قرب الحصن الأيسر للحي البرتغالي، قريبا من أوطيل فرنسا، جنب المرسى، صعدا لسيدي الضاوي، وراء المرسى، على كتف الجمارك، بعيدا بنحو ثلاثمائة متر، إن أحسنت التقدير، عن المسرح البلدي المريض. وبعيدا بمعدل أربعمائة خطوة متوسطة، إن قدرت تقديرا حسنا عن الكوميسارية، التي وجهُها في البحر ومؤخرتها لبنك المغرب.. هناك باب في حائط أبيض يقودك اجتيازه مباشرة إلى مقاهٍ شعبية تشوي السردين، السردين الذي أحبه بلا حدود وأعُدّه وحدَه سمكا.. إنه إحدى النعم الربانية المبارَكة لهؤلاء الفقراء وذوي الحاجة إلى غذاء غنيّ بالبروتينات وخفيف على الجيوب. ما أروعك يالله! وما أروع السردين! سواء أكان مشويا أم مقليا أم كفتة مكورة مشوية أم مطبوخة مع الطماطم على شكل طجين. السردين يحفظ صحتك ويحفظ جيوبك. ما أروعك ياالله! وما أروع السردين!.. الجو حار والمعدة لا تتوقف جراؤها عن العواء والتخاصم. وأنا أضيع وقتا طويلا في حسم القرار. هذه مشكلة والله؟.. وأخيرا، تقودني رجلاي نحو الباب المفتوح، حيث الدخان يتراقص والرائحة طعم الصنارة. -شواية؟ السردين بائت ماكلة أحسن، قالت. الماكلة هي الأخرى ليست الأحسن. الحظ لم يقف إلى جانبي اليوم. كل شيء يمر. المهم أن الجراء سكتت وسكنت. والمخ في حاجة إلى الدخان. -واحد الماركيز! السيجارة في الزاوية و»الفانتا» نصفها فارغ. والكأس تنتظر يدي الممدودة. نفَس مدهش ورشفة فتحت المخ مثل وردة وعجّلت بخروج الدخان من مناخيري. نبهني الطفل الديطايي إلى ذبابة تقاوم الموت في عمق الزجاجة. قالت: كيف يمكنك أن تنقد الذبابة؟ لم تترك لي فرصة. امتدت يدها إلى «الفانتا» وسكبت ما تبقى في كأس فارغة. قالت لي: اشرب -تكفيني كأس -فيك الشيكي.. شربتْ الليموندا وقالت: أنا لا أعاف.. نحن في نفس «الطابلة»، أنا أدخن وأرشف «الفانتا»، وهما تأكلان السمك. سألت: الغذاء على حساب صاحب المقهى؟ -آحنا خدّامات، كاين شي خدمة أحسن عندك... أنت معلّيمْ؟ ياك؟ لا أجيب. أكتفي بالنظر. أسأل: أنت منين؟ -عبدية...هاها... لا أنا من الجرف، وهي وجدية -وجدية كاع؟ -كي جيتك؟ رقيقة ياك؟ - لا أنت جميلة. مانكان... هاها... -ها أنت... وكشفت عن سر في الصدر... لا سردين اليوم ، لكن الهواء هنا له رائحة فريدة. -كنت تتقراي؟ -الأولى وباغة نقرى الإنجليزية والألمانية. الوقت تغيراتْ. -والشعر؟ هل تحبين الشعر؟ -شوية؟ -يا الوجدية؟ يا النار الحامية؟ السردين في البحر والصياد في البر والمشوات تنتظر رزقها... يا رزاق!