إن رئيس الحكومة المعين مسنود بدستور جديد يمنحه مجموعة من الصلاحيات التي كان يفتقر إليها من سبقوه، كحق التعيين في الوظائف المدنية السامية وإمكانية ترؤس المجلس الوزاري واقتراح أسماء جميع الوزراء للمصادقة عليها من طرف الملك، باستثناء وزارة الأوقاف وإدارة الدفاع اللتين تبقيان شأنا ملكيا خالصا بوصف الملك أميرا للمؤمنين ورئيسا للأركان العامة للقوات المسلحة الملكية، فالحقل الديني وسياسة الدفاع اختصاص ملكي بامتياز، كما لم تشر المقتضيات الدستورية إلى وزارات السيادة، فالمبدأ العام أنه لا وجود لهاته الوزارات في الوثيقة الدستورية وإنما تم التنصيص على أعمال السيادة التي تعد من بين الاستثناءات الواردة على مبدأ المشروعية كالظهائر والقرارات الملكية التي يتخذها الملك بصفته سلطة إدارية لا يمكن أن تطالها رقابة القضاء، لأن السلطات الدنيا لا يمكن أن تراقب السلطات العليا، والمتضرر من هاته الأعمال يمكن أن يلجأ إلى الملك على سبيل الالتماس والاستعطاف بصفته أمير المؤمنين والقاضي الأول ورئيس السلطة القضائية. لكن الراحل الحسن الثاني حسم هذا النقاش الفقهي مباشرة بعد إحداث المحاكم الإدارية سنة 1993 في إحدى خطبه حينما قال: «صدرت ضدنا أربعة أحكام إدارية ونفذت ولازال الكل بخير» بما يفيد، من الناحية القانونية، بأن جميع أعمال الدولة وتصرفاتها، بما فيها أعمال السيادة، تخضع للرقابة القضائية وأنه لا وجود لوزارات السيادة ومن حق رئيس الحكومة أن يقترح وزيري الداخلية والخارجية، وهذا اختبار حقيقي للتنزيل الفعلي للدستور الجديد. وتأسيسا على ذلك، فالحكومة المقبلة تنتظرها ملفات حارقة، وهي المقياس الحقيقي لمدى جديتها وفعاليتها؛ فالملف الحقوقي لازال متعثرا (قضية بليرج)، ومجموعة من العائلات تنتظر الإفراج عن أبنائها الذين لم يتمتعوا بضمانات المحاكمة العادلة، كما لم يتم بعد إنهاء الاعتقال التحكمي لمدير جريدة «المساء» (رشيد نيني)، وهذه الملفات لا تتطلب ميزانية أو اعتمادات مالية بقدر ما تتطلب إرادة حقيقية وجرأة سياسية لإعادة الأمور إلى نصابها. منذ إسدال الستار على الانتخابات ورئيس الحكومة يطل على المواطنين بخرجاته الإعلامية بهندام متواضع بدون ربطة عنق وخطاب بسيط وابتسامة جارحة تمتزج فيها نشوة الفوز بهاجس الخوف من المستقبل المجهول، فالقراءة السيميائية لرئيس الحكومة الجديد ترسم معالم طريقة الاشتغال والأداء الحكومي المقبل. ومما لا شك فيه أن تبسيط الخطاب يستهدف بالدرجة الأولى جميع الشرائح المجتمعية خاصة الطبقات الدنيا، وهو عمل مخطط له سلفا لأن تقنية التواصل الناجحة هي التي تستهدف أكبر عدد ممكن من المتلقين، وقد يعتبره البعض خطابا شعبويا لا يليق برجالات الدولة، لكن طريقة الكلام هاته على بساطتها هي التي جعلت من الحزب أكبر قوة سياسية في البلاد، لأن المواطن العادي سئم من الخطب العصماء المتعالية التي لا يفهم محتواها، وستكون استراتيجية المكاشفة والجهر بالحقائق لا محالة من بين الأسلحة التي سيستعملها الرئيس الحالي لتسليط الضوء على تراكمات الماضي والحكومات السابقة. إن لقاء ميدلت، الذي استغرق ثماني دقائق، كان واضحا لا لبس فيه وتعبيرا صادقا عن احترام دولة المؤسسات ومبدأ فصل السلط، حيث إن اللقاء كان بدون توجيه أو إملاءات؛ وهاته كلها حوافز وتطمينات لإنجاح العمل الحكومي، لكن رغم نقط القوة فإن نقط الضعف هي الأخرى تبقى حاضرة بقوة، منها: - الحراك الاجتماعي الذي تقوده حركة 20 فبراير التي تعتبر الحكومة الحالية حكومة مخزنية ومنبثقة عن دستور موجه لا يحظى إعداده بشرعية جمعية تأسيسية منتخبة، لذلك فهي (الحركة) ترفض أي حوار معها (الحكومة)؛ - وجود معارضة قوية متمرسة بزعامة الاتحاد الاشتراكي التي ستحاول جاهدة قدر الإمكان تعرية الضعف وتسليط الضوء على مدى المواءمة بين البرنامج الانتخابي والمنجزات المحققة على أرض الواقع؛ - تنامي المطالب الاجتماعية وازدياد أعداد المحتجين على إيقاع متغيرات المحيط الإقليمي؛ - الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد المغربي وضعف إمكانيات الدولة لتغطية العجز والرفع من الأجور واستيعاب الأطر العليا في ظل إدارة مثقلة بالموظفين. فهل يستطيع حزب العدالة والتنمية أن يكون عادلا وتنمويا؟ ذلك ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.