منتخبو اقليم الحسيمة يتابعون المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بتقنية التواصل عن بعد    توقعات احوال الطقس ليوم السبت.. أمطار ضعيفة بالواحهة المتوسطية    الملك محمد السادس يستقبل بالقصر الملكي بالدار البيضاء الرئيس الموريتاني    من المغرب.. زوجة الرئيس الموريتاني تؤكد أن صحتها في تحسن مستمر وتثمن التعاطف الواسع ودعوات الشفاء لها    فريق الرجاء ينفصل عن المدرب سابينتو    البنك الدولي يدعم المغرب لمواجهة تغير المناخ ب 250 مليون دولار    تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800م يومي السبت والأحد    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة للشهر الثاني على التوالي    الملك محمد السادس يهنئ أمير دولة الكويت بمناسبة الذكرى الأولى لتوليه مسند إمارة دولة الكويت    رسميا : يوسري بوزوق يغادر نادي الرجاء الرياضي بعد فسخ عقده بالتراضي    توافق بين النقابات التعليمية والوزارة يقر ثلاث حركات انتقالية ويقطع مع كل أشكال التقييد    إسكوبار الصحراء.. القضاء يصدر قرارا جديدا في حق بعيوي ومن معه    أخنوش يُشرف على توقيع اتفاقية لتطوير المحطة السياحية "موكادور" بالصويرة    دفاع بعيوي ينتقد محاضر الضابطة القضائية .. ومحامي الناصري يثير تقادم التهم    الدار البيضاء: جلسة تحقيق تفصيلية في قضية اغتصاب مثيرة للجدل    شفشاون.. توقيف شاب يروج لأفكار متطرفة عبر فيسبوك    قيوح يكشف عن إجراء جديد يُسهل عملية شراء تذاكر الرحلات الداخلية عبر شركة الطيران "Ryanair"        نيويورك: الجمعية العامة الأممية تتبنى القرار المغربي بشأن السياحة المستدامة    سكينة درابيل تؤكد ل"القناة" التحضير للجزء الثاني من "ولاد إيزة"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الإعلان عن فتح باب الترشح لجائزة علال الفاسي لسنة 2024    التامني: بعد المحروقات والأوكسجين جاء الدور على الماء ليستولي عليه أخنوش    الأسود ينهون 2024 في المركز الأول قاريا وعربيا و14 عالميا    نيويورك: توجيه لوائح اتهام ل3 تجار مخدرات دوليين اعتقلتهم الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالمغرب في أبريل الماضي    دعوات للاحتجاج بالمدن المغربية في الذكرى الرابعة لتوقيع التطبيع    النفط يتراجع مدفوعا بمخاوف بشأن الطلب وقوة الدولار    تطوان: معهد سرفانتس الإسباني يُبرز تاريخه ويعزز جمالية المدينة    هَنيئاً لِمَنْ دفَّأتْهُ الحُرُوبُ بِأشْلائِنَا!    التافه حين يصير رئيسًا: ملهاة مدينة في قبضة .. !    رئيس الإئتلاف الوطني من أجل اللغة المغربية ل " رسالة 24 ": التحدي السياسي هو أكبر تحدي يواجه اللغة العربية    مجلة دار النيابة تعود إلى الأكشاك بحلة جديدة بعد 40 سنة من إطلاقها    محاضرة للجويطي تقارب الرواية والتاريخ    بعد المصادقة عليه.. صدور قانون مالية 2025 بالجريدة الرسمية    التجارة بين المغرب وإفريقيا تكشف إمكانات غير مستغلّة بالكامل    7250 سوريا عادوا إلى بلدهم عبر الحدود الأردنية منذ سقوط الأسد    ريكاردو سابينتو يلوح بالرحيل: ظروف الرجاء لا تسمح بالاستمرار    العصبة تكشف عن برنامج الجولة 16 أولى جولات الإياب    الملك: لا ينبغي على الجهات إغفال المخاطر والأزمات لأنها قد تواجه جملة من التهديدات المتنامية    ما قصة نسيم خليبات الفلسطيني الحامل للجنسية الإسرائيلية الذي سلمه المغرب لإسرائيل؟    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    رابطة الدوريات ترفض تقليص عدد الأندية    السينغالي مباي نيانغ يعلن رحيله عن الوداد ويودع مكونات الفريق برسالة مؤثرة    إضرابات القطارات في سيدني تهدد احتفالات ليلة رأس السنة الجديدة    وفد دبلوماسي أمريكي يصل إلى سوريا    سوريا إلى أين؟    كأس الرابطة الانجليزية.. توتنهام يتأهل لنصف النهاية على حساب مانشستر يونايتد    السوداوية المثقفية    الحكم بالحبس ضد سائق "InDrive" بعد اعتدائه على زبونة بطنجة    تسجيل وفيات بجهة الشمال بسبب "بوحمرون"    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    أرخص بنسبة 50 بالمائة.. إطلاق أول دواء مغربي لمعالجة الصرع باستخدام القنب الطبي    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش ظاهرة صباحي
نشر في المساء يوم 16 - 06 - 2012

إشارة أكيدة إلى المستقبل حملتها انتخابات الرئاسة المصرية تمثلت في ظاهرة حمدين صباحي، بينما يبدو مرشحَا جماعة الإخوان وجماعة مبارك -محمد مرسي وأحمد شفيق- كظلال من ماض يطوي صفحاته.
ومن المعروف -في علم الثورات- أن أول انتخابات بعد ثورة شعبية تكون نتائجها هي الأسوأ بامتياز، أضف إلى السوء الخلقي سوءا مصطنعا في المرحلة الانتقالية حولها إلى مرحلة انتقامية. وتفسير السوء في النتائج النهائية ظاهر، فالقوى القديمة -بعد أي ثورة- تكون لا تزال في كامل العافية، بينما القوى الجديدة لم يتح لها المجال ولا الوقت للتخلق وفرض إرادتها على العالمين.
وقد يكون من نقص الإنصاف أن نحصر الإشارات الجديدة في ظاهرة صباحي وحده، ففي ظاهرة عبد المنعم أبو الفتوح جديد لافت أيضا، فيها معنى البحث عن تيار إسلامي جديد يهز عرش الإخوان، وفيها طاقة تفتّحٍ وطني هائلة، وفيها ميل ظاهر إلى معنى الوسط السياسي والاجتماعي، وقد تحتاج إلى تناول مستقل، لكن ظاهرة صباحي تظل -مع ذلك- أكثر راديكالية، وربما أكثر صفاء في التعبير عن معنى الثورة المغدورة إلى الآن، وميلها أوضح إلى معنى اليسار ويسار الوسط، ثم إنها تستنفر طاقة كامنة في بناء حزب جامع للوطنية المصرية المعاصرة، يستعيد صلات «العروة الوثقى» بين ثورة 23 يوليوز 1952 وثورة 25 يناير 2011، مع فارق مؤثر جدا وهو أن ثورة 1952 كانت من فعل حركة الضباط الأحرار، بينما الثورة الجارية فصولها -لا تزال- من فعل حركة الناس الأحرار، وتبني جمهورية ثالثة تستعيد القيم الجوهرية للجمهورية الأولى، وتضيف إليها زادا ومددا من إيمان بالديمقراطية وثورية الإسلام، وتهدم أركان الجمهورية الثانية التي انقلبت على ثورة 1952، وتخوض الحرب الأخيرة ضد ثورة الخلق المصري العربي الجديد.
وراقبوا جيدا خرائط التصويت الأعلى لظاهرة حمدين صباحي، إنها -بالدقة- نفس خرائط الثورة المصرية الجديدة المتصلة، كان شعب الميادين -ولا يزال- مؤلفا من مصريين بكل ألوان الطيف الاجتماعي، لكن الجغرافيا الثورية ليست مطابقة لجغرافيا مصر كلها، فثمة عواصم خمس كبرى للثورة، اشتعلت فيها الشرارات الأولى، وخرجت منها جماهير الثورة الأكثر تصميما والأشد جسارة وبسالة، وقدمت الجانب الأعظم من شهداء الثورة وقادتها الميدانيين، وفيها الكتلة الغالبة من وعي المصريين وقلق طبقاتهم الحية، وبدت العواصم الخمس كنقاط ارتكاز وأوتاد راسخة لخيمة صباحي، وهي القاهرة والإسكندرية والمنصورة والسويس والمحلة الكبرى؛ ففي القلب المصري كانت القاهرة دائما، وهي عاصمة البلد وعاصمة الثورة، وبتألق ميدان التحرير فيها، الذي صار الأكثر شهرة بين ميادين الدنيا كلها. وقد فاز حمدين بالمركز الأول في القاهرة، وبدت المفاجأة صاعقة، فقد تفوقت حملة حمدين الأقل مالا والأفقر دعاية وتنظيما، تفوقت باكتساح في العاصمة الأولى، وسرى تفوقها عفيا من مدينة القاهرة إلى منطقة القاهرة الكبرى، وأحرز صباحي المركز الثاني في الجيزة، بفارق ضئيل لصالح حملة الإخوان مليارية الإنفاق كثيفة الدعاية. وكان التقدم الصاروخي لصباحي مميزا في دلالته، وعنى نوعا من تحرير العاصمة الأولى، وحسم انحيازها شعبيا لصالح الثورة، وسرت الظاهرة نفسها في الإسكندرية، العاصمة الثانية للبلد، والتي ظلت قبل الثورة -وبعدها- في حال الغربة، بدت كأنها الحصن الحصين للإخوان والسلفيين، ثم انقلب المزاج فيها وبصورة عاصفة لصالح صباحي في انتخابات الرئاسة، وعلى نحو دراماتيكى فريد، وإلى حد بدا معه كأن الإسكندرية الجميلة تعيد اكتشاف نفسها، وهي المدينة التي شهدت الصعود الصاروخي الأول لشعبية جمال عبد الناصر، وقراره الشهير بتأميم قناة السويس، ودار الزمان دورته الكاملة، وبدت الإسكندرية كأنها درة التاج في الثورة الجديدة، وحسمت اختيارها لصالح صباحي الناصري الأصول، وبدا طبيعيا أن يفوز صباحي بالمركز الأول غير بعيد عن الإسكندرية في محافظة كفر الشيخ، وفيها مسقط رأسه ومواكب نصره البرلماني حين كان نائبا، وقد أعطته مددا مؤثرا من أصوات صياديها وفلاحيها وعمالها وموظفيها، وهم الكتلة الغالبة في المحافظة المظلومة المثقلة بأوجاعها الطافحة بأشواقها. وفي قلب الدلتا الأكثر تطورا، حسمت «المنصورة» كلمتها، وهي ثالث أكبر مدينة في مصر، وعاصمة محافظة الدقهلية، وهي الثانية في الثقل السكاني بعد القاهرة مباشرة، أعطت مدينة المنصورة لصباحي المركز الأول فيها، وأعطته الدقهلية المركز الثاني بفارق ضئيل لصالح شفيق، وبدا الحسم في دلتا مصر قرينا للحسم في المنصورة، وهي المدينة الأغزر إنتاجا للمبدعين وقادة السياسة والتفكير والوجدان في مصر كلها، ومركز التفاعلات في محافظات الدلتا، والممتد بتأثيراته المباشرة إلى محافظات الغربية ودمياط والشرقية والبحيرة والقليوبية، حيث بدا تقدم ظاهرة صباحي مثيرا في»دمنهور» بطبعها الثوري الغلاب، وفي «المحلة الكبرى» بطابعها العمالي ومزاجها الراديكالي، وإلى مدن الغربية كلها، وإلى دمياط حيث بدا تقدم صباحي لافتا في مركز الإنتاج الحرفي والحس التجاري. وبقدر ما بدا تقدم صباحي محدودا في مطروح وسيناء بطبائع التركيب العشائري فيها، فقد بدت مدن قناة السويس على موعد مع تقدمه الشعبي، فهذه المدن معارضة بطبعها الساحلي، وبتراث المقاومة المسلحة ضد البريطانيين والإسرائيليين في شوارعها وأزقتها ونفوس أجيالها، وقد صعدت شعبية حمدين صباحي فيها بتدرج لافت من الجنوب إلى الشمال، ووصلت إلى الذروة في بورسعيد التي منحته المركز الأول، فيما بدا جهاز الدولة الأمني والإداري الذي ساند مرشح مبارك مترنحا، وبدا جهاز الإخوان ملياري الإنفاق في حال العسر بعد اليسر الشعبي، وفي حال المجاهدة لإثبات وجود يتزعزع، وبالجملة، تبدو الصورة ناطقة بملامحها وأماراتها، ففي جملة أصوات القاهرة والوجه البحري ومدن القنال كان لحمدين صباحي المركز الأول بامتياز.
لكن الصعيد -الوجه القبلي- وحده هو الذي أعطى صوته في الاتجاه المخالف، وجعل حمدين يحل ثالثا بعد مرشح جماعة الإخوان ومرشح جماعة مبارك، فقد أعطى الصعيد أكثر من مليوني صوت لمرشح جماعة الإخوان، وأعطى مرشح جماعة مبارك أكثر من مليون ومائة ألف صوت، وأعطى عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح تصويتا أقل، وإن كان مؤثرا، فيما لم يعط حمدين صباحي سوى 400 ألف صوت من جملة أصواته التي قاربت الخمسة ملايين، وبدون أصوات الصعيد، كان مرشح الإخوان سيهبط إلى المركز الرابع بحوالي 6 و3 ملايين صوت، وكان عبد المنعم أبو الفتوح سيتقدم إلى المركز الثالث، وكان أحمد شفيق سيظل في المركز الثاني بحوالي 4 و4 ملايين صوت، فيما يظل حمدين صباحي وحده في المقدمة، وهي النتيجة التي لم تتحقق بالطبع، بسبب أوضاع الصعيد الذي لم يكن طرفا مبادرا في حوادث الثورة، وإن كان دائما في وضع الضحية والتخلف الاجتماعي والجهل الأبجدي و«الفقر الدكر»، ولديه كل أسباب الثورة، وإن كانت طاقة الثورة لم تصل إليه بعد، وهو ما قد يلام عليه الثوريون لا الصعايدة، ويوجب اهتماما خاصا من الثوريين بأهلنا الكرام الطيبين في الصعيد.
هذه مجرد تأملات على هامش ظاهرة ثورية تصعد اليوم. وقد تحكم غدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.