بعد مضي 6 أشهر على أحداث سيدي إفني، وضعت لجنة تقصي الحقائق حول هذه الأحداث تقريرها الذي خرج إلى النور بعد توافقات معقدة جرت بين أعضاء اللجنة حيث أمسك التقرير العصا من الوسط، حسب تعبير أحد أعضاء هذه اللجنة. بعد مرور أزيد من ثلاثة أشهر على انتهاء أشغال لجنة تقصي الحقائق حول أحداث سيدي إفني، تم ظهر أول أمس بمجلس النواب عرض التقرير العام لأعمال اللجنة النيابية في انتظار مناقشته الأسبوع المقبل. وفيما نفى التقرير، المكون من 60 صفحة، تسجيل أي حالة وفاة أو اغتصاب عقب أحداث السبت الأسود التي عرفتها منطقة سيدي إفني، سجل «تفريط السلطات العمومية في الحزم المطلوب لفرض احترام القوانين ونطاق ممارسة الحقوق والحريات ووضع حد للتجاوزات في الوقت الملائم»، حسب ما ورد في نص التقرير، الذي تتوفر «المساء» على نسخة منه. وفي السياق ذاته، اعتبر التقرير أن «التدخل الأمني ليوم السبت 7 يونيو 2008 لم يطرح كخيار ضروري إلا بعد نفاد كل المساعي الحبية وفشل الوساطات التي قام بها برلمانيو المنطقة والمنتخبون الجماعيون والأعيان»، مشيرا إلى أن التدخل الأمني أسفر عن «مداهمة عدد من المنازل وتكسير أبواب بعضها، وبعثرة الأثاث وتكسير عدادات كهربائية لعدد من المنازل، فضلا عن ممارسة العنف ضد عدد من الأشخاص ذكورا وإناثا، وإيقاف عدد من الأشخاص، فضلا عن السب والشتم والإهانة في حق عدد كبير من المواطنين، وفقدان هواتف محمولة ومبالغ مالية وحلي أثناء المداهمات»، نافيا في الوقت ذاته «وقوع أية حالة قتل أو اغتصاب سواء من منظور القانون الجنائي المغربي أو الاتفاقيات ذات الصلة بحقوق الإنسان». كما أقر تقرير اللجنة، التي يتوقع بعض المراقبين أن تعرف مناقشته جدلا كبيرا، باعترافات أربع نساء بخصوص تجريدهن من ملابسهن بمقر المفوضية. إلى ذلك، وصف عدد من المراقبين تقرير لجنة التقصي، الذي ظل رئيس مجلس النواب مصطفى المنصوري، يحتفظ به منذ شتنبر الماضي، ب«التقرير الباهت»، حيث «غاص في المفردات اللغوية، دون أن يشير إلى خلاصات تحدد مسؤولية الأطراف المتسببة في أحداث السبت الأسود». وتوقعت مصادر «المساء» أن تعرف مناقشة التقرير أمام البرلمان جدلا كبيرا، خصوصا وأن عددا من أعضاء اللجنة ظلوا يتحفظون على العديد من النقط الواردة في التقرير. وفي هذا السياق، قال عبد الجبار القسطلاني، أحد أعضاء لجنة التقصي، إن «نقطا كثيرة كان من المفترض أن يتضمنها التقرير لم يتم التجاوب معها». وأضاف القسطلاني، في اتصال مع «المساء»، أن «هذه النقط، التي كانت مثار خلاف حاد بين أعضاء اللجنة، تم تجاوزها بناء على عدة مبررات، من قبيل التأجيل أو عدم القبول صراحة». واعتبر عضو لجنة التقصي، المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، أن «اللجنة مضت في إطار تهذيب المصطلحات، وهو ما أثار نقاط خلاف قوية جدا، إذ لو تمت صياغته بطريقة أخرى لأسفر على نتائج مختلفة تماما عما حمله التقرير في صياغته الحالية». وبخصوص التوافق الحاصل بين أعضاء اللجنة حول الصيغة النهائية للتقرير، قال القسطلاني: «تقرير لجنة التقصي حول أحداث سيدي إفني وقع حوله بعض التوافق فقط». ومن بين أهم النقاط التي أثير بشأنها جدل كبير، تسبب في توقف أشغال اللجنة أكثر من مرة، مسألة تحديد المسؤولية، والتدخل الأمني وطبيعته، فضلا عن النتائج التي خلفتها كل التجاوزات. وفي هذا الإطار، قال القسطلاني: «لم نصل إلى مستوى إدراج كل النقاط والملاحظات، لكن المهم أن هذه الأفكار تم تضمينها في التوصيات». وبخصوص تأخر الإعلان عن تقرير اللجنة، قال القسطلاني: «الجواب عن هذا السؤال موجود لدى رئيس مجلس النواب، الذي سلمته اللجنة التقرير مباشرة بعد الانتهاء منه في شتنبر الماضي». وفي السياق ذاته، أكدت فاطمة مستغفر، عضو لجنة التقصي، أن «اللجنة لم تتحمل بتاتا مسؤولية التأخير في إعلان نتائج أشغال اللجنة»، وأضافت أن «التقرير سلم مباشرة إلى رئيس مجلس النواب بعد انتهاء الأشغال». وعزت مجموعة من المصادر أسباب تأخر الإعلان عن نتائج تقرير لجنة التقصي إلى «توفير الظروف الملائمة لذلك، وتجاوز حالة الغليان الناتجة عن تلك الأحداث، خصوصا في ظل الإعلان عن إحداث عمالة بالإقليم، وبناء الطريق الساحلية الرابطة بين سيدي إفني وطانطان، وغيرها من الإشارات الدالة على التجاوب مع مطالب قبائل آيت باعمران»، وبالتالي، تضيف مصادر «المساء»، «كان من الضروري إرسال كل هذه الإشارات قبل الإعلان عن نتائج التقرير من أجل تهدئة الوضع». وتتركز خلاصات تقرير لجنة التقصي، في عشرة نقاط أساسية، تتعلق بمطالبة الحكومة ببذل مجهودات مضاعفة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة، وتشجيع الاستثمار وتأهيل الميناء. كما نص التقرير على ضرورة المعالجة الآنية للاحتجاجات والاعتصامات المخالفة للضوابط العامة، ومتابعة «كل شخص يثبت تجاوزه للقانون سواء من القوات العمومية أو من المواطنين، فضلا عن فتح بحث معمق لتحديد المسؤوليات في ما لحق المواطنين وقوات الأمن من تجاوزات». وسجلت اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق أنه بناء على الإفادات والمعاينات، أن عملية التدخل على النحو المذكور أعلاه أسفرت عن: مداهمة عدد من المنازل وتكسير أبواب بعضها. بعثرة وتكسير أثاث عدد منها. تكسير عدادات كهربائية لعدد من المنازل. ممارسة العنف ضد عدد من الأشخاص ذكورا وإناثا ومن أعمار مختلفة. إيقاف عدد من الأشخاص واقتيادهم إلى مفوضية الشرطة بمدينة سيدي إفني. السب والشتم والإهانة في حق عدد كبير من المواطنين؛ فقدان هواتف محمولة ومبالغ مالية وحلي أثناء المداهمات. لم يثبت للجنة وقوع أية حالة قتل، كما لم تثبت لها أية حالة اغتصاب سواء من منظور القانون الجنائي المغربي أو الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان. إفادات خاصة تلقت اللجنة تصريحات شهود، أكد البعض منهم تعرضهم للعنف والإهانة داخل مفوضية الشرطة بسيدي إفني؛ في حين أكد البعض الآخر عدم تعرضه لأي عنف أو إهانة داخل المفوضية. كما تلقت تصريحات لأربع نساء تفيد بتجريدهن من ملابسهن بنفس المفوضية. أما بخصوص حالتي شاهدين، فإن اللجنة توصلت إلى ما يلي: في ما يخص حالة ا«إيشو محمد» الذي صرح بأنه تم إيلاج عصا في دبره، انتدبت اللجنة بعض أعضائها لمصاحبته قصد إجراء فحوصات طبية، أثبتت أنه مصاب بمرض البواسير، وتسلمت اللجنة شهادة طبية تؤكد ذلك، احتفظ بها ضمن الوثائق المودعة لدى رئيس مجلس النواب. في ما يخص حالة «مريم أيت موحين» التي قدمها رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتيزنيت على أنها تعرضت للاغتصاب، بعد أن مثلت شخصيا أمام اللجنة، نفت نفيا قاطعا أن تكون قد تعرضت لأي اغتصاب، في حين أكدت أنها تعرضت للتعنيف داخل المفوضية. توصيات لجنة تقصي الحقائق اللجنة النيابية لتقصي الحقائق حول أحداث سيدي إفني، ومن خلال ما توصلت إليه من استنتاجات، توصي بما يلي: 1 – مطالبة الحكومة بمواصلة ومضاعفة الجهود التي تبذلها في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع العمل على تنفيذ المشاريع التي تمت برمجتها بمدينة سيدي إفني ونواحيها، وكذا في جميع المناطق ذات الخصاص ببلادنا. 2 – تشجيع المستثمرين للاستثمار بالمنطقة بتحفيزهم جبائيا خاصة في قطاعات الصيد البحري والسياحة والصناعات الغذائية بهدف خلق فرص الشغل بالمنطقة. 3 – التعجيل بتأهيل الميناء ليكون رافعة للتنمية في المنطقة. 4 – إعداد برنامج تأهيلي للقطاع السياحي بالمنطقة نظرا إلى ما تزخر به من مؤهلات سياحية واعدة. 5 – وجوب التعبير عن المطالب وممارسة الحقوق والحريات في إطار القانون مع الاحترام التام للمرافق العمومية والممتلكات العامة والخاصة. 6 – المعالجة الآنية للاحتجاجات والاعتصامات المخالفة للضوابط العامة باحترام تام للقانون. 7 – دعوة اللجنة للهيئات السياسية والنقابية لتحمل مسؤولياتها في تأطير المواطنين، كما تدعو الدولة إلى تمكينها من الدعم اللازم للقيام بمهامها محليا. 8 – دعوة الإعلام الوطني بكافة مكوناته للقيام بواجبه في متابعة ومعالجة الأحداث الوطنية والمحلية وتمكين المواطنين من الحق في المعلومات، وذلك في إطار احترام القانون والأخلاقيات المهنية. 9 – متابعة كل شخص يثبت تجاوزه للقانون سواء من القوات العمومية أو من المواطنين. 10 – فتح بحث معمق لتحديد المسؤوليات في ما لحق المواطنين وقوات الأمن من تجاوزات.