أقل من ربع ساعة، مدة "التريلر" السينمائي، الذي تداولته مواقع الإنترنت، بتمثيل رديء وخدع سينمائية بدائية، هو كل ما جرى عرضه حتى الآن من فيلم "براءة المسلمين"، المسيء للرسول الكريم. الفيلم الذي صُنع في أمريكا، كان مجهولا ولم يحظَ بشهرته الحالية إلا بعد انطلاق مئات المظاهرات الغاضبة ضده، وضد صناعه المجهولين، يطالب من خرجوا فيها بالقصاص ممن جعلوا من نبي الأمة موضوعا للسخرية والاستهزاء.. أشعل فيلم «براءة المسلمين»، للمخرج سام باسيلي والممول من 100 شخصية يهودية فتيل أزمة جديدة بين المسلمين والغرب تنبىء بداياتها بخريف ساخن في بعض الدول العربية والإسلامية، يذكر بأزمة الكاريكاتير الدانماركي الذي هاجم نبي الإسلام محمد صل الله وعليه وسلم سنة 2006، وأجج مشاعر الكره في قلوب ملايين المسلمين تجاه الغرب.. الفيلم، الذي صور في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تبلغ مدته ساعتين، لكن معظم الناس لم يروا سوى مقاطع متفرقة منه لم تزد عن 14 دقيقة عُرضت على موقع يوتيوب وموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، وهو الأمر الذي جعل من الصعب فهم القصة الكاملة للفيلم حيث تظهر المشاهد الأولى من المقاطع، التي عرضت على شبكة الانترنيت، «معاناة» المسيحيين المصريين في إحدى مدن الصعيد. وجاء النصف الثاني بمستوى أقرب لأفلام الهواة ليصور حياة النبي محمد في صورة سيئة. ولعب الدور ممثل أمريكي مجهول. لكن يبدو أن الصورة أكثر تعقيدا من التحليل المبدئي لمحتوى الفيلم، فبعد أن كان ينظر إليه كمجرد عمل يهدف إلى الإساءة للنبي، أخذ الأمر بعدا آخر بعد أن ظهر واضحا أن كل العبارات التي تشير إلى الدين الإسلامي لم تأت على لسان الممثلين ولكن تمت إضافتها في عملية المونتاج. إنتاج الفيلم تم بشكل بدائي معتمدا على ديكور رخيص وحوار سطحي. كما صُورت المشاهد، التي جاءت معظمها داخلية، مستعينة بخلفيات فقيرة بكاميرا قليلة التكلفة تستخدم في تصوير الأعمال التليفزيونية وليس السينمائية، إضافة إلى كثرة استخدام المؤثرات البصرية البسيطة وضعف الإخراج، مما جعل الفيلم لا يظهر في قائمة موقع IMDB الذي يختص بتقديم معلومات متكاملة عن الأعمال السينمائية. وقد تمت دبلجة المقاطع الإنجليزية الموجودة على اليوتيوب إلى العربية من مجهول لا يعرفه المخرج، إلا أن هذا الأخير استحسن الأمر كثيرا، وأشاد بهذه الدبلجة التي وصفها ب»الدقيقة»، كما أن هذا الفيلم تم عرضه مرة واحدة في إحدى صالات هوليوود أمام مقاعد شبه فارغة. باسيلي الغامض.. لاتزال حقيقة من يقف وراء إخراج الفيلم، والذي قُدم على أنه يسمى «سام باسيلي»، غامضة، رغم تناقل وسائل الإعلام الأمريكية أحاديث هاتفية مع المخرج الذي يُعرف نفسه بكونه إسرائيلى يهودي. ونقل عنه أن فيلمه يعد عملا سياسيا يدين الإسلام الذي يراه ك»سرطان يمس البشرية»، وأنه يتوجب محاربة هذا السرطان بالأفكار وليس بالقوة العسكرية كما فعلت القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق، مضيفا «هذا الفيلم سيفيد الأمة اليهودية في العالم في معرفة عيوب الإسلام وإظهارها للعالم” يقول المخرج الإسرائيلي، مضيفا أن عملية إنتاجه وصلت إلى حدود 5 ملايين دولار أمريكي بفضل جمع التبرعات من أزيد من 100 يهودي عبر العالم. إلا أن ذلك لم يشفع لكشف الغموض الذي يلاحق شخصيته، كما أن هناك تكهنات تزعم بأن باسيلي هو اسم مستعار لشخص ينتمى لأقباط المهجر، ويزيد هذه التكهنات دعم بعض الأقباط الذين يعيشون فى الخارج للفيلم. وإلى الآن فكل ما يوجد عن باسيلي، باستثناء المعلومات التي وفرها عن نفسه، قناة تحمل اسمه على موقع «يوتيوب»، تولت عرض مقاطع من الفيلم المسيء للرسول منذ 3 أشهر، تلك المقاطع التي ظلت مجهولة بلا أهمية حتى تمت دبلجتها، وعرضها على الإنترنت في مواقع عربية قبل أيام، في حين لا توجد معلومات إضافية عن باسيلي بموقع «يوتيوب» نفسه، سوى أن عمره 75 عاما، في تناقض مع المعلومات التي سبق أن وفرها عن نفسه. ورغم صعوبة التأكد من وجود شخص باسم سام باسيلي من عدمه، إلا أن كثيرا من مصادر الأنباء تحدثت عن أنه اختفى عن الأنظار وطلب الحماية من الشرطة لاحقا، بعد ردود الأفعال القوية التي حدثت في مصر وليبيا والتي وصلت إلى درجة التسبب في قتل السفير الأمريكي ببنغازي من طرف محتجين. بعد تزايد التناقضات في قصة المنتج والمخرج اللغز سام باسيلي، وصعوبة تحديد هويته، بل جنسيته، مصريا كان أم أمريكيا أم إسرائيليا، يهوديا أم مسيحيا، إنجيليا أم أرثوذكسيا، بدأ السؤال الأهم يطرح نفسه: «هل هناك فيلم مسيء للرسول من الأصل؟». مجلات السينما، وأهمها «هوليوود ريبورتر»، تساءلت إن كانت المعلومات التي وفرها باسيلي عن الفيلم حقيقية من الأساس، فالفيلم شديد الرداءة في أسلوب التصوير والإضاءة، ويستخدم خدعا سينمائية شديدة السذاجة، ومن المستحيل أن يكلف هذا الفيلم الضعيف 5 ملايين دولار. النقطة الثانية: إن كان هناك فيلم يكلف 5 ملايين دولار، فلا بد أن يظهر اسمه في مواقع الأفلام المستقلة، والمواقع المهتمة بأخبار السينما، أو حتى تصاريح التصوير وغيرها من الأوراق الرسمية، في حين أنه لا يوجد أثر على الإطلاق لأي فيلم يحمل اسم «براءة المسلمين». متورطون بالجملة.. مفاجأة مهمة ظهرت عن المنتج الغامض سام باسيلي، فقد اتضح أن حقيقته مجهولة حتى على 80 ممثلا وعاملا في الفيلم، الذين أصدروا بيانا قالوا فيه إنه خدعهم وضللهم، ودبلج العبارات بعد انتهاء التصوير فتغيرت معها القصة وطبيعة الشخصيات من حيث لا يدرون. وقال عدد من الذين اشتغلوا بالفيلم، وهم أمريكيون أصولهم من إيران وتركيا وباكستان وسوريا، واثنان منهم فقط من مصر «نحن غاضبون، ونشعر بأن المنتج قام باستغلالنا. لسنا 100 في المائة وراء هذا الفيلم، الذي تم تضليلنا عن الغاية منه، ونشعر بصدمة من الإعادة الجذرية والدبلجة التي قام بها المنتج على السيناريو والأكاذيب التي قيلت لكل العاملين، ونشعر بحزن عميق لما سببه من مآس حدثت حتى الآن». ساندي غارسيا، الإسرائيلية المولودة في كاليفورنيا قبل 46 سنة، وواحدة ممن اكتشفوا خدعة منتج الفيلم، بشكل متأخر، قالت إن اسم الفيلم الذي مثلته هو «محاربو الصحراء»، وكلمة محمد لم ترد على شفة أي ممثل فيه، «وقصته تجري في صحراء مصر قبل 2000 عام، ولا علاقة لأي مشهد في الفيلم بالإسلام أو بالرسول محمد»، في إشارة إلى أن العبارات كانت مختلفة وتمت دبلجتها وتغييرها، بحيث أصبح الفيلم عن الإسلام والرسول. وأعطت ساندي مثلا، فقالت إنها لفظت كلمة الله في لقطة بالفيلم، ثم سمعتها على لسانها نفسه «محمد» بعد الدبلجة. وذكرت أن باسيلي اتصل بها قبل 6 أشهر وطلب منها إعادة لفظ بعض العبارات من جديد ليتم سماعها في الفيلم بطريقة أفضل، ويبدو أنها لفظت «محمد» في الإعادة، فتم إدخال كلمة «محمد» بكل عبارة ورد فيها الاسم على لسانها، وهكذا حدث لبقية الممثلين. ساندي ذكرت اسم سام باسيلي بأنه المخرج، وبأنه أرسل إليها نسخة عن الفيلم بعد الانتهاء من تحميضه فشاهدتها ووجدت تغييرا كبيرا طرأ على العبارات عبر دبلجة الأصل، فلم تعر الأمر أي اهتمام، وقالت: «أنا لا أعرف شيئا عن الإسلام وديني المسيحية وهذا يمنعني من الإساءة لأي مشاعر». فور ظهور ساندي، بدأت تتنامى الشبهات حول وجود مؤامرة وراء الفيلم، وانطلقت محاولات فحصه فنيا، وراح متخصصون في السينما يدققون النظر في الدقائق الأربع عشرة المتوافرة على يوتيوب، حيث النسخة الإنجليزية الأصلية يظهر فيها بوضوح تلاعب في الصوت، وأن كلمة «محمد» وأغلب العبارات المسيئة للإسلام، جرى تسجيلها منفصلة، وتركيبها على المشاهد التمثيلية. على سبيل المثال، تقول ممثلة بصوت واضح في الدقيقة 04: 9: «طوال حياتي»، ثم يظهر صوت مسجل فوق صوتها ليكمل الجملة «لم أشاهد قاتلا أشد شراسة من محمد». أما الدقيقة 53: 2، فتظهر شفاه الممثل تقول «اسمه جورج»، في حين أن الصوت المركب يقول «اسمه محمد». ووجد هؤلاء أكثر من 10 مواضع في الفيلم، بها إساءات للإسلام واسم النبي محمد، ويسهل ملاحظة أن الصوت فيها مركب وليس أصليا. ففي أحد مشاهد الفيلم يظهر رجل يكتب على سبورة «رجل + x = بي تي»، في حين أن الصوت المركب يقول، «رجل + x= مسلم إرهابي»، في تناقض واضح. موريس صادق.. عداء دفين بمجرد انفجار الأوضاع في أكثر من عاصمة إسلامية خرج القس الأمريكي المتطرف تيري جونز، الذي كان قد أحرق القرآن الكريم للإشادة بالفيلم وبمن يقفون وراءه، وقال جونز إنه يخطط لعرض مقاطع منه في الكنيسة التي يعمل بها بفلوريدا قائلا: «الفيلم إنتاج إمريكي، ليس الغرض منه مهاجمة المسلمين، ولكن لإظهار كم هي مدمرة إيديولوجية الإسلام ما دام يصور حياة محمد بطريقة ساخرة». كما قام موريس صادق، وهو مسيحي مصري المولد مقيم بأمريكا، ومعروف بآرائه المعادية للإسلام، ببث مقاطع من الفيلم على مجموعة من المواقع الإلكترونية وكذلك عدد من القنوات التلفزيونية، وذلك لأن الفيلم، حسب وجهة نظره، يعبر عن الاضطهاد الذي تعيشه الأقلية المسيحية بمصر والمعروفة بالأقباط. صحيفة «ديلى ميل» البريطانية ترجح أن يكون موريس صادق المهاجر إلى الولاياتالمتحدة منذ 1969، هو نفسه المخرج باسيلي صاحب الاسم المستعار. ونقلت عن ستيف كلاين مستشار الفيلم قوله إن تمويل الفيلم جاء مع شرق أوسطيين ويهود ومسيحيين وكثير من المتحولين عن الإسلام، وبعض الأموال جاءت من بريطانيا واسكتلندا وفرنسا وألمانيا وهولندا. وقالت الصحيفة إن هناك احتمالا قويا أن يكون موريس صادق المحامي القبطي شديد العداء للإسلام، هو نفسه سام باسيلي. وأكدت أن صادق ساعد في الترويج لمقطع الفيديو على موقعه الإلكتروني، وفي بعض القنوات التلفزيونية، التي لم يكشف عن هوياتها، وأنه لدى سؤاله عما إذا كان يشعر بالأسف لسقوط قتلى أجاب: «بالطبع، بالطبع، الفكر يجب أن يرد عليه بالفكر، ولا أعتقد أن الفيلم كان مسيئا للإسلام». ونقل عن موريس صادق قوله إن «هجوم الإسلاميين عليه غير مبرر وأنه يسعى إلى الانتقام لصالح «المسيحيين» فقط، مدعيا أن إنتاج هذا الفيلم جاء من واجبه للدفاع عن «مسيحيي مصر». وموريس صادق هو محام مصري هاجر إلى أمريكا سنة 2000 وانتخب رئيسا للجمعية الوطنية القبطية الأمريكية. وبعد ثورة 25 يناير 2011 طالب بتوفير الأمن والعدالة للمسيحيين في مصر بعد ما حصلت اعتداءات عليهم وعلى كنائسهم، ونقل عنه قوله إن الثورة أسوأ ثورة في تاريخ مصر. ولهذا فهو يطالب بتأسيس حكم ذاتي للأقباط، وقد أسقطت عنه المحكمة المصرية الجنسية المصرية في سابقة من نوعها.
الأسوشيتد بريس: باسيلي.. محتال ومحكوم عليه بالسجن كشفت وكالة الأنباء الأسوشيتد بريس، تناقضات عديدة تحيط بشخصية مخرج الفيلم، والذي قدم نفسه باسم نقولا باسيلي نقولا وقال في مقابلة بالقرب من مدينة لوس انجلوس، إنه مدير الشركة التي أنتجت فيلم «براءة المسلمين» الذي سخر من المسلمين والنبي محمد. كما قدم أولى التفاصيل عن مجموعة غامضة وراء إنتاجه. ونفى نقولا كونه أخرج الفيلم، مؤكدا معرفته بمن يصف نفسه بالمخرج سام باسيلي. غير أن تتبع الوكالة للهاتف المحمول للشخص الذي عرّف بنفسه على أنه المخرج سام باسيلي، أوصلها إلى العنوان نفسه حيث وجدت نقولا. وقالت الأسوشيتد بريس إن نقولا، وبحسب وثائق المحكمة الاتحادية، استعمل في السابق أسماء مستعارة عدة منها نيكولا باسيلي، إروين سلامة. مضيفة أنه مُدان في قضية احتيال وحكم عليه بدفع 790 ألف دولار كتعويض وبالسجن 21 شهرا، كما أُمر بعدم استخدام جهاز الكمبيوتر أو الإنترنت لمدة خمس سنوات من دون الحصول على موافقة مراقب السلوك. الحقائق التي كشفتها الأسوشيتد بريس، يؤيدها ما كشفه الناشط المسيحي ستيف كلاين، المشارك في مشروع الفيلم، حيث قال «إن باسيلي اسم مستعار، وليس يهوديا أو إسرائيليا، مشيرا إلى أن مجموعة من الأمريكيين من أصل شرق أوسطي شاركوا في إنتاج الفيلم. وأضاف كلاين أنه تعهد بالمساعدة في الفيلم، لكنه حذر المخرج بأنه «سيكون ثيو فان جوخ آخر». وأشارت الوكالة إلى أن حقائق أساسية عدة قالها باسيلي ثبتت بأنها كاذبة أو مشكوك فيها. فقد قال باسيل للوكالة إنه يبلغ من العمر 56 عاما، لكن حسابه على يوتيوب يشير إلى أنه في ال75 من العمر. وقال باسيلي إنه يعمل في مجال تطوير العقارات، غير أن اسمه غير موجود بين التراخيص الصادرة عن ولاية كاليفورنيا، بما في ذلك قسم العقارات.