خلفت حادثة سير مفجعة في طريق غير معبدة، في اتجاه قرية قدمت على أنها ستكون نموذجية لحرفيي الزليج والفخار في مدينة فاس، يوم السبت الماضي، حالة غضب في صفوف هؤلاء الحرفيين، الذين دعوا السلطات إلى إنارة طريقهم نحو قرية «بنجليق» وتعبيدها وتمكينهم من المواصلات والقضاء على العشوائية، التي ما زالت تنخر القطاع بالقرب من هذه القرية النموذجية الموجودة في النفوذ الترابي لمنتجع سيدي حرازم. وشهدت المنطقة، التي سبق أن عاشت مآسي إنسانية بسبب انجراف مقالع الطين التي تتهاوى على العمال، وفاة الحرفي رشيد مفرح في حادثة سير اصطدمت فيها دراجته ذات العجلات الثلاثية التي كان يستعين بها لنقل العمال إلى ورشته، بسيارة خفيفة. وقد خلّف هذا الحرفيّ، الذي يتحدر من مدينة تاونات، عائلة تتكون من ثلاثة أطفال. وووري الثرى بعد ظهر يوم الأحد، في جنازة شارك فيها أغلب الحرفيين الذين يشتغلون في هذه القرية. وقال عبد الإله القونتي، رئيس الجمعية الفاسية للزليج والفخار، إنه سبق لمندوبية الصناعة التقليدية أن التزمت مع الحرفيين بتعبيد الطريق وإنارتها وتوفير الأمن وتأمين النقل إلى هذه القرية، لكن هذه الالتزامات بقيت مجرد حبر على ورق. وإلى جانب هذه المشاكل، يواجه المشروع تنامي «البراريك» العشوائية في محيطه. وأشار القونتي إلى أن السلطات قد أنجزت هذا المشروع أصلا للقضاء على هذه «البراريك» الحرفية ووضع حد لما تسببه من أضرار للبيئة وتلويث للمنطقة. وأسفرت احتجاجات سابقة عن مقالع الطين العشوائية في هذه المنطقة، والتي «أجهزت» على عدد كبير من العمال غير المرسمين وحولت عددا منهم إلى مشردين بسبب العاهات المستديمة التي خلّفتها انهيارات الطين في أجسادهم، عن تشميع هذه المقالع وإغلاقها في انتظار إعداد دفتر تحملات وإلزام الأطراف الراغبة في الاستثمار في المجال بالانضباط لبنوده. وقبل ذلك، شهد المشروع، في يناير الماضي، اندلاع «حرب» بين بعض أطرافه حول استفادة أطراف غير مؤهلة من قطعه الأرضية. فقد أثار البرلماني الاستقلالي ورئيس غرفة الصناعة التقليدية هذه الاستفادات، لكنه سرعان ما تراجع عن العودة إلى الموضوع، في ظل ملابسات ما تزال مجهولة. واستغربت وزارة الصناعة التقليدية حينها هذه «الضجة» لرئيس الغرفة، الذي هو أحد الأعضاء الأساسيين في اللجنة التقنية الاستشارية التي تدبر شؤون هذا المشروع منذ انطلاقته. وكان الملك محمد السادس قد أعطى انطلاقة مشروع حي الصناعة التقليدية في «بنجليق» لقطاع الفخار والزليج في سنة 2004. ويُقدَّم هذا المشروع من قبل كتابة الدولة في الصناعة التقليدية على أنه «بنية تحتية إنتاجية نموذجية على الصعيد الوطني ترمي إلى الحد من التلوث البيئي والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية». ويمتد هذا المشروع على مساحة تقدر ب27 هكتارا، تضم 197 بقعة، بتكلفة مالية إجمالية بلغت 33 مليون درهم، منها 25 مليون درهم للتهيئة من طرف مؤسسة العمران و7 ملايين درهم لتعبيد الطريق المؤدية إلى المشروع من وزارة التجهيز، وبدعم مالي بلغ 1.2 مليون درهم من جهة فاس بولمان، و1.5 مليون درهم لنقل قناة الماء المتواجدة في الطريق، و0.8 مليون درهم لتهيئة مقطع الطريق المؤدي إلى المشروع، الذي ما يزال يعاني من نقص المسالك الطرقية، سواء منها الرابطة بين المنطقة التي توجد في الخلاء وبين مدينة فاس، أو التي تربط بينها وبين منتجع سيدي حرازم.