نقصد بالجرأة السياسية تلك القرارات العقلانية التي تروم المصلحة العامة والعليا للوطن ضدا على مصالح اللوبيات المستفيدة من وضعية ما. ويمكن تصنيف بعض القرارات التي اتخذها بعض أعضاء الحكومة ضمن خانات الجرأة السياسية؛ ومن بين هؤلاء نجد وزير التربية الوطنية في محاولته التصدي للوبي التعليم الخصوصي الذي يشتغل خارج الإطار القانوني، إن من ناحية البنية التحتية أو من ناحية الموارد البشرية، فأغلب مؤسسات التعليم الخصوصي، في سلكيه الإعدادي والثانوي، لا تتوفر على فضاءات رياضية بالمواصفات القانونية التي يجب توفرها، إلى جانب غياب أجنحة خاصة بالمختبرات، ولاسيما تركز اهتمامها على التعليم العلمي، نظرا إلى الفئات التي تستقطب؛ كما أنها لا تتوفر على الموارد البشرية الكافية لضمان السير العادي للمؤسسات، بينما القانون يفرض عليها التوفر على نسبة لا تقل عن ثمانين في المائة من مجموع الأطر التربوية العاملة بهذه المؤسسات، ويسمح لها بالاستعانة بنسبة لا تزيد على عشرين في المائة من الطاقم التربوي التابع للقطاع العام كمستضافين. إن هذا القرار من شأنه أن ينعكس إيجابا على سوق الشغل، وبالتالي على المجتمع، لأن في تنفيذه دفعا بهذه المؤسسات إلى خلق فرص التشغيل لضمان استمراريتها. ويمكن أن تتم العملية بتعاون مع الدولة التي قد تلتزم بالإعداد البيداغوجي من خلال مؤسسات تكوين رجال التعليم بكل أسلاكه: أساسي، إعدادي، ثانوي... فهذه العملية ستقلص، لا محالة، من حجم البطالة التي يعاني منها خريجو الجامعات والمدارس والمؤسسات العليا، كما أنها ستنعكس إيجابا على التعليم الخصوصي بعد توفره على طاقم تربوي قار قادر على أن يرسم برامج واستراتيجيات تربوية على المديين المتوسط والبعيد والسهر على تتبعها وتنفيذها. وبحكم البعد المقاولاتي في التعليم الخصوصي، فإن الرهانَ على مبدأ التنافس للتأسيس لدينامية تربوية داخلية تقوم على التفكير العقلاني والمنطقي والحس العلمي. فالمنافسة داخل جسم التعليم الخصوصي وبينه وبين التعليم العمومي قد تكون رافعة للمدرسة المغربية، لأنها منافسة تقوم على مدى القدرة على تحصيل أفضل النتائج والتأهيل للولوج إلى أفضل المؤسسات العليا في الداخل والخارج. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي حد استطاع الوزير المضي قدما في تنفيذ قراره؟ وهل الواقع يستوفي كل الشروط لأجرأته؟ وبالتالي ما هي حدود ومحدودية هذا القرار؟ ففي غياب أجندة واضحة ومحددة في الزمان، تشكل فترة انتقالية تسمح للتعليم الخصوصي بأن يهيكل ذاته وفقا للقوانين الجاري بها العمل، يبقى القرار مجرد زوبعة في فنجان قد تؤدي إلى توترات ومواجهات بين الأطراف المعنية من إدارة وصية ونقابات المدرسين وأرباب التعليم الخصوصي و«زبنائهم» (أولياء أمور التلاميذ). لهذا فالإدارة الوصية، ومن أجل إعمال قرارها، مطالبة، ولو على امتداد فترة ولايتها الحالية، بوضع برنامج قادر على الانتقال بالتعليم الخصوصي من الوضعية الحالية المتميزة بالتبعية للتعليم العمومي، ولاسيما على مستوى الأطر التربوية، إلى وضعية الاستقلالية واعتماد الإمكانيات التربوية الذاتية، وبالتالي الانضباط للمقتضيات القانونية والمواصفات المتعارف عليها والتي يجب توفرها في المؤسسات التعليمية، سواء كانت عمومية أو خاصة.