استطاع عبد الإله بنكيران الحصول على اتفاق بين الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب من أجل تمويل صندوق «دعم التماسك الاجتماعي»، الذي كان اسمه سابقا «صندوق التضامن»، ب 1.5 في المائة من الأرباح الصافية للشركات التي تحقق أزيد من 200 مليون درهم، في حين أن هذا الموضوع سبق أن طرح في عهد الحكومة السابقة، وكان الرفض قاطعا من طرف «الباطرونا» عندما علمت أن حكومة عباس الفاسي أرادت فرض ضرائب على الأثرياء لتمويل الصندوق. في إطار تعزيز آليات التماسك الاجتماعي لفائدة الساكنة التي تعاني من الهشاشة، وفي انتظار الإصلاح الشامل لنظام المقاصة، اقترح مشروع القانون المالي 2012 إحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يسمى «صندوق دعم التماسك الاجتماعي»قصد تمويل ودعم العمليات الاجتماعية التي تستهدف الساكنة المعوزة، ولا سيما من خلال المساهمة في تمويل النفقات المتعلقة بتنفيذ نظام المساعدة الطبية وتعميمه، وكذا تقديم المساعدة للأشخاص في وضعية إعاقة من خلال اقتناء الأجهزة الخاصة، وتحسين ظروف تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، وتشجيع الإدماج المهني والنهوض بالأنشطة المدرة للدخل، وكذا المساهمة في خلق وتسيير بنيات الاستقبال لهذه الفئة، بالإضافة إلى مكافحة الهدر المدرسي عن طريق منح الكتب واللوازم المدرسية والمساعدات المالية المباشرة لفائدة الأطفال الممدرسين المنتمين لأسر معوزة. وتتشكل موارد هذا الصندوق أساسا من مساهمة تتحملها الشركات الخاضعة للضريبة على الشركات المقترح إحداثها في إطار قانون المالية 2012، وكذا مساهمة صندوق تضامن مؤسسات التأمين يتم دفعها للميزانية العامة قصد تحويلها لفائدة الصندوق المستفيد، بالإضافة إلى اقتطاع 1.6 من ثمن البيع، دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة على السجائر. وتقدر موارد صندوق التماسك الاجتماعي برسم السنة المالية 2012 حوالي 200 مليار سنتيم.
قبل 5 أشهر كان اسمه في آخر عهد حكومة عباس الفاسي، أثير نقاش حول عزم الحكومة آنذاك فرض ضريبة على الثروة من أجل تمويل «صندوق التضامن» المخصص للدعم المباشر للفقراء، وهو ما نفته الحكومة بشدة من خلال تصريحات لوزير المالية ووزير الاتصال السابقين. بالمقابل لم يتم الكشف عن الصيغ المقترحة لتمويل الصندوق في مشروع قانون المالية الذي تم سحبه فيما بعد.لكن بعض المصادر أشارت إلى أن تمويل الصندوق الذي اقترحته الحكومة السابقة ستتحمله الأبناك، التي حددت قيمة ما ستدفعه سنويا في 450 مليون درهم بالتضامن بين جميع المؤسسات، وستتحمل شركات التأمين بالتضامن أيضا 150 مليون درهم على مدى ثلاث سنوات بمعدل 50 مليون درهم سنويا، في حين ستُلزم شركات الاتصالات بالمساهمة عن طريق ضريبة تعادل 1 في المائة على أرباحها السنوية. وتضمنت الصيغة أيضا مساهمة طرف رابع من خلال فرض ضريبة على الاستهلاك العالي للكهرباء، ويهم الأسر التي يتعدى استهلاكها الشهري من الكهرباء 400 كيلوات، مما يعادل 1000 درهم شهريا، شريطة ألا يتجاوز سقف هذه الضريبة 200 درهم، بالإضافة إلى فرض الضريبة نفسها على فواتير استهلاك المؤسسات الصناعية والشركات، لكن كل هذه الاقتراحات أصبحت من الماضي، حيث جاءت حكومة بنكيران لتطرح تصورا آخر عن هذا الصندوق الذي تغير اسمه وكذا طريقة تمويله.
الشركات وثقافة التضامن قبل نهاية ولاية حكومة عباس الفاسي، أجل إحداث الصندوق الوطني للتضامن، الذي يروم دعم التضامن الاجتماعي، والاعتناء بالتنمية البشرية، والتشغيل والسكن الاجتماعي، والدعم المباشر للفئات المعوزة، والعناية بالعالم القروي، وإحالته على الحكومة القادمة. وأرجع خالد الناصري، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة السابق، قرار إرجاء إحداث الصندوق، الذي كان مثار جدل وخلاف داخل الأغلبية الحكومية السابقة، إلى ما يتضمنه من التزامات ذات أبعاد إستراتيجية كبيرة، تقتضي أن تتحمل مسؤوليتها بخصوصه. وعلق المحلل الاقتصادي إدريس بنعلي آنذاك على هذا السحب بأن «الأمر طبيعي ويخضع لضغط لوبيات اقتصادية، إذ كانت هناك ضغوطات من طرف بعض الأبناك ومؤسسات التأمين وشركات الاتصال لسحبه لتخوفها من أن تصير المساهمة في الصندوق دائمة ومقننة، وبرهنت على أنها غير مستعدة للأمر»، وما لا يجب إغفاله أن «موضوع التضامن لا يعني شيئا بالنسبة إلى عدد من مسيري المقاولات المغربية، ولا نملك في المغرب ثقافة للعمل الخيري كما يحدث في عدد من الدول حيث تلجأ المؤسسات التي تحقق أرباحا كبيرة إلى إنشاء منظمات موازية تشرف على تمويل مشاريع إنمائية أو تقدم منحا للطلبة المعوزين.. وهذا تفكير يغيب في المغرب بسبب استمرار البورجوازية الوصولية، التي لا تهتم بالعمل الإحساني» يضيف بنعلي.
صعوبة إعادة إحياء الصندوق أعلن عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، أن مشروع القانون المالي للسنة الجارية رصد ميزانية تناهز 200 مليار سنتيم لصندوق التماسك الاجتماعي، حيث ستتولى الدولة توفير 40 في المائة من هذه الميزانية، وهو ما يعادل مبلغ 80 مليار سنتيم، بينما ستساهم المقاولات الخاصة في ميزانية هذا الصندوق بغلاف مالي قدره 120 مليار سنتيم، أي ما يناهز 60 في المائة من إجمالي هذا الصندوق، حيث حددت نسبة 1.5 في المائة من أرباح الشركات التي يفوق ناتجها الصافي 200 مليون درهم، والتي تعتبر بمثابة مساهمة تتحملها الشركات الخاضعة للضريبة على الشركات. وكان نزار بركة، وزير المالية والاقتصاد، قد نفى في وقت سابق أنباء تحدثت عن رفض مجموعة من الشركات المساهمة في تمويل هذا الصندوق. كما نفى في الوقت ذاته إمكانية توجه الحكومة إلى فرض ضريبة جديدة على الشركات من أجل الحصول على الموارد المالية الضرورية لإخراج هذا الصندوق، الذي تصنفه حكومة بنكيران ضمن أولوياتها. واعترف وزير المالية بالصعوبات التي واجهتها الحكومة في تحديد آليات ومصادر تمويل الصندوق قبل التنصيص على إحداثه ورصد ميزانية له في مشروع قانون المالية لسنة 2012، لكن العديد من المحللين الاقتصاديين يرون بأن ميزانية الصندوق الحالية لن تشكل قيمة مضافة على العمل الاجتماعي بالمغرب، لأن مبلغ 200 مليار سنتيم جد ضئيل.
مساهمة وليست ضريبة حدد مشروع القانوني المالي لهذه السنة موارد الصندوق الجديد في مساهمة بعض الشركات الكبرى على الخصوص، حيث جاء في ديباجة المشروع أنه «من أجل ضمان موارد كافية للحساب المرصود لأمور خصوصية والمسمى»صندوق دعم التماسك الاجتماعي»، المحدث بموجب مشروع القانون المالي لسنة 2012، يقترح إحداث، برسم سنة 2012، مساهمة من أجل دعم التماسك الاجتماعي تتحملها الشركات الخاضعة للضريبة على الشركات، تحدد نسبتها في 1.5 في المائة من مبلغ الربح الصافي للسنة المحاسبية الذي يساوي أو يفوق 200 مليون درهم المصرح به برسم الضريبة على الشركات في سنة 2012. وهو ما أعلن عنه إدريس الأزمي، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، إذ صرح بأن مشاركة هذه المقاولات في صندوق دعم التماسك الاجتماعي ستكون مشاركة إلزامية وليست ضريبة تندرج في سياق الضرائب المعروفة، لكن رد الباطرونا، جاء على لسان محمد حوراني، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي صرح بأن المساهمة محصورة في سنة 2012، وعلى الحكومة البحث عن تمويل هذا الصندوق الجديد بعيدا عن الباطرونا.
الباطرونا تدعم الصندوق ولكن! «نعم للتضامن، لكن ليس إلى ما لا نهاية»، كان هذا رد الاتحاد العام للمقاولات بالمغرب، على دعوة الحكومة للباطرونا من أجل المساهمة في تمويل صندوق التماسك الاجتماعي الذي تعتزم الحكومة إحداثه برسم السنة المالية الحالية، وتتوجه مخصصاته إلى دعم الفئات الهشة، خصوصا في المجال الصحي و فك العزلة عن المناطق النائية. الفكرة ليست وليدة حكومة بنكيران، بل سبقتها إليها الحكومة السابقة، التي كانت تعتزم فرض ضريبة جديدة على الشركات الكبرى الفاعلة في مجالات الاتصالات والأبناك والتأمين لتمويل الصندوق الذي سمي آنذاك ب»صندوق التضامن»، قبل أن تصطدم برفض الباطرونا، لتتم الاستعاضة عنها بصيغة جديدة لحكومة بنكيران تقوم على فرض نسبة 1.5 في المائة من أرباح شركات القطاع الخاص التي تفوق أرباحها 200 مليون درهم. وقال حوراني: «كنا واضحين منذ البداية عندما طلبت الحكومة مشورتنا حول الموضوع. قلنا لهم نحن مستعدون، كمقاولات مواطنة، للمساهمة في التضامن مع الفئات الضعيفة، لكن وفق معايير، أولها ألا يكون الدعم عبارة عن ضريبة تفرض سنويا، بل الدعم سيكون لسنة واحدة، وبعد ذلك يجب على الحكومة البحث عن مصادر تمويل أخرى، حيث إن المقاولات المغربية تعيش بدورها حاليا إكراهات مرتبطة بالظرفية الاقتصادية الدولية الصعبة، وهي غير مستعدة في ظل هذه الظروف تحمل المزيد من الالتزامات على الدوام»، مضيفا أن تفعيل الضرائب الموجودة وكذلك توسيع الوعاء الضريبي من شأنه ضخ موارد جديدة لخزينة الدولة، وبالتالي لدعم مثل هذه الصناديق الاجتماعية.
صندوق التماسك الاجتماعي يدعم «راميد» بعد نجاح نظام المساعدة الطبية المعروف اختصارا ب»راميد» في جهة تادلة أزيلال، والذي انطلق العمل به منذ سنوات، ارتأت الدولة تعميمه على باقي جهات ومناطق المغرب. ومن أجل دعم هذا البرنامج الذي يحتاج إلى تمويل مهم، خصصت له حكومة بنكيران الجزء الأكبر من صندوق التماسك الاجتماعي، المزمع إحداثه في مشروع القانون المالي 2012، حيث من المتوقع أن يستفيد 4 ملايين يوجدون في فقر مطلق من برنامج «راميد» استفادة «مجانية تامة»، فيما سيستفيد 100 ألف شخص بقوة القانون، وهم نزلاء مراكز الرعاية الاجتماعية أو المؤسسات السجنية ومكفولو الأمة، في حين سيستفيد 4 ملايين شخص من المجانية النسبية نظرا لوجودهم في وضعية هشاشة. وحسب القانون المنظم للبرنامج، هناك فئتان ستستفيدان من نظام المساعدة الطبية، الأولى ستستفيد طبقا لشروط نظام المساعدة الطبية. وهذه الفئة تتكون من الأشخاص غير الخاضعين لأي نظام للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض وغير المتوفرين على مداخيل تمكنهم من تغطية تكاليف العلاج. كما سيستفيد أزواجهم وأبناؤهم البالغون من العمر أقل من 21 سنة، وغير المستفيدين من أي نظام تأمين إجباري عن المرض، وتستمر الاستفادة إلى سن 26 سنة في حال التمدرس شريطة إثبات ذلك. كما يستفيد الأطفال الموجودون تحت كفالة صاحب الطلب بصفة دائمة شريطة أن يثبت أيضا ذلك، وكذا الأبناء المعاقون جسديا أو ذهنيا وغير القادرين على القيام بأي نشاط مهني مهما كانت سنهم. وفي حالة ازدياد مولود جديد في أسرة تستفيد من نظام المساعدة الطبية يمكن للمولود الاستفادة من الخدمات الصحية شريطة تقديم عقد الازدياد أو نسخة من دفتر الحالة المدنية، ومن أجل الاستفادة يقدم أحد الزوجين وإذا تعذر عليهما ذلك يودع الطلب أحد الأبناء البالغ من العمر 18 سنة على الأقل، أو أحد أفراد العائلة. وبالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون فرادى فيمكن للمعني بالأمر أن يودع الطلب، أما إذا تعذر عليه ذلك فيمكن لأي فرد من عائلته القيام بذلك، قبل أن تنتقل هذه المهمة إلى السلطات المحلية في حال تعذر ذلك أيضا. أما الفئة الثانية المستفيدة فيتأتى لها ذلك بحكم القانون، حسب وزارة الصحة، وهم الأشخاص القاطنون بمؤسسات الرعاية الاجتماعية ومؤسسات إعادة التربية ونزلاء المؤسسات السجنية والأشخاص غير المتوفرين على سكن قار، والأشخاص المستفيدون من مجانية العلاجات بحكم تشريع خاص. محمد حوراني : وافقنا على دعم الصندوق لكن لسنة واحدة فقط لم نناقش مع الحكومة المبلغ المخصص لصندوق دعم التماسك الاجتماعي، لكن كان لدينا رأي في الموضوع، وهو أن يكون مبدأ العدل حاضرا، بمعنى ألا يكون هناك تفريق بين المؤسسات المانحة، كما كان في المشروع السابق، وأن يكون الدعم مرة واحدة فقط. لذا يجب على الحكومة البحث مستقبلا عن داعم جديد للصندوق. وقد حذرنا الحكومة كذلك من انعكاس هذا الدعم على تنافسية المقاولات، خصوصا المقاولات الصغرى والمتوسطة، لأن هذه الأخيرة لا يجب المساس بها وبميزانيتها الهشة أصلا، بل يجب أن تدعم هي كذلك. نحن لسنا ضد فكرة إنشاء صندوق للتماسك الاجتماعي، وقد تمت استشارتنا في الموضوع فأبدينا موافقتنا المبدئية على اعتبار أننا نمثل مقاولات مواطنة ومستعدون لتمويل هذا الصندوق مرة واحدة فقط للمساعدة على حسن انطلاقته، وفق معايير موضوعية وشفافة وعادلة، شريطة ألا تمس هذه المساهمة بتنافسية المقاولات لأن هناك إكراهات قوية بسبب الظرفية الاقتصادية ينبغي مراعاتها، ونحن نلح في الوقت ذاته على ضرورة أن تبحث الدولة بعد ذلك عن مصادر أخرى لتمويل هذا الصندوق، لأن مشروع القانون المالي 2012 حدد دعم هذا الصندوق الجديد في سنة واحدة. أما عن تفاصيل هذا الصندوق وما مدى نجاحه أو مدى استنزافه للموارد مثل ما يقع حاليا لصندوق المقاصة الذي يعتبر «قنبلة موقوتة»، فإن الدستور الجديد واضح في هذه المسألة وغلّب مبدأ المحاسبة، والمقاولات رحبت بدعم الطبقات الفقيرة من خلال الصندوق الجديد. لقد كنا ضد خلق صندوق للتضامن في عهد حكومة عباس الفاسي من خلال فرض ضريبة على بعض الشركات الكبرى دون غيرها أو فرض ضريبة على الأثرياء، لأن الاقتصاد المغربي ليس في حاجة إلى ضرائب جديدة بقدر ما نحن في حاجة إلى توسيع الوعاء الضريبي ليشمل الجميع، خصوصا القطاع غير المهيكل، الذي يجب أن يقنن ويصبح ذا قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وليس العكس. رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب
عمر كتاني : ميزانية ملياري درهم المخصصة للصندوق غير كافية لدعم 8.5 مليون معوز مغربي لا أعتقد أن ميزانية ملياري درهم المخصصة لصندوق التماسك الاجتماعي، كافية لدعم 8.5 ملايين معوز مغربي، وقد ذكر بعض وزراء حكومة عبد الإله بنكيران بأن في نية الحكومة إنشاء عدة صناديق اجتماعية منها صندوق الزكاة . ونحن في الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في الاقتصاد الإسلامي اقترحنا كذلك إنشاء صندوق الحج وصندوق الدعم الخليجي إن هو تحقق، ففي المغرب حاليا مليونيا عاطل، وإذا قدرنا معدل المال الضروري لتشغيل كل عاطل ب40 مليون سنتيم فإننا سنحتاج إلى 800 مليار درهم أي 80 مليار درهم سنويا، إضافة إلى المجهود الحالي إن قسمنا المجهود على عشر سنوات. ولكن الحكومة مضطرة، في اعتقادي، إلى الإسراع ولا تستطيع بالمعطيات الحالية فتح هذه الورشات كلها في آن واحد. في اعتقادي الشخصي، يجب على الباطرونا المالية في المغرب أن تكون في واجهة تمويل الإصلاحات في المغرب، لأن اقتصاد الريع في المغرب له مصدران أساسيان أولهما الأبناك التي تتجنب كل قطاعات الاستثمار التي فيها مخاطرة، ثم قطاع البناء الذي تطبعه السياسة الفاسدة لتوزيع الأراضي العامة. أما عن التخوف من عدم وصول دعم هذا الصندوق الجديد إلى الجهة المستهدفة، كما يقع مع صندوق المقاصة، فأظن أن هذا التوقع أقل احتمالا مع الحكومة الجديدة ولكنه وارد مع ذلك، لأن الفساد أصبح مع كامل الأسف جزءا من الثقافة العامة، ولا يمكن إزالته بسرعة رغم الثقة المفترضة حاليا في نزاهة المجموعة الحكومية الحالية. كما أعتقد أن التخوف من عدم تفعيل صندوق الزكاة بالمغرب حاليا لا يزال قائما على مستوى فئة من الأطر، ولا أقول المثقفين المغاربة، ولكن الشعوب لا تتطور بتبني ظاهرة الخوف من التغيير وإنما بالشجاعة الضرورية لبناء التغيير وأكثر من ذلك لتوقع التغيير واستباقه بالطرق العلمية السليمة، ونحن نومن بأن الله عز وجل كما يزكي المال الخاص إذا أدى صاحبه زكاته فإنه يزكي المال العام إذا تبنت الدولة المسلمة تطبيقه، ولا يزكي المال العام إذا أغفلت الدولة عن تطبيق هذه المبادئ الأساسية.
أستاذ جامعي وعضو الجمعية المغربية للدراسات و البحوث في الإقتصاد الإسلامي
محمد برادة : يجب تجميع كل الصناديق الاجتماعية في آلية موحدة المغرب يتوفر على عدة صناديق موجهة إلى القطاع الاجتماعي، وهذا خطأ، فكلما واجهت الحكومة مشكلا اجتماعيا تضطر إلى خلق صندوق جديد، والدليل على ذلك أنه في مشروع القانون المالي 2012، سيخلق صندوق جديد تحت اسم «صندوق دعم التماسك الاجتماعي»، إضافة إلى صندوق المقاصة، الذي يدعم المواد الاستهلاكية، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وعدة صناديق أخرى، فلماذا إضافة صندوق آخر؟ في اعتقادي يجب توحيد هذه الصناديق في آلية موحدة لدعم القدرة الشرائية للمواطنين الفقراء. كما أن تأخر الحكومات السابقة وكذا حكومة بنكيران في إصلاح صندوق المقاصة يجعله «قنبلة موقوتة» يمكنها أن تنفجر في أي لحظة. فحسب آخر الإحصائيات المتوفرة، سيلتهم هذا الصندوق 81 مليار درهم خلال سنة 2012، في حين رصدت الحكومة الحالية له في مشروعها لقانون المالية 2012 حوالي 32 مليار درهم، تنضاف إليها 21 مليار درهم كمتأخرات من السنوات الماضية، أي حوالي 53 مليار درهم، لكن واقع الحال يقول إن هذا الرقم سيتم تخطيه لأن الحكومة الحالية وضعت أرقامها على أساس سعر برميل النفط لا يتعدى 100 دولار، حيث إن سعره يصل حاليا إلى 122 دولارا ويمكنه أن يرتفع مستقبلا، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية مثل السكر والحبوب، باعتبار أن الموسم الفلاحي الحالي ضعيف وواردات المغرب من هذه المواد سترتفع هذه السنة، وبالتالي يمكن أن تبلغ كلفة صندوق المقاصة خلال هذه السنة 60 مليار درهم، تنضاف إليها متأخرات بمبلغ 21 مليار درهم، ليصل المبلغ الإجمالي إلى 81 مليار درهم، وهو ما يمثل 7 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهذا أمر خطير. إذن تأخير إصلاح صندوق المقاصة يضر كثيرا في نسبة النمو، وكان على الحكومات السابقة إصلاح هذا الصندوق عندما كان النمو السنوي جيدا، فالمغرب أعطى ويعطي أسبقية للاستهلاك على حساب التصنيع والإنتاج، وخير دليل على ذلك هو ارتفاع استيراد المواد الاستهلاكية من الخارج خلال آخر إحصائيات مكتب الصرف لشهر فبراير 2012.
وزير المالية الأسبق وأستاذ جامعي
أحمد أزيرار : ميزانية صندوق التماسك الاجتماعي يجب أن تفوق 20 مليار درهم لكي يبلغ أهدافه التضامن الاجتماعي بالمغرب موزع بين عدة صناديق ومبادرات، منها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وصندوق المقاصة، وكذا المبادرات التي تهم الجانب الصحي والتعليمي...إلخ. كل هذا يدخل في إطار التضامن الاجتماعي، لكن الصندوق الجديد الذي أسماه مشروع القانون المالي 2012 «صندوق دعم التماسك الاجتماعي»، الذي يدعم فئة لا تستفيد من التغطية الصحية، أعتبرها بداية جيدة ويجب تشجيعها وتدعيمها. لكن إذا ما قمنا بعملية حسابية حول المبلغ الذي يلزم لدعم الفئات، التي من المنتظر أن تستفيد من هذا الصندوق الجديد، سنجد أن المبلغ يجب أن يفوق 20 مليار درهم، في حين أن مشروع القانون المالي 2012 حدد المبلغ في ملياري درهم. هذا أمر مهم كبداية، لكن يجب أن تكون النظرة استشرافية للمستقبل،لأن تمويل هذا الصندوق حاليا ينبني على تضامن بعض الشركات التي تفوق أرباحها السنوية 200 مليون درهم، لكن أعتقد أن الشركات لن يكون لها النفس الطويل لدعم هذا الصندوق بصفة دائمة، وبالتالي يجب اعتماد مقاربة أخرى لتمويل هذا الصندوق وحتى الصناديق الأخرى في المستقبل. فيجب، أولا، أن تجمع هذه الصناديق التي تستهدف الفئات الفقيرة والهشة داخل المجتمع، من أجل أن تكون لديها فعالية في الميدان الاجتماعي، وتحدد الفئة المستهدفة بصيغة أكثر تدقيقا. ثم يجب، ثانيا، أن يكون تسيير وتدبير هذه الصناديق عقلانيا وشفافا. وثالثا، يجب أن يكون تمويل الصندوق مدروسا وممنهجا لكي تكون له استمرارية على المديين المتوسط والطويل. وحاليا لا يجب أن نحكم على الصندوق الجديد للتماسك الاجتماعي بالفشل أو النجاح، لأن الفكرة جيدة وتقيس جانبا حساسا في المجال الاجتماعي لفئات من المجتمع لا تستفيد من الولوج إلى التغطية الصحية. وبالتالي يجب أن توفر لهذا الصندوق جميع الوسائل من أجل إنجاح التجربة، مع عقلنة للنفقات الاجتماعية وإيجاد تمويل ممنهج ولفترات طويلة.
أستاذ جامعي ورئيس الجمعية المغربية للاقتصاديين المتخصصين في المقاولات
نجيب أقصبي : هناك ضبابية في طريقة اشتغال هذا الصندوق وكذا في كيفية تمويله
أعتقد أن الرؤية غير واضحة فيما يخص عمل الحكومة الحالية وتحديدا في الجانب الاجتماعي، فمن جهة هم واعون بالإكراهات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد المغربي، ومن جهة أخرى أعطوا للشعب آمالا كبيرة فيما يخص محاربة الفقر والهشاشة وتوسيع التغطية الصحية...إلخ وفيما يخص الصندوق الجديد للتماسك الاجتماعي، أظن أن هناك ضبابية في طريقة اشتغال هذا الصندوق وكذا في كيفية تمويله، فالمعروف عند الجميع أن أي سياسة اجتماعية قارة يجب أن يقابلها البحث عن تمويل قار لهذه السياسة حتى تضمن لها النجاح، وبالتالي تمويل السياسة الاجتماعية يجب أن يكون كافيا، بالإضافة إلى ضمان شروط الاستمرارية لهذا التمويل. والحكومة الحالية حددت مبلغ ملياري درهم لهذا الصندوق الجديد، وهو مبلغ ضعيف بالمقارنة مع الأهداف الاجتماعية الكبيرة التي من أجلها أسس الصندوق، بل يمكنني القول إن ملياري درهم تعد لا شيء، أي أننا أمام عرض لا يلبي الطلب المتزايد للفقراء على كل ما هو اجتماعي، بل يجب التفكير في تمويل في المستوى لكي نضمن النجاح لهذه التجربة. هذا امتحان للحكومة الجديدة، فالجميع يعلم أن هناك فوارق اجتماعية كبيرة، وفي الحملة الانتخابية السابقة كانت وعود حزب العدالة والتنمية جد كثيرة، خصوصا في الجانب الاجتماعي، لكن الخطاب شيء والفعل شيء آخر. ظاهريا يبدو الحزب الذي يقود الحكومة الحالية حزبا محافظا، لكنه اقتصاديا هو ذو توجهات «نيوليبرالية»، وهنا يظهر التناقض، فمن جهة يريد أن يخدم الجانب الاجتماعي ليبقى قريبا من الشعب، لكن في المقابل لا يريد أن يطلب شيئا من المقاولات والبورجوازية في هذا البلد، وبالتالي فهو يجاملها ولا يريد المساس بمصالحها، وهذا تناقض صارخ لأن الذي يجب أن يمول الصناديق الموجهة لخدمة الفقراء هم الأغنياء، ولو كانت للحكومة إرادة كافية لطلبت من الأغنياء تمويل كل ما هو اجتماعي. كما يجب الاعتراف بأن هناك ريعا في صندوق المقاصة الذي أسس خصيصا لمساعدة الفقراء، لأن السؤال المطروح هو: من يستفيد منه؟ فأكثر من 75 في المائة من دعم المواد الطاقية يذهب إلى الأغنياء. لذا يجب القطع مع هذا النوع من الدعم الذي لا يستفيد منه الفقراء، الذين يجب أن تدعم قدرتهم الشرائية بطريقة مباشرة، وليس عبر صندوق المقاصة أو أي صندوق آخر، لأنه ليس عادلا في توزيع عائداته، وهذه العملية تعتبر مربحة وأقل خسارة للدولة. وبعملية حسابية، يمكن أن يصل دعم الدولة إلى حوالي مليون أسرة فقيرة، أي 5 ملايين مغربي، ينضاف إليهم حوالي 3 ملايين شخص في حالة هشاشة، وهذا لن لن يكلف خزينة الدولة أكثر من 20 مليار درهم كدعم مباشر لهذه الفئات. خبير اقتصادي