ترشح الشيخ بلحاج فإني سأسحب ترشيحي ليس احتراما له فحسب، ولكن لأننا نتقاسم نفس الأفكار والتصورات حول الأزمة الجزائرية. ومن جهة أخرى، نحن نريد أن نوحد القوى والجهود وليس تشتيتها، لأن الهدف واحد وهو التفكير الجماعي في مصير البلاد. - معنى هذا أن لك اتصالات منتظمة مع علي بلحاج؟ < نعم، هناك تواصل دائم بيننا، لكننا لم نشرع في الإعداد الميداني لقضية الترشح للانتخابات الرئاسية. ولو شرعنا في التنسيق لهذه القضية لما أعلنت لك عن إمكانية ترشحي لرئاسة الجزائر. - هناك من يتساءل كيف أنك وعلي بلحاج تريدان الدخول في السباق نحو رئاسة الجمهورية الجزائرية، لكنكما في الوقت نفسه لا تدينان العمليات الإرهابية التي تقع في الجزائر؟ < أنا لا أدين أحدا، وإذا كان لا بد من الإدانة، فأنا أدين الطرفين ولا أقتصر على إدانة طرف واحد بخصوص ما يجري في الجزائر. ونحن مستعدون للحوار من أجل حل جذري لأزمة البلاد. ونحن نعرف أن الذين يروحون ضحايا هذه العمليات سواء في الجبال أو في الثكنات العسكرية ليسوا هم أبناء الجنرالات أو الوزراء وإنما هم من أبناء الشعب الجزائري. وأنا أتساءل لماذا تقوم السلطات الجزائرية بنصب حواجز أمنية أمام الأحياء السكنية، خاصة أنها تعرف أن الجماعات المسلحة تستهدف هذه الحواجز الأمنية؟ أليس في هذا الأمر تعريضا لحياة المواطنين للخطر؟ إذن هناك قتل متبادل بين طرفين ونحن نتفرج على المأساة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، بل نحن أيضا مستهدفون، لكن ممن؟ الله أعلم. - هل تتوقع أن تتمكن السلطات الجزائرية من القضاء على مسلسل العنف الذي يستهدف استقرار البلاد؟ < دعني أضرب لك مثلا من خارج الجزائر، لأقول لك إن أمريكا صرحت بأن عدد المجندين في تنظيم القاعدة بالعراق لا يتجاوز 2000 شخص، لكنها عجزت عن القضاء عليهم. في أفغانستان، الرئيس كرزاي يدعو إلى الحوار مع طالبان وهناك دول عظمى عجزت عن القضاء عن العنف. إذن كيف يمكن للأجهزة الأمنية في الجزائر، المعروفة بضعفها، أن تقضي على التنظيمات المسلحة؟ هذا مستحيل وأنتم في المغرب كذلك غير قادرين على وقف العنف. والمفروض اليوم في الجزائر هو الجلوس إلى طاولة الحوار للبحث عن حلول لما يجري، لأننا نخشى لا قدر الله أن يقع لنا ما يقع في العراق، والكل اليوم أصبح مستهدفا في حياته وليس هناك أي أحد سواء كان جنرالا أو وزيرا أو حتى أولئك المتحصنين في الجبال يمكن أن يعيشوا في أمن وسلام. - وما هو تعليقك على الخرجة الإعلامية الأخيرة للشادلي بنجديد الذي انتقد بطريقة غير مباشرة منح ولاية ثالثة للرئيس بوتفليقة؟ < في الحقيقة كان المفروض أن يوجه هذا السؤال إلى الشادلي بنجديد حول توقيت هذا الخروج الإعلامي المفاجئ بعد صمت دام 16 سنة، ولكن ربما تحدث الآن لحاجة في نفسه، ونحن عندنا تعقيب على الشادلي بنجديد وهو أنه لماذا لم يتحدث عن كيف أقيل من منصبه كرئيس دولة؟ ولماذا لم يتحدث في هذه الخرجة الإعلامية عن حجم المبالغ المالية التي تركها خلفه في الخزينة العامة للدولة؟ ولماذا لم يندد بالعديد من التجاوزات والانتهاكات التي عرفتها البلاد طيلة هذه المدة التي خرج فيها من السلطة؟ مع الأسف إن الشادلي بنجديد لم يأت بأي جديد في هذه الخرجة الإعلامية، كل ما قاله هو أنه اتهم شخصية عمومية هي الأب أحمد بنبلة، الذي يبلغ من العمر الآن 90 سنة ويترأس حاليا مجلس عقلاء إفريقيا، بأنه هو الذي أعطى أوامر بإعدام العقيد محمد الشعباني الذي يعد واحدا من زعماء الثورة الجزائرية في المنطقة الشرقية عندما كان رئيسا للجزائر في عام 1963. - لكن الشادلي بنجديد روى واقعة من التاريخ، أليس من حقه ذلك؟ < إذا كان ما يقوله الشادلي بنجديد صحيحا، فلماذا لم يحاكم بنبلة عندما كان يرأس الجزائر لمدة 13 سنة، كما كان أيضا وزيرا للدفاع. ثم إن بنجديد، وكان وقتها رئيس الجمهورية، هو الذي أطلق سراح بنبلة الذي كان في عهده تحت الإقامة الإجبارية، فلماذا أخر البيان في وقت الحاجة إليه كما تقضي بذلك القاعدة الأصولية. ثم إن بنجديد يعود اليوم إلى التاريخ ليقول لنا إنه أجهض تمرد العقيد شعباني، لكنه لم يقل لنا من أطلق النار على شعباني وكم عدد الجنود الذين نفذ فيهم الإعدام أو قتلوا عندما كان الشادلي بنجديد هو قائد المنطقة العسكرية الخامسة في تلك الفترة. في الحقيقة، كان المفروض على بنجديد أن يتحدث عن الحقائق كاملة وليس بمنطق انتقائي. ثم إن بنجديد لم يقل لنا من قتل علي المسيلي مدير أمن بومدين في فرنسا عندما وضعت له قنبلة سنة 1987؟ لا جواب. - أنت تهاجم بنجديد علما بأنه اتهم بدعمكم في الجبهة الإسلامية للإنقاذ للوصول إلى السلطة في فترة حكمه. ما هو ردك؟ < نحن في الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم يدعمنا لا الشادلي بنجديد ولا غيره من المسؤولين في السلطة، بل العكس من ذلك، الشادلي بنجديد خذلنا ولم يتصرف معنا بمنطق رجال الدولة الكبار وخدع الجزائريين عندما اعتمد التعددية الحزبية في البلاد وأجرى تعديلات دستورية سنة 1989 تسمح لجميع الأحزاب بالمشاركة في الانتخابات، لكن عندما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في انتخابات 1991، فإذا به يستقيل من مهامه كرئيس دولة. وهذا خداع للشعب الجزائري... - ولكن بنجديد لم يستقل وإنما أقيل من طرف المؤسسة العسكرية في الجزائر، أليس كذلك؟ < نعم، هو أقيل، لكن كان عليه أن يفعل ما فعله أليندي في دولة الشيلي ضد الرئيس «بينوشي» عندما ظل في القصر الرئاسي حاملا رشاشه إلى أن قتل على أيدي القوات النظامية. ولا ينبغي أن يتهرب بنجديد من المسؤولية بتبريرات واهية كالقول بأنه تعرض إلى ضغوطات، وإن كان مازال إلى حد الآن يلتزم الصمت حول حادث إقالته. لماذا أقول هذا الكلام، لأن حكم 35 مليون جزائري ليس لعبة، وإنما هو مسؤولية كبرى وينبغي على كل من تحملها أن يؤدي أتعابها إذا لم يقدرها خير قدرها، لا أن يكتفي بأكل «عسل السلطة» من دون أن يحاسب على كيفية تدبير السلطة. بنجديد عجز عن أن يكون مثل أليندي وعجز أيضا عن أن يكون مثل الرئيس المخلوع سيدي ولد عبد الله في موريتانيا، الذي ظل صامدا إلى أن أطلق سراحه، وقد يعود إلى الرئاسة في موريتانيا مرة أخرى. أكثر من هذا الشادلي بنجديد مازال الجزائريون يحفظون قولته الشهيرة في الأزمة الجزائرية عندما قال: «لا أريد الشوشرة»، في حين أنه رئيس دولة وكان عليه أن يستنجد بالدول الأجنبية ورؤسائها لمساعدة بلاده على الخروج من الأزمة. - إذن الشادلي بنجديد مسؤول عن مسلسل العنف في الجزائر؟ < نعم، الكل مسؤول عن الأزمة في الجزائر، وإذا كان قياديو الجبهة الإسلامية للإنقاذ ومنهم عباسي مدني وعلي بلحاج وأنا شخصيا تحملنا مسؤوليتنا في هذه الأزمة وأدينا الثمن سجنا، فبنجديد هو بدوره يتحمل قسطا من المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع في الجزائر، وقد تم استدعاؤه من طرف القاضي البخاري في 1994 أثناء محاكمة شيوخ الجبهة في المحكمة العسكرية للبليدة من أجل الاستماع إليه كواحد من الشهود رفقة مولود حمروش بصفته رئيسا للحكومة. لكن يبدو أن عملية الاستماع إلى الشادلي كانت مجرد إجراء شكلي وقد اكتفى بالحضور إلى قاعة المحاكمة ليس إلا وغادرها فيما بعد. التقيت الحسن الثاني وأرفض الكشف عما دار بيننا - ما هي قصة اعتقالك من طرف الأمن المغربي سنة 1993 في الحدود المغربية الجزائرية؟ < أنا لم أكن معتقلا في المغرب، بل دخلت إليه بطلب من القصر الملكي بوصفي الأمير الوطني للجماعة الإسلامية المسلحة، وقد كنت مقيما في إقامة مجاورة للقصر غير بعيد عن الرباط لمدة قاربت 5 أشهر والتقيت الحسن الثاني ولا أريد أن أكشف عما دار بيني وبينه في لقاء من 15 دقيقة. ويكفي أن أقول في هذا السياق بأني تعرضت إلى مساومة في قضية النزاع حول الصحراء وأمور أخرى سأكشف عنها فيما بعد. - لكن هناك رواية أخرى تقول إنك تسللت إلى التراب المغربي لملاقاة جزائريين أفغان.. < الجزائريون الأفغان كانوا موجودين في الجزائر وليس في المغرب. أنا دخلت إلى المغرب بعد أن تصل بي مسؤولون في الأمن المغربي وأخبروني بأن الجهات العليا في القصر تريد ملاقاتي. ولأن مثل هذا الأمر ليس سهلا، فقد طرحته على مجلس الشورى في الجماعة الإسلامية المسلحة، الذي وافق على القرار. وفعلا دخلت إلى المغرب عبر وجدة التي قضيت فيها مدة أسبوع عند عامل المدينة بأوامر من وزير الداخلية إدريس البصري. ومن وجدة تم نقلي عبر طائرة خاصة إلى مطار سلا ومنها إلى الرباط. وقد التقيت بإدريس البصري وقال لي: «مرحبا بك في بلدك الثاني عند أمير المؤمنين». - خلال تلك المدة التي كنت فيها بالمغرب هل كنت تخرج إلى شوارع المدينة؟ < نعم، كنت أخرج إلى شوارع المدينة مع مسؤولين أمنيين يتحركون بأسماء مستعارة. - الجنرال خالد نزار يقول إنه هو الذي تسلمك من السلطات المغربية.. < ما قاله خالد نزار غير صحيح لأنه هو أقيل من منصبه في 25 يوليوز 1993، وأنا تم تسليمي إلى السلطات الجزائرية في 2 غشت 1993، أي بعد 7 أيام من إقالته. وأنا أحمل المغرب مسؤولية تسليمي إلى السلطات الجزائرية في فترة عصيبة، وأعتبر الأمر خيانة. لأنه إذا كنت إرهابيا فلماذا كانت السلطات المغربية تدعمنا؟