كل اللحظات الكبرى في تاريخ البشرية خلقتها ثورات، لكنْ لم تتمخض عن كل الثورات لحظاتٌ كبرى.. وأغلب الثورات بدأت بشرارة أوقدها أناس بعضهم لا يعرفون معنى الثورة.. لكنْ لم تكنْ كل الثورات عفوية، إذ منها ما كان حصيلة تأطير وتخطيط ويستند إلى نظرية.. إنها ثورات أفراد ضد جماعات وثورات جماعات ضد مجتمعات وثورات مجتمعات ضد أقليات، مستضعَفين ضد طغاة... حدث هذا منذ غابر الأزمان وما يزال يتكرر اليوم في أزمنة وأمكنة غير متشابهة وتكاد تكون متناقضة، منها ما كان فاتحة تاريخ جديد، حيث ما بعدها قطيعةٌ مع ما قبلها، ومنها ما كان وظل خارج منطق التاريخ، مر كوقع الزر على الرمل لم يترك صدى، ومنها ما كان دمويا وعنيفا وقاسيا، ومنها أيضا ما كان سلسا وسلميا وهادئا، فمن «ثورة العبيد» على الإمبراطورية الرومانية، بزعامة سبارتاكيس، في القرن الأول قبل الميلاد، و«ثورة الزنوج» على خلفاء بني العباس، مرورا ب«ثورات الأحرار» في عصر الأنوار، وصولا إلى «الثورات الرقمية»، المعاصرة، التي «يكتبها» الشباب العربي اليوم، تتعدد أساليب الثورة والمنطق واحد: الرغبة في إرساء واقع جديد، الرغبة في التحرر والانعتاق... الثورة السوفياتية من الثورات الأكثر تأثيرا في دول العالم الثالث، خصوصا أن هذه الثورة تزامنت مع حركات المقاومة ضد الاستعمار، الذي قامت بها دول تتبنى إيديولوجيا لبيرالية، لذلك تحولت هذه الثورة إلى نموذج ومرجعية في ما يسمى التحرر وانحياز الشعوب إلى المرجعية الإيديولوجية، التي حكمت هذه الثورة ودفعت المعسكر الغربي، بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلى دخول «حرب باردة» لاستقطاب الأنظمة. وقد شملت هذه الحرب كل المجالات واستمرت لأكثر من 70 سنة، بدأت سنة 1917، والأهم هو تحول قادة هذه الثورة إلى مراجع في «فلسفة الثورة»، فظهرت تيارات سياسية عبر العالم تتبنى طروحات هؤلاء القادة، كالتيارات اللينينية والستالينية والتروتسكية. أما عن أسباب قيام هذه الثورة، ففي مطلع القرن ال20، ظلت الفلاحة التقليدية النشاط الرئيسي ، وبالتالي كان النبلاء و«الكولاك» ورجال الدين يسيطرون على الأراضي الزراعية ويستغلون طبقة «الموجيك» ( الفلاحين الصغار). وفي نفس الوقت، شهدت روسيا بداية حركة التصنيع، مما أدى إلى ظهور البرجوازية والطبقة العاملة، وكان الإمبراطور نيقولا الثاني يجمع كل السلطات ويمنع الحريات العامة، ممثلا بذلك مصالح النبلاء، الذين كانوا يحتكرون المناصب السامية ويهيمنون على مجلس «الدوما» (البرلمان الروسي). وفي ظل ذلك الاستبداد، لجأت الحركات المعارضة إلى العمل السري، وهكذا أسس كيرانسكي الحزب الاشتراكي الثوري ولينين الحزبَ العمالي الاشتراكي الديمقراطي (الذي سيُعرَف لاحقا بالحزب البولشفي ثم الحزب الشيوعي) بينما أسست البرجوازية الحزب الدستوري الديمقراطي (الكاديت). انهزمت روسيا في الحرب العالمية الأولى أمام ألمانيا وعرفت خسائر بشرية ومادية كبيرة وانخفض الإنتاج الفلاحي والغذائي وقامت مظاهرات شعبية كبرى في العاصمة الروسية بيتروغراد، فاضطر القيصر نيقولا الثاني إلى التنازل عن العرش، وتشكلت حكومة مؤقتة ذات أغلبية بورجوازية. أقرت الحكومة المؤقتة الديمقراطية السياسية، لكنها لم تستجب لمطالب العمال والفلاحين الفقراء والجنود، فشكل هؤلاء مجالس السوفيات، التي هيمن عليها الحزب البولشفي. فكانت النتيجة قيام الثورة السوفياتية، التي أدت إلى إقصاء الحكومة المؤقتة وإلى تكوين الحكومة الاشتراكية برئاسة لينين . وقد ساهمت انتفاضة شعبية قام بها السكان في مدينة سان بيترسبورغ اعتراضا على تدني حالة البلاد العسكرية والأخلاقية وتراجعها في شتى المجالات في إشعال ثورة شاملة في كافة أنحاء البلاد، عُرفت باسم ثورة فبراير، مما أدى إلى الإطاحة بالنظام القيصري في مارس 1917، حيث حلت الحكومة الروسية المؤقتة محل الحكم القيصري الأوتوقراطي، والتي أراد قادتها (الحكومة المؤقتة) إجراء انتخابات محلية لتكوين المجلس التشريعي الروسي عن طريق الاقتراع الشعبي، بالإضافة إلى الاستمرار في الحرب العالمية الأولى، إلى جانب قوات الحلفاء. اتخذت الدولة الاشتراكية إجراءات استعجالية، من بينها تجريد كبار الملاكين العقاريين من أراضيهم وممتلكاتهم وبسط الرقابة العمالية على المصانع، فولد الاتحاد السوفيتي من رحم الإمبراطورية الروسية، التي أصابها الضعف والوهن، مما حل بها من أحداث سياسية، مثل الثورة الروسية، التي قامت عام 1917 وتحولت، في ما بعد، إلى الحرب الأهلية الروسية، والتي دامت أربعة أعوام كاملة في ما بين 1918 وحتى 1921. وتكون الاتحاد السوفيتي من اتحاد العديد من الدول السوفيتية في ما بينها، مكونة الكيان السياسي المعروف، وإن كان اسم «روسيا» (كبرى الدول المؤسسة للاتحاد السوفيتي والوريث الشرعي له) ظل يطلق على الكيان السياسي الجديد لفترة من الوقت، حتى مع وجود اسم «الاتحاد السوفيتي». وبنظرة سريعة، نجد أن الاتحاد السوفياتي لم تكن له حدود دولية ثابتة منذ نشأته، إذ تغيرت حدوده بتغير الزمن وتعاقب الأحداث التاريخية، إذ قاربت حدوده في أعقاب الحرب العالمية الثانية حدود الإمبراطورية الروسية السابقة، خاصة بعد ضم مساحات شاسعة من الأراضي المجاورة لأراضيه، والتي تمثلت في دول البلطيق وشرق بولندا ومنطقة بيسارابيا في شرق أوربا، وبذلك كان الاتحاد السوفيتي قد استعاد كامل حدود الإمبراطورية الروسية، ماعدا باقي الأراضي البولندية والفنلندية. اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية دولة دستورية شيوعية سابقة شملت حدودها أغلب مساحة منطقة أوراسيا في الفترة ما بين عامي 1922 وحتى 1991. والاسم مأخوذ عن الترجمة الروسية للاسم الكامل لاتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، ويعرف اختصارا بالروسية أو «إس. إس. إس. إر.» ويعرف عامة باسم الاتحاد السوفيتي، والمترجم من الروسية وهو «سافيتسكي سايوز». وكلمة «سوفيت» في اللغة الروسية (والنطق الصحيح لها «سافيت») تعني «النصيحة»، أما كلمة «سافيت» ككيان، والتي اشتق منها اسم الدولة، في ما بعد، فكانت الاسم الذي أطلق على أول مجلس محلي للعمال أنشئ في مقاطعة «إيفانافو» في عهد الإمبراطورية الروسية السابقة عام 1905. ويعد مجلس «السافيت» المرجعيةَ الأساسية للمجتمع والنظام الشيوعي في اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية. وقد تكون الاتحاد السوفيتي، في البداية، من اتحاد أربع جمهوريات سوفياتية اشتراكية سابقة، إلا أنه بحلول عام 1956، كان الاتحاد السوفيتي قد أصبح كيانا ممثلا ل15 دولة اتحادية حتى لحظة تفكيكه. ويعتبر الاتحاد السوفيتي وريثا للإمبراطورية الروسية وما أعقبها من حكومة انتقالية صورية قصيرة العمر، بزعامة جيورجي لفوف ومن بعده أليكساندر كيرينسكي، منذ نهاية حكم آخر القياصرة الروس، وهو القيصر نيكالاي الثاني، والذي انتهى حكمه فعليا في مارس من عام 1917، حيث أزيحت الإمبراطورية عن حكم البلاد في أعقاب ثورة فبراير وحلت حكومة انتقالية بديلا عنها، لم تدم أكثر من ستة أشهر، إلى أن تم إقصاؤها، هي الأخرى، عن الحكم بواسطة فلاديمير لينين في نونبر من نفس العام، في أعقاب ثورة أكتوبر. كان تعداد الدول الاتحادية في الاتحاد السوفيتي، منذ ضم جمهورية إستونيا السوفيتية الاشتراكية في 6 غشت من عام 1940 وحتى اعترافه بجمهورية كاريليا، الفنلندية السوفيتية الاشتراكية، كجمهورية كاريليا السوفيتية الاشتراكية الممنوحة حكما ذاتيا في ال16 من يوليو عام 1956، قد بلغ 16 دولة. ولكونه أقدم الدول الدستورية الشيوعية، فقد كان الاتحاد السوفيتي النموذج المحتذى به لأغلب الدول الساعية إلى تطبيق الأفكار الماركسية اللينينية خلال فترة الحرب الباردة. وكانت المؤسسات الحكومية والسياسية في البلاد توصف باسم المؤسسات البلشفية، حتى أصبح يطلق عليها، في ما بعد اسم الحزب الشيوعي السوفيتي. ومنذ عام 1945 وحتى تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 (و هي الفترة التي عرفت في التاريخ ب«الحرب الباردة»)، كان الاتحاد السوفيتي والولاياتالمتحدةالأمريكية القوتين العظميين المسيطرتين على الأجندة الدولية في كل جوانبها، سواء الاقتصادية أو تلك المتعلقة بالشؤون الدولية لباقي الدول وحتى العمليات العسكرية التي تشنها باقي الدول على بعضها البعض، إضافة إلى التبادل الثقافي والتقدم العلمي الشامل، خاصة في مجال أبحاث واستكشاف الفضاء، حتى امتدت السيطرة إلى مجال الألعاب والمسابقات الدولية، مثل الألعاب الأولمبية وبطولات العالم في الرياضات المختلفة. وتعد روسيا الاتحادية الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي، والتي كانت عضوا في اتحاد الدول المستقلة وقوة عالمية ذات ثقل، حيث أخذت روسيا ممثليها الدوليين والكثير من قواتها المسلحة عن الاتحاد السوفيتي السابق. منذ بداية نشأته في السنوات الأولى، تبنى الاتحاد السوفيتي نظام الحزب الواحد في الحكم وهو الحزب الشيوعي (أو حزب البلاشفة) والذي دافع عنه القادة السوفيات وبرروا وجوده كحزب أوحد في البلاد بأن ذلك هو الطريقة المثلى لتأكيد القضاء على النفوذ الرأسمالي في البلاد وضمان عدم عودته مرة أخرى إلى الاتحاد السوفيتي وكذلك تطبيقا وإرساء لقواعد المركزية الديمقراطية، التي تمثل إرادة الشعب «الحر». وقد شكلت المرحلة الستالينية الأبرز في تاريخ هذه الإمبراطورية.