كان أحرى بمسؤولي قنواتنا -التي تبذر سنويا ملايير الدراهم على مسلسلات بدائية وكاميرات غير خفية يظهر للأعمى قبل الأعمش أنها مفبركة، وعلى «سيتكومات» لا تُضحك سوى مخرجيها وبعض ممثليها الذين يحصلون على الملايين مقابل نكات سمجة- أن يقتبسوا حلقات مسلسلاتهم من حكايات واقعية لمسؤولين وأبنائهم يتعاملون مع الشعب وأبنائه كما يتعاملون مع الجرذان. في كل يوم يمضي على هذا البلد، تحدث عجائب وغرائب تثبت، بما لا يتطلب دراسات سوسيولوجية متذاكية وتحليلات أنثروبولوجية متعالمة، أنه حدث، وحصريا في المغرب، ابتكار تقسيم اجتماعي جديد لا يصنف الناس في طبقات فقيرة ومتوسطة وغنية، بل في طبقتين فقط: البشر ومخلوقات أخرى. وضع هذه المخلوقات الأخرى، في المغرب، أقل من وضع البشر لأنها لا تتمتع بنفس الحظوة والحقوق والسلطة والمال والجاه، ولو أنها أرفع قليلا من الجرذان والصراصير لأنها، ببساطة، لا تعيش في المجاري ولو اتخذ بعضها من الكاريانات مساكن له. قريبة فتاة من طبقة «البشر»، أي علية القوم، كانت قد دهست، الأسبوع الماضي بالدار البيضاء، حارس سيارات معاقا بسيارتها، وصفت هذه المخلوقات الأدنى درجة من البشر بالذباب عندما أخذت تُطمْئِن الفتاةَ الثرية التي مرت بسيارتها فوق جسد الحارس المعوق قائلة: «متخافيش راك بحال إلى ضربتي شي دبانة». لم يحدث شيء فعلا، و«البوليس»، الذين يكونون «بوليسا» فقط عندما يصادفون البؤساء، لم يقبضوا على الفتاة رغم أنها دهست المعاق بسيارة ليست في ملكيتها ولا تتوفر حتى على رخصة سياقة، لأنها، وفي المقابل، تتوفر على رخصة لسحق الذباب، على حد وصف قريبتها، فقط لأن اسمها العائلي معترف به من طرف الدولة وحاصل على شهادة «إيزو» وله رنة خاصة، أو لأن والدها رجل سلطة أو سياسة أو يملك من المال ما يغير به فصول القانون الجنائي كي لا تُسجن ابنته إن هو أراد، ولأن الضحية «مجرد» حارس سيارات ومعاق ومن أبناء الشعب البسطاء. أمثال هؤلاء المسؤولين وأبنائهم كثيرون. أخبارهم لم تعد تصدم. لا ينقص إلا أن تدرج صفة «ابن مسؤول» في بطاقات تعريفهم الوطنية وتصدر قوانين تمنحهم الحصانة رسميا. أن يقتل ابن وزير شخصين في حادثتي سير ثم يخرج منهما كما تُستلّ الشعرة من العجين أمر عاد في المغرب. أن «يقرأ» السي الكتاني والسي الناصري «حسنة» والي أمن العاصمة الرباط بنفسه بعد أن تدخل لإيقافهما حينما رميا عقب سيجارة أمام ولي العهد خلال حضورهما، وهما في حالة سكر طافح، بمهرجان موازين، أمر عاد كذلك، بل كان على والي الأمن المظلوم أن يتقدم باعتذار إلى أبناء «المرفحين» ويسحب شكايته قبل أن تجف دماؤه، فقط لأنه من «أولاد الشعب» وكنيته (مفيد) غير واردة في دليل العائلات «المحترمة» في المغرب. كثيرون هم الأبناء الذين اختاروا دراسة القانون في الجامعات، فقط لأن آباءهم قضاة يسهل عليهم التدخل لدى عمداء الكليات ل«نفخ» نقط أبنائهم وتوظيفهم فور تخرجهم في القضاء حتى لو كان مستواهم (العلمي بطبيعة الحال) أدنى من أن يمكنهم من الحصول حتى على شهادة تكوين في مهنة بسيطة. كثيرون هم السياسيون والمسؤولون الذين يكون أول ما يقومون به، بعد يوم مضن من «الزعيق» في الدفاع عن التعليم العمومي، هو أن يُهاتفوا أبناءهم الذين يتابعون الدراسة في أوربا وأمريكا وكندا. في كل يوم تُزهق أرواح رخيصة وتدهس سيارات ه أجسادا «تافهة» ويُظلم أبناء شعب. العدل عندهم كلمة عابرة سمعوها ذات يوم في خطاب وزير أو حلم مؤجل إلى الآخرة؛ أما هنا، في هذه الدنيا وفي هذا البلد، فليست لهم حيلة للنجاة بأرواحهم، على الأقل، سوى الاحتراز وإطالة النظر يمينا وشمالا قبل أن يقطعوا الطريق حتى لا تدهسهم سيارة مسؤول أو ابنه.