كل المؤشرات تدل على ان الحكومة المرتقبة التي سيشكلها بنكيران ستواجه الكثير من التحديات الناتجة عن الأوضاع الوطنية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ورثتها عن الحكومة السابقة إضافة الى تأثيرات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي بدأت عام2008 ولازالت مستمرة حتى الآن . ولعل طبيعة هاته التحديات هي من سيفرض على رئيس الحكومة المعين تشكيل حكومة قوية لممارسات صلاحياتها الدستورية لكونها تتمتع بالشرعية الشعبية ، حكومة شجاعة وجريئة لمواجهات كل التحديات التي تنتظرها والتي نذكر من بينها : 1. علاقات الحكومة مع القصر ومحيطه : أول تحدي ستواجه حكومة بنكيران هو كيفية تحديد حكومته علاقاتها مع القصر ومع مستشاري الملك ومحيطه ،لان كل رؤساء الحكومات السابقة ووزراءها عانوا الكثير من وجود حكومة الظل المحيطة بالملك والتي كانت هي الحكومة الفعلية وليس الحكومة المنتخبة. وعلى هذا المستوى فليس أمام حكومة بنكيران الا خيارا واحدا هو ممارسة صلاحياته الدستورية وتأمينها بعلاقات مؤسساتية ودستورية مباشرة مع الملك،وهذا يتطلب من حكومة بنكيران الكثير من المقاومة والصمود أمام نفوذ مستشاري الملك والمقربين منه اللذين كانوا يتدخلون حتى في اختيار الوزراء، والكثير- أيضا- من المواجهات مع كل قوى الضغط واللوبيات التي شكلت في عهد الحكومات السابقة حكومات الظل التي كانت تقرر وتدبر في صمت السياسات العمومية وتتحكم في الحكومة ووزرائها وكأنهم مجرد موظفين ساميين وليسوا بوزراء في حكومة منتخبة.بعد تشكيل حكومته سيكون بنكيران أمام محك حقيقي لمأسسة العمل الحكومي وحمايته من كل أشكال التعليمات والتوجيهات والتدخلات الآتية من القصر ومن مستشاري الملك ومن المقربين منه ومن محيطه لترسيخ مبدأ فصل السلط. 2 .تدبير الحكومة لمسألة الحراك الاجتماعي : ثاني تحدي ستواجهه حكومة بنكيران هو كيفية التواصل مع كل قوى الحراك الاجتماعي بشبابها ونقابييها ومعطليها وإقناعهم بقبول مبدأ الديمقراطية التشاركية لمعالجة كل القضايا العالقة والآنية بهدف العمل في جو يسوده السلم الاجتماعي، وسياسيا يعد تأمين السلم الاجتماعي عنصرا أساسيا في مساعدة الحكومة على بلورة تصريحها وبرنامجها الحكومي . 3. كيفية تدبيرالحكومة للملفات والقضايا الموروثة: سترث حكومة بنكيران ملفات وقضايا ثقيلة وهي عبارة عن قنابل موقوتة ،ترتبط كلها بمجالات حساسة وحيوية وفي مقدمتها ملفات التعليم والصحة والشغل والعدالة الاجتماعية والفساد واقتصاد الريع والفوارق الاجتماعية والمديونية والتهرب الضريبي والتسيب في تبذير المال العام وموارد الدولة وصندوق المقاصة والرواتب العليا و كل أشكال البيروقراطية والمحسوبية والزبونية في الإدارات العمومية ، وهي ملفات ثقيلة تتطلب من حكومة بنكيران الكثير من الشجاعة والصرامة والجرأة المنهجية والسياسية لإخراج المغرب من مجتمع الاستغلال الى مجتمع المواطنة المسؤولة لتحقيق تغيرات عميقة على مستوى علاقات الدولة بالمواطن وعلاقات الدولة بالتنظيمات السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية. 4 .سرعة تأقلم حزب العدالة: رابع تحدي يتجسد في قدرة حكومة بنكيران التأقلم السريع في تدبير الشأن وتحمل كل الضغوطات الخفية والظاهرة، وكيفية إنزال مقتضيات الدستور الجديد خصوصا في كيفية ممارسته رئاسته السلطة التنظيمية والتعيين في الوظائف والإدارات العمومية وفي الوظائف السامية والمؤسسات والمقاولات العمومية وتعيين الكتاب العامين ومديري الإدارات المركزية بالإدارات العمومية ورؤساء الجامعات والعمداء ومديري المؤسسات العليا على أساس تكافؤ الفرض والاستحقاق والكفاءة والشفافية كما ينص على ذلك الدستور. 5 .ضرورة تحقيق التغيير الفعلي : من التحديات الكبرى التي ستواجه حكومة بنكيران هي كيفية إقناع المواطن بمدى جدية الحكومة الجديدة في التغيير ومدى قدرتها تحويل كل شعارات الحزب وخطابات بنكيران الى أفعال والى ممارسات لتدبير الشأن العام بمنهجية مختلفة من منهجيات الحكومات السابقة حتى يقتنع المواطن بالتغيير الفعلي.. لكن يصعب تحقيق هذا التغيير دون هيكلة وتقوية سلطات المؤسسات التي ازدادت أهميتها في ظل الدستور الجديد وهي كالتالي : الحكومة والبرلمان والقضاء. أ– على مستوى العمل الحكومي: على رئيس الحكومة الجديد توجيه عمل حكومته الى الجبهتين الداخلية والخارجية -هذه هي قوة الحكومات المعاصرة -عبر إشراك كافة القوئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك القوئ الجديدة في هذه الدينامية التي يعرفها الواقع السياسي الجديد. والواقع أن الحاجة قد أصبحت ملحة لخلق قنوات جديدة مع هذه القوى لتدشين عهد التغيير الفعلي المبني على معادلة المسؤولية والمحاسبة .والأكيد بان تحقيق التغيير اصبح حتميا وليس أمام حكومة بنكيران اي خيار آخر بعد ان منحه الشعب تبوأ رئاسة الحكومة ,لأنه على مدئ حكم الحكومات المتعاقبة لم يشهد المغرب أي تغييرات حقيقية وجوهرية حتى اصبح المواطن مؤمنا باستحالة وقوع أي تغيير بالبلاد .لذلك نعتقد وكما يؤكد ذلك علماء السياسة ان مصادر التغير الحقيقي تنبع من النظام السياسي نفسه ومن الحكومة نفسها ومن النخب المسؤولة ذاتها .ولا شك في أن حكومة بنكيران ملزمة بتحقيق هذا التغيير الذي يمكن ان ينطلق من التحكم في نقط التوازن بين الحاجة الملحة للتغيير التي تفرضها المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية وبين الحفاظ على الاستقرار السياسي الذي يكفل انتظام واستمرار سير العمل الحكومي والمؤسساتي.وملزمة- أيضا- بإعطاء مؤشرات لهذا التغيير في تدبيرها للشأن العام وذلك عبر نقل السياسات والقرارات الي الواقع المادي وإلي حيز التنفيذ، وكل هذه المهام تتطلب رئيس حكومة قوي يمارس سلطاته الدستورية على الوزراء والكتاب العامين ومديري المؤسسات والمعينين في المناصب السامية وهي مهمة لا تتطلب أي موارد مالية بل تتطلب إرادة سياسية و شجاعة فكرية وتفعيل سليم لمقتضيات الدستور الجديد ورئيس حكومة كارزماتي. ب- على مستوى العمل البرلماني : من المؤسسات التي يجب ان تعرف تغيرا جوهريا على مستوى الخطاب والسلوك والمنهج هي المؤسسة البرلمانية التي اتسع مجال وظيفتها التشريعية وفق الدستور الجديد, خصوصا بعد اتساع مهام العمل البرلماني ليشمل مجالات جديدة ذات خصائص فنية معقدة فرضها النظام الدولي الجديد كتقنين مجالات البيئة والتجارة الالكترونية ومنع الاحتكار وحماية الملكية الفكرية والأمن الروحي واللغوي والثقافي وحماية حقوق الأقليات ومكافحة غسل الأموال والإرهاب وكافة أشكال الجريمة المنظمة. ومن شأن تأهيل المؤسسة التشريعية على مستوى جودة القوانين ونجاعتها التأثير على مجالات الإستثمار وتدفق الإستثمارات من الخارج وتقوية التنافسية للاقتصاد الوطني وجعل البرلمان قوة ضغط على مستوى رقابة العمل الحكومي. ج- على مستوى القضاء :اصبح القضاء في فصول الدستور سلطة يجب ان تكون مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.وهنا تتحمل حكومة بنكيران مسؤولية جسيمة لتفعيل مقتضيات الدستور الجديد المتعلقة باستقلالية السلطة القضائية والرهان على إصلاحها وتأهيلها بهدف تحقيق مبدأ فصل السلط ودعم إرساء دولة المؤسسات والمساواة امام القانون وترسيخ دولة القانون بغية حماية حقوق المواطنين وخدمة التنمية وجعل القضاء فضاء بعيدا عن الشبهات والرشوة والفساد أي قضاءا في خدمة المواطن والتنمية وجلب الاستثمار وتحسين صورة المغرب داخليا وليس خارجيا لإعطاء صورة ايجابية عن القضاء المغربي في التقارير الوطنية والدولية التي تضعه على قائمة المجالات الأكثر ارتشاءا والأكثر فسادا والأقل مواكبة للإصلاحات السياسية والمؤسساتية التي يعرفها المغرب. نستخلص من هذا كله ان اخطر معادلة صعبة ستواجه حكومة بنكيران بعد تشكلها - التي نتمنى ان تكون حكومة مصغرة وبوجوه نظيفة ومؤهلة تقطع مع ثقافة تشكيل حكومات وزراء ترضية الاحزاب والعائلات والتدخلات الفوقية - هي من أين ستبتدئ التغيير وعلى أي أسس؟. قد نختلف في الايجابة عن هذه الأسئلة ، لكن قد نتفق بأن التغيير حتمي لكن التغيير المنشود لن يتم بالسرعة التي ينتظر المواطن لان طبيعة التغيير تحتاج الي المزيد من الوقت ومن التضحيات، لسبب بسيط وهو ان كل عملية تغيير حقيقي تصطدم –عادة- بقوة مقاومة لحركة التغيير ليس بسبب الحفاظ عن المصالح والامتيازات التي قد تدار نتيجة لذلك فحسب وإنما استنادا إلى عقليات وثقافات وممارسات تشكلت على مدى حكم العهود السابقة الأمر الذي سيعيق تحقيق التغيير المنشود في الزمن وبالطريقة التي يريد الشعب، وان كان هناك إجماع بأن تحقيق هذا التغيير يعتبر بالنسبة للمواطن وللحكومة الجديدة الوسيلة الرئيسية لتحقيق التوازن والاستقرار الاجتماعي والسياسي. وفي الأخير نقول لرئيس لحكومة الجديد الذاكرة السياسية المغربية حلمت بالتغيير في عهد حكومتين وفي محطتين تاريخيتين هامتين من تاريخ المغرب المعاصر لكنها صدمت في نهاية المطاف حينما رأت حلمها يتحول الى سراب.الحلم الأول كان مع حكومة الراحل عبد الله ابراهيم التي أجهضت في بداية مشوارها وضاع الحلم الاول..والحلم الثاني كان مع حكومة التناوب بقيادة عبد الرحمان اليوسفي لكنه حلم أجهض سنة 2002 نتيجة عدم الالتزام بالمنهجية الديمقراطية فضاع الحلم الثاني. وها هي الذاكرة السياسية المغربية سنة 2011 تنسى الحلمين السرابين وتعود للحلم من جديد مع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية التي جعلته الشرعية الشعبية بان يصبح اول رئيس حكومة في ظل الدستور الجديد وأول رئيس حكومة منتم لحزب ذو مرجعية دينية وكلها أمل بأنها في الحلم الثلاث لن تصدم ، بل انها سترى حلمها يتحقق ولو نسبيا.لنرى ماذا ستقدم حكومة بنكيران للشعب المغربي؟ وأي قيمة مضافة سيقدمها بنكيران وحزبه الى تدبير السياسات العمومية؟ وكيف ستحول كل شعاراتها وخطابتها الى أفعال والى ممارسات من شانها ان تعيد الثقة للمواطن في العمل الحكومي؟