وُلد ستالين، واسمه الحقيقي هو جوزيف فيساريو نوفيتش ستالين دجوغاشفيلي، عام 1879 في مدينة جوري بجمهورية جورجيا من أب إسكافي يدعى بيسو وأم فلاحة تدعى إيكاترينا. عرف عن أمه تدينها الشديد، فيما كان أبوه يضربه بقسوة في طفولته، علماً بأن الضرب القاسي في تلك الفترة للأولاد كان شائعاً «لتعليم الأولاد». ترك بيسو عائلته ورحل فأصبحت أم ستالين بلا معيل! عن تلك المرحلة قال ستالين: «كنت واحدا من الملايين الذين عاشوا الفقر والحرمان، لأن الأب تخلى عن بيته، ولأن الأم لم تجد ما تسد به رمق أطفالها سوى الحكايات والأحلام». عندما بلغ ستالين 11 عاماً، وبعدما أتم دراسته الابتدائية التحق بالمعهد اللاهوتي لدراسة الدين المسيحي بعدما وضعت أسرته أملها فيه ليكون رجلا من رجال الدين في المستقبل، لكنه لم يكمل دراسته بسبب شغبه وتمرده فطرد من المعهد لسوء سلوكه. وهذه تعد أول صفة ملحوظة في سلوك ستالين، إذ اشتهر بالقسوة والجبروت والطغيان والدكتاتورية وشدة الإصرار على رأيه في تصفية خصومه. كما أثبتت تصرفاته فيما بعد أنه مستعد للتضحية بالشعب كله في سبيل شخصه. وقد ناقشته زوجته مرة فقتلها. تزوج ستالين أكثر من مرة وتعددت علاقاته العاطفية، وكانت أقرب النساء إلى قلبه زوجته اليهودية روزا. ويذكر أن من أسباب انتحار زوجته الثانية ناديا تعدد علاقته العاطفية. عادت بداية مشاركة ستالين في الحركة الاشتراكية إلى فترة المدرسة الأرثوذوكسية، حين تم طرده من الدراسة عام 1899 لعدم حضوره في الوقت المحدّد لتقديم الاختبارات. درس ستالين نظريات ماركس الشيوعية، التي وافقت ميوله للثورة والتمرد على نظام المجتمع. ومنذ ذاك الوقت انتظم طيلة 10 سنوات في العمل السياسي الخفي وتعرض للاعتقال، بل للإبعاد إلى مدينة سيبيريا بين سنة 1902 و1917. اعتنق ستالين المذهب الفكري لفلاديمير لينين، وتأهّل لشغل منصب عضو في اللجنة المركزية للحزب البلشفي في عام 1912، وفي عام 1913 سمّي باسم «ستالين»، وتعني «الرجل الفولاذي». بعد نجاح ثورة أكتوبر وتأسيس الحزب الشيوعي انضم ستالين إليه. وقد جاءته الفرصة لاكتساب مكانة بارزة داخل الحزب بعد مرض لينين. ونظرا لأنه كان يتميز بعصبية شديدة ووقاحة في التعامل، فإنه لم يكن مقبولا من طرف أعضاء إدارة الحزب، وكان من أبرز المعارضين له تروتسكى.في عام 1922 تقلّد ستالين منصب الأمين العام للحزب الشيوعي وحرص أن يتمتع منصب الأمين العام بأوسع أشكال النفوذ والسيطرة. بدأ القلق يدبّ في لينين المحتضر من تنامي قوة ستالين. ويُذكر أن لينين طالب في إحدى الوثائق بإقصاء «الوقح» ستالين، إلا أن الوثيقة تمّ إخفاؤها من قِبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. بعد وفاة لينين في يناير 1924، تألّفت الحكومة من الثلاثي ستالين وكامينيف وزينوفيف. وفي فترة الحكومة الثلاثية، نبذ ستالين فكرة الثورة العالمية الشيوعية لصالح الاشتراكية المحلية، مما ناقض بفعلته مبادئ تروتسكي المنادية بالشيوعية العالمية. تآمر الثلاثة على إبعاد تروتسكي، وهو الأحق من الجميع بتولي السلطة، حيث أبعدوه عن الرئاسة بإثارة الفتن والادعاءات الكاذبة ضده، وبالزعم بأنه خرج عن المبادئ الماركسية. بعد ذلك انقلب ستالين على العضوين السابقين واستطاع أن يتحكم وحده بزمام السلطة. وقد حاول تروتسكى القيام بانتفاضة ضد ستالين لإقصائه من تولي السلطة، لكنه لم ينجح في ذلك، وأصبح ستالين هو الزعيم الشيوعي الثاني خلفاً للينين. سار ستالين على خطى سياسة لينين إلى حد كبير، فكان أول ما لجأ إليه بعد توليه السلطة هو التخلص من جميع المنافسين له من أعضاء الحزب، حيث كان مصير الكثير منهم القتل أو السجن، ومنهم زينوفيف وكامينيف ومارتينوف. كما قام بتصفية تروتسكي عام 1940 بعد أن عاش في المنفى منذ عام 1936، حيث أرسل إليه شخصا قتله في المكسيك. قام ستالين بنشر الشيوعية في العالم أملا في أن يكون زعيما ديكتاتوريا للشيوعية العالمية. وكانت سياسة ستالين لتحقيق ذلك لا تعتمد على استخدام القوة، بل إثارة الفتن الداخلية وتشجيع الحركات الثورية بالدول المختلفة، وكان مشروعه هو نشر الشيوعية ما بين خطي عرض 35 و45. وهو نفس الهدف الذي سعى إليه لينين من قبله، حيث كان يرى بأن نشر الشيوعية في إسبانيا سوف يسهل وصولها إلى فرنسا وإنجلترا، ومن ثم خضوع ألمانيا للشيوعية من بعدهما. بوصول ستالين للسلطة المطلقة في 1930، عمل على إبادة أعضاء اللجنة المركزية البلشفية، وبعد ذلك إبادة كل من يعتنق فكرا مغايرا لفكره أو من يشك في معارضته. تفاوتت الأحكام الصادرة لمعارضي فكر ستالين، فتارة ينفي معارضيه إلى معسكرات الأعمال الشاقة، وتارة يزجّ بمعارضيه في السجون، وأخرى يتم إعدامهم فيها بعد إجراء محاكمات هزلية، بل لجأ ستالين إلى الاغتيالات السياسية. وقد تم قتل الآلاف من المواطنين السوفيات وزج بآلاف آخرين في السجون لمجرد الشك في معارضتهم لستالين ومبادئه الأيديولوجية! وقد عقد ستالين محاكمات هزلية في العاصمة موسكو لتكون قدوة لباقي المحاكم السوفياتية. فكانت المحاكم الهزلية غطاءً سمجاً لتنفيذ أحكام الإبعاد أو الإعدام بحق خصومه تحت مظلّة القانون! ولم يسلم تروتسكي، رفيق دربه، من سلسلة الاغتيالات هذه. إذ طالته اليد الستالينية في منفاه بالمكسيك عام 1940، فلم يتبق من الحزب البلشفي غير ستالين ووزير خارجيته مولوتوف بعد أن أباد جميع أعضاء اللجنة الأصلية. بعد الحرب العالمية الثانية بقليل، قام ستالين بترحيل مليون ونصف مليون سوفياتي إلى سيبيريا وجمهوريات آسيا الوسطى. وكان السبب الرسمي هو إمّا تعاونهم مع القوات النازية الغازية أو معاداتهم للمبادئ السوفياتية! والمُعتقد أن سبب الترحيل الجماعي هو التّطهير العرقي لكي يتسنّى لستالين إيجاد توازن إثني في الجمهوريات السوفياتية. وقد تم إعدام مليون نسمة بين 1935 و1938 وبين 1945 و1950. كما تم ترحيل الملايين ترحيلاً قسرياً. وفي 5 مارس 1940قام ستالين بنفسه بالتوقيع على صكّ إعدام 25,700 من المثقفين البولنديين. وتضمّن القتلى 14,700 من أسرى الحرب. وقضى على ما بين 30,000 و40,000 من المساجين فيما يعرف «بمذبحة المساجين». ويتّفق المؤرّخون على أن ضحايا الإعدامات والإبعاد وكذلك المجاعات السوفياتية يقدّرون ب 8 ملايين إلى 20 مليون قتيل! وأحد التقديرات يقول إن ضحايا ستالين قد يصلون إلى 50 مليون ضحيّة. ويظلّ عدد الضحايا في الحقبة الستالينية ضربا من التقدير لعدم ورود أرقام رسمية سوفياتية أو روسية بعدد ضحايا تلك الحقبة. ولكي نتبين مدى القسوة التي كانت شائعة في عهد ستالين، يكفي الاطلاع على القوانين التي كانت مفروضة على العمال في ذلك العهد بغرض زيادة الإنتاج بما يتفق مع خطة الإصلاح: في سنة 1930 صدر قانون بإجبار العامل على أن يقبل أي عمل يعهد إليه وفي أي مكان. كذلك صدر قانون في نفس السنة يحرم على العامل ترك عمله من تلقاء نفسه، وتكون عقوبة ذلك أن يقضي عشر سنوات في معسكرات العمل الإجباري. صدر قانون ينص على أنه في حالة تغيب العامل عن عمله ليوم واحد، أو إذا تكرر تأخره عن العمل ثلاث مرات في شهر واحد يكون جزاؤه الفصل من العمل وحرمانه من بطاقة الاتحاد المثبتة لمهنته، والتي تعطيه حق السكن والغذاء، ويتعرض للسجن لمدة تتراوح ما بين ستة شهور وسنة. وفي سنة 1940 صدر قانون غاية في الاستبداد والقسوة، نص على أنه من حق مدير العمل أن يفرض عقوبة السجن على العامل لمدة أربعة شهور دون تحقيق أو محاكمة. وصدر قانون آخر ينص على أن العامل يعد مسؤولا من الناحية المالية عن أي ضرر يلحق بالمصنع أو بالأدوات حسب تقدير مدير العمل. وقد يصل ما يقتطع من أجر العامل إلى عشرة أضعاف ما أتلف أو ضاع.