لم يكن مصطفى البكوري، الشاب الذي نشأ في حي السعادة الشعبي بالمحمدية، وسط أسرة فقيرة يعولها رجل يعمل جنديا في القوات المساعدة، يتوقع أن يتحول يوما ما إلى إحدى ركائز نظام الملك محمد السادس، بإشرافه على تدبير الذراع المالي للمملكة. إنه يمثل، إلى جانب كل من منير الماجدي مدير الكتابة الخاصة للملك، ومعتصم بلغازي رئيس الهولدينغ الملكي «أونا»، وفؤاد عالي الهمة صديق الملك، نموذجا للجيل الجديد الذي يعتمد عليه محمد السادس. لمع نجم البكوري منذ سنة 2001، عندما تم تعيينه مديرا عاما لصندوق الإيداع والتدبير، وبفضل النجاح الذي حققه، بنهجه استراتيجية جديدة درت على الصندوق أرباحا مهمة، كسب مزيدا من الثقة داخل المحيط الملكي، مما يؤهله للعب أدوار أخرى في رسم الخريطة الاقتصادية للمملكة في المستقبل. المقربون منه يعتبرون أن مميزات شخصية البكوري المتسم بالتواضع والذكاء والكفاءة جعلته يختصر المسافات بسرعة، دون أن تكون مكانته الاجتماعية عائقا أمام حصوله على مثل هذا المنصب. أسرته تنحدر من منطقة جبالة، وتحديدا دوار «مشكور»، قبيلة متيوة، قرب كتامة، ووالده كان رجلا بسيطا قاده عمله كمجند في القوات المساعدة إلى الانتقال من العيش في نواحي تاونات إلى العيش في مدينة المحمدية، وهناك قضى مصطفى البكوري طفولته في حي السعادة الشعبي، وأكمل تعليمه الثانوي بحصوله على الباكلوريا شعبة العلوم الرياضية بامتياز، لينتقل إلى استكمال دراسته في «مدرسة القناطر والطرق» بباريس، بمساعدة من أحد إخوته. بعد حصوله على دبلوم مهندس من مدرسة القناطر والطرق، التحق مصطفى البكوري بمجموعة «البنك الوطني لباريس» BNP، حيث قام بتدريب في البنك، قبل أن يعود إلى المغرب ليعمل في بنك «BMCI» حيث تم تعيينه مديرا لقطب الاستثمار، وظل في هذا المنصب إلى حدود يوليوز 1995، حيث سيغادر البكوري البنك، وينتقل للعمل في شركة «صوناداك»(الشركة الوطنية للتهيئة الجماعية التي كانت تابعة لوزارة الداخلية، قبل أن تصبح اليوم خاضعة لصندوق الإيداع والتدبير)، حيث أسندت إليه إدارة المجموعة مهام مديرية التنمية والتمويل. ولم يستمر عمله داخل صوناداك سوى ثلاث سنوات ليعود للعمل في بنك BMCI سنة 1999، حيث تقلد منصب مدير منتدب مكلف بالقطب المالي، واستمر في هذا المنصب إلى غاية سنة 2001، حيث تم تعيينه فيما بعد مديرا لصندوق الإيداع والتدبير. لم يعرف له انتماء سياسي أو ميول لجهة سياسية معينة، لكن هذا لم يمنع من انخراطه في عدد من المبادرات الجمعوية الوازنة، فقد تم اختياره «كاتبا عاما لجمعية المهندسين خريجي مدرسة القناطر والطرق»، وعضوا في المكتب الإداري لمؤسسة محمد الخامس للتضامن، وكان اسمه مدرجا ضمن لائحة المؤسسين لجمعية المغرب 2020 التي أعلن عنها غداة الانتخابات التشريعية ل2002 وترأسها علي بلحاج الكاتب العام لحزب تحالف الحريات. وحسب ما يتردد في كواليس المهندسين خريجي مدرسة القناطر بباريس، فإن البكوري بذكائه وحنكته استطاع أن يحظى بثقة المستشار الملكي مزيان بلفقيه، الذي يعتبر بمثابة «صياد الرؤوس» داخل الجمعية، وهكذا كان بلفقيه سببا في اقتراحه في أهم منصب سيتقلده إلى حد الآن. وبعد تأسيس حركة لكل الديمقراطيين ظهر الباكوري ضمن الموقعين على بيان تأسيسها، وهكذا أصبح «رفيقا» لفؤاد عالي الهمة صديق الملك، ولعل أولى ثمار هذه الرفقة كان هو تجاوب البكوري السريع مع طلب الهمة إحداث قطب حضاري جديد بمنطقة بنكرير، دائرة الهمة الانتخابية، أطلق عليه اسم «المدينة الخضراء». فهو يمثل السياسة الاقتصادية للدولة، لذا لم يكن من الغريب مثلا أن يوقع على ميثاق حركة لكل الديمقراطيين كتعبير شخصي منه عن التزامه مع الهمة الذي يحمل في نظره الأمل لبناء مستقبل أفضل»، حسب الدافعين عن خطوته هذه. تحركات الملك محمد السادس تستلزم حضوره شبه الدائم، فهو حامل محفظة التمويل. يوصف بالمتواضع، الكفء، والبراغماتي، يبدأ نهار عمله مبكرا ولا يلتزم بساعات الدوام الرسمي، فلا يكف عن العمل حتى ساعة متأخرة. صارم مع مرؤوسيه، حازم في شراكاته، لكنه بروح منفتحة وأسلوب أمريكي في إدارة المقاولات، لا يهمه الحضور الذاتي في المكتب بقدر ما تهمه المردودية والفعالية. لم يتوان في استعمال عصا المخزن وجزرته لاستقطاب أفضل الأطر والخبراء إلى مجموعته الأخطبوطية. مازال زملاؤه بالبنك يتذكرون الصورة التي تركها البكوري بكثير من الاحترام، وهي الصورة التي يتقاطع فيها، حسب بعض المصادر البنكية، مع خالد الودغيري الذي كان يركز أساسا على الظهور في كل المناسبات، فيما كان البكوري يفضل العمل في الظل. إنها المزايا التي جذبت انتباه محمد السادس الذي كان يبحث عن طبقة جديدة للباترونا ليعينه على رأس صندوق الإيداع والتدبير سنة 2001، في وقت اشتدت فيه حاجة أول مؤسسة استثمارية في البلاد لضخ دماء جديدة بها، بعد فضائح القرض العقاري والسياحي والبنك الوطني للتنمية الاقتصادية.. مباشرة بعد استلام مهامه، أطلق البكوري ثورة صغيرة داخل المجموعة وانتهج استراتيجية تنظيمية تعتمد على خلق أقطاب جديدة، ترتكز على مقاربة خدمة الزبون وسياسة تدبيرية مبنية على منطق المهنة، ووجد نفسه مجبرا على التخلي عن جزء من أسهم صناديق التقاعد بالهولدينغ الملكي «أونا» سنة 2003 بسعر منخفض. وأجبر مسؤولو أونا البكوري على شراء الشركة الوطنية للاستثمار، سيليلوز المغرب، التي كانت على مشارف إعلان إفلاسها. وحاول المدير الشاب الابتعاد عن دهاليز التسيير الملكي للمجموعة التي كانت حسب الخبراء تعيق تطورها. لكن رغم هذا، نجح البكوري في ربط علاقات متميزة مع أهم أصدقاء الملك: فؤاد عالي الهمة ومحمد منير الماجدي مهندسي العهد الجديد مما جعل التساؤلات تتناسل حول «ما إذا كان الصندوق يقوم بتمويل المشاريع الخاصة بشخصيات نافذة في البلاد»، ولم تعد مجالس رجال الأعمال في الرباط والدار البيضاء تتردد في طرح ذاك السؤال. ولايكف البكوري عن الدفاع عن نفسه والإقرار بأنه لو تم افتراض أنه يقوم بذلك النوع من التمويل فإنه لا يستطيع تجاوز تدابير المراقبة داخل صندوق الإيداع والتدبير. ظل الصندوق منذ تأسيسه يحمل صورة نمطية عن أنه ليس سوى الخزينة المالية المتحركة لرجال الأعمال النافذين في الدولة، رغم أن الهدف الأساسي وراء إحداثه يتمثل بالأساس في حماية الادخار العمومي من توظيفات المخزن. وهو ما يعبر عنه أحد الاقتصاديين قائلا: «كانت الحكومة المغربية في بداية الاستقلال تفكر في ما حصل بفرنسا في القرن 19 عندما وجد نابليون نفسه مجبرا على الاعتماد على الادخار العمومي لتمويل حملاته». تحول الصندوق مع مجيء البكوري إلى مارد مالي ومؤسسة استثمارية كبرى، تمتلك حصة الأسد في جل الأوراش التي فتحها محمد السادس، ومعادلته بسيطة في ذلك، الإعداد الجيد للمشاريع، والدخول فيها بعد استبعاد الخسارة وضمان الأرباح. في الفترة الممتدة بين 1986 و2006 تضاعفت أرباح صندوق الإيداع والتدبير أربع مرات وانتقلت من 600 مليون درهم إلى 2.5 مليار درهم وأكثر من 100 مليار درهم للأصول وانتقلت عدد شركاته الفرعية إلى 35 شركة متخصصة توظف ما يناهز 5000 موظف وتتعامل يوميا مع مليون زبون.