سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
باريزة الخياري: الملك انخرط في الإصلاح قبل 20 فبراير ووضع الأحزاب السياسية أمام مسؤوليتها نائبة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي تقول إن حزبها سيتفاوض مع ال«بي جي دي»واختيار امرأة واحدة في حكومة بنكيران إشارة سيئة للخارج
باريزة الخياري، سياسية فرنسية الجنسية جزائرية الأصل مغربية القلب، تعد من بين أكثر خمس سيدات سياسة مغاربيات بروزا في المشهد السياسي الفرنسي. رحلتها انطلقت، في ثمانينيات القرن الماضي، من قاعدة الحزب الاشتراكي الفرنسي قبل أن تصل إلى هرمه. كما أوصلتها الدائرة الانتخابية بباريس إلى مجلس الشيوخ الفرنسي، متولية مهمة نائبة رئيسه، فضلا عن الحصول على وسام الاستحقاق من درجة فارس، وشغلها منصب قاضية بالمحكمة العليا الفرنسية، حيث يحاكم المسؤولون والوزراء الفرنسيون. «المساء» حاورت الخياري حول الانتخابات الفرنسية المقبلة ووجهة نظرها بخصوص التطورات التي يعرفها المغرب حاليا، فضلا عن قضايا عالقة في حلق العلاقة بين المغرب وفرنسا. - تجري حاليا الاستعدادات للانتخابات الرئاسية الفرنسية. بصفتك قيادية في الحزب الاشتراكي الفرنسي، كيف تتبعين مسار هذه الانتخابات؟ وما موقع الحزب من الصراع السياسي الدائر حاليا بفرنسا؟ هذا السؤال محدد. الانتخابات تقلقنا وهي ليست مفاجأة. بالمقابل ليس هناك ما هو مربوح سلفا، ونحن نقوم بحملتنا الانتخابية من خلال اختيار مواضيعنا وتجنب المواضيع التي تتم إثارتها دائما مثل أسلمة المجتمع أو صدام الحضارات... ولذلك نركز على مواضيع تهم الفرنسيين حقيقة، وهي ملفات الاقتصاد الاجتماعي ومستوى معيشة المواطنين، حتى نتفادى السقوط في الفخاخ التي يضعها لنا اليمين والمتعلقة بأسئلة المجتمع. - تريدين أن تقولي إن الحزب الاشتراكي يتجنب إثارة المواضيع التي جلبت على اليمين، في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، متاعب من خلال اتهامه بمواجهة الإسلام وإقصاء الجالية المسلمة بفرنسا وتهميش الفرنسيين ذوي الأصول المغاربية وحظر النقاب وتهجير الطلبة المغاربيين، أي أن حملة حزبكم تتأسس على أخطاء ارتكبتها الحكومة اليمينية بفرنسا؟ نحن لا نبني برنامجا على برنامج حزب آخر أو نجاحه أو فشله. نبني برنامجنا انطلاقا من قيمنا وقناعاتنا، التي تحدد في أن هناك مواطنين، ويجب أن نجعل من المساواة بينهم معركتنا، ونحاول الاشتغال على هذه الأسئلة التي تظهر بأنها تهتم بالاقتصاد والتشغيل والسكن... وما دامت هناك مشاكل يتم حلها على حساب أكباش فداء، فإذا تمكنا من تجاوز هذه المشاكل أو تقليصها فمسألة التضحية بأكباش فداء لن تعود مطروحة. لكن، في ولاية ساركوزي رُسمت صورة حول الدولة الفرنسية بأنها دولة تعادي المسلمين ولها توجه يميني متطرف، فكيف يمكن للحزب الاشتراكي في حال صعوده إلى الحكم إزاحة الترسبات التي حصلت في الأذهان حول فرنسا؟ الأمر سيكون صعبا جدا لأن التأثير السلبي كان عميقا، وصورة فرنسا تضررت كثيرا، ولكننا سنحاول محو هذه الصورة السيئة، وهذا أمر بديهي. بالنسبة إلينا كاشتراكيين لا نفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي. تصورنا العام يعترف بالمواطن فقط، بغض النظر عن لون بشرته أو أصوله الاجتماعية أو ديانته. عملنا يستهدف جميع الفرنسيين، لكن بشأن صورتنا في الخارج سيكون العمل على تحسينها صعبا. هذا المشكل يتحمله أيضا مسلمو فرنسا. أولا، لم يكن هناك اهتمام بإعطاء الكلمة للأشخاص الذين يقدمون الإسلام بشكله العادي، بل نمنح فرصة الحديث لأشخاص يمثلون الإسلام المتطرف، فأنا مثلا أفاجأ بتقديم فرنسي مسلم لا يتحدث العربية ولا الفرنسية، فهو أمي في اللغتين معا، وعندما يتحدث عن الإسلام في التلفزة يتكلم عني، وبالتالي فلوسائل الإعلام دور مهم يجب أن تقوم به. كما يجب إلزام وسائل الإعلام العمومية بميثاق سلوك من أجل عدم تشويه الحقائق وأساسا استضافة أشخاص عارفين عندما تتم مناقشة قضايا عن الإسلام أو المسيحية أو اليهودية، وليس أشخاصا يثيرون الخوف من الإسلام. هذا عمل يتطلب محاربة أحكام القيمة المرسومة عن مسلمي فرنسا، علما أن هؤلاء أيضا لا يعطون مثالا جيدا، لأن ارتداء النقاب أو شيئا آخر غير منصوص عليه في الإسلام، وصياغة إسلام سياسي بدأ يستقر في فرنسا، يزعج المواطنين الذين لا ينزعجون من الإسلام، بل من مظاهر التدين المشوهة. مثلا ليس هناك مشكل في الصلاة بالبيت أو المسجد، ولكن عندما تصلي في الشارع فهذا مشكل. وكذلك ليس هناك مشكل في ارتداء الحجاب، لكن عند ارتداء لباس أسود يشبه الشبح بقفازات سوداء فهذا يثير الهلع. هنا تظهر مسؤولية مسلمي فرنسا، فإذا أردنا أن يتم استقبالنا داخل البلد بشكل جيد واحترام فيجب ارتداء لباس معين، علما أنه يوجد في فرنسا قانون يحمي العقيدة وهناك مساواة في التعامل مع جميع الديانات، ولكن لا يجب أن تناقض العقيدة القانون، يجب الوعي بهذا الأمر، فالقانون المطبق علينا هو قانون البلد المستضيف، وعندما تحترم قانون البلد لا يمكن لأحد أن يهاجمك مهما كانت ديانتك، إذ يوجد هناك نظام للجمهورية يحمي كل الديانات على قدم المساواة. - ولكن هذا الطرح الذي تدافعين عنه يعارض مبدأ الحرية، علما أنك تنتمين إلى الحزب الاشتراكي الذي يقول إنه حزب حداثي. مثلا، إذا قلبنا الآية: هل يمكن منع نساء فرنسيات من ارتداء ملابس كاشفة وتنورات قصيرة في المغرب؟ هل الحزب الاشتراكي مستعد لإعادة النظر في هذه القوانين التي يرى مسلمو فرنسا بأنها تحد من حريتهم؟ بالنسبة إلى قناعتي الشخصية، أنا لا أدافع عن المرأة التي تلبس ذلك الشيء الغريب (تقصد النقاب) بالقدر الذي لا أدافع فيه عن تلك التي ترتدي لباسا قصيرا. لا يجب الانحياز إلى أي طرف دون آخر، بل يجب أن نكون فقط في الوسط. غالبية الفرنسيين يفكرون مثلي، ويعتقدون بأنه لا يمكن قبول أي شخص يرتدي تنورات قصيرة، رغم أن ذلك مسموح به. كما أن النقاب مرخص بارتدائه، لكنه غير مقبول، فلماذا نلجأ إلى نماذج غير مقبولة في اللباس؟ من حق الدول المسلمة أيضا أن تفرض أعرافها لأن هذه الأقلية تسيء إلينا. - على ذكر الأقلية، أود طرح ملف الجالية المغاربية، والمغربية تحديدا، في فرنسا. عدد هذه الجالية يفوق 6 ملايين نسمة بفرنسا، ومع ذلك لا يصوت أغلبهم في الانتخابات. كما يشتكون من تهميشهم وعدم الاهتمام بهم. ماذا سيفعل الحزب الاشتراكي الفرنسي من أجل استمالة الناخبين المغاربيين؟ وماذا يوجد في برنامج الحزب الانتخابي لخدمة مصالحهم؟ هناك باحث سوسيولوجي جزائري لامع يقول: «أن توجد فيعني أن توجد سياسيا». فإذا لم نكن موجودين سياسيا فهذا يعني أننا لسنا موجودين. إذن هناك علاقة يجب تكريسها حتما. ما قلته من تهميش وإقصاء من الوصول إلى الحقوق صحيح، هناك إقصاء حقيقي لا يمكن إخفاؤه، وهذا الإقصاء مرتبط بلون البشرة والانتماء الطائفي، وبشكل من الأشكال مرتبط بمكان السكن. إذ قد تتعرض لإقصاء كبير حينما تكون معاقا وأسود البشرة وتقطن بحي هامشي وليس لديك دبلومات. ضمن برنامجنا، إذن، محاربة الإقصاء، فعلى سبيل المثال يشتكي الشباب عندما يتم توقيفهم من طرف رجال الشرطة، من تفتيشهم وتوقيفهم مرات عديدة وكلما اشتبه بهم رجال الأمن. ولذلك نقترح أن يحرر رجل الأمن، الذي أوقف شابا من الضواحي، محضرا كي يظهره لشرطي آخر يقوم بإيقافه. هذه وسائل عمل كي نواجه الإقصاء. ينتظرنا عمل كبير لمواجهة أحكام القيمة، التي تلتصق كثيرا بسلوكنا. هناك عمل من الجانبين، عمل إداري من طرف الدولة ومصالحها لمعاملة الجميع على قدم المساواة، وعمل على مستوى الشباب المهمشين حتى يكونوا أقل عدوانية، وأيضا على مستوى النساء حتى لا يقمن بالاعتداء من خلال ارتداء ملابس معينة، لأن فرنسيين يقولون إذا أرادت هؤلاء النساء ارتداء النقاب فليقمن بذلك في بلدانهن. بالنسبة إلي، داخل الحزب الاشتراكي، منذ مدة طويلة وأنا أشتغل لمحاربة الإقصاء حتى داخل الحزب الاشتراكي، فهناك نساء منتخبات يتحدرن من بلدان كولونيالية سابقة يتعرضن للتهميش. ما يجب أن أقوم به هو أن يحاول الحزب بنفسه التعامل مع المجتمع بجميع مكوناته، والآن هناك جيل جديد من المنتخبين الجدد يأخذون بعين الاعتبار هذا الرهان عكس أحزاب اليمين التي لم تتوفر على منتخبين من أصول كولونيالية، ولكن يدفعون برجال سياسة من هذه الأصول مثل رشيدة داتي وعمارة بشكل توظيفي، ونحن لسنا متفقين مع هذا الأمر، لأننا لا نقبل أن يستقدم الأمير الأميرة وعندما لا يعود راغبا في الأميرة يزيحها عن طريقه. نحن مع شرعية الانتخاب من القواعد، ويجب الوعي بالعمل داخل النسق الحزبي من القاعدة حتى القمة. الواقع أنني لم أصل إلى تولي منصب نائبة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي بمحض الصدفة، بل نتيجة 20 عاما من النضال من القاعدة إلى القمة. بدأت مساري كاتبة محلية على مستوى قواعد الحزب، وبعد ذلك على المستوى الفيدرالي، ثم الوطني، وشاركت في الانتخابات المحلية ثم الوطنية. في الجانب الآخر، يتم التعيين بسبب الجمال، هكذا فجأة، وهذا أمر غير مجد، وهو ما يفسر اختفاء سياسيات مغاربيات تم توظيفهن من الساحة مثل رشيدة وفضيلة ورحمة، وزيرة حقوق الإنسان السابقة. رشيدة داتي تم تعيينها عمدة لأنه تم تنزيلها من فوق قبل أن يتم إبعادها، وهذا أمر غير مقبول. يجب القيام بعمل كبير لفرض احترام المبادئ، فإذا كان المرء يمينيا فلينتم إلى اليمين، ليس هناك مشكل، وإذا كان الإنسان حاملا لقيم اليسار فلينتم إلى اليسار. المشكل عندنا هو أنهم يقفزون إلى المكان الذي توجد به مصالحهم، وهذا أمر غير دائم لأن العمل السياسي مرتبط بالاستمرارية والدوام، ويتأسس على قيم وقناعات. قبل الحديث عن ملفات الاقتصاد والعمل يجب تقديم مثال عن الانتماء الهوياتي، وإذا لم نقدم هذا المثال في الانتماء السياسي فرئيس الحزب لن يقدم هذا المثال.إذن لماذا نطلب من المقاولة مثلا تقديم هذا النموذج؟. الأمر يبدأ من السياسة لشق الطريق. - ما هو تقييمك للسياسة الخارجية لفرنسا في عهد ساركوزي تجاه الدول العربية، والمغرب تحديدا؟ بالنسبة إلى المغرب هناك علاقات جيدة، ولكن بالنسبة إلى صورة فرنسا في العالم العربي فقد تضررت من طرف اليمين الفرنسي بسبب منظوره لقضايا الإسلام والهجرة. وهذه الصورة تضررت بشكل كارثي، مؤخرا، بعد تهجير طلبة أجانب من فرنسا. أنا شخصيا تقدمت بمقترح حل للأزمة إلى البرلمان، لأنني لا أستطيع أن أفهم كيف يمكننا تهجير طلبة لامعين، لأن الفرانكفونية، في المقام الأول، هي التي ستكون رابحة في حال مواصلتهم دراستهم بفرنسا. كما أن هؤلاء الطلبة عندما سيتخرجون سيدعمون اقتصادنا الفرنسي مستقبلا، وحتى عندما يعود هؤلاء الطلبة الأجانب، سواء كانوا صينيين أو هنديين أو جزائريين أو مغاربة، إلى دولهم ويعملون بها ويؤسسون مشاريع فإنهم يستعينون بالشبكة التي أنشؤوها بفرنسا. إذن من خلال تهجيرهم نقطع فرصة هذا التنسيق، وهذا أمر خطير ويسيء إلى صورة فرنسا المتضررة أصلا. وبالنسبة إلى السياسة الخارجية مع المغرب هي جيدة، كما قلت، ويجب على الحزب الاشتراكي، إن صعد إلى الحكم، أن يكمل هذا المسار. أما العلاقة مع ليبيا مثلا فأظن أنها كانت كارثية، فضلوع فرنسا بدرجة كبيرة في الثورة الليبية أعطانا انطباعا وكأن فرنسا تقوم بانتقام شخصي من ليبيا وهذا أمر غير مقبول. كما أن عدم قدرتنا على حل المشكل الفلسطيني يبقى مشكلا. وعموما، السياسة الخارجية في فرنسا غير واضحة تماما، فصعود كوشنير إلى الخارجية أعقبه أداء سيء جدا، رغم أنه ينتمي إلى الحزب الاشتراكي، لكن بعد صعود ألان جوبي لوزارة الخارجية أعاد بعض النظام إلى الخارجية الفرنسية. مؤخرا أيضا كان هناك مشكل مع تركيا، وأنا قدت جبهة لإنهاء هذه القصة، فالبرلمان ليس محكمة ليحكم في قضية يعود تاريخها إلى قرن من الزمن. أنا انتفضت على قانون تجريم إبادة تركيا للأرمن، ووجهت، رفقة أزيد من 60 برلمانيا، رسالة إلى المجلس الدستوري، ونأمل أن يحسم هذا المجلس في الموضوع. - يرى البعض أن فرنسا استغلت الوضع في ليبيا للتدخل قصد تمرير مشاريع للاستفادة من الوضع الليبي. كما تعاملت بالمنطق ذاته مع المغرب إبان الحراك الذي شهده، وتمكنت من تمرير مشاريع مثل مشروع القطار فائق السرعة «تي جي في». ألا ترين أن فرنسا تعاملت بانتهازية مع الدول العربية خلال الربيع العربي؟ لا أستطيع أن أعترض على الاستثمار الفرنسي في الخارج حتى نتمكن من توفير فرص الشغل في فرنسا. لا يمكنني منع هذا، ولكن عندما يكون ذلك على حساب القيم فهذا غير مقبول. أستغرب بأننا لا يمكننا الذهاب إلى دول تشهد قتلا يوميا ونذهب لنتدخل في دول لأن فيها البترول. بالنسبة إلي، القيم تعني أكثر من المصالح. لا أعلم إذا كان الحزب الاشتراكي يقتسم معي وجهة النظر هاته. صحيح أننا يجب أن نقلق عندما لا تتدخل فرنسا مثلا في دارفور حيث لا يوجد بترول، وتتدخل في ليبيا لأن فيها نفطا. هذا لا يعني أنه يجب أن نترك الشعب الليبي يتعرض للإبادة، لكن منهجية التدخل تشوبها أمور تثير الاحتجاج. في سوريا مثلا لا يتم التدخل في الوقت الذي تتم إبادة الشعب بكامله. تطرح علي مسألة العالم العربي، وهذه المسألة بسيطة، فإجمالا كانت هناك مرحلة الاستعمار، وبعدها كانت موجة للتحرر وطرد المستعمرين، وبعد ذلك صعد أشخاص أصبحوا ديكتاتوريين لم يخترهم الشعب، وتطلب الأمر كثيرا من الوقت حتى قال الشعب إنه حان الوقت لتوقيف المهانة عند هذا الحد. في تونس كانت مصففة شعر تهين شعبا بكامله، وهذا أمر غير مقبول. عندما تظهر موجة تواجه الإهانة فهذا أمر عادي، وهذا يعني أنه إذا كان جمهوريون أو ديمقراطيون قادوا موجة التغيير هذه فقد كان بينهم من يرتدي رداء التيارات الإسلامية، والآن يجب على الجمهوريين أو الديمقراطيين أن يعملوا على بناء بلدانهم حتى لا يربح نوع من الإسلام المخترع والمشوه خلال الانتخابات. يجب على الديمقراطيين، الذين هم مسلمون كغيرهم، أن يختاروا الإسلام الحقيقي. - تصوركم يطرح موضوع صعود الإسلاميين في المغرب للحكم. هل سيطرح ذلك إشكالا في تعاملكم معهم، في حال صعودكم للحكم في فرنسا، علما أنكم تقولون إنكم حزب يساري حداثي، بينما يقود اليمينيون الحكومة بالمغرب، وهناك صعود حتى للسلفيين؟ الحزب الاشتراكي ينظر إلى الأمور وفق مبدأ الواقعية. سنتفاوض مع الأشخاص الذين تم انتخابهم بطريقة ديمقراطية لأننا نحترم إرادة الشعب. الحزب الاشتراكي الفرنسي سيتفاوض مع العدالة والتنمية. ال«بي جي دي» تم انتخابه ديمقراطيا، وبالتالي فليس لدينا مشكل. الأساسي في تعاملنا مع حزب العدالة والتنمية، وفق المبدأ الأساسي للديمقراطية، هو تحقيق الرفاه الجماعي، ولكن إذا لم يتمكن هذا الحزب من تحقيق الانتظارات التي اختاره الشعب من أجلها، وهي محاربة الفساد والفقر، فهذا يعني أن الحزب ستتم إزاحته بعد خمس سنوات. - عندما صعد العدالة والتنمية إلى الحكم اختار الاتحاد الاشتراكي، وهو حزب يساري يقتسم معكم المنهج والتصور ويشتغل معكم في إطار الأممية الاشتراكية العالمية، الخروج إلى المعارضة لأن هناك حزبا يمينيا في الحكومة، فلماذا لا تختارون أنتم أيضا نفس الموقف انطلاقا من مرجعيتكم اليسارية؟ لا يمكننا أن نقف في الصف الذي يقف فيه رفاقنا في المغرب. نحترم اختيارهم الذهاب إلى المعارضة، وعليهم أن يمارسوا المعارضة كما مارسناها نحن، فاختيار المعارضة له أثر جيد بالنسبة إلى الخط السياسي، وهذه هي قواعد الديمقراطية. سوف ندعمهم، رغم أنهم في المعارضة، وسنتعاون معهم من أجل إيجاد طرق النضال والقرب من الناس، كما حدث معنا عندما خسرنا في الانتخابات وخرجنا إلى المعارضة وتمكنا من ربط الاتصال بالمواطنين وإعادة تعبئة مناضلينا كي نسترجع قوتنا، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو أيضا يعرف نفس الأمر. - ما زال الحراك في المغرب جاريا، كما حدثت تغييرات من خلال اعتماد دستور جديد وتنظيم انتخابات أفرزت حكومة وبرلمانا جديدين. كيف تنظرين إلى مسار التغيير في المغرب؟ وما هي توقعاتك بشأن مستقبل هذا التغيير؟ أود الإجابة عن هذا السؤال بكلمة واحدة: أنتم محظوظون. فإذا أخذنا مثال تونس، فهذه الدولة التي شهدت تغييرا ديمقراطيا كانت تعرف تحولا في ظل مؤسسة الجيش، التي تدافع عن قيم الدولة التونسية، والأمر ذاته في تركيا، وبالتالي أستطيع أن أقارن المغرب بتركيا حيث تقوم الدولة على ركائز أساسية، والركيزة في المغرب هي الملكية، التي تعد بمثابة دعامة إسمنتية لا يمكن مناقشتها، فإذا نزل الملك إلى الانتخابات فحتما سيفوز بنسبة 99 في المائة، وبالتالي فالملكية ليست محل نقاش. كما يوجد في الحكم ملك شاب يراقب، لكن لم ينتظر ما يحدث في العالم العربي حتى يجري تعديلات معينة. التعديلات في المغرب كانت جارية، ولهذا فحركة 20 فبراير، في النهاية، ظلت محدودة، رغم أنها أثارت خوفا في فترة من الفترات، لأن هناك أسسا وطنية متينة، وهذا أمر مهم، رغم أن هناك مشاكل مثل الفقر والأمية. أؤكد أن في المغرب كان هناك ملك ذو بعد نظر، والدستور هو عنصر من عناصر حداثته، فالملك حداثي يعيش وفق متغيرات العصر، وتنازل عن سلطات معينة ووضع الأحزاب السياسية أمام مسؤولياتها. نستطيع أن نقول إن الملك يوجد الآن في المعارضة، أي أنه يقوم بدور المراقبة. تقريبا لأن الملك لا يمكنه الإعلان عن ذلك. الملك يمارس بالأحرى سلطة توازن، كما أنه قال إنه سيحترم ما تفرزه صناديق الاقتراع وهو ما حصل، وهذا تقدم ممتاز. وإذا كان الملك يحترم القواعد الديمقراطية، فإن الحكومة لم تحترم الدستور بالنظر إلى ما هو منصوص عليه، ففي الوقت الذي كانت هناك سبع وزيرات في الحكومة السابقة، لا نجد في الحكومة الحالية سوى امرأة واحدة، وهذه إشارة سيئة للخارج وللحداثة المغربية، لأننا نحكم على بلاد وديمقراطية ناشئة وأناسا معينين بالنظر إلى اهتمامهم بالمرأة، وحكومة بنكيران أخطأت في هذه النقطة. وبالنظر إلى ما ينص عليه الدستور الجديد، الذي يفرض المساواة بين الجنسين، وعندما نجد أن في الحكومة امرأة واحدة فقط فهذا مشكل، ولا يمكنني أن أوافق على هذا الأمر لأنني امرأة وأناضل في بلدي من أجل حقوق المرأة حتى لو لم نكن نحن مثالا جيدا للاستشهاد به في هذا الباب لأنه رغم أن القانون الفرنسي ينص على المساواة فإن النساء لا يمثلن سوى 20 في المائة من أعضاء البرلمان. ولكن الانتقال من سبع وزيرات إلى وزيرة واحدة هو اعتداء. كانت هناك إصلاحات سابقة على مرحلة الدستور، شملت إقرار مبدأ المصالحة مع لحظات معينة في تاريخ المغرب، والدفاع عن حقوق الإنسان، وتبني المساواة بين الجنسيين بشكل غير مسبوق في العالم العربي، من خلال إقرار مدونة الأسرة التي تبقى جيدة، رغم أنها تواجه مشاكل في التطبيق، وهذا راجع لأن القضاة، مثلا، يجب إعطاؤهم وقتا حتى يتكونوا جيدا. المغرب متقدم في التحديث مقارنة بدول أخرى، لكن هذا كله يعود إلى ما قام به الملك والإصلاحات التي فرضها. - هناك، حاليا، محاولات لإحياء اتحاد المغرب العربي، ما الدور الذي يمكن أن تقدمه الحكومة الفرنسية المقبلة لدعم بناء هذا الاتحاد؟ لا يمكننا أن نطلب من الآخرين أن يفعلوا شيئا من أجلنا. أنا أناضل في فرنسا، بحكم أنني من أصل جزائري ومسلمة، من أجل اتحاد مغربي موحد وقوي وإسلام روحاني وحر ومسؤول. بالنسبة إلى توحيد المغرب العربي فكل شيء يوحد بلدان هذه المنطقة، سواء الدين أو اللغة أو الثقافة، فلماذا هذا المغرب العربي لا يتقدم ليبني نفسه؟. الضفة الشمالية تتدخل من أجل مد يد المساعدة لبناء الاتحاد المغاربي فقط لأن هناك خطرا أمنيا بالمنطقة يهددها، خاصة بعد ثورة ليبيا حيث توسعت المنطقة التي توجد بها بؤر الإرهاب، وهذه المنطقة توجد على حدودنا، وتضم تنظيم القاعدة في المغرب العربي ودول الساحل. فلأسباب أمنية بالمنطقة تحركت الضفة الشمالية الآن لبناء اتحاد المغرب العربي، ولكن لا يمكننا أن نقوم بالوحدة فقط من أجل الآخرين، فحتى دول الضفة الشمالية تفضل أن تتفاوض اقتصاديا مع كل بلد وتبيع له منتجاتها، وفي حالة التوحد ستتقلص العائدات الاقتصادية التي تصب في مصلحة الغرب. - ما العلاقة التي تجمعك بالمغرب من خلال زيارتك المتكررة إليه ودفاعك عن قضاياه؟ انتمائي إلى السياسة نابع من التزام والدي السياسي، فأبوي سجنا خلال نضالهما ضد الاستعمار بالجزائر، وبالتالي فعائلتي قدمت نموذجا للنضال، وضمن هذا النموذج كان البعد الصوفي حاضرا. علاقتي متينة بالطريقة القادرية البوتشيشية، لأنني أزور مرارا السيد (تقصد الشيخ حمزة بن العباس). هذا الرجل يمكنه أن يخرج منك ما هو جيد لتتحول إلى صورة للأمور الجيدة التي أخرجها من داخلك. فهو رجل مهم، والإسلام الذي يدعو إليه هو الإسلام الذي أحب، أي الإسلام الروحاني في علاقته مع الطبيعة البشرية. كما أنه إسلام مسؤول يتبنى الحداثة دون نسيان الأصول. وهذا أمر جد مهم بالنسبة إلي وعمود فقري يشكل ميثاقا شخصيا في حياتي السياسية، فعندما تغير شخصا من داخله تتمكن من تغيير المجتمع وتغير تحركاتك اليومية. أنا مرتبطة كثيرا بالتصوف بحكم أنه قدم رجالا ونساء بأبعاد كبيرة، مثل الأمير عبد القادر بالجزائر، الذي كان رجل دولة حافظ على عربية وإسلامية الجزائر، وفي نفس الوقت ساهم البعد الصوفي للأمير عبد القادر في بلورة سلوكاته التي كانت تحترم حقوق الإنسان. وأنا كلما أمكنتني الظروف أقوم بزيارة الشيخ الذي أسميه أبي الروحي.