في13 يونيو ،1907 وبتنظيم وإعداد وتخطيط من الشاب جوزيف ستالين(الصورة) هجمت مجموعة من الصعاليك المسلحين على بنك في وضح النهار، واستولوا بالقوة على ما قيمته اليوم 3 ملايين دولار ونصف المليون لتمويل الحركة السرية الثورية التي كانت تعدّ نفسها لإسقاط نظام القياصرة في روسيا، فالحركة السريّة كانت في حاجة إلى مجموعة من الشبان القادرين على جمع الأموال بأي طريقة كانت لمليء خزينة الثورة، وعملية السطو على البنك نالت استحسان الزعيم فلاديمير لينين وإعجابه بالشاب ستالين، ونال ثقته ورضاه، فالحزب البولشيفي السري كان يعج بالثوريين من المثقفين والخطباء البارعين، ولكنه كان في حاجة إلى رجال قادرين على العمل الميداني والحركة، وكان ستالين هو أحدهم. "" رجل المتناقضات إن حادثة السطو على البنك تمّ ولأول مرة الكشف عنها في كتاب ستالين الشاب، وهو من تأليف المؤرخ البريطاني سيمون سيباغ، وقد صدرت هذه الأيام ترجمته الفرنسية، وحصل على الجائزة الكبرى لكتب السيرة الذاتية للسياسيين (2008). والمطالع لهذا الكتاب الضخم (500 صفحة) يشعر وكأنه بصدد مطالعة رواية مغامرات، وليس سيرة ذاتية، والصورة التي يخرج بها القارئ عن جوزيف فيسا ربونوفيتش، الشهير باسم ستالين هي صورة رجل جمع بين المتناقضات في شخصيته، فهو يكتب الشعر، وفي الآن نفسه ينظّم ويقود عمليات سطو مسلح على البنوك، وهو رجل يبدو في بعض الأحيان رقيقاً، مرهف المشاعر، محباً للموسيقى والفنون، مطالعاً نهماً للأدب الروسي والأجنبي، وهو معجب فعلاً بالأديبين الفرنسيين فيكتور هيجو وبلزاك، ولكنه في أحيان كثيرة، وخاصة بعد تسلمه السلطة ظهر كسياسي مستبد، يقمع خصومه، ويصفّي كل من يشك في خيانته له وللشيوعية. والغريب أن ستالين الشاب، وعلى الرغم من أنه كان يكوّن نفسه فكرياً ويرتوي من الثقافة الروسية والأجنبية، إلا أنه وبعد انضمامه إلى صفوف الثوريين فإنه كان يكره المثقفين في الحركة السرية التي انضم إلى صفوفها، ويفضل عليهم رجال العمل الميدانيين القادرين على العمل السري. وقد قضى ستالين 10 أعوام في العمل السري قبل قيام ثورة .1917 طفولة غير سعيدة يعود المؤلف في كتابه إلى طفولة جوزيف ستالين، ويكشف أنه عاش غير سعيد مع والد إسكافي مدمن خمر، وأمّ تميل الى الغلظة على الرغم من إحاطتها ابنها بالحب والحنان، ولم يكن الوسط العائلي الذي ترعرع فيه الطفل يتسم بالدفء والحب، إلا انه انكبّ على الدراسة، وطلب العلم والمعرفة، ونجح في أن ينال تكويناً كلاسيكياً أهّله لان يصبح بعد ذلك رجل سياسة له قناعاته، وله منهجه الاستراتيجي. والكاتب، وهو مؤرخ إنجليزي مختص في الشأن الروسي، اعتمد في كتابه الذي يشبه التحقيق على الأرشيف، وقد تطلب منه جمع المادة عشرة أعوام من البحث في تسعة بلدان، وانكب بأناة على فحص الكثير من الوثائق في جورجيا، مسقط رأس ستالين، وهي وثائق لم يسمح لأحد من قبل الاطلاع عليها واستغلالها، ولم يصبح ذلك ممكناً إلا في الأعوام الأخيرة بعد استقلال جورجيا عن الاتحاد السوفييتي السابق. وإن عودة المؤرخ إلى طفولة وشباب ستالين هدفها محاولة تفسير العوامل الذاتية والموضوعية التي جعلت من ستالين رجل سياسة مستبد، وعنيف، حكم الاتحاد السوفييتي بداية من عام 1929 حكماً فردياً مطلقاً باعتماد القمع والجبروت. ويحلل الكاتب من وجهة نظره العناصر التي حولت شاب محب للشعر إلى ديكتاتور، حكم بلاده سنوات طويلة بيد من حديد، وقدمه كشاب جمع بين الإيمان بمبادئ الثورة، واعتماد العنف لتحقيق تلك المبادئ. وقد صفى بعد وصوله الى الحكم أكثر من 40 ألف من رفاقه القدامى في صفوف البلاشفة بتهمة الخيانة حتى انه سمي بالدكتاتور الأحمر، واللافت أن ستالين خلال سياسة القمع الرهيبة التي اعتمدها لتصفية خصومه بقبضة من حديد، كان يستثني الفنانين والموسيقيين، ويكتفي بسجنهم. وقد وصل المؤلف، من خلال سرده لبعض الأحداث وتحليلها، إلى الاستنتاج بأن ستالين الشاب ما قبل ،1913 كان فعلاً زعيم عصابة، عمد مع أتباعه إلى تنظيم عمليات سطو، وكان يسعى إلى الثراء الشخصي، و أكثر من ذلك فقد تصرّف حتى عندما جلس على كرسي الحكم في الكرملين كزعيم عصابة، وخلال كامل فترة حكمه سعى إلى إخفاء ماضيه محاولاً أن يضفي ثوباً من المجد على كامل مسيرته. ويتبين من الكتاب أن ستالين رجل جمع بين الشجاعة والدهاء وحبك المناورات، وانه كان رجل دولة. عميل مزدوج وعرض المؤلف في كتابه صورة عن المجتمع الروسي في الفترة التي سبقت قيام الثورة ضد القياصرة، وهي فترة اتسمت بالغليان وعمل المجموعات السرية، وقد نجحت المخابرات في اختراقها حتى أن هناك كتباً وبحوثاً ذهبت الى حد القول إن ستالين نفسه كان في البداية يعمل عوناً للشرطة القيصرية قبل أن ينقلب للصف المقابل، ولكن هذاالمنحى لا يتبناه المؤلف مع تأكيده أن تلك الفترة عرفت فعلاً الكثير من رجال الاستعلامات المزدوجين، وهي فترة اتسمت بالاضطراب، والغموض، والريبة والشك، والصراعات الداخلية بين الثوريين وتناحرهم وخيانة البعض منهم للبعض الآخر. وخلافا لروايات أخرى فإن المؤلف سيمون سيباغ يؤكد أن ستالين الذي توفي عام 1953 كان في بداية مسيرته السياسية، مطيعاً للينين مطبقاً أوامره، ساعياً لنيل رضاه.. وقد كشف الكتاب عن علاقات كثيرة لستالين بالنساء الشابات الجميلات يعاشرهن ثم يهجرهن، وأنجب منهن عدداً من الأطفال غير الشرعيين من دون أن يهتم بهم أو يرعاهم.