فرانز كافكا كاتب القصة القصيرة المدهشة التي تجعل كل شيء ممسوخا، غريبا وغرائبيا، وصاحب رواية «المحاكمة»، النباتي الذي اشمأز من أكل اللحوم، حيث ربط البعض ذلك بمهنة جده الذي كان جزارا. كافكا الذي عرف عنه أنه شخص يصعب عليه إتمام الأمور، مما جعلها ميزة ينفرد بها في كتاباته، حيث كان يجد صعوبة في إنهاء إنتاجاته، يحضر إلى مدينة الدارالبيضاء في إطار سلسة «تجارب» التي تنظمها مجموعة البحث في القصة بالمغرب. في إطار رصد التجارب القصصية النوعية، تنظم مجموعة البحث في القصة بالمغرب، اليوم الخميس في الساعة التاسعة صباحا، ندوة هي العاشرة في سلسلة «تجارب»، مخصصة للكاتب التشيكي الشهير فرانز كافكا (1883-1924). ويعتبر فرانز كافكا «قارة أدبية» واسعة الآفاق غنية الدلالات. ترك تراثا أدبيا يجمع بين القصة والرواية واليوميات والرسائل والمقالة تتواشج بخيط عميق هو «ذات» كافكا الفريدة في تاريخ الأدب الأوربي الحديث. ويطرح كافكا على قراء القصة ودارسيها إشكاليات خاصة من خصوصية تجربته الجمالية والفكرية. يمكن أن نرصد مستويين في هذه الإشكاليات: فهناك أولا مستوى الرؤية الفنية المؤطرة للسرد القصصي والمنتجة لأنواع البناء، فهناك لغة قصصية عارية من التكلف، موحية باللامبالاة بالسطح اللغوي، سارد خبير بالطاقات التحليلية والوصفية للغة القصصية، وأنساق من الحبكة تنبثق عنها دلالات المتاهة والغرابة في صورة مستطرفة تستبطن وتغني نماذج المتاهة والغرابة في الأدبيات الأوربية المتصلة بالتخييل القصصي. وثانيا، مستوى الرؤية الفكرية المؤطرة للدلالة القصصية، وهو مجال يجعل من القصة مع كافكا مختبرا لرصد حياة السلط في انبثاقها الملغز ومصادرها المتخفية ومآلاتها المريبة وآثارها المدمرة على الفرد والجماعة، في جهد لم يسبق، لإدراك ونقد لعبة المرايا المتاهية التي تحيا بها السلطة وترسم بها القوانين الباطنية للواقع الشخصي والاجتماعي. بالعناصر المستجدة على صعيدي الرؤية الفنية والرؤية الفكرية اكتشف كافكا جغرافيا أدبية جديدة يمكن أن نسميها (بدون أي إحالة تحليلنفسية) «لا وعي الأدب»، حيث، فيما وراء الذاتي والموضوعي، فيما وراء الواقعي والوهمي، وفيما وراء البراءة والإدانة، يقبع «الالتباس الجذري»، المولد للدلالات، والمميز لإنسان القصة الكفكاوي. محاكمة...كل شيء يأتي فجأة هذا هو أسلوب وعالم كافكا: «تخيل أن تستيقظ صبيحة أحد الأيام لتجد نفسك رهن الاعتقال بدون أي تهمة، مطالبا بالمثول أمام قاضي تحقيق يبلغك بفقدان حقوقك، وتمثل أمام محكمة حتمية من الاستحالة الوصول إليها، وقانون غير مرئي وحكم لا يمكن التنبؤ به…«فكل شيء عنده ينمو ويظهر بشكل فجائي وغير متوقع.. وكذا كانت حياته. حين توفي فرانز كافكا في عام 1924 لم يكن قد نشر من نتاجاته سوى بضع مجموعات صغيرة من القصص القصيرة. أما رواياته وقصصه الطويلة (وكذلك قصصه القصيرة التي لم تنشر خلال حياته) ويومياته ورسائله فقد نشرت تباعا بعد وفاته. وقد استغرق نشر مؤلفاته الكاملة حوالي خمسين عاما (-1974 1924) من الجهد المتواصل لعدد كبير من الباحثين والناشرين. فقد نشرت رواية «المحاكمة» في عام 1925، ورواية «القلعة» في 1926، ورواية «أميركا» في 1927. ثم صدر مجلد يضم مجموعة كبيرة من قصصه الطويلة والقصيرة الناجزة، سواء تلك التي نشرت خلال حياة الكاتب أو بقيت على شكل مخطوطات ضمن أرشيفه، وأعقب ذلك صدور مجلد يضم مسودات قصته الطويلة «وصف معركة». أما بعد الحرب العالمية الثانية فقد تم نشر قصته الطويلة «استعدادات لحفلة زفاف في الريف» مع مجموعة من رسائله ويومياته، ومنها رسالته الشهيرة إلى والده. أما رسائله إلى النساء اللواتي لعبن أدوارا مهمة في حياته فقد صدرت في مجلدات متتابعة ومستقلة، كل مجلد يحتوي على رسائله الموجهة إلى واحدة منهن . رسائل تصل متأخرة بعد رحيله كانت إنتاجات كافكا تظهر كقطرات مطر، ومنها رسائل له بلغ عددها حوالى35 رسالة تنشر لأوّل مرّة، تضاف إلى 66 رسالة معروفة سبق نشرها لكافكا من قبل، وهي تتعرّض للصداقة التي كانت تجمع بين الكاتب التشيكي وصديقه الدكتور روبير كوبستوك، الذي كان من أصدقائه المقرّبين إلى جانب ماكس بروود. ويشير جوزيف سيرماك إلى أن إقامة صداقة متينة وحميمة مع كافكا لم يكن بالأمر الهيّن.في هذه المراسلات كذلك نتعرّف على المشاغل الفكرية، والاهتمام الفلسفي الذي كان يجمع روبير كوبستوك بصديقه فرانز كافكا، وهي تحفل بالمناقشات الكلامية والفلسفية والدينية والأدبية التي كانت تدور بين الصديقين، اللذين كانا يحاولان من جرّائها العثور على الحدود الفاصلة بين الفلسفة والدين، حيث يؤكد جوزيف سيرماك أن اليهودي روبير كوبستوك هجر الديانة اليهودية بعد موت كافكا واعتنق البروتستانتية. وكانت عائلة كافكا قد سلّمت في الستينيات مجموع رسائل الكاتب الموجّهة إلى أخته أوتيليا لجوزيف سيرماك لنشرها، إلا أنّ ذلك لم يكن ممكنا نظرا لاقتحام وإخماد الدبّابات السوفياتية لربيع براغ 1968، حيث منع الروس بعد ذلك من نشر أيّ شيء عن كافكا . هذه الرسائل الصادرة في براغ مؤخرا، والتي أولتها وسائل الإعلام الثقافية في إسبانيا وأمريكا اللاتينية عناية واسعة، كتبت من طرف الطبيب المجري روبير كلوبستوك، وكذا من طرف آخر خليلة لكافكا، وهي الممثلة البولونية دورا ديامان داخل مصحّة «كيرلينغ» بالنمسا حيث كان الكاتب التشيكي الشهير يعالج فيها من داء السلّ الذي كان يعاني منه في آخر أيّامه وهي موجّهة إلى أسرته. في هذه الرسائل نجد كافكا يعبّر عن شكوكه في الطبّ التقليدي، ويعرب عن ميله إلى الطبّ الطبيعي، حيث لم يكن يؤمن بالأدوية التي كانت تعطى له، وكان ضد استعمال الأشعة والحقن، وكان مقابل ذلك يوثر تعاطي وسائل طبيعية التي لا نفع ولا ضرر فيها. هذه الرسائل المخطوطة التي عثر عليها مؤخرا جمعت ونشرت ضمن كتاب بعنوان «حياة في ظل الموت» في طبعة خاصة أنيقة من طرف الباحث التشيكي جوزيف سيرماك، ويضمّ الكتاب صورا من هذه الرسائل المخطوطة، التي تقدّم لنا معلومات هامّة غير معروفة عن كافكا الذي كان يؤمن أنّ «ما أفسدته الطبيعة يمكن أن تصلحه كذلك». برنامج الندوة 9:30 صباحا : الجلسة الأولى: تسيير عبد المجيد جحفة - كلمة مجموعة البحث في القصّة بالمغرب. - مصطفى الجباري: فكر القصّة عند كافكا. - محمد آيت حنا: الحيوان والآلة؛ سياسة القصّة عند كافكا. -أحمد بوزفور: قانون كافكا. -خديجة بوتني: الفضاء عند كافكا. 2:30 بعد الزوال: الجلسة الثانية: تسيير لطيفة لبصير - سعيد بوكرامي: وجوه كافكا وأقنعته. - سعيد بنعبد الواحد: أثر كافكا في قصص أمريكا اللاتينية؛ بورخيص نموذجاً. - ربيعة عبد الكامل وأميمة زويتن: منظور السارد في قصّة «الانمساخ». - قاسم مرغاطا: كافكا في النّقد العربي. - محمد اغليمو: «الانمساخ» بين القصّة والفيلم.