هل بدأت روسيا، بعد سنة ونصف من الدعم غير المتحفظ تقريبا، تقطع نفسها بالتدريج عن حكم الرئيس السوري بشار الأسد؟ مؤشرات أولية تراكمت في الأيام الأخيرة كفيلة بأن تشهد بأن الرد على هذا السؤال إيجابي وأن موسكو أيضا بدأت تقدر أن فرص بقاء الأسد آخذة في التضاؤل. منذ زمن طويل ودول عربية تمارس على روسيا ضغطا متصاعدا كي توقف مساعدتها للنظام في دمشق. وتهاجم شبكة «الجزيرة» التلفزيونية التي تملكها العائلة الملكية القطرية، وهي الداعمة الكبرى للتدخل العسكري لإسقاط نظام الرئيس السوري، موسكو بثبات على مواقفها. في عدة حالات، في مصر وفي الأردن مثلا، أحرقت الأعلام الروسية في مظاهرات تأييد للمعارضة السورية، حيث جرت العادة في هذه الأماكن على إحراق أعلام الولاياتالمتحدة وإسرائيل. واشنطن هي الأخرى أعربت عن عدم الرضى المتزايد من موقف روسيا. فقد قالت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلا ري كلينتون، هذا الشهر في «مؤتمر أصدقاء سوريا»، إن دعم روسيا للأسد جدير بالتنديد وإن الروس لا يدفعون أي ثمن على دورهم السلبي. وأعلن الروس الأسبوع الفارط عن إطلاق سفن من عدة موانئ نحو ميناء طرطوس في الشمال السوري، حيث يسيطرون على أرصفة خاصة بهم. وحسب أحد التقارير، فإن الحديث يدور عن 11 سفينة على الأقل. في الشهر الماضي، خرجت بضع سفن، بينها حاملة طائرات روسية إلى طرطوس، ولكن هذه كانت بأعداد أقل بكثير. أحد التفسيرات التي أعطيت للخطوة هو أن السفن انطلقت إلى سوريا كي تحمي سلامة المواطنين الروس الموجودين في الدولة. خبراء روس يقدرون بآلاف كثيرة يمكثون في سوريا. بعضهم يعمل على مشاريع مدنية بنتها روسيا للأسد، وبعضهم يقدم المشورة إلى الجيش السوري في استخدام التكنولوجيا المتطورة والوسائل الاستخبارية الحساسة. ولكن، بشكل شاذ ومفاجئ، ادعت شبكة التلفزيون الروسية باللغة العربية «روسيا اليوم» التي تبث من موسكو، يوم الخميس الماضي، أنه «لم يعد هناك خبراء عسكريون روس في سوريا». وتعتبر الشبكة فرعا رسميا للنظام الروسي (شبكة موازية تبث بالإنجليزية). وبقدر ما هو معروف هذا، هو أيضا كفيل بأن يشهد على استعدادات أولية لإخلاء الخبراء من الدولة، خوفا على سلامتهم ولغاية تقليص العلاقة بالأسد على حد سواء. الأسبوع الفارط، زار وفد من المعارضة السورية موسكو والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبالتوازي تقريبا، أعلنت روسيا أنها قررت تجميد نقل طائرات التدريب من طراز «ياك 130» إلى السوريين. وقيل قبل بضعة أشهر إن الطائرات ستنقل إلى سوريا، كما هو مخطط له، بدعوى أن هذه طائرات تدريب فقط، وليست طائرات هجومية. ومع ذلك، ففي الدول الغربية وفي العالم العربي ادعى الكثيرون أن الموالين للأسد يمكنهم أن ينصبوا على هذه الطائرات وسائل قتالية ويستخدموها في قصف الأحياء المتماثلة مع الثوار. أما الآن، فقد تراجعت روسيا عن تنفيذ الصفقة، رغم أنها أعلنت أنها ستواصل تزويد الأسد بسلاح دفاعي مثل منظومة الصواريخ المضادة للطائرات. ومن هذه الأحداث فرار واختفاء صديق طفولة الأسد، الجنرال مناف طلاس (ابن وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس)، وانسحاب السفير السوري في بغداد، نواف فارس، الذي أعلن عن انضمامه إلى المعارضة وطلب اللجوء السياسي في قطر. ومع ذلك، فإن الأسرة الدولية تواصل التردد في مسألة التدخل العسكري في الوضع بسوريا، وذلك أيضا بسبب الانقسام الخطير بين حركات المعارضة المختلفة التي لا تنجح في أن تعرض جبهة موحدة ضد الأسد. ويوم الجمعة، أحصي حتى ساعات ما بعد الظهر نحو سبعين قتيلا في المعارك بين الجيش والثوار في أرجاء سوريا. معظم القتلى هم -على ما يبدو- مدنيون، فقد أطلقت قذائف الهاون في ضواحي دمشق وأطلق الجيش السوري هناك نار المدفعية. وإلى ذلك، تتكاثر التقارير عن أعمال اغتصاب للنساء من جانب مؤيدي النظام، كعقاب على تأييدهن لحركات المعارضة. وأجرى الجيش السوري، يوم الخميس، مناورة كبرى في إطلاق الصواريخ والمقذوفات الصاروخية، الأمر الذي يفسره الغرب بكونه استعراضا مقصودا للقوة في ضوء التهديد المحدق بالنظام. وضمن أمور أخرى، بثت لأول مرة في التلفزيون السوري صور لإطلاق صواريخ إم 600. وهذه صواريخ حديثة ودقيقة توجد مئات منها لدى حزب الله أيضا. وبدا في الصورة أيضا إطلاق صواريخ سكاد للمدى البعيد وصواريخ بقطر 302 ملم. وهذه وسائل في حالة المواجهة مع إسرائيل ستوجه نحو الجبهة الإسرائيلية الداخلية، وإن كان استعراض القوة يستهدف أساسا ردع الأسرة الدولية من التدخل العسكري في المعارك في سوريا. عن «هآرتس»