يعتبر مشروع قانون المالية لسنة 2012 أول اختبار لحكومة بنكيران التي عينت مؤخرا. وبينما قال رئيس الحكومة إن المشروع الحالي لا يؤسس لسياسة التقشف، بل لقانون إرادي قوي يسير في اتجاه الوفاء بالتزامات الحكومة والاهتمام بالقضايا الاجتماعية، يرى خبراء الاقتصاد أن الأرقام المصرح بها جد متفائلة، ولا يمكن للحكومة بلوغ نسبة نمو تفوق 2.5 في المائة. ترى حكومة بنكيران أن مشروع قانون المالية لسنة 2012 يجسد حرصها على إعطاء إشارات قوية للفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في ظل إكراهات الظرفية العالمية والإقليمية والوطنية من خلال تكثيف الاستثمار العمومي لتوفير التمويل اللازم لمواصلة الأوراش الكبرى والاستراتيجيات القطاعية لدعم التشغيل وتنفيذ الالتزامات المتخذة في إطار الحوار الاجتماعي واعتماد تدابير استعجالية لمواجهة انعكاسات تأخر التساقطات المطرية. لكن محللين وخبراء يرون غير ذلك، ويعتقدون بأن الحكومة الجديدة لن تفي بوعودها المقدمة من خلال مشروع القانون المالي الحالي، لأنها تأخرت كثيرا في مناقشته، وبالتالي لن يتم تطبيق القانون المالي خلال 12 شهرا، بل على الأكثر خلال 6 أشهر، ينضاف إلى ذلك أن عدة إكراهات تحول دون تحقيق نسبة النمو المعلنة، أي 4.2 في المائة. موارد الدولة تصل إلى 314 مليار درهم تقدر الموارد الإجمالية لميزانية الدولة، برسم مشروع القانون المالي لسنة 2012، بنحو 314 مليارا و511 مليون درهم، تتوزع على الميزانية العامة، ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، والحسابات الخصوصية للخزينة، فيما تصل الاعتمادات المرصودة للإدارات برسم نفقات الاستثمار ما مجموعه 97 مليارا و105 ملايين درهم. وسجل الاستثمار العمومي ارتفاعا بقيمة 21 مليار ليصل إلى أزيد من 188 مليار درهم هذه السنة. وقد أعلن نزار بركة، وزير الاقتصاد والمالية، أن الاستثمار العمومي سيعرف ارتفاعا برسم مشروع القانون المالي لسنة 2012 بقيمة 21 مليار، ليصل إلى أزيد من 188 مليار درهم، منها نفقات الاستثمار المسجلة برسم الميزانية العامة، وأيضا نفقات الاستثمار الخاصة بالحسابات الخصوصية للخزينة والجماعات المحلية والمقاولات والمؤسسات العمومية ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، مما سيمكن من مواصلة إنجاز وتحديث البنى التحتية. وتلتزم الحكومة، حسب نزار بركة، بالعمل على استعادة التوازنات الماكرو اقتصادية والمالية، خصوصا في ظل إكراهات الظرفية الدولية والوطنية، من خلال اعتماد آليات من أجل ضمان مسار سليم للمالية العمومية تمكن من حصر عجز الميزانية في حدود 3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في أفق 2016. حصر مستوى العجز في 5 % اعتبر إدريس الأزمي الإدريسي، الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، أن صياغة مشروع القانون المالي في بعده المالي تمت على أساس حصر مستوى العجز في 5 بالمائة، مقابل 6.1 بالمائة في السنة الماضية، وأيضا على أساس فرضيات تقدر معدل نمو الناتج الداخلي الخام في 4.2 بالمائة، وحصر معدل التضخم في 2.5 بالمائة، على أساس 100 دولار للبرميل، كسعر متوسط للبترول. وأكد الأزمي على أن ربح الرهانات المطروحة على البلاد في مواجهة تقلبات الظرفية الدولية وفي ظل واقع إقليمي مضطرب سياسيا واجتماعيا، موازاة مع الحرص على سلامة التوازنات المالية، يستدعيان التحلي بروح المسؤولية وروح المبادرة والانخراط الجماعي لكافة المواطنين، سياسيين واقتصاديين واجتماعيين، تحصينا لمكتسبات المغرب في وضعية بدأت تعاني فيها عدد من البلدان، بما فيها الأوربية، من فقدان السيطرة على القرار السيادي في المجالات المالية والاقتصادية والاجتماعية. أكثر من 77 مليار درهم كتحملات متوقعة تصل التحملات المتوقعة من خلال مشروع القانون المالي إلى حوالي 77 مليارا و346 مليون درهم، فيما تبلغ الاعتمادات المرصودة للإدارات برسم نفقات الاستثمار ما مجموعه 97 مليارا و105 ملايين درهم. ويصل حجم الاعتمادات المخصصة لبرامج الاستثمار الممولة في إطار الحسابات الخصوصية للخزينة، التي لا تستفيد من التحويلات المالية للميزانية العامة إلى 10.16 مليارات درهم، وتهم أساسا تعزيز الشبكة الطرقية الوطنية ودعم البرامج الخاصة بقطاعات الفلاحة والمياه والغابات وتربية المواشي والقطاع السمعي البصري والسكن والعدل والثقافة والرياضة ودعم المقاولين الشباب، وكذا برامج اجتماعية وتربوية.وقد ارتفعت الاعتمادات المسجلة برسم خدمة الدين العمومي بنسبة وصلت إلى 17 بالمائة، مقارنة بالسنة الماضية، حيث وصل مجموعها إلى أزيد من 42 مليارا و743 مليون درهم، مقابل 36 مليارا و534 مليونا و258 ألف درهم برسم سنة 2011. وتتوزع هذه الاعتمادات على الدين الخارجي (7 مليارات و623 مليون درهم) بنسبة ارتفاع 3.1 في المائة، والدين الداخلي (35 مليارا و120 مليون درهم) بارتفاع نسبته 20.52 بالمائة، مقارنة بالسنة الماضية. ارتفاع نفقات التسيير
تتوزع نفقات الميزانية العامة برسم مشروع قانون المالية الحالي على نفقات التسيير ونفقات الاستثمار ونفقات الدين القابل للاستهلاك والدين العام.وتبلغ الاعتمادات المفتوحة برسم نفقات التسيير 187 مليارا و830 مليونا و480 ألف درهم، أي بزيادة تبلغ 57. 23 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية، وتتوزع هذه الاعتمادات على نفقات الموظفين، التي ارتفعت بنسبة 68. 8 بالمائة، ونفقات المعدات والنفقات المختلفة. كما تتوزع على التحملات المشتركة - التسيير التي ارتفعت بنسبة 71.76 في المائة مقارنة بسنة 2011 . وتخصص هذه الاعتمادات أساسا لتغطية الإعانات المرصودة لدعم أسعار المواد الأساسية ولتمويل مساهمة الدولة باعتبارها مشغلا في الصندوق المغربي للتقاعد. وتهم أيضا النفقات الطارئة والمخصصات الاحتياطية، التي تبلغ الاعتمادات المفتوحة فيها برسم هذا الفصل ما قدره 2666 مليون درهم تخصص لتغطية النفقات الاستثنائية والنفقات الطارئة خلال السنة وبرنامج تصفية المتأخرات. المساهمة في صندوق التماسك الاجتماعي أكد عبد الإله بنكيران أن الحكومة أضافت إلى قانون المالية لسنة 2012 لمسة اجتماعية، لا سيما من خلال صندوق التماسك الاجتماعي، مبرزا أن عمل الحكومة الحالية «تراكمي» ولا ينفصل عن عمل الحكومة السابقة. وأبرز رئيس الحكومة، في كلمة خلال افتتاح لقاء دراسي نظمته فرق الأغلبية بالبرلمان حول «مشروع قانون المالية لسنة 2012»، يوم الأحد المنصرم، أن إحداث هذا الصندوق فكرة قديمة أصرت على تفعيلها الحكومة الحالية، إلى جانب مبادرات إيجابية أخرى من قبيل نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود (راميد) الذي أعطى انطلاقة تعميمه مؤخرا الملك محمد السادس. وسيحدث الصندوق باعتمادات تقدر بملياري درهم، حيث سيستهدف الفئات الضعيفة عبر المساهمة في تمويل العمليات المتعلقة بنظام المساعدة الطبية، الذي أعطى الملك انطلاقة عملية تعميمه على مختلف ربوع المملكة في أفق أن يشمل حوالي 8.5 ملايين مواطنة ومواطن من الشرائح المعوزة. كما سيقدم هذا الصندوق الدعم النقدي المباشر لفائدة تمدرس أبناء الأسر الفقيرة ولمحاربة الهدر المدرس. وقد أشار وزير المالية والاقتصاد إلى أنه لأول مرة، في إطار هذا الصندوق، سيتم استهداف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. وأضاف أنه سيتم تمويل هذا الصندوق من خلال مساهمة تضامنية برسم سنة 2012 من لدن الشركات التي يساوي أو يفوق مبلغ ربحها الصافي 200 مليون درهم، بنسبة 1.5 بالمائة، إضافة إلى الرفع من الرسم الداخلي على استهلاك التبغ ب1.6 في المائة. وفي مجال التضامن الاجتماعي دائما، وفي إطار البدء بتفعيل آليات استرجاع الدعم الذي تستفيد منه الفئات الميسورة، أبرز الوزير أن مشروع قانون المالية يقترح إعادة النظر في رسم أول تسجيل للسيارات عند الاقتناء مع الحرص على وضع سلم يراعي قيمة السيارة وقوتها الجبائية. وأضاف أنه على نفس الأساس ستتم مراجعة أسعار الضريبة السنوية على السيارات، مما يمكن من توزيع عادل لهذا المجهود، على أن تستثنى من هذا الإجراء العربات المعدة للنقل العمومي. رفع منحة الطلبة ب 200 درهم شهريا يمكن اعتبار مبادرة الحكومة الرفع من منحة الطلبة، رغم هزالة المبلغ، أولى التفاتة للطلبة من قبل المسؤولين منذ عدة سنوات، وتهم العملية الرفع من منحة الطلبة ب 200 درهم شهريا بالنسبة إلى مستوى الإجازة وما دونها و300 درهم في الشهر لما بعد الإجازة. كما تعتزم وزارة التربية الوطنية برسم السنة الجارية افتتاح 290 مؤسسة تعليمية جديدة ليبلغ إجمالي عدد المؤسسات التعليمية 9995 مؤسسة مقابل 9705 مؤسسات برسم الموسم الدراسي 2010-2011، موزعة على 7349 مؤسسة في التعليم الابتدائي و1706 مؤسسات في المستوى الثانوي الإعدادي و940 مؤسسة في المستوى الثانوي التأهيلي. كما تعتزم بناء 153 مؤسسة تعليمية جديدة بالعالم القروي، منها 89 مدرسة ابتدائية و38 ثانوية إعدادية و26 ثانوية تأهيلية، وكذا بناء 112داخلية جديدة، مما سيسمح برفع العدد الإجمالي للداخليات إلى 594، موزعة على 298 داخلية في المستوى الثانوي التأهيلي و296 في المستوى الثانوي الإعدادي. وتنص الإجراءات المعتمدة في مشروع الميزانية على توسيع دائرة المستفيدين من المبادرة الملكية «مليون محفظة»، حيث يبلغ عددهم أربعة ملايين و102 ألف و377 مستفيدا برسم السنة الدراسية 2011-2012، أي بزيادة قدرها 52 ألفا و805 مستفيدين عن السنة الدراسية التي قبلها.
نجيب أقصبي: الحكومة الحالية لن تحقق ما أعلنت عنه في مشروع القانون المالي أعتقد أن الجديد في مشروع القانون المالي 2012 هو لا شيء، فلما قرأت مشروع القانون المالي تساءلت: لماذا تأخرت الحكومة في طرحه ومناقشته طيلة هذه المدة؟ وهل التغييرات الطفيفة التي أدخلت عليه من شأنها تبرير هذا التأخر؟ منذ استقلال المغرب، يناقش لأول مرة مشروع القانون المالي خلال شهري مارس وأبريل. وهذا التأخير يعني أن القانون المالي 2012 سيطبق خلال النصف الثاني للسنة، فلو سرعت الحكومة في وتيرة المناقشات والتصويت على المشروع، فإن دخوله حيز التطبيق لن يتم قبل شهر يونيو المقبل. وحتى خلال تصفحي للمشروع وجدت أن هناك اختلافا في الأرقام المتعلقة بمبلغ الاستثمار العمومي، حيث تختلف من العرض المقدم داخل قبة البرلمان وبين التقرير الاقتصادي والاجتماعي. ولو تجاوزنا هذه الإشكالية، أعتقد بأن المبلغ المرصود للاستثمار لسنة 2012 لن يصرف إلا خلال 6 أشهر، نظرا للتأخر الحاصل في مناقشة مشروع القانون المالي، حيث هناك دورة كبيرة لإنجاز أي مشروع مثل الإعلان عن طلب العروض وفتح الأظرفة...إلخ، وبالتالي فإن العديد من المشاريع لن تنجز خلال هذه السنة. أضف إلى ذلك أنه خلال شهر نونبر من كل سنة تقفل جميع الحسابات، أي أن على الحكومة إنجاز مشاريعها خلال 5 أشهر بدل 12 شهرا، وهو ما يدفعنا إلى القول بأن الحكومة الحالية لن تحقق ما أعلنت عنه. ولو اعتبرنا مجازا أن هناك جديدا في المشروع الحالي، مثل صندوق التماسك الاجتماعي، فيمكن الرد على ذلك بأن مضمون الصندوق كان معروفا خلال السنة الماضية، وكان من الممكن تعديل المشروع القديم، وحتى إمكانية تمويله من خلال فرض 1.5 في المائة من أرباح بعض المؤسسات، التي لن تمنح الصندوق أي درهم قبل 2013، وبالتالي لن يستفيد المغاربة من صندوق التماسك الاجتماعي إلا سنة 2013. وبالنسبة إلى الأرقام المعلنة من طرف الحكومة حول حصر مستوى العجز في 5 في المائة، مقابل 6.1 في المائة السنة الماضية، وأيضا على أساس فرضيات تقدر معدل نمو الناتج الداخلي الخام في 4.2 في المائة، وحصر معدل التضخم في 2.5 في المائة، أعتقد أنه من الصعب حاليا تحقيق ذلك، لأن الكل يعلم أن الاقتصاد المغربي مرتبط بالقطاع الفلاحي وبالتساقطات المطرية. وفي هذه السنة يمكن القول إن المحصول الزراعي سينخفض بصفة كبيرة، وإحصائيا عندما ينخفض المحصول الزراعي بالمغرب أكثر من 30 في المائة لا يسجل الناتج الداخلي الخام أكثر من 2.5 في المائة. خبير الاقتصادي