منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة صفة «دولة بصفة مراقب» لفلسطين، أول أمس، بعدما صوتت 138 دولة على الطلب الفلسطيني، مقابل معارضة 9 دول وامتناع 41 دولة عن التصويت. ويعتبر هذا القرار انتصارا لفلسطين ونجاح للدبلوماسية الفلسطينية التي تحركت بدعم من الدول العربية لإقناع الدول أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت على منح صفة «دولة مراقب غير عضو». وقد وصفت صحيفة «نيويورك تايمز» في عدد أمس موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على منح فلسطين صفة دولة «مراقب» بأنه «ضربة للولايات المتحدة»، وقالت إن أكثر من 130 دولة وافقت على منح فلسطين صفة «مراقب غير عضو»، في ما يمكن اعتباره «انتصارا للدبلوماسية الفلسطينية وتوبيخا حادا لكل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل».. واعتبرت الصحيفة أن الوضع الجديد يمنح الفلسطينيين المزيدَ من الأدوات لتحدى إسرائيل فى المحافل الدولية القانونية ضد الأنشطة التى تقوم بها الأخيرة فى الضفة الغربيةالمحتلة، بما فى ذلك بناء المستوطنات. تقديم المشروع قبيل انطلاق عملية التصويت داخل مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أول أمس، تقدم دفع الله الحاج، المندوب الدائم للسودان لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة بمشروع الطلب بعدما بيّن أنه قام بذلك نيابة عن مجموعة من الدول، من بينها البرازيل والأرجنتين والإمارات ومصر والمغرب وأندونيسا. وقد صوّت لصالح الطلب الفلسطيني ثلاث من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي فرنسا وروسيا والصين، بينما عارضته الولاياتالمتحدة وامتنعت بريطانيا عن التصويت. وقد أعلن دفع الله الحاج، المندوب الدائم للسودان لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، أسماء الدول التي تقدمت بالقرار، ومن بينها المغرب، والذي يؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال، في دولته فلسطين على الأرض الفلسطينيةالمحتلة منذ عام 1967. وقدم الحاج بعض الفقرات من المشروع الذي يهدف إلى «رفع مكانة فلسطين في الأممالمتحدة، ويؤكد الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصريه وإقامة دولته»، مشددا على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقل، والوقف الكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية في جميع الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، بما فيها مدينة القدس. عباس والعدوان الإسرائيلي في كلمة له، قوبلت بتصفيق الحضور، اعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يؤكد، مرة أخرى، الضرورة الاستثنائية والعاجلة والملحة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ونيل شعب فلسطين حريته واستقلاله. كما يوضح تمسك الحكومة الإسرائيلية بنهج الاحتلال والقوة الغاشمة والحرب، ما يفرض على الأسرة الدولية الاضطلاع بمسؤولياتها نحو الشعب الفلسطيني ونحو السلام. وأوضح الرئيس الفلسطيني أن ما يدفع الحكومة الإسرائيلية إلى التمادي في سياساتها العدوانية وفي ارتكاب جرائم الحرب ينبع من قناعة لديها بأنها فوق القانون الدولي وأنها تمتلك حصانة تحميها من المحاسبة والمساءلة، وهو شعور يغذيه تخاذل البعض عن إدانة ووقف انتهاكاتها وجرائمها ومواقف وسطية تساوي بين الضحية والجلاد. وشدد أبومازن على أن «الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقوقه الوطنية الثابتة، كما حددتها قرارات هيئات الأممالمتحدة، وشعبنا متمسك بحقه في الدفاع عن نفسه أمام الاعتداءات والاحتلال»، مضيفا أن «الشعب الفلسطيني لن يقبل إلا باستقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس فوق جميع الأراضي التي احتلت عام 1967». وتساءل عباس: «هل هناك شعب فائض عن الحاجة في منطقتنا؟ أم إن هناك دولة ناقصة ينبغي المسارعة والتعجيل بتجسيدها فوق أرضها هي فلسطين؟».. مطالبا العالم ب»تصحيح الظلم التاريخي غير المسبوق الذي لحق الشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948». وقال الرئيس الفلسطيني «إن كل صوت يُؤيد مسعانا اليوم هو صوت نوعيّ وشُجاع، وكل دولة تمنح التأييد اليوم لطلب فلسطين نيل مكانة دولة غير عضو تثبت بذلك دعمها المبدئيَّ والأخلاقي للحرية وحقوق الشعوب والقانون الدولي والسلام. إن تأييدكم اليوم لمسعانا سيبعث رسالة مبشرة إلى ملايين الفلسطينيين على أرض فلسطين وفي مخيمات اللاجئين في الوطن والشتات وللأسرى مناضلي الحرية في السجون الإسرائيلية.. أنّ العدالة ممكنة وأن الأمل مبرر، وأن شعوب العالم لا تقبل باستمرار الاحتلال». وتابع أبو مازن قائلا: «لقد اجترح الشعب الفلسطيني معجزة النهوض من رماد النكبة في العام 1948، والتي أُريدَ بها تدمير كيانهِ وتهجيرهُ وصولاً إلى استئصال وجوده ومحو حضوره المتجذر في باطن الأرض وأعماق التاريخ، وفي تلك الأيام السوداء عندما انتُزع مئات آلاف الفلسطينيين من بيوتهم وشُرِّدوا داخل وطنهم وخارجه، وقُذف بهم من كنف بلادهم الجميلة الناهضة إلى مخيمات اللاجئين، في واحدة من أبشع حملات الاستئصال والتطهير العرقي في التاريخ الحديث.. في تلك الأيام السوداء أخذ شعبنا يتطلع إلى الأممالمتحدة كمنارة للأمل والرجاء برفع الظلم وتحقيق العدل والسلام وإحقاق الحقوق، وما زال شعبنا يؤمن بذلك، وينتظر». ترحيب أوربي صوّتتْ مجموعة من الدول الأوربية لصالح فلسطين، على رأسها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا. وقد عبر ديديي ريندوز، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية البلجيكي، عن ترحيبه بالأمر، قائلا «إن هذا التصويت يُشكّل خطوة متقدمة ذاتَ مغزى نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة»، موضحا أن «لقد صوتت بلجيكا لصالح القرار لأنها تخدم حل الدولتين اللتين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام وأمن، مع دولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للحياة». وأشار ريندوز إلى أن حلّ الدولتين هو الحل الوحيد الممكن للصراع الفلسطيني -الإسرائيلي، وان كل الجهود يجب أن تسير في هذا الاتجاه. ومن جهته، هنأ وفد رئاسيّ فرنسي، برئاسة رئيسة لجنة العلاقات الدولية إليزابيت غينو، الرئيس محمود عباس والشعب الفلسطيني بحصول فلسطين على دولة بصفة مراقب في الأممالمتحدة. حماس تدعم عباس من جهتها، رحّبت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة منحَ فلسطين صفة دولة مراقب، حيث أكد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، أنه ينبغي النظر إلى الاعتراف بفلسطين كدولة مراقب غير عضو، الذي حققه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأممالمتحدة إلى جانب العدوان الإسرائيلي على غزة، كإستراتيجية واحدة جريئة قد تؤدي إلى تمكين كل الفلسطينيين. وكان مشعل قد دعم المبادرة الفلسطينية، في مكالمة مع الرئيس الفلسطيني، معتبرا أن هذه الخطوة تساعد على توحيد الجهود الوطنية الفلسطينية كجزء من عملية المصالحة، معربا عن أمله في أن تكون ضمن إستراتيجية وطنية تشمل المقاومة التي «أبدعت في غزة وأعطت رسالة عن قدرة الشعب الفلسطيني على المقاومة والصمود في مواجهة المحتل». كما أعلن إسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني المقال، تأييد أي إنجاز سياسي للشعب الفلسطيني «على طريق انتزاع الدولة». وقال هنية، في تصريحٍ مقتضب، وفق ما أورده «المركز الفلسطيني للإعلام»، إن هذا التأييد قائم على قاعدة عدم الاعتراف بالمحتلّ أو التفريط في ثوابتنا الإستراتيجية وحقوقنا الثابتة، وفي مقدمتها حق العودة. أمريكا حليفة إسرائيل في الوقت الذي امتنعت بريطانيا عن التصويت، سارعت الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى رفض الطلب والإعلان عن أنه مجانِبٌ للصواب، وهذا ما قالته هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية في تصريح صحافي، إذ قالت «إن واشنطن ترى أن الصواب قد جانَب الخطوة الفلسطينية، وإن الجهود يجب أن تتركز على إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط». وفي رد له على قرار التصويت، اعتبر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن «قرار التصويت في الأممالمتحدة لن يُغيّر شيئا على الأرض وأن هذه الخطوة لن تدفع في اتجاه إقامة دولة فلسطينية، بل ستؤخرها أكثر».. واقترح نتنياهو على الفلسطينيين «بدء محادثات السلام المباشرة دون شروط مسبقة»، وقال إنه «مستعد لاستئناف محادثات السلام فورا لبحث كل القضايا الجوهرية محل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين»، مضيفا: «للأسف، لم أسمع ردا من الجانب الفلسطيني». ووصف مارك ريجيف، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، يومَ حصول فلسطين على وضعية الدولة المراقبة غير العضو في الأممالمتحدة بأنه «يوم سيء في ما يتعلق بجهود إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين».